آراء

تونس: حلم الكتلة التاريخية

العربي بنحماديرغم حصول الائتلاف الحاكم المتكون من النداء، وريث المنظومة القديمة، والنهضة، ذات الخلفية الاسلامية، على المرتبتين الثالثة والثانية، على التوالي، وراء كتلة المستقلين التي تحصلت على المرتبة الاولى، في الانتخابات البلدية الموافقة ل6 ماي 2018، فان ذلك لا يمكن ان يخفي الفشل الذريع الذي مُنيَ به ائتلاف "وفاق الشيخين راشد الغنوشي والباجي قائد السبسي" .

وبالفعل فلقد خسر هذا الائتلاف الملايين من قاعدته الانتخابية مقارنة بانتخابات 2011 التي اعقبت الثورة التونسية، كما ان اكثر من ثلثي المسجلين بالقائمات الانتخابية قد قاطعوا هذه الانتخابات ، وهو امر متوقع لكل ذي بصيرة. والادهى ان عدد غير المسجلين يمثل نصف عدد المسجلين تقريبا.

فالشارع التونسي فقد نهائيا الثقة في الطبقة السياسية التونسية عامة والحاكمة بصفة اخص، وقد انعكس ذلك على الحملة الانتخابية التي كانت باهتة وفاقدة للروح واحيانا فلكلورية مقارنة بانتخابات ما بعد الثورة التي كانت حماسية وجماهرية و مفعمة بالنخوة والاعتزاز. وحتى "الماكينة الانتخابية" الموروثة عن المنظومة القديمة او الاسلام السياسي فلقد فقدت مصداقيتها وفُتُوّتها.

فلقد فشل الائتلاف الحاكم في ادارة شؤون البلد، حيث انهار الدينار وانعدم النمو وتجاوز التضخم ال7 في المائة، فخفّت قُفّة المواطن وثَقُلت ميزانية تربية وتدريس الابناء، وبذلك ذهبت الوعود الانتخابية الفضفاضة في مهب الريح. اما الفساد فلقد اصبح حرا طليقا بعد ان كان مقننا تحت لوبي معلوم.

ويبدو ان الائتلاف الحاكم الذي خسر ما يقارب ثلثي قاعدته الانتخابية، مقارنة بانتخابات 2014، لم يستوعب رسالة غضب الناخبين حيث حَوّل هزيمته الظاهرة الى انتصار، ناسبا لنفسه غالبية القائمات المستقلة حتى لا يقال ان الائتلاف فقد المرتبة الاولى لصالح القائمات المستقلة، وهو امر لا يخلو من تلاعب و تخبط.

رغم ذلك فان غالبية البلديات التي عددها 350 ستؤول رئاستها للائتلاف الحاكم التي سوف يُسَخّرها لانتخابات 2019 التشريعية والرئاسية، لكن، حسب تقديري، سيفشل الوفاق المصطنع بين النداء والنهضة، مجددا، في ادارة الشؤون المحلية لان نفس المعطيات تعطي نفس النتائج، فالذي فشل في انتاج الافكار والخيرات، وهو في الحكم، لا يمكن ان ينتجها عبر تواجده في الشؤون المحلية، وهكذا قد يزداد مأزق الائتلاف الحاكم سوء على سوء.

ان المستقبل في الوقت الراهن مرتبط بمدى جدية وفاعلية القائمات المستقلة و بعض الاحزاب التي بقيت وفية للأهداف الثورة، سواء كانت في السلطة او المعارضة، اضافة الى النخب ورجال الفكر والعلم بتنوعهم الفكري . كل هذه قد تُكَوّن قوة وسطية جديدة او كتلة تاريخية، بشرط ان تتوجه الى ثلثي الناخبين المقاطعين والذين فقدوا

الثقة في الطبقة السياسية، وبذلك قد تتغيّر الخارطة السياسة التي ترزح تحت قبضة ائتلاف يميني همه الاكبر المحافظة على السلطة بما في ذلك التوريث.

لقد راودني حلم الكتلة التاريخية منذ ان كنت شابا ناشطا في المجتمع المدني، خلال السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، لما لاحظته من تنوع في توجهاتنا الفكرية والعقائدية. لكن هذا التنوع يشترط ان نقبل بعضنا البعض ليتم بناء ارضية مشتركة ولو بالحد الادنى في بعض الخيارات التي لا تنسف الديمقراطية وحرية الراي والضمير. ويحضرني في هذا الشان تصريح للمطران كابوتشي لكنيسة الروم الكاثوليك بالقدس منذ سنة 1965، على ما اذكر، جاء فيه، انه يحترم المسلم والمسيحي واليهودي ومن يؤمن بالحكمة.

ان تونس لها من الامكانيات المادية والبشرية لتصبح بلدا صاعدا على غرار ماليزيا والبرتقال وغيرها من الدول الصاعدة، لكن لن يتحقق الامر بدون تطوير التعليم على المدى المتوسط والحد من الفساد والمحسوبية ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب حالا و بدون تقاعس.

 

العربي بنحمادي -    برج السدرية (تونس)

  

 

في المثقف اليوم