قضايا وآراء

"حدث ذات ليلة" للناصر التومي

الاستبطان لمصادرها وأصولها ليعيد كتابتها بالشكل الفني المناسب عبر التعديل والحذف وضخ الخيال بين وقائعها. فتعبر الحكاية عن رؤية الكاتب للأحداث العالقة في ذاكرته، وتستحيل تلك الرؤية إلى ظل  ينعكس على المشاهد المرئية واللامرئية، فيصيغها وفق تقنيات ترسخ الحدث وتنميه عبر الصراع والحوار. فالقصة هي حكاية الذاكرة وحكاية الكاتب في آن . ولكي يكتبها فهو يبتعد عن التجريب الذي غالبا ما شبهه بشطحات في العمق لأن الانجراف وراء اللغة والمراوغة بالفكرة أو باللغة يؤدي بالكاتب إلى الاشتغال على اللغة على حساب الحدث. وأضاف بأنه لا يوجد شكل ثابت للقصة، فلكل قصة شكلها، أما القصة التي تقوم على الحكاية الشعبية فهو يستخلص فكرتها الأساسية وتناولها وفق رؤية جديدة حتى يستسيغها القارئ. وبذلك نستخلص أن القصة عند الناصر التومي تتميز بكلاسيكية العناصر التي يستوجبها الحكي، ووحدة المكان والزمان والحدث. وتقوم على استبطان الواقع وتستند إلى الترميز في تناول الأحداث.

 

وفي المجموعة القصصية "حدث ذات ليلة" (1) نلاحظ أن المكان كوعاء للحدث تجاوز وظيفته الواقعية إلى وظيفته الرمزية، كما أن الشخصيات المحركة للحدث هي رموز تشير إلى أشياء في الواقع دون إبرازها بصورة مباشرة . " وفي القص الرمزي، وهو قص يصبح فيه المكان مزدوج الشفرة، فإن المكان يضحى فيه مزدوج المرجعية، إحالته على الخارج لا تكسبه قيمته التعيينية وإنما يكسبها من إعادة تفكيك شفرته في ضوء الحدث الذي يرتبط به " (2).  والرموز الموظفة في القصص الرمزية هي جذور اللاشعور الجمعي من خلال الأساطير والخرافات والحكايات الشعبية، تجعل المبدع لا يرى الواقع بصورة مباشرة. لذلك فيبدو من خلال العنوان أن الحدث مقترن بفعل "حدث" وهو يؤشر إلى بداية الحكاية التي تحكى ليلا، وقد تقترن بالرموز الخرافية والأسطورية و رموزالحكي الشعبي، وحتى وإن دارت بعض القصص في فضاء مرئي واقعي فهي تكتسب شفرة مزدوجة وتشير إلى ما يتجاوز الواقع.

 

الفضاء المرئي

في قصة "الانتظار" يضحى مشهد ترقب الركاب للحافلة موضوع الحدث، وفي خضم ذلك المشهد يحتمي المنتظرون بالظل وهم خارج دائرة الصحو الكاملة. المشهد والظل انطلاقا من لحظات زمنية متسمة بوهج الحرارة صيفا، ينعكس ذلك الظل على لحظات نفسية مقتطعة من دورة الزمن، وينفتح المشهد على الحوارات الثنائية بين المنتظرين، لتتجزأ الحوارات إلى لقطات هي بمثابة تفريعات للمشهد. ولئن  لم يقم الكاتب بالوصف الخارجي للأشخاص، فقد التقط أصوات تنفذ إلى المجال الباطني لكل شخصية في لحظة أشبه بالكشف الآني عن أصداء الواقع الاجتماعي. لقد ركز الكاتب على المكونات المشهد وعلى تفريع الأصوات. ورغم وحدة المكان، وهو مكان الانتظار كمكان عيني واقعي وكفضاء مرئي، فقد توغل الكاتب في ثنايا النفس وسبر أغوارها واحتواء الحدث وهو انتظار الحافلة ليستحيل المكان إلى ركح للحدث.

 

والفضاء المرئي هو نواة القصة أيضا في قصة " خطاب الأجسام " إذ يحيلنا إلى خطاب بين القبر المشيد والقبر المنسي، ليترجم اشكالات يطرحها الإنسان على الدوام، وتتمحور حول البقاء والفناء، والتنازع بين الماضي والحاضر للانخراط في دورة الزمن والصراع بين الطبيعة والثقافة. ففي حين يعتبر القبر المشيد أن البناء " الكيان الأعظم والتزويق هو الكمال" يرى القبر المنسي أن البناء " حواجز تضله عن الحقيقة " فالموضوع لا يخلو من جدية الطرح وقد وقع حسمه في نهاية القصة عندما تعلن الفراشة أن " ما يقدمه الكائن في هذا الوجود تجاه الأجسام الحية والميتة على حد السواء "، وفي ذلك تفسير لديمومة الحياة انطلاقا من التبادل والتحول بين عناصر الحياة وعناصر الموت، وانخراط جميع الكائنات في قانون الزمن الدائري لتحوم حوله كفراشة تهوى الضياء. فالفضاء المرئي لا يخلو من الترميز. فهو بمثابة فضاء لطرح الأسئلة، تستحيل فيه الأصوات إلى أصوات سيكولوجية تعمق الأثر لدى المتلقي، ويزاوج الكاتب بين الجمود والحركة لتوليد قانون التنازع.

 

في قصة " ندما يزداد الطين بلة" فعلى الرغم من شح الشيخ وتقتيره في المال وعدم مساعدة أبناءه المتزوجين وعلى الرغم من تبريرات الشيخ لأبناءه بأن المال سيكون مصدر شقاءهم بما أنهم لم يتعبوا في تحصيله فإن الإبن الأصغر زاد في الطين بلة بما أنه حث والده على الزواج من إمرأة فتية ليسعد بماله الخاص وينجب الكثير من الورثة. فالقصة طريفة وتفسر التشبث بشهوة المال وشهوة المرأة في سن الورع والتقوى.

 

الفضاء اللامرئي

تعتبر قصة " فصل من المسرحية الإلاهية " زاخرة بتشعب حيرة الإنسان وهو يقف في مفترق طريقين على طرفي نقيض : طريق المؤمن وهو طريق اليقين والطمأنينة والاستقرار والسكينة، وطريق ملبد بغيوم التخمينات في غياب التركيز والصحو الكامل. وقد تجسد هذا الصراع بين الطريقين في نفس شيخ توفيت زوجته لكنه مازال ينبض بالشهوة والرغبة في الحياة. فهو بمثابة الإنسان يتردد بين السمو والحيوانية، تكاد نشوة المؤمن ترفعه إلى مصاف الكشف الروحي، وتكاد الرغبة ترمي به إلى أسفل سافلين. وفي لحظات الصراع ينبري مشهد متخيل لإبليس يصنع شراكه المتمثلة في خيوط الغواية العنكبوتية المتمردة على قداسة الروح ليتمرغ في وحل الغواية وخراب الروح، ويطلق وسوسته إذ يبررها كمصدر للشؤون الدنيوية البحتة. ليعي الشيخ في نهاية المطاف أنه" لن يكون غير ممثل بارع في المسرحية الإلاهية سواء اختار الهداية او الغواية ".

 

لقد اكتسح الفضاء اللامرئي ركح نفس الشيخ لتعبر عن نفس إنسانية في لحظة اضطراب وتمزق. هذا الركح دارت عليه ردود إنسانية مختلفة الحدة، تتنازع بين الإذعان والرفض، بين دفع الصراع كقادح للحركة، وبين اتفاء الفعل وضراوته، وبين توحش الجسد ومحاولة ترويضه. ثنائيات انجلت في فضاء مرئي من وحي المشاهد الحياتية.

 

المشاهد المبتورة

المشاهد المبتورة تصور بعض الصور التي تدرك حسيا أو تصوريا، سواء تم ذلك عن طريق العين المشاهدة القادرة على التقاط تفاصيل الصورة ومتمماتها، أو عن طريق الفكر الذي لا يكتفي بتلقي الصورة بل يحلل مكوناتها، وتحويلها إلى موضوع مساءلة. وطالما أن الفكر الإبداعي إحيائي بالأساس، فهو يبحث عن الحياة التي وقع اجتثاثها، ويطرح استفهاما جادا يبحث في غياب الظل عن الصورة. وعند الكشف عن المشاهد المبتورة قام الكاتب بطرق فنية تصويري تتجلى في :

 

ـ التصوير عن قرب: في قصة "واختفت الصورة " حيث يستحيل موضوع القصة تلك "الصورة المشوهة " التي التقطها أحدهم قرب "برج ايفال" واتخذها مصدر رزق. تلك الصورة مرآة لصورة حاملها الذي أطنب الكاتب في وصفه بطريقة تثير القرف والسخرية في آن " يتصنع ابتسامة التثعلب ". الصورة تخلو من روح الإنسان ومن أبعاد جمالية، ولا تفضي إلى أي معنى " كانت الصورة متآكلة من كثرة تنقلها بين يديه وجيوبه وقد امحت معالمها وظهر برج ايفال فيها وكأنه طاحونة هوائية معطبة ومهجورة ولم يكن يرى منه أصدقائه بالصورة غير هامات فاقدة لأشكالها البشرية "، فالصورة التي صورت عن قرب بمثابة صورة كاريكاتورية تبحث في حقيقة صاحبها وتعري عيوبه.

 

ـ معالجة القيم: اختفت الروح في قصة " واختفت الصورة " ولم يبرز إلا سطحها المشوه، فلقد تراءت الصورة واضحة ناصعة وحية في قصة " النخلة والصنم ". فالنخيل الذي يمتلك مقومات جمالية تضفي على المكان سحرا غير خفي، لذلك نقلت النخيلة الصغيرة وسط الساحة العمومية " وعند اكتمال بهاء الصورة المضيئة، عكس عليها الكاتب ظلاما متدرجا لتختفي إشعاعاتها الضوئية. حيث وقع بتر عطاء النخلة عند تساقط ثمارها على الأرض ورفسها. كما وقع اسئصال جذورها عند قطعها بكل بأس وفأس. فالقصة تصور غياب الجمال الروحي في خضم هذا العصر.

 

في قصة " إشهار النهود " رصد الراوي وهو كاتب قصة صورة لفتاة شبع عارية في الساحة العامة لصقت كآداة إشهار لسلع نسائية وصورة أخرى لمرأة أخرى ذات وشاح. رصد الكاتب حوارا بين الصورتين لينصص على أن المرأة في الملصقات الإشهارية ما هي إلا صورة تغتصبها العيون والأيادي التي تخربش الصورة عابثة بتفاصيل الجسد، لتحل صورة أخرى محلها لفتاة أجمل تقوم بالدعاية لسلعة أخرى. فالقصة تعالج غياب القيم التي حولت من المرأة مجرد سلعة رخيصة.

 

في قصة "دخان " يكتشف الزوج أن امرأته تحتفظ بعلبة سجائر وعلبة كبريت في حقيبتها اليدوية وهو المنحدر من الريف والذي يرى المرأة المدخنة في صورة العاهر، ورغم أنها شرحت له سبب تدخينها قبل الزواج في بيئة مغلولة بالمشاكل ورغبتها المستمرة في التخلص من إدمانها إلا أنه كان يرى أن مشكلة زوجته لا تعنيه إلا لكونها تتعارض مع المبادئ والقيم التي تربى عليها. وبذلك يعالج الكاتب في هذه القصة انهيار القيم التي دفعت المرأة لتلويث نفسها بعادات غير مستحسنة.

 

قصص رمزية

الرمز انطلاقا من المكان الأسطوري

الرمز الأسطوري في قصة "حكاية مملكة الإنس" هو مطية لاستخدام الرمز. فمملكة الإنس التي تفتقت من بحر لجاج ويئس البحر من استردادها فدفع أساطيل الغزاة إلى سواحلها لينهبوها ويستعبدونها، مما دفع وحش كاسر إلى الطمع في هذه المملكة، ولكن رجل اعتلى صخرة صماء على ساحل البحر وعرف ماهية الوحش ونقاط قوته وضعفه، وأجهض عليه ليجهض على أسطورته، فولي على البلاد. وعند كبره نصب إبنيه صخر - رمز البطش - ونور - رمز الحكمة - ليقتسما البلاد. فقام صخر بصرع نور وسجنه في قبو إلى أن مات. ومنطق الأسطورة هو منطق الصراع بين العدالة والظلم، وقد استعار الكاتب القصص الديني ليظهر الصراع بين قابيل وهابيل. ولكنه أنهى القصة بعودة مملكة الإنس للبحر كنهاية للشرور الإنسانية، أو بهلاك المملكة عن طريق انفجار بركان. فعودته إلى الأسطورة هي عودة إلى الرب الذي يلعب دورا أساسيا في تحديد مصير البشر التراجيدي بفعل خارق. وهي تروي أحداث الخراب والدمار قبل ظهور التاريخ المكتوب.

 

الرمز انطلاقا من المكان الصناعي

على خلاف المكان الأسطوري يفقد المكان الصناعي قداسته، وينبت عن جذوره. ففي التاريخ القديم كانت الآلهة هي التي تصنع مصير الإنسان لكن في قصة " عصيان في  المملكة البيضاء " حيث يفقس البيض اصطناعيا وتنشأ الفراخ دون أمومة، حيث اللون واحد والذاكرة مستأصلة والإرادة منعدمة ينجلي الحدث الرئيسي في القصة وهو ظهور فرخ على غير صورة الفراخ الاصطناعية فهو أقل بياضا وقليل الأكل، يتساءل عن سبب اختفاء الفراخ السمينة وهيمنة عالم العمالقة، مما أدى به للخروج من مملكة الفراخ الاصطناعية ليلتقي دجاجة مزركشة سألها عن حقيقة تاريخه، لكنه أخبرته أن خلاصه في معرفة خروجه من المملكة البيضاء، وعند عودته فقد خلف  وراءه أسئلة اختفاءه. فالقصة استعارة لمجتمع مجهول الهوية التاريخية يفتقد للقيم .

 

الرمز انطلاقا من المكان الواقعي

في قصة " منطق الحوت " وهي استعارة لمنطق الطير ينطق الكاتب سمكة اقتحمت مجلس الشيوخ لتندد بقانون البحر حيث يأكل الحوت القوي الحوت الضعيف، في حين أن قانون المجلس يدرك أن التناحر هو قدر الإنسان والحيوان منذ بداية الحياة على الأرض. وغم ما أثارته السمكة من حوار بين أعضاء المجلس التي ترددت بين الحكمة والظلم فإن النهاية كانت لصالح النائب الوحشي الذي " فغر فاه، ارتعدت فرائض الحاضرين من حدة أنيابه، وتسارعوا خارج المكان يسبقهم رئيس المجلس، فاحتضنهم السواد " ص42. فالرمز هنا شفاف وهو يشير إلى مجلس الأمن الذي طوعته القوى الكبرى لخدمة مصالحها.

 

في قصة " الأرض اليباب " تبدو الأحداث أكثر حيوية، وأكثر ترميزا في فضاء ضبطت فيه ملامحه وحدوده وآفاقه يحيل إلى طريق يتفرع إلى القرية، ويؤدي إلى الجبل. طريق سلكه الجمل الهارب، وهي طريق وعرة، صخرية، تكثر فيها النتوءات والأخاديد ولا قدرة لأحد على خوض صعابها. وتشير تفاصيل الفضاء المرئي إلى درب مختلف، خارج عن دائرة المكان المعتاد المغلق، إلى عوالم التيه والمجهول. هذا الفضاء المدرك حسيا عبر الرؤية يستحيل إلى فضاء غير مرئي حافل باندفاع الأجساد وحركتها وأصداء الأصوات الصاخبة ليتابع الجماعة العصود للجبل بينما " الجبل ما يزال يتمطط فتبتعد نهايته " إن كطريق السؤال الذي لن يؤدي إلى اليقين.

 

قصص ترمز للصراع الفكري والنفسي

تصور القصص الاجتماعية ذلك الصراع بين الأفكار والقيم ففي قصة " حدث ذات ليلة " على الرغم من أن طرفي الصراع قد انبثقا من رحم واحد وهو رحم الأم القروية التي صار إبنها الأكبر عمدة القرية وإبنها الدكتور آداة للشغب بما أنه يعتنق فلسفة الإلحاد وينخرط في العمل السياسي اليساري المعارض. وتزخر القصة بالحوار بين طرفي الصراع، ولكنه الصراع الذي يبلور حيرة الأم وقلقها على مصير إبنها الدكتور، لذلك تبدأ القصة بقلق الأم على إبنها الذي لم يعد وتنتهي بنفس الحيرة والقلق. ولئن استعمل الكاتب السرد والتقرير والحوار المباشر فإن تصوير مشاهد حيرة الأم في الحوش لا تخلو من استعارات ولغة موحية تعكس القلق الظاهر : " كانت السحب تتسلل من سماء القرية متفرقة، فتظهر بينها النجوم متلألئة بين الحين وتتفاءل الأم بظهورها، وتتشاءم بأفولها، حتى استقر بصرها على هضبة القرية حيث تلتحم بها قبة السماء، وتنحدر منها الطريق الكبيرة، ومنها تظهر هالة الفجر " ص119

 

في قصة " شطحات في العمق " نلمس الصراع في الافكار بين الراوي وصديقه الذي يشترك معه في نفس الهموم والهواجس إلا أنه يعيب عليه صراحته المفرطة، بما أنه يرى البشر في مختلف أطوار تاريخهم انطلاقا من عصر الغاب إلى عصر الاعتقاد في الكائنات الطبيعية  والإشراك بمن نفث فيهم من روحه، فهو صورة أضخم من القرد المعتوه بل هو غوريلا مرعبة لا يؤتمن له جانب، فالشر نواة للبشر واختياراته السياسية المؤدية للحروب تحول من الخراب سيد الأمكنة والأزمنة. مستشهدا بمأساة طروادة وتشريد شعبها وبمآسي سقوط الأمم العظيمة في العصر القديم والعصر الحديث، لنكتشف في آخر القصة أن الصراع كان يدور في ذهن الكاتب القصصي وهو يتحاور مع نفسه بصوت مسموع. فهذا الصراع هو الذي يدور بينه وبين نفسه ولكنه لا يبرزه في الواقع الذي يتكيف حسب أخلاقيات التعبير بين طياته. فيبقى الصوت رهين المحاورة الفردية والذات الكاتبة سيما وأن الشاب الذي قطع عليه حديثه مع ذاته كان معجبا بقصصه التي أشاد بجرأتها في تناول المسكوت عنه.

 

في قصة "عودة الأصنام" الذي يتناول فيه الشيخ الدرس حول أصنام الماضي التي كانت تحل محل الإلاه، كانت أسئلة الطالب تتمحور حول أصنام العصر الحديث التي عادت في صور رجال السياسة. ولكن حصة الدرس التي نقلت أصدائها لجهة ما جعلت الطلبة يساقون إلى مصحة ما كفيلة بزرع أجهزة التنصت تحت جماجمهم.

 

ويتجسد هذا الصراع في قصة " الديناصور والأطفال " فالأطفال هم مصدر الضجيج حين ترتطم كرتهم بحيطان شقة الراوي، والديناصور الذي تملكه جعله يقوم بمواقف متبرمة من ذلك اللعب إلى أن منع الأطفال من الاقتراب من شقته. وعندما حل الهدوء محل الضجيج أضحى يلعب مع بناته بالكرة حتى يسترجع أجواء لعب الأطفال وصخبهم ويستدرجهم للعودة للعب وقد أدرك أنه قتل الديناصور في أعماقه الذي كان يحول بينه وبين عالم الأطفال.

 

في قصة " الخسوف " يعاقب عالم الفلك بمجرد أنه أخبر العامة أن الخسوف سيحدث في توقيت معين، ورغم صدق حساباته الفلكية فقد أقر بطانة الملك بأن المشعوذين كذبوا ولو صدقوا أو صدفوا، فثمة صراع بين الفكر الرسمي والفكر العامي في هذه القصة.

 

ملامح القصة القصيرة في المجموعة القصصية "حدث ذات ليلة " للناصر التومي لم تنحرف عن التوجه الاجتماعي والأسطوري على أنها نفذت إلى النفس الإنسانية ونفثت فيها الحياة في الأشياء الساكنة. وشحنتها بالحركة لتستحيل القصة إلى محك للأسئلة والتأملات ونزعت الصرامة والجدية عن التفكير. كما تناولت المسائل الوجودية في لحظات تكتنفها الظلال، ويعوزها الصحو التام. مع العودة إلى الظلال، بواطن الأمور، الوجه الآخر الممكن، هتك القناع، والتحرر من المظاهر المميتة قصصيا عبر تصويرها في فضاءات مرئية وغير مرئية. وتبقى هذه القصص رمزية بالأساس ولكنه الرمز الواضح والشفاف القريب من فهم القارئ مهما كانت ثقافته.

 

...........................

(1) : حدث ذات ليلة، م ق للناصر التومي، دار سحر للنشر، فيفري 2003، الطبعة الأولى

(2)  توفيق قريرة، المكان القصصي ومفهوم الانسجام الخطابي، مجلة الحياة الثقافية، ماي2003، العدد145

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1305 الثلاثاء 02/02/2010)

 

 

في المثقف اليوم