آراء

تهافت النظام العالمي الجديد.. فماذا عن إيجاد نظام أخلاقي عالمي جديد؟

الطيب بيت العلوي(نحن في مستهل التحول العالمي. وكل ما نحتاجه هوإختلاق أزمات كبيرة في العالم، وسوف تقبل الدول، بالضرورة، النظام العالمي الجديد).. دافيد روكفيللر

سيطرواعلى التغذية تسيطرون على الشعوب

سيطروا على النفط تسيطرون على الأمم

سيطروا على المال تسيطرون على العالم هنري كيسينغر

مقدمة

إنبهارمعظم المثقفين، وطلائع التحديث في معظم الدول العالم الثالث أو الدول النامية أو الدول التي في طريق النمو، بتجارب المجتمعات الرأسمالية في غرب أوروبا وأمريكا الشمالية، بلغ حد التقديس، حيث إتخِذت تجارب المجتمعات الغربية نماذج تُحتذى في التخطيط للتنمية والتطويرفي الدول المنهوبة، علما بأن تلكم المصطلحات أطلقها الفرنسيون في أوائل الخمسينات على الدول المستعمرة سابقا، التي هي في الواقع الجيو-إقتصادي مجرد دول منهوبة ومفقرة ومُحقَرة، حولها الغرب في مراحل ما يسمى ب الإستقلالات الصورية إلى مزرعات له و بوتيكات » وضع الغرب على رأسها طغمة من النخب السياسية والثقافية-المنتقاة- من الطفيليين والسحالي والفيروسات، تقتات من ظهورالشعوب المستكبشة، وتمتص دماءهاحتى الرمق الأخير

وبالرغم من أن في تاريخ حركة التحديث في المدنية الغربية تجارب غنية، ودروسا عديدة يمكن الإستفادة منها في إثراء حركة التحديث في بلداننا العربية، فإن الذين ينبهرون أو بالإحرى ينخدعون بها بدون تمحيص، وبدون حدود أو قيود، يغفلون عن أنها تمت في ظروف غيرالتي مرت وتمربها بلداننا /مادامت الدول العربية كانت هي المستعمَرَة والمنهوبة منذ نهاية القرن التاسع عشر إلى ستينات القرن الماضي، ومادامت العلاقات ما بين الغرب الإستعماري السابق لم تتغير حتى يومنا هذا ـ لتبقى العلاقة دوما علاقة مستغل /بكسر الغين / ومستغل بنصب الغين/ وما بين طالب ومطلوب وأسياد وعبيد، وإن شئت فسمها تلك العلاقة الشاذة السادو-مازوكية، حيث يلتذذ الساسة العرب بتحقيرساسة الغرب لهم، وشعوبهم المستحمرة على هدي نخبهم مهتدون، كما أن تجارب الترشيد- لإعتبارات عديدة سنفصل في بعضها في هذه العجالة- تنطوي على قصور، بل وخطر يلزم أن نكون على علم به وأن نتفاداه .

ويهدف هذا المقال إلى إستعراض الأنواع الرئيسية لقصورتجربة الترشيد في الولايات المتحدة الأمريكية -التي هي الإنجازالأسمى لمفهوم الحداثة، والمعيار المتفرد بالإتباع ,والقدوة والمثال المحتدى لكل النخب العالمية، والأمنية القصوى لكل دول العالم و شعوبها - المتقدمة أوالمتأخرة-إلى أن أصبحت الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب الباردة أقنومة يُتعبد بها، ومعبد للكهنوت الجديد المسمى ب النظام العالمي الجديد، الهادف إلى إنجاز حكومة العالم الجديدة، الذي أصبح صلاة وتهجدا وتسابيح لدعاة الليبرالية الجديدة في العالمين العربي والإسلامي الذين ينتشدقون بها، وهم - بالقطع -يجهلون أصولهاوأهدافها البعيدة المدى، والوعود الكاذبة التي إنطوت عليها، والتدليسات الرامية إليها، والآمال التي عقدت عليها، وما هوحصادها، وما ترتب عن إنجازاتها على الأرض – أي على الأرض الأمريكية.

أولا : وهم مجتمع الرفاه الأمريكي

بعيدا عن صرامة التحليلات الماركسية النقدية المتمثلة في الهيغليات الجديدة التي طغت على التفكير العقلاني الغربي منذ نهاية الحرب، العالمية الثانية/نموذج هربرت ماركوز في الطريق المسدود وأضرابه مثل ماكس فيبر، وفريدريك تايلور، تشارلز رايت، وديفيد ريسمان، وغيرهم /، وتلافيا لتهويلات الفكر الليبرالي المخادع واللماع المتحرر من كل الضوابط و العقلانية والمنهجية الموضوعية، فإنه يمكن الجزم بأن العالم قد تعود بُعيد إعلان مشروع مارشال في الخمسينات، على أنه كلما تنحنح روتشيلد، أو روكفيللر، أو كارنيغي أو فورد في نيوروك، إلا وطرب لها على السواء مترفي ومعوزي الأنام، وكلما إهتزبنك من أبناك وول ستريت إلاو تصدعت لذكره مصارف أركان العالم، وإقتصاديته

حيث كان أدنى إعلان من جانب البنك الفيدرالي الأمريكي، يمكنه أن

يحدد وتيرة جميع الأسواق التجارية والبورصات حول العالم -سلبا أو إيجابا

إلا أنه اليوم، فإن الدراسات الحديثة الجادة، تسلط الضوء على الانهيار التام لأضخم إقتصاد في العالم الغربي، -وهو الإقتصاد الأمريكي، وتصدع خياراته الإستراتيجية، وزعزعة إستمرار العملة الأمريكية في تشكيل إقتصاد بقية العالم، تترجمه العوامل السوسيوإقتصادية » التي ساهمت في الإتيان بترامب إلى السلطة، وليس خرافة التدخل الروسي المزعوم الذي إختُلقت خلقا مع الفشل الذريع لأوباما والسيدة كلينتون، وفشل خطاب الحزب الديموقراطي/كما وضحت ذلك بالتفاصيل في كتابي الجديد الصادر باللغة :الإنجليزية : ترامب اللغز ».

قطعا، إن الولايات المتحدة هي دولة غنية. والدليل على ذلك، بإن إجمال الدخل القومي المحلي هو حولي 18 ألف مليار دولار، يبقى بعيداً عن الصين التي على الرغم من سكانها البالغ عددهم 1. 5 مليار نسمة، تمكنت فقط من إنتاج نصف ما يطاله 320 مليون أمريكي سنويًا في نفس الفترة

فما هي المشكلة؟

المشكلة : هي أن الولايات المتحدة ليست في الحقيقة ما يمكن أن نسميه- سوسيو- إقتصاديا :بمجتمع الرفاه / الذي تم الترويج لأكذوبته منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عبرالماكينة الأمريكية المهولة/الإعلامية والهوليودية/. ولايمكن لأي دارس أكاديمي جاد أن يثبت عدالة التوزيع المالي في الولايات المتحدة، فما بالك عن الحديث عن مجتمع توزيع الثروة التجارية العادلة،

وفي حين يبدو أن غالبية المليارديرات في العالم يتركزون، بشكل من الأشكال، في الولايات المتحدة الأمريكية، غير أن

الفقرفي بلاد العم سام يتفاقم أيضا يوميا، وبشكل مخيف، بل ويصبح من « المظاهرالثقافية المميزة » في المجتمع الأمريكي /حسب الدراسات السوسيولوجية المستقلة عن مافيات « الحكومات المتعاقبةالأمريكية جمهورية ـأو ديموقراطية

بانورما مختصرة لثقافة الفقر في الولايات المتحدة الأمريكي

أغنى الأمريكيين : جيف بيزوس وبيل غيتس، يتناصفان الثروة تقريباً مع نصف سكان الولايات المتحدة الدولة الغنية بفقرائها المائة والعشرون مليون فقيرا/أي الذين يملكون أقل من دولارين يوميا /

وأغنى 5٪ من السكان يملكون 67٪ من الثروة. وأفقر 60 ٪ من

السكان يملكون 1 ٪ من الثروة

أغنى الأمريكيين/وهم من غالبية الواسب من البيض/ يعيشون في /المتوسط 20 سنة أكثر من الأمريكيين الأكثر فقر/وهم شرائح الطبقات من السود المهمشين

سبعون بالمائة من الأمريكيين لديهم مدخرات أقل من ألف دولار في السنة

صادرت البنوك الأمريكية أكثر من سبعة ملايين منزل منذ عام

في عهد الجمهوري بوش الإبن عام 2004، وصلت إلى أرقام

مهولة في عهد « المصلح و الثوري أوباما

كابوس الديون الأمريكية المهولة المحطمة للمستقبل الأمريكي والإنساني

حطم الدين العام الأمريكي الحالي جميع الأرقام القياسية السابقة لسنتي 2016 و2017 ليصل في عام 2018 إلى 21 تريليون دولار،، وفقا لوزارة الخزانة الأمريكي حيث كتب الخبير الإقتصادي الأمريكي ميكايل ساند في موقعه في الشهر الأخير من عام 2017 قائلا : الكابوس المرعب للدين الأمريكي الذي يحطم كل آمال المستقبل والذي سيُغرق أجيالنا في المآسي إلى مالا نهاية، لأن ديوننالا يوجد لها حل لمئات السنين

غير أن سادة البيت الأبيض يجدون دائما الحلول الناجعة في الهروب إلى الأمام، بإشعال الحروب التي لن تنتهي سواء مع كوريا، فإن لم تكن، فمع إيران، وإذا تصالح ترامب مع طهران، فستكون مع روسيا أوالصين أوفانزويللاأو كوبا، وربما حتى مع سكان المريخ، حيث أن خلاص أمريك و مصيرها الواضح التوراتي يكمن في القتل والتدمير عبر إفتعال الخصوم وإثارة الحروب

هناك 554000 مشرد كل ليلة يفترشون الأرض ويلتحفون السماء

في أغنى وأقوى دولة في العالم

مصطلح الأمة الأمريكية هو أكثر المصطلحات لغزا تهويما وكذبا، بحيث لا يزال الهنود الحمر-وهم السكان الأصليون، و أول سكان البلد -هم أفقر شرائح السكان في الولايات المتحدة الأمريكية وأكثرها عزلة ومهانة و إستغلالية وتحقيرا

وفي كثير من عشر ولايات أمريكية، يتعين على النساء تحمل مشاق التنقل أكثر من 160 كيلومتراً للتمكن من الإجهاض، بسبب القوانين

الصارمة في بعض الولايات التي تعتبر ممارسة الإجهاض جنحة كبرى/منذ أزيد من قرن، وبدون النظر في الأسباب

قمع الشرطة والسجن الجماعي

ثلاثة في المئة من البالغين في الولايات المتحدة - 6. 8 مليون شخص إما في السجن أو في السراح المؤقت المشروط بضمانات، أو تحت المراقبة البوليسية اليومية والإشراف الأمني

يوجد حوالي 1. 2 مليون ضابط شرطة في الولايات المتحدة - وهو رقم يساوي تقريباً عدد سكان ولاية نيوهامبشاير

قتلت الشرطة الأمريكية 15 ألف شخص منذ عام 2000

ويوجد حالياً في السجون الأمريكية 55، 000 طفلا قيد الإحتجاز-ناهيك عن إحتجاز إدارة ترامب لأطفال المهاجرين الغير الشرعيين وفصلهم عن ذويهم في معتقلات خصوصية تذكر الأمريكيين والعال بمعتقلات النازية قبيل الحرب العالمية الثانية

ثلث حكومات لولايات المتحدة لديها شكل من أشكال ما يسمى ب سجن الديون، حيث يتم حبس الفقراء بسبب عدم دفع غرامات أوديون الشيء الذي لا يوجد في الدول الأوروبية أو حتى الدول الديكتاتورية التي تخطط الإدارة الأمريكية الحالية لضربها « بسبب

قمعها لسكانها

تكاليف الحرب على الإرهاب

قتلت الولايات المتحدة حوالي ثلاثة ملايين شخصا في حروبها ضد العراق وأفغانستان وليبيا واليمن وسوريا/ناهيك عن ملايين المعطوبين والمشوهين الذين خلفتهم الحروب الأمريكية منذ الخمسينات والستينات والسبعينات في كل من الفيتنام وكوريا والفلبين وغيرها

كذبت وكالات الاستخبارات الأمريكية على الناس بشأن أسلحة الدمار الشامل في حربيها ضد العراق، وفي الكذب في حرب البوسنة والهرسك، ومارست نفس الكذبة في تدمير ليبيا -بدعوى التدخل العسكري الإنساني وتمارس واشنطن اليوم نفس السيناريو على سوريا الأسد، وبدأت تهيؤ عقول القطيع الأمريكي بترويج نفس الأكاذيب ضد إيران، فلاالأمريكيون المغفلون يستفيقون، ولا الشعوب العربية وساساتهم يتعظون.

تديرالولايات المتحدة شبكة من المواقع السوداء التابعة لوكالة المخابرات المركزية - وهي غرف تعذيب بالوكالة تم إنشاؤها في جميع أنحاء العالم، وتواصل إعتقال عشرات الأشخاص في معتقل خليج بغوانتاناموبدون محاكمات عادلة وبشفافية قانونية-

ديموقراطية -كما -تدعي الإمبراطورية

أكدت إدارة أوبامافي عام 2011 عبرممارستها الخبيثة لما يسمى ب الحروب الذكية »- حقها في قتل المواطنين الأمريكيين وغير الأمريكيين لمجرد الشبهة، وبدون إتباع أية إجراءات قانونية محددة، حيث رفض أوباما إنتقادات المنظمات الإنسانية الدولية ومنظمات حقوقية والمنظمة الأمريكية المناهضة للحروب، عندما إخترعت إدارته أكثر المناهج والطرق إبليسية وتخابثا في قتل المدنيين في الباكستان والقبائل الأفغانية واليمنية من العزل معظمهم من الأطفال والنساء والعجزة-حيث فاقت حروب أوباما الذكية عدد حروب بوش

فلالعلنية في العدد، أما عدد القتلى فمجهولة.

النفقات المهولة الأمريكية على الحروب الغير المجدية: المسماة ب لحروب الإستباقية ضد الدول المارقة أو الفاشلة

- أنفقت الولايات المتحدة ما يقرب من ستة تريليونات دولار على الحروب في آسيا الوسطى والشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ عام 2001، مع إغفال ذكر الأرقام القارونية التي تم صرفها في الحروب الأمريكية منذ الخمسينات والستينات والسبعينات بحيث لم يربح البينتاغون أية حرب منذ نهاية الحرب العالمية الثانية

بعبع المجمع الصناعي العسكري ونفقاته المهولة

يمثل الإنفاق العسكري أكثر من نصف الإنفاق التقديري- أي أكثر بعشر مرات من الإنفاق الفيدرالي على الإسكان و الإنفاق على التعليم بمعدل تسع مرات

* وزارة الدفاع، التي تبلغ ميزانيتها السنوية أكثر من 700 مليار دولار، هي أكبر مخزون لليد العاملة في الولايات المتحدة، حيث يبلغ عدد موظفيها 2. 1 مليون، والجيش الأمريكي لديه جنود ناشطون تم نشرهم في150 بلد في العالم من حدود الصين وروسيا ودول البلقان والدول السكندينافية والشرق الأوسط وإفريقيا الشمالية وأواسط أفريقيا، ولا يوجد مكان في العالم أو نقطة ساخنة فيه، إلا وفيها جنود أمريكيون-تحت دعوى حق الدفاع المشروع عن الأمن القومي او تحت دعوى نشر الديموقراطية وتخليص الشعوب من أنظمتها القمعية ومن تخلفها وحماية الأقليات والأطفال والنساء والمثليين

الإنتخابات الأمريكية والسيطرة على الحكومات المنتخبة

أنفقت الشركات الأمريكية الكبرى في عهد ترامب نحو 3 مليارات دولار على كسب التأييد للحكومة في عام 2017 وحده.

وتم إنفاق 6 مليارات دولار للتأثير على انتخابات عام 2016، حيث أتت معظم هذه الأموال من الشركات الكبرى والأغنياء الموالين للديموقراطيين والجمهوريين معا المسموح لها بإعطاء مبالغ غير محدودة بموجب قرار المحكمة العليا الأمريكية لعام 2010.

قيودا مفروضة على حق التصويت المشروط تمنع الأحزاب الأحزاب والتجمعات الصغرى من غير الحزبين الديمقراطي والجمهوريي – الخارجة عن السيطرة السياسية والمتمنعة عن سيطرة اللوبيات والمناهضة لسياسات البيت الأبيض، والتي تتحدى

هيمنة الديموقراطيين والجمهوريين منذ أكثر من قرن على المصير الأمر يكي وعلى قدر العالم

قامت ثلاث وثلاثون ولاية بتنفيذ قوانين تحديد هوية الناخبين /بأساليب لولبية/، والتي أظهرت الدراسات أنه يمنع 6٪ من السكان من التصويت/لأسباب وهمية وغير واضحة / وهو أمر لا يناقش في الكونغرس الأمريكي وفي بلدما يزال يتعامل بقوانين متقادمة عفا عنها الزمن في أكثر بلدان العالم تحضرا وتقدما وحداثة.

فما هو البديل؟

للبحث صلة

 

د. الطيب بيتي

 

 

في المثقف اليوم