آراء

حق الفيتو!!

محمد العباسيهي فقط خمس دول في العالم (الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وروسيا وفرنسا والصين) قررت فيما بينها بعد الحرب العالمية الثانية بأن لها الحق باللعب بمصائر باقي الأمم على وجه الخليقة .. ذلك من خلال تمتعها بحق العضوية الدائمة في الأمم المتحدة.. وبالتالي تفردها بحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن.. بصراحة، هذا الحق قد جعل من الأمم المتحدة أداة في أيدي هذه الدول الخمس للتحكم بالعالم أجمع.. فليس أبعد من فكرة الديموقراطية شيء يوازي تمتع دول بعينها بمصائر الخلق أجمعين.. فلا مكان في هذه الجمعية للحقوق المستحقة ولا للديموقراطية التي تتشدق بها الدول الرأسمالية ولا للعدالة والإنصاف كلما تعارضت مصالح العالم مع مصالح تلك الدول ذات الحق في الفيتو !!

موقع ويكيبيديا يذكر أنه لم يرد لفظ "فيتو" في ميثاق الأمم المتحدة عند صدوره، بل ورد لفظ "حق الإعتراض" وهو في واقع الأمر "حق إجهاض" للقرارات وليس مجرد إعتراض، إذ يكفي اعتراض أي من الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن ليتم رفض أي قرار وعدم تمريره نهائياً حتى وإن كان مقبولاً لدى كافة دول العالم الأخرى.  ويتناقض هذا النظام عموماً مع القواعد الأساسية للديموقراطية التي تشترطها النظم المتعارف عليها، فناهيك عن أن هذه الدول الخمس لم يتم إنتخابها لعضوية هذا المجلس بصورة ديموقراطية،  فهي أيضاً لا تصوت على القرارات بنظام الأغلبية كما هي عادة الديموقراطيات

القضية الفلسطينية مثلا تراوح مكانها منذ سبعين سنة بسبب حق الفيتو.. وأنا أرى بأن كافة مشاكلنا في الوطن العربي تتعلق بشكل ما بالقضية الفلسطينية.. فبسبب مواقف بعض الدول أصحاب حق النقض ضد قضيتنا فقدنا جميعنا الثقة في نوايا هذه الدول.. وبالتالي تكونت لدينا كراهية لسياساتها.. ومن خضم هذا الشعور السلبي باتت ثقافتنا وكتاباتنا وقصائدنا وكل جوارحنا مليئة بعنف لغوي ضد هذه الدول وساستها وسياساتها المجحفة تجاهنا.  بصراحة،  فقد ساعد حق النقض (الفيتو) الولايات المتحدة على تقديم أفضل دعم سياسي للكيان الإسرائيلي البغيض لعقود من الزمن.. ذلك بإفشال صدور أي قرار من مجلس الأمن يلزم "إسرائيل" بضرورة وقف احتلال الأراضي الفلسطينية وأعمال العنف ضد الشعب الفلسطيني وهدم البيوت وممارسة الفصل العنصري وبناء الجدران لفصل القرى.. وكذلك إفشال أي قرار يدين "إسرائيل" باستخدامها القوة المفرطة وخصوصا في حرب لبنان 2006 وقصفها لقطاع غـزة في نهاية عام 2008.. وبلا شك أدى كل ذلك إلى الشك بمصداقية الأمم المتحدة ككيان بسبب الفيتو الأمريكي الجائر.

و في ذات الصياغ وكأنما تأكيداً للفيتو المتكرر ضد العرب والمسلمين لجأت أمريكا بوصمنا جميعاً بالإرهاب.. فعالم السينما الهوليودية (اليهودية) عملت منذ السبعينات من القرن الماضي على تشويه صورة العربي والمسلم.. وصورت الإنسان العربي كونه صاحب مال وبترول وجهل وتخلف.. جل همه في الحياة سرب من الحريم وقطيع من البعير.. ولم يجرأ أحد منا أن نكسب إحترام العالم أو نعترض على أفعالهم العنصرية ضدنا وكأن لا يعنينا بتاتاً.. بل رضخنا ولم نزل مؤكدين لهم ما يدّعون.. وهبطوا علينا بقاذفاتهم وصواريخهم في أفغانستان والعراق وسوريا وليبيا ونحن صامتون لأننا فقدنا الأمل في الإعتراض والمطالبة بالإنصاف لعلمنا المسبق بأن قضايانا ستهدرها تلك الدول المحسوبة علينا دولاً صديقة.. وهي ذاتها التي تطعننا في الظهور بحقها في الفيتو دون وازع من ضمير !

أصمتنا سلطان حق النقض عن المطالبة بحقوقنا.. خنوع ما بعده خنوع.. وهم الذين في كل المحافل ينادون بالحقوق والحريات ومن ثم يتوقفون عندنا.. فنحن إرهابيون نستحق السحق.. ربطوا ألسنتنا بعشرات الإتفاقيات.. ويطالبوننا بتطبيق بنودها المعنية بحقوق المخربين والمفسدين لدينا.. بينما هم لا يتوانون عن جرائمهم ضد شعوبنا دون حسيب أو رقيب.. وقد ألجمنا الخوف من المطالبة بحقوقنا بسبب هذا الفيتو اللعين.. وها هي سوريا اليوم رغم أنها كسبت عدة قرارات لكنها كلها مجرد حبر على ورق.. وكذلك الوضع في اليمن!!

هم يقصفوننا بالصواريخ العابرة للقارات.. ويوصمون من يرمي حجراً في فلسطين بالإرهاب.. يدافعون عن المُغتصب ويلومون من فضت بكارتها بالإكراه.. يفسرون الحقوق كما يشاؤون ونحن مغلوبون على أمرنا.. فبأي منطق إنضممنا لجمعية الأمم المتحدة هذه.. وأي مصلحة أتتنا من وراءها؟ أما آن الآوان لمراجعة هذا القرار المجحف في حقوقنا وكرامتنا المهدورة؟

ربما ظهرت في السنوات الأخيرة أصوات تطالب بتعديل نظام الأمم المتحدة وتوسيع عضوية مجلس الأمن، وذلك عن طريق إضافة دول أخرى مقترحة ذات الاقتصاد القوي كاليابان وألمانيا .. أو ذات الحجم والتعداد السكاني  كالبرازيل والهند.  وأصوات أخرى تقترح صوتاً لأفريقيا وتمثيلاً لأمريكا الجنوبية،  وربما تحتاج الدول العربية المنضوية تحت جامعة الدول العربية أن يكون لها موقع ككيان يجمع 22 دولة تمتد من الخليج العربي إلى أقصى غرب أفريقيا أن يكون لها مكان دائم في مجلس الأمن..  رغم أن هذه الأصوات على أي حال هي مجرد دعاوى للتوسيع دون المساس بمبدأ (الفيتو).. وقد سمعنا أو نتمنى أن نسمع بعض الأصوات الداعية إلى إلغاء نظام التصويت بالفيتو نهائياً واعتماد نظاماً أكثر شفافية وديمقراطية وتوازن.

 

د. محمد العباسي - أكاديمي بحريني

 

 

في المثقف اليوم