آراء

عن استمرار احتجاجات اهالي البصرة!

كاظم الموسويتستمر الى اليوم احتجاجات اهالي البصرة، معبرة عن خيبة أمل في الوعود الكثيرة التي قدمها لهم رئيس الوزراء والوزراء ومجلس المحافظة. فماذا تعني هذه الاحتجاجات، ولماذ.ا تستمر كل هذه الفترة؟.

منذ بداية اشهر الحر في العراق، وارتفاعها في شهر تموز/ يوليو، وما بعده، انطلقت احتجاجات عفوية سلمية في اكثر من منطقة من محافظة البصرة، ورفعت شعارات مطلبية واضحة وصريحة، تتركز كلها على توفير الخدمات الاساسية، في الماء والكهرباء والتعليم والصحة والتوظيف.. واجمعت الجهات المختصة والدراسات التي نشرت عن المياه والبيئة في المحافظة بأن المياه غير صالحة للشرب تماما، ففضلا عن الملوحة العالية فيها، التلوث البيئي العالي المستوى ايضا، مما سبب حالات مرضية لآلاف من المواطنين الأبرياء. وهذه الخدمة الأساسية تكشف فشل الإدارات المحلية والمركزية في إنجاز المشاريع التي تجهز المحافظة بالماء الصالح للاستخدام، والشرب خاصة، وكذلك في الصحة والبيئة. وهذا الفشل تورطت فيه الأجهزة المركزية والمسؤولون المحليون، ويتطلب الان بعد فضيحته محاسبة كل المسؤولين عنه، ومحاكمة الفساد المالي والإداري فيه، لاسيما وأن هناك أموالا طائلة قدمت خلال الخطط التنموية السنوية السابقة، ولم تتمكن من الوصول إلى حل جدي ومسؤول لتوفير تلك الخدمة الاساسية، ومثلها ما حصل مع خدمة الكهرباء، والتعليم، والصحة ايضا، فالعجز الصارخ في توفير الخدمة الصحية والأدوية والمستشفيات التي تستوعب الإعداد الكبيرة من المواطنين المصابين مؤشر صارخ. وهذه الحالة المخجلة هي الطابع العام لكل الخدمات الاخرى، مما جعل التخصيصات التي قدمتها الحكومة واللجان التي ارسلتها غير مجدية ومثيرة لاسئلة كبيرة عنها، وعن اخلاص وجدية تحمل المسؤولية والإدارة الوطنية المطلوبة.

ان استمرار الاحتجاجات لاهالي المدينة وتوسعها، بعد الخسائر البشرية والمادية التي حصلت خلال الاحتجاجات السابقة، وانضمام قطاعات وطنية اخرى، من النساء والأكاديميين، يعطي لها عناوين اخرى، فمن طبيعتها وتطوراتها تقتضي ايضا تطور مطالبها من الشعارات المطلبية الاقتصادية والاجتماعية إلى مطالب سياسية، لا يمكن المرور عليها ومحاولات الإنكار للمسؤولية فيها. وواضح أن قواعد الاحتجاجات الاجتماعية مكونة من أغلبية شبابية، من العاطلين والباحثين عن العمل، من خريجي المعاهد والكليات، ومعهم أوساط اجتماعية اخرى، لم تتوفر لها ما يجب أن يكون، مثل قطاعات المتقاعدين والنقابيين والمتضررين من تدهور الأوضاع عموما.

المطالب الاقتصادية الاجتماعية لم تنفذ بعد أو بالأحرى لم تتغير الإجراءات فيها نحو الافضل، بل ظلت تتراوح محلها، وعود كثيرة وشقوق كبيرة وترقيعات صغيرة، مما يعني بأن الإدارات الحكومية لم تنجح في الإصلاح والبناء، وفشلت في معالجة الأزمات المستفحلة في قطاعات الخدمات الأساسية. أما المطالب السياسية التي استجدت فتتطلب قرارات جريئة في تنحية واقالة كل مسؤول عن الفشل والتقصير ومن ثم محاكمته وتوسيع المحاكمة لكل المسؤولين السابقين والحاليين، واطلاق سراح المتظاهرين المعتقلين باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة معهم، بدون ذلك فان الحالة الكارثية لا تتغير أو تتطور نحو حلول استراتيجية دائمة، لان ظروف المحافظة ليست مؤقتة ووليدة الأشهر الأخيرة، والتقصير في توفير الحلول الجذرية لها ومعالجتها بمقاربات صحيحة واجراءات سليمة وبالاخلاص والشفافية الكافيين فضيحة كبيرة.

بلاشك أن ما حصل من خسائر بشرية ومادية وتجاوزات غير مطلوبة أو محسوبة بدقة وقد تخدم مآرب ليست من صالح الاحتجاجات واهدافها الرئيسية الاولى، أساءت الى سير الاحتجاجات وتطوراتها، ولكن استمرار ظروفها بهذه الأوضاع الكارثية تدفع من جديد إلى الاحتجاج والتظاهر والغضب الشعبي، وهو ما يحصل الآن. وهذا يتطلب مرة أخرى التأكيد على ضرورة سلمية الاحتجاجات، وتشكيل قيادات ميدانية معلنة والعمل على رفع شعارات مطلبية واضحة، واشراك أوسع القطاعات الاجتماعية ورسم خرائط التحركات الشعبية وادراك اهمية الأعمال المصاحبة للاحتجاجات، كوسائل الإعلام، او المنظمات المدافعة عن حقوق الانسان، ودور كل منها في إدارة زخم الاحتجاجات وضبط فورات الغضب الشعبي، وتصعيد أساليب الاحتجاجات وفق ظروف وتطورات الحالة الشعبية وردود أفعال الإدارات المعنية والمسؤولة.

هل ستكون احتجاجات اهالي محافظة البصرة معلما ومنهجا، لما سبقها وما صاحبها من احتجاجات في المحافظات الاخرى؟. ام انها تتوازى معها وتقدم خطوات لها في أساليبها وتطوراتها ونتائجها؟. في كل الأحوال استمرار الاحتجاجات تعبير عن ضرورة تنظيم الأوضاع والحاجات والمشاركة في الخطط والبرامج السياسية والمصيرية وانتهاج سياسات جديدة، تبدأ من إصلاح الاخطاء والاعتراف بالفشل والتقصير والاستهانة مع عدم افلات المفسدين والفاشلين والمقصرين خلال كل الفترة السابقة من المحاسبة والعقاب، ولا تنتهي عند خطط استراتيجية للتنمية  المستدامة، لتكون عبرة ودرسا شعبيا وعراقيا.

استخدام العنف من أي طرف في مثل هذه الاحتجاجات لا يخدم ابدا سير العملية السياسية ولا يوقف أصحاب الحقوق المشروعة من المطالبة بها، ولا يعني أن مثل هكذا اجراءات هي حلول أو بدائل ممكنة عن تطورات الأوضاع والأحداث المطلبية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية. بل إنها تصعيد سلبي تخريبي لمعنى وأهداف الاحتجاجات ودفع عجلة الغضب الشعبي الى نهايات مأساوية لن تخدم أو تصنع تغييرا فعليا أو اصلاحا لما خرب ودمر  وبيّن فشلا صارخا فيه. أن فقدان ارواح بشرية، بشكل مباشر  أو باغتيالات فردية ليس في مصالح الشعب والدولة، بل هو في الحقيقة اعمال مضرة ومسيئة لكل ما حصل ويجري، من أي طرف أو جهة، وعدم إيقافه فورا وتحكيم العقل والروح الوطنية والمصالح العليا للشعب والوطن خسارة جسيمة وطريق مظلمة.

اقالة وزير واحد لا تعني انتهاء الازمات، وتبرير وزراء آخرين لأخطاء إدارتهم ونقص أعمالهم لا يقلل من مسؤوليتهم ومجالس المحافظة والمحافظين من تحمل المسؤولية كاملة واعلان حالة طواريء شاملة لإصلاح كل القطاعات والخدمات الأساسية التي سببت تلك الاحتجاجات وفضحت سياسات الوزارات والحكومات المحلية واهمالها في أعمالها الأساسية. وما حصل في البصرة نموذج وشاهد لكل ما يحدث في المحافظات الاخرى، باشكال متقاربة أو متشابهة وتنتهي كلها في عجز الحكومات المركزية والمحلية في أداء وظيفتها الرئيسية. فهل ستكون هذه الصورة ماثلة أمام الحكومة الجديدة والبرلمان الجديد ورافعي شعارات الإصلاح والإعمار والبناء والتغيير؟!.

 

كاظم الموسوي

 

في المثقف اليوم