قضايا وآراء

البراغماتية المتعددة الأوجه للخطاب الأوبامي أوسياسة العرض

  

 توطئة لا بد منها

 خطابات أوباما الشيشورينية ، منذبداية حملته الانتخابية، الى خطابه التملقي الناري المدوي في الحفل السنوي للتجمع الصهيوني لايباك بواشنطن المسفز لحفيظة العرب والمسلمين والمطئن للاسرائليين، عندماأكد التزامه بأمن اسرائيل، ومدينة القدس كعاصمة أبدية للكيان الصهيوني والغير القابلة للتجزئة، وصمته المطبق الملغوز في فترة محرقة غزة، الى حفل الافتتاح بالكابيتول ، مرورا بخطاباته الموجهة للرؤساء الثوريين المتمردين على البيت الأبيض (كوبا وفينزويلا وكولومبيا) وزيارته – التحسسية، وجس النبض لأردغان للاطلالة على عقر الخلافة الاسلامية العثمانية-السابقة –تركيا- التي أرعبت أساطيلها أوروبا على مدى ثمانية قرون حتى عشرينات القرن الماضي، وصولاالى القاهرة، منارة الفكروالثقافة العربية وانطلاقة الناصر صلاح الدين ضد الفرنجة، وعاصمة المعز الفاطمي، ومشيخة الأزهروالافتاء، وورمزالفكرالاسلامي وشعائره وثقافته ومدارسه الفقهية المتنوعة، ومعقل انطلاقة كبرى أم الحركات الاسلامية السياسية في عشرينات القرن الماضي ( حركة الشيخ حسن البنا)، ثم أخيرا وليس آخرا، التوقف في أهم محطة من محطات أوروبا في عاصمة بلد التنوير النتشي الكانتي– الهيغلي، وبلد النازية، وبؤرة كل التنظيرات العنصرية المؤسسية الفاشية ، وعصب الحياة الاقتصادية والعلمية والصناعية الأوربية، ومعقل أخر ديناصورات الفلسفة المعاصرة للفلسفة السياسية، التي ماتزال تصارع نفسها مع سيد فرانكفورت يورغن هابرماس أ برز الوجوه الفلسفية علىالاطلاق لما بعد الحرب العالمية الثانية، المستميت في دفاع عن وهج الأنوارالألمانية ، التي يبدوأنها لا تهز أعطاف انجيللا ميركل ، التي تسعى جاهدة الى اعادة بلد الأنوار، الى ما قبل الأنوار، والعودة بألمانيا الى عهود همج قبائل الساكس والهون ، وجحافل متوحشي الجرمان، بدعمها اللامشروط -على كل المستويات- للدولة العبرية، ساخرة من المانيفستو الذي قدم لها من طرف أكاديميين ألمان عام 2007، يحذرونها من خطورة الارتماء في الحضن الاسرائيلي الذي يعني في نظرالعلم والفكر، والأنوار، تدعيم احياء النزعات النازية والفاشية والعنصرية التي افرزها الفكر الألماني وثقافته خلال بدايات القرن الماضي

 

ولأول مرة في التاريخ السياسي المعاصر- بعد الحرب الباردة- يجمع معظم كتاب السياسة غربا وشرقا، على وصف رئيس دولة ب رجل الساعة ، و المخلص ، و رجل التغيير ، حتى أن مجلة فرنسية يسارية ذائعة الانتشارفي الأوساط الثقافية اليسارية، وفئات الرافضين ، وصفت أوباما بأنه رجل القطيعة التاريخي مع الماضي البشع الأمريكي ورجل الفصل القطعي في( حوارات اسلام/غرب، و شمال /جنوب وشرق /غرب)، والفاصل في قضية الخطرالايراني، وفي مسألة الصراع الروسي-الأمريكي الجديد، والصراع الأمريكي –الصيني الخفي، والأمريكي الكوري السافر، ورجل السلم والأمن في العالم، الى غيرذلك من الهذاءات العاطفانية ، الرامية الى تعشق هذا الرجل عشقا عذريا وتأليهه تأليها أولامبيا، على هدي قول الحكيم الشاعر العربي

 وعين المحب عن العيوب كليلة.....و عين السخط تبدي لك المساوئا

فماهو هذاالخطابالأمريكي الجديد عبر الخطاب الأوبامي

 

بادئ ذي بدء، ...علينا أن نحدد، بأن أوباما، لم يكن في يوم ما، لا مفكرا، ولا منظرا، ولا ملهما، أو صاحب رؤية، وحالته ليست شبيهة بأحوال أولئك المفكرين والمنظرين الذين وظفت أفكارهم في اطارمختلف تماما، وبل لأهداف لم ترد بتفكيرهم، وبالتالي فعلينا أن نسمي الأشياء بأسمائها، ولا نخلط الأمور، فنقوم بتسمية القط قط، والكلب كلب، والخل خل –كما يقول المثل الفرنسي الشائع

 وسوف أعيد- ابتداء- تكرارما سقته في مقال سابق عن التغييرالأوبامي بأنه مصطلح سيؤول الى ما آل اليه سوابق المصطلحات الحداثية الوردية التي لم تر منها العوالم الثالثية-طيلة ثلاثة قرون- سوى الويل والثبورالى، بطغيان المفاهيم المخملية الدوارة و السيارة المحسوبة على الفكرالجاهز مثل الموضة الجاهزة، التي تخضع في جميع الأحوال الى قوانين السوق ، وحينية العرض والطلب، ومتطلبات البضاعة الرائجة، حيث تكون دائما الموضة الفكرية، أوالثقافية، أوالسياسية الدوارة و السيارة ، مظهرا معبرا بشدة عن اديولوجية ما، ...لكنها مظهرقاهرمتحكم، ليس من السهل تجاوزه، لأنه ينتمي أولا وقبل كل شيء، الى السلطة الفكرية، والتنظيرية التي ينتمي اليها خدم الايديولوجيا المسيطرة، وبالتالي، ... فان الموضة الفكرية والسياسية والثقافية لاحدود لها، وهي نفعية ولا أخلاقية في معانيها وأبعادها، ولازمة من مستلزمات الماكيافيللية و(الذرائعية) اللولبية، والنفعية الخسيسة، والعبرة دائما بمضمون الأمر، لا بالاسم، وانما الأموردائما بخواتيمها كما وردفي الأثر..

 ومن هذا المنطلق، يمكن القول بأن تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في الولايات المتحدة، وتجذرالمزيدمن التناقضات في العالم، والغليان البركاني الهائج، أوالراكد ضدالبيت الأبيض، من داخل الولايات المتحدة أو خارجها، دفعت بجماعات الضغط القاهرة المتمثلة في نادي العولمة المغلق المهيمن على مقادير البشرية -(باختلاق الحروب الكبرى، وتأجيج بؤرالحروب الصغرى، واستنباث الأزمات المالية والاقتصادية، والمجاعات والاوبئة، واختلاق الفيروسات ترويعاللشعوب، لتمرير كل القوانين ضد ها، وللتخلص من أكثرمن ثلث سكان المعمورة)- مما دعا الى ايجاد ظاهرة أوباما وطرح نظرية التغيير الناعم ، بعدأن أدى التغييرالصادم البوشي مهمته، بزعزعة الامن العالمي، وتفقيرسكان اليابسة ـوترهيبها وتمدير حضارات واعادة استعمار بلدان، فتفتقت بعدها قرائح منظريو شيوخ أوباما الى تبني منهجية مستحدثة مناسبة للحظة الراهنة، من أجل امتصاص النقم وانواع العصيان الصامتة المهددة لمصالح هؤلاء

 ومن هذا المنطلق، فان الخطاب الأمريكي الجديد، أريد له التقنع بتغليب مسحة العاطفانية -الرومانسية- sentimentalisme على العقل، للتخفيف من التوترات الكونية، استكمالا للمشروع الأمريكي القديم ولكن –هذه المرة- عن طريق الحروب الذكية جاعلا آخرالدواء الكي بالحروب المدمرة-كما صرح أوبما نفسه في حملته الانتخابية- وذلك امعانا في التغطية والتمويه، ( وهي نفس ظاهرة السادات التي خلقها هنري كيسينغر 'أحد منظري أوباما) عبرخطاب السادات السياسي منذ عام 1970عقب وفاة عبد الناصرالى عام 1981، ذللك الخطاب الذي خدرالمصريين وشعوب المنطقة الى ان فوجئت الأمة ب كامديفيد المشؤومة )

 

 وان ظاهرة العاطفانية أواديولوجية المحبة في الخطابات السياسية ليست ظاهرة جديدة في مجال ما يسمى ب حقل الأوضاع الايديووجية Le Champ des positions idéologiques بمنظور الانثروبولوجيا السياسية

 ففي فرنسا، و في الفترة من 1660الى، 1680في السنوات الأولى من حكم الشاب لويس الرابع عشر، ظهرت النداءات الى المحبة وايديولوجية حب الملك –بدون تفكيرأو شروط مسبقة- حين تكلف الداهية الكاردينال ريشيليو - مستشار الملك ورئيس وزرائه، الى طمأنة لويس الرابع عشر، قائلا له بعبارته المشهورة التي اتخذت كقاعدة أصولية في ما سمي لاحقا ب صناعة الرأي في الغرب افعل ما بدا لك ياجلالة الملك، فسأتكفل بأمرالرعاع ودهماء الشعب في شأن محبتك حيث نمت هذه الايديولوجية في مجتمع فرنسي تميز بتناقضات اجتماعية صارخة، وبؤس عارم، وانتفاضات فلاحية كبيرة لا عهد للملكيات الفرنسية بها سابقا...، فثمة دائما علاقة بين ظهور ايديولجية المحبة و التسامح في الخطابات السياسية –تاريخيا- مع استفحال خطرالتناقضات الاجتماعية والاقتصادية

 

عندما يتحول الخطاب السياسي الى عرض Spéctacle او Politic-show

 فالمفاهيم والأطروحات، والاقتراحات و أشباه الحلول والرؤى التسطيحية، ومفردات الوعظ البيوريتانية وتعمد سذاجة التبسيط المتكررة في الخطاب الأوبامي -التي يطلق عليها في السوسيولوجيا السياسية الامريكية الحالية-تنذرا- بسياسة YES I CAN أو سياسة يوتوب yutube –التي يقحمها الخطاب الأوبامي في كلا الملفات الجادة، للصراعات العالمية، والأزمات المالية، حيث ينم ذلك، عن عدم امتلاك أي مشروع واضح، او أية حلول ناجعة، بل ترمي فقط الى تهدئة الأوضاع وهدهة الضمائر، باستخدام عناصر التطمين ، والتلويح بورقة الحوار، وتناسي الماضي، والاستشهاد بالحكم، والتراث (مثل الاستشهاد –بكل وقاحة وصلافة- بالآيات القرآنية المبتورة عن سياقاتها، في خطاب القاهرة)، التي ما هي سوى محاولة لايجاد وحدة انسانوية Humaniste عالمية مزيفة، وزرع اديولوجية المحبة الوهمية دفعا بقطيع البشر، لاعادة التحلق حول المشروع الوهمي الأمريكي الجديد، تغطية للخطط الأمريكية المفاجئة المنتظرة التي تشتم روائحهاالنثنة من بعيد، وهي ليست بخافية على كل بصيرمطلع على دقائق حياة ومساروثقافة ومرجعيات هذا الرجل، ومنظريه الأقربين (1 )ودور المؤسسات (2) والأفراد(3) الذين أجاؤوبه الى السلطة، في أسرع وأغرب فترة حرجة في ما بعد الحرب الباردة، وبتمويلات خرافية من المؤسسات المالية لوول ستريت والحملات الاعلامية الهوليودية لم يعرف لها نظيرفي تاريخ الولايات المتحدة

 

 البراغماتية المتعددة الأوجه للخطاب الأوبامي

 اذا كان الأصل في الفلسفة البراغماتية، انها فلفسة انتقائية و تخفيضية تشويشية، فهي مقيتة ونفعية ولاأخلاقية في قواعد تنظيرها ومعانيها وأبعادها ومغزاها(كما قعد لها مؤسسوها الأوائل وأرادوا لها: (بيرس و ديوي و وليم جيمس )، وقد ظهرت ملامحها جلية في الخطاب الأوبامي، منذأن ظهر على السطح السياسي، الى خطاب القاهرة وبرلين، وتتجلي في مستويين

 

أولا: مستوى النتائج

 تتحدد قيمة أي عمل في الخطاب الأوبامي بالنتائج العملية، التي يرتبها، فالعبرة، في الحطاب الأوبامي بالنتائج المباشرة، وليست بسلامة المسلك العقلي، أوالتنظيري للتعامل مع القضايا الشائكة، والمشكلات المعلقة والمثارة، ويتجلى ذلك في ممارسة فن بث عنصر التشويق والاثارة الهوليودية ، وربح الوقت، وعدم الوضوح، أوالبث في أي ملف من الملفات(حيث تسرب خبر من وكالات امريكية بان اوباما سيتخلي عن الانسحاب من العراق بدعوة من الحكومة العراقية الحالية وستستمر القوات الامريكية في العراق مدة عشرة سنوات أخرى) واتقان لعبة الابتزاز والمراوغة و اللسننة (الى أن يأتي الطبيب، كما قال طبيب العرب الرازي)

 

ثانيا: العداء للنظر والعقل والعلم

وذلك بالاستكثارمن شحنات الصدمة العاطفية الكهربية من اجل اخضاع الأمورالى الواقع، والدفع الى قبولها لا الى االبحث عن الحلول الجذرية، بمعنى اعطاء الأولوية-في مثل هذه الخطابات- للفعل، ورفض التفكيرالنظري والعلمي، والتركيزعلى الفاعلية، بالرغم من أن هذا الموقف ذاته، يعني موقفا نظريا تبناه اولئك الذين أتوا بأوباما الى السلطة، حيث يستند هذا الموقف الى اخفاء المعضلات، وتمويهها، حيث يطرح هذا الخطاب الأوبامي نفسه في مواجهة الخصوم، أوالمعارضين من المهتمين ب التنظير ، على أنه خطاب العمل والفعل الملموسين، وكأنه يقول لمعارضيه دعكم تفكرون كما يحلو لكم، بينما أنا أعمل ( وهنا انطلت على الجميع تلك الطبخة المحبوكة، ما بين ادارة أوباما وادارة ناتنياهو في فبركة التمظهر بالخلافات الشكلية، والعمل على التنسيق في الأهداف والمضامين)

 

 الخطاب الأوبامي والفاشية الخفية

ولا بد من الاشارة الى ان الخطاب الأوبامي، يلتقي كثيرا مع الخطاب الفاشي، حيث ركز أوباما في كل خطاباته، بدون استثناء، على العمل، واحتقارالتفكيرالنظري، وقبول الأمر الواقع، والابتعاد عن التحليل، ودعوة الأمريكيين الى التفاني في محبة الوطن، والتحلي بروح الايثار (في بلد اقتناص الفرص المتاحة والمباحة، والمغامرة وامكانيات كسب المال السريع، وحيث المواطنة هي البيزنيس ) وذلك للحيلولة دون ان يحيط الشعب الأمريكي(المتعطش لكسب المزيد من المال) الاحاطة الشاملة بالظواهر، والتعرف على محتواها الكلي، والتغاضي عن بشاعة انظمته السياسية والاقتصادية، وغض الطرف عن ثقافة ممارسة المجازالداخلية البشعة في حق سكان القارة الأصليين، وملحمة الاستغلال المقيت للزنوج، وحرمانهم من حقوقهم المدنية الى سنوات السبعينات، والزج بالوطن في حروب لانهاية لهاعبر القارات وابداة الشعوب وتدمير الحضارات(، (ولم يحدث ان كسبت الولايات المتحدة حربا دختلها قط)

 

 الخطاب الاوبامي و التخفيصية Réductionisme

 كما يركز الخطاب الأوبامي المبتور على الجزء، معزولاعن الكل، واللحظة الراهنة معزولة عن السياق الزمني والتاريخي، والتي هي جزء منه، والتركيز على النظرة الجزئية دون النظرة الشاملة، اذيهتم بصرف الانتباه عن التطورالمنطقي الشامل لمجمل هذه الجزئيات، والحيلولة دون نظمها في اطار كلي واحد، والتحايل على عدم التفكيرفي التنبؤ بمسارها في المستقبل .

 انه التطبيق الدقيق والحرفي للبراغماتية المخادعة، التي تفصل النظرية عن التطبيق، وبتر الجزئي عن الكلي، بمعنى، أنه ما على البشرية سوى الاستسلام لمشيئة دهانقة نادي العولمة من جماعات الضغط، انتظارا للتغييرات الفجائية والعشوائية التي لاتخضع لأي قانون أخلاقي، أوانساني، أو منطق عقلي سوى قدرية ما ستقتضيه المصالح الثابثة للولايات المتحدة الأمريكية وربيبتها اسرائيل، وأمها الرؤوم أوربا العجوزوماعلى بقية برابرةالشعوب الدنيا -حسب تعبير كيسينغر-سوى دفع فواتيرالحساب، تلبية للهذيان الأمريكي المستمر الى قيام الساعة، والجشع اللانهائي للوبيات المال والسلاح والصناعة المفرزة للمزيد من القذارت التي يبدو انها ستكون أكثر نثانة في الزمن الأوبامي

 

هل الخطاب الأوبامي معزول عن تراث الخطابات التاريخية الأمريكية؟

 انه من السذاجة الفكرية والسياسية، اعتبارالخطاب الأوبامي خطابا جديدا، اذ الجدة لاتكمن فيه الا في الشكل وليس في الجوهر

 فخطاب التغيير الذي تتبناه ادراة أوباما، لايمكن دراسته بمعزل عن العلاقات الواقعية التي ينسجها الخطاب مع خطابات أخرى في لحظة محددة، - باعتبارأن الأصل في الخطاب السياسي-أيا كان مصدره، أومتبنيه - ينبغي أن تتم معالجته وتحليليه في اطارالحقل الخاص به، بمصاغ النطق والبيان المرتبطة بخطابات أخرى، بمعنى، أن ذلك يتضمن أن هذا الخطاب الأوبامي-مثل أي خطاب سياسي- عرضة لتأثير جملة من القواعد التاريخية المجهولة والغامضة، محددة في الزمان والمكان، وحددت هذه القواعد في فترة معطاة وفي اطار(اجتماعي-ساسيي- اقتصادي-جغرافي- لغوي- ثقافي)، شروط ممارسة الوظيفة البيانية للخطاب (1)

وفي هذا الاطار، فانه يمكن افتراض أن الخطاب الأوبامي قد تأثر بخطابات أخرى سابقة في الزمن، فثمة تأثيركل خطابات المؤسسين الأوائل للامة الأمريكية التي لم تخرج قط عن الخطاب الديني المسيحي بمفهومه (التوراتي-البروتستانتي)-كما تجلىذلك واضحا وبشكل سافر، في خطاب أوباما الافتتاحي في حفل مراسيم تسلمه لمنصب الرئيس بالكاببتول أي استعمال ذلك الخطاب (الديني الليبرالي-التاريخي) بمنظور الاستثناءات الأمريكية - مع الحفاظ على طاقة امتداداته المنطقية المتواترة والمتوارثة لدى كل الرؤساءالمتعاقبين على السلطة، التي تميز بها، خاصة، كل من جورج واشنطن، وجيفرسون، وابراهام لينكولن، ونيلسون، و( ثيودورروزفلت، وفرانكلين روزفلت، وترومان الذين كانوامن أقطاب المحفل الماسوني الشرقي) –نموذج خطاب اوباما في القاهرة وهرطقاته الدينية حول الاسلام حيث كانت النغمة الماسونية واضحة فيه)

 ولققد حدا أوباما حدو جون كينيدي حتى في الشكل، حيث نجح في تذكير قطيع الأمريكيين ب رومانسيات الستينات الوردية في كل خطابات كينيدي، بتهييج الضمير الجمعي اللاشعوري بتشابهمها(مما جعل بعضا من سذجنا المغرمين بأوباما، التكهن باغتياله مثل كندي) حيث كان اوباما يهتم بالتركيزعلى اشتراكهما في جذورهما الدينية الغير بروتستانتية-خلافا لكل الروساء السابقين- وسحرهما البلاغي، وصغرسنهما وهندمتهما، ورشاقتهما، وحركاتهما الهوليودية المعبرة–والمميزة لأوباما- المعهودة لدية بالفطرة منذ أن كان حدثا و طالبا في جامعة كولومبيا حيث أثار انتباه المنظر اليهودي والصهيوني العتيد ومستشارالأمن القومي السابق في حكومة كارتر والمنظرالشهيرلاعادة ترسيم خرائط العالم زبجنيف بريزنسكيZbigniew Brezeinski(2)مكتشف أوباما و صانعه ومربيه لحوالي ثلاثين عاما حيث تعلم منه فن التخصص في الدفاع عن القضايا المشبوهة الشائكة للشركات المتعددة الجنسيات-التي يمتلك منها بريزنسكي الكثير (كما كلف أوباما اليوم بالدفاع عن أعقد قضية كونية مشبوهة فاشلة، الا وهي اخراج الولايات المتحدة من ورطاتها، ومن مستنقعاتها المعتمة)

 ودرا للرماد في العيون، واستنزافا للجميع، وضرب الكل بالكل، (السود ضد فئات بعض الاثنيات الأخرى من السود، والسود ضد الاسبانيك، والاسبانيك ضد السود، وضد فئاتهم الاثنية الأخرى، والسود ضد اليهود والعرب والمسلمين، والمسلمون ضد السود، وضد اليهود، واليهود ضد الجميع، والمحصلة يظل الجميع ضد الجميع، ليسود الخطاب الأوبامي المخلص للجميع من الجميع، بالاستنزاف والمساومات المستمرة للجميع،

 

وبهذا فان الخطاب الأوبامي لا يطرح نفسه فقط في مواجهة المحافظين الجدد، أوالخطاب الجمهوري الخصم، انما كذلك في مواجهة اللوبيات بما فيها اللوبي الصهيوني، (ليظهر حتى للوبي اليهودي مدى الخطر المحذق بهم من باقي اللوبيات الصاعدة ضدهم وبانه حامي حماهم) وهنا تكمن ماكفيلية هذا الرجل حين يقدم نفسه بتمايزه في مواجهة كل هؤلاء مجتمعين، مؤكدا أنه الأفضل، لأنه يمتلك الحقيقية والصدق والطهرانية، وأنه سيتفادى عثرات الجمهوريين والمحافظين الجدد، وانه سيحمي اليهود من العرب والمسلمين وسيحمي الفلسطيننين من كيد الاسرائليين، وسيخلص العراقيين من ربقة الاحتلال وسيتلاءم بعمق مع الحاجيات الجديدة للمجتمع الأمريكي والدولي، فما تملك البشرية بعدها الا الاستسلام لمشيئته واتباع هديه، لأن ما يدعو اليه هو طرح منسجم خالي من الاعوجاج والخلل الذي تميز به الأنظامة السابقة منذ ريغان

ومن هنا يكمن خطرالخطاب الأوبامي: حيث سيعتبر كل من عارض أوباما مارقا وخارجا عن الاجماع الوطني والدولي، و مشيئة الرب –كما كررها في خطاب حفل تنصيبه- أفرادا، أوجماعات، سواءمن داخل الولايات المتحدة أومن خارجها) ولا بد بالتالي من استصدار قوانين أمريكية ودولية جديدة لحماية مكاسب الخطاب الأوبامي

فمن هو هذا الرجل ؟ مصلح قديس و ثوري صادق؟ أم نصاب لعوب وأفاق مارق؟ للبحث صلة 

هذا ما سنراه في مبحث آخر

 

 باحث مغربي في الانثروبولجيا /باريس

[email protected]

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1071  الاحد 07/06/2009)

 

 

 

في المثقف اليوم