قضايا وآراء

طبيعة الخلاف على تسمية القانون الجنائي الدولي

أطلق عليه مصطلح: القانون الدولي الجنائي، ومنهم من عبر عنه بأنه: القانون الجنائي الدولي، والآخر قال عنه بأنه: القانون الجنائي فوق الوطني، أو القانون الجنائي الدولي العام .

وقد اقترح الفقيه (دي بيللا) اصطلاح: القانون الجنائي بين الدول للتعبير عن القواعد الجنائية الدولية، بينما ذهب (ليفاسير) إلى أنَّ: القواعد الجنائية الدولية يتضمنها: (ذلك الفرع من القانون الجنائي - الذي ظهر حديثاً غير مكتمل – للعقاب على الجرائم المرتكبة في العلاقات بين الدول، وعلى الأخص خلال الحروب) .

وذهب الدكتور (مرشد أحمد السيد)، والأستاذ (أحمد غازي الهرمزي) في كتابهما (القضاء الدولي الجنائي) إلى أنَّ التسمية الصحيحة للقواعد الجنائية الدولية هي: القانون الدولي الجنائي، لأنَّ هذا القانون يختلف عن القانون الجنائي الدولي، فالأول يمس النظام العام الدولي، ونطاقه الجرائم التي تمس البشرية، بينما الثاني فيمس النظام العام الداخلي (الوطني)، وفقاً لقاعدة مكانية الجريمة وسيادة الدولة على أرضها، ولذا يثار موضوع تنازع القوانين إذا كان مرتكب الجريمة أجنبياً، وعليه يكون القانون الدولي الجنائي فرعاً من فروع القانون الدولي العام، أما القانون الجنائي الدولي فيكون فرعاً من فروع القانون الجنائي الداخلي (الوطني)، وهذا يتفق مع الفقه الفرنسي الذي يرى بأنَّ: القانون الجنائي الدولي هو: (علم يدرس تنازع القوانين الجنائية الداخلية والحلول التي تحل بها الدول هذا التنازع سواء من جانب واحد أو باتفاق أو اتفاقية).

والاتجاه نفسه نراه سابقاً عند الدكتور (حميد السعدي) في كتابه (مقدمة في دراسة القانون الدولي الجنائي) مستنداً فيه إلى رأي الفقيه (جلاسر GLASER )، الذي يرى بأنَّ: القانون الدولي الجنائي هو: (مجموعة القواعد القانونية المعترف بها في العلاقات الدولية والتي تهدف إلى حماية النظام القانوني والاجتماعي الدولي، بواسطة العقاب على الأعمال الماسة به). ولذا ينتقد الدكتور (السعدي) من يستعمل مصطلح القانون الجنائي للدول للتعبير عن القواعد الجنائية الدولية، لأنه يقتصر على مسؤولية الدول التي تصدر الجرائم عنها، وبالتالي لا يشمل الجرائم الدولية التي يقوم بها الأفراد باسم الدولة أو لمصلحتها.

فيما يذهب الدكتور(سعيد عبد اللطيف حسن) في كتابه (المحكمة الجنائية الدولية) إلى رأي مخالف، حيث يرجح مصطلح: القانون الجنائي الدولي، ويرى بأنَّ المصطلحات القانونية من المفيد أن تستخدم استخداماً واحداً يعبر عن معنى يفهمه الجميع، ويتطابق في نفس الوقت مع حقائق الأمور وطبائعها .

على أية حال بعض الفقهاء رجحوا تسمية القانون الدولي الجنائي للتعبير عن القواعد الجنائية الدولية، والبعض الآخر خالف ذلك وأطلق عليها تسمية القانون الجنائي الدولي للتعبير عن مجموعة القواعد التي تعاقب على الجرائم الدولية، فيما ذهبت آراء فقهية أخرى إلى تسمية هذه القواعد بمصطلح القانون الجزائي الدولي، للتعبير عن القواعد التي تعاقب على الإجرام الدولي.

وأتصور أنَّ هذا الخلاف الفقهي على تسمية القواعد الجنائية الدولية مرده إلى التداخل بين القوانين الجنائية سواء كانت دولية أم داخلية، وقد انساق الباحثون القانونيون العرب وراء الفقه الأوروبي غير المتفق على تسمية موحدة للقواعد الجنائية الدولية، واختلفوا أيضاً في التسمية، دون أن يكون لهم رأي مستقل يستنبطونه من اجتهادهم المستند إلى طبيعة كل قانون، وخصائصه، ومجال تطبيقه، وأركانه الموضوعية والشكلية (الإجرائية).

ولذا فأنا أميل إلى رأي الدكتور (سعيد عبد اللطيف حسن)، الذي يرجح تعبير القانون الجنائي الدولي الذي يسود التعبير عنه بالقانون الدولي الجنائي، لأنه مجموعة من (القواعد القانونية الدولية التي تعاقب على فئات خطيرة من الجرائم الدولية التي تشكل انتهاكاً لسيادة الدول وعدواناً على الشعوب وتهدد السلم الدولي وتؤذي الضمير الإنساني في مجموعه سواء في وقت السلم أو أثناء الحرب، وتحدد سبل مكافحتها دولياً، وتبين الإجراءات المتبعة لمحاكمة وعقاب مرتكبيها وجهة القضاء الجنائي الدولي المختصة بذلك، وتحكم تنازع الاختصاص في شأنها بين القضاء الجنائي الدولي وجهات القضاء الداخلي وبينه وبين مجلس الأمن الدولي) .

 أرجح هذا المعنى المتعلق بالقواعد الجنائية الدولية من أجل انسجام المصطلح مع الوقائع الدولية ليكون مفهوماً للجميع، دون ضياع في متاهات الفقه الأوروبي وتقليده، وأعتقد أنَّ ذلك سيشجع على صياغة نظريات عربية وإسلامية جديدة في مجال الفقه الجنائي الدولي .

كما أقترح أيضاً - من أجل حل هذه الإشكالية والاتفاق على مصطلح موحد- تسمية القانون الجنائي الدولي (الوطني) بالقانون الجنائي الدولي الخاص، لوجود العنصر الأجنبي، وتنازع القوانين . وتسمية القواعد الجنائية الدولية في محيط العلاقات الدولية: بالقانون الجنائي الدولي العام، وبذلك تحل هذه المعضلة التي لم تحسم لحد الآن بين الفقهاء القانونيين الدوليين .

والملاحظ أنَّ القانون الدولي الخاص: (يقوم على مبدأ مسلم به مقدماً ويرجع إلى القرن الثالث عشر وهو القبول بتطبيق القانون الأجنبي وهذا ما أدى إلى بلورة علم جديد يقوم عليه القانون الدولي الخاص وهو (تنازع القوانين) الذي لا يزال يشكل إلى اليوم موضوعه الأساسي . والتمييز بين الحالات التي يطبق فيها القانون الوطني والحالات التي يطبق فيها القانون الأجنبي هو ما يعرف بمنهجية أو (تقنية) تنازع أو تزاحم القوانين لحل النزاعات الخاصة الدولية).

على صعيد آخر نرى بموازاة ذلك بأنَّ: القانون الدولي العام قد تطور ليشمل كافة الأنشطة، التي كانت حكراً على القوانين الوطنية، وتفرعت عنه فروع عديدة، مثل القانون الدستوري الدولي، والقانون الإداري الدولي، والقانون البحري الدولي، وقانون العمل الدولي، والقانون البحري الدولي للتنمية  الاقتصادية، وقانون الضرائب الدولي، وقانون القضاء الدولي . ولذا لا يمنع من الأخذ بتسمية القانون الجنائي الدولي  وفق المعايير القانونية التي تحدثنا عنها، وفصلنا فيها. ويعزز وجهة نظرنا هذه أنَّ المشرع الدولي قد أسمى المحكمة الدولية باسم: المحكمة الجنائية الدولية، على غرار محكمة العدل الدولية، ولم يسمها بالمحكمة الدولية الجنائية .

وهكذا يتبين لنا بأنَّ: القانون الجنائي الدولي العام - الذي يسود التعبير عنه بالقانون الدولي الجنائي – هو مجموعة قواعد قانونية مصدرها المعاهدات الدولية والعرف الدولي والمواثيق الدولية لمعاقبة مرتكبي الجرائم الدولية  الخطيرة، وصيانة الأمن والاستقرار الدوليين .

 

الدكتور قاسم خضير عباس

خبير قانون دولي وجنائي 

[email protected]

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1305 الثلاثاء 02/02/2010)

 

 

في المثقف اليوم