آراء

مصطلح مقترح في أتون أزمة مقتل خاشقجي وبيان ترامب الأخير

بكر السباتينمن وحي السؤال الكبير المتفجر في أتون تداعيات جريمة العصر التي راح ضحيتها الصحفي السعودي المعتدل جمال خاشقجي ومحاولات ترامب في التغطية على المتهم الرئيس في القضية، ولي عهد السعودية بن سلمان؛ بذرائع تتلخص في شعار "أمريكا أولاً"؛ فإنني اقترح اعتماد مصطلح "الخاشقجية" وتوصيفه بأقصى درجات "الميكافللية" التي تقول بأن "الغاية تبرر الوسيلة"؛ لتوضح مرحلة التهاوي والسقوط الذي يعانيه العالم في ظل سياسات الدول الفاسدة والمريضة والتعامل مع المعارضين ب "لغة المنشار".

إذْ خطر ذلك على بالي وأنا أتابع رد ترامب (المتوقع) على الصحفيين حول اتهام ولي العهد السعودي محمد بن سلمان من قبل وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي أي) باغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي. وبدا وكأنه يحاول الوقوف في منطقة آمنة حتى لا تميد به الأرض، وخاصة حينما وجه أحد الصحفيين إليه سؤالاً حول إن كان ترامب نفسه يرتبط مع بن سلمان بمصالح اقتصادية أم لا! الأمر الذي دفع به للاختباء خلف هذا الرد المقتضب حول جريمة العصر.. وكأنه بذلك يبسط من تداعيات الجريمة ويذيب كرة الثلج المتعاظمة أو يحرف مسارها، على اعتبار أنه تم تضخيمها، لكن ترامب أيضاً ترك الباب موارباً درءاً للإجراءات المحتملة التي يتم طبخها في كواليس الكونغرس الأمريكي بالتوافق ما بين الجمهوريين والديمقراطيين، واعتماداً على ما تم التقاطه من مكالمات جرت كما يبدو بين السفارة السعودية في واشنطن والقيادة السياسية في الرياض من قَبْل.

لكن تقارير نشرتها الصحف الأمريكية مؤخراً تفيد بأن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي أي) خلصت إلى أن بن سلمان هو من أمر بقتل خاشقجي اعتماداً على تسجيلاتها الخاصة، ناهيك عمّا تم الاطلاع عليه من تسجيلات تقول تركيا بأنها أسمِعَتْ لمديرة وكالة الاستخبارات المركزية جينا هاسبل التي زارت أنقرة مؤخراً في سياق الأزمة المتفاقمة على كل الصعد عالمياً. فماذا قال ترامب في بيانه، وأسئلة الصحفيين تطارده أمام وميض آلات التصوير التي طوقته من كل جانب:

قال ترامب بأن"السعودية حليف موثوق وافق على استثمار مبالغ مالية غير مسبوقة في الولايات المتحدة"، ربما في إشارة منه إلى قبول السعودية خفض سعر برميل النفط، ما يوحي برغبة ترامب في استغلال بن سلمان وحلب الصندوق السيادي السعودي أكثر، وتوفير المخزون الأمريكي من خام النفط بالإضافة للعقود التي تم توقيعها مع بن سلمان في تفاهمات غير رسمية، ناهيك عن حرص ترامب المعلن على حماية الكيان الإسرائيلي الذي يراهن فيه نتنياهو على بن سلمان في نجاح ضفقة القرن. من هنا يمكن فهم دفاع ترامب المستميت عن علاقات واشنطن مع الرياض على الرغم من التنديد الدولي بقتل الصحفي، جمال خاشقجي، في القنصلية السعودية في اسطنبول يوم 2 أكتوبر 2018؛ مقدماً بذلك المصلحة الأمريكية على المبادئ الأخلاقية تحت شعار "أمريكا أولاً" من خلال تركه الباب موارباً بطريقة مكشوفة، ساعياً من خلالها إلى خلط الأوراق وتعمية أسئلة الصحفيين ولجم شهيتهم في هذا الشأن، فقال ترامب:"ربما كان ولي عهد السعودية بن سلمان على علم بمقتل خاشقجي" أي -والكلام لترامب- "من المحتمل أن ولي العهد كان على علم بالحادث، ربما كان على علم وربما لا!" وقال أيضاً إن "العالم خطير"، ثم وصف السعودية بأنها حليف للولايات المتحدة ضد إيران.

وأضاف: "تنفق السعودية المليارات في الحرب على الإرهاب الإسلامي المتطرف، بينما قتلت إيران الكثير من الأمريكيين وأبرياء آخرين في الشرق الأوسط".

ويشير البيان أيضا إلى التزام السعودية بالاستثمار وشراء الأسلحة الأمريكية. وقال: "لو أننا ألغينا هذه العقود فإن روسيا والصين ستكونان المستفيد الأكبر".

واعترف ترامب في محصلة الأمر بأن مقتل خاشقجي كان "فظيعا"، ولكنه قال في تمويهه للحقيقة: "ربما لن نعرف أبدا حقيقة ما حصل له".

وهو بيان صريح دفع بعضو في الكونغرس الأمريكي ليقول بأن ترامب حول البيت الأبيض لمؤسسة علاقات عامة تعمل لصالح بن سلمان، وذلك في موجة من انتقادات داخلية وخارجية تعرضت لما قاله ترامب. الأمر الذي استرعى من وزير خارجية تركيا الخروج عن صمته لوضع مسارات القضية في مساراتها التركية، لتنتهي ربما إلى تدويل القضية.

وحمّلت الرياض مسؤولية القتل لمجموعة من السعوديين تقول إنهم تصرفوا بخلاف تعليمات القيادة، وتنفي علم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بالعملية مسبقاً.

وكانت الصحف الأمريكية تتهم ترامب بالتهاون إزاء هذه الجريمة النكراء ربما (وفق بعضها) خشية من إفشاء بن سلمان لجملة من الأسرار الشخصية حول صفقات محتملة بين الرجلين.

من هنا جاء اقتراحي باعتماد مصطلح "الخاشقجية" وتوصيفه بأقصى درجات "الميكافللية" التي تقول بأن "الغاية تبرر الوسيلة"؛ حتى لو كانت النتيجة استخدام المنشار بتقطيع أوصال كاتب معتدل مثل خاشقجي في قنصلية بلاده التي تكون بذلك قد خالفت كل القوانين التي تحكم العلاقات الدبلوماسية بين دول العالم.. إنها سابقة خطيرة.. إنها "الخاشقجية" المقترحة.

 

بكر السباتين

 

في المثقف اليوم