قضايا وآراء

قراءة في رواية أشلاء مقطعة للدكتورة آمال كاشف الغطاء

والإبداع الفني والفكري، والدكتورة آمال كاشف الغطاء واحدة من المبدعات العراقيات لما لها من منجز إبداعي كبير كنت قد اطلعت عليه ، ونحن نعتز بها وبأدبها وفكرها..

مهمة الأدب هي كشف العلاقة ما بين الإنسان وبين العالم الذي يحيط به في لحظة من اللحظات المعاشة . وكذلك فعلت (د. آمال) في روايتها (أشلاء مقطعة) فقد كشفت شراك العلاقات لذلك نرى أن أحداث الرواية تخطت الزمن لتستقر وراء تلك اللحظة المعاشة . فعندما رسمت معالم شخصياتها وأماكنهم وزمانهم فإنها حاولت الكشف عن العلاقة الحيوية بين الإنسان وبين الحياة .

إننا نعيش الحياة دون الوقوف عندها وتأملها إلا إن الرواية بعوالمها الواقعية أو المطابقة للواقع الى حد ما تحاول التقاط صورة ثم وضع الميكروسكوب عليها لمعرفة تفاصيلها بعناية ودقة وحتى عوالم الرواية الفنتازية ما هي إلا مقاربات لواقع فكري وأجوبة لأسئلة غائرة في العقل الإنساني. إذ يمكننا القول إن الرواية الناجحة هي التي تصور لنا البعد الرابع لتلك الحياة .. واعتقد إن رواية (أشلاء مقطعة) قد عرت وفضحت الإنسان على مستوى عوالمه المتعددة وبذلك قد كشفت لنا عن أبعاد إنسانية عميقة . فهي رواية تستكشف الإنسان في أعمق نقاطه لأنها رحلة جالت في الإنسان على ثلاث مستويات:

 

1. المستوى الأول: رحلة الإنسان بمحيطه وعلاقته بالإنسان الأخر .

2. المستوى الثاني: رحلة الإنسان وهو يبحث عن إجابات فكرية لطالما حيرته .

3. المستوى الثالث: رحلة الإنسان الى ذاته واكتشاف مشاعره وأحاسيسه.

 

المستوى الأول

* تجسد المستوى الأول حينما سلط الراوي العليم (كما يسميه سعيد يقطين) ضوءه على الجبهة وجبالها وانهزام بطلها في الحرب ، أي انهزام الانسان وانسحاقه امام الحياة الصعبة .

 

المستوى الثاني

* تجسد المستوى الثاني في رحلة البطل وعائلته الى عالم الأخرى وما جرى من حساب من قبل (الصوت) لكل من الأم والأب . وبذلك انتقلت الرواية من مستوى واقعي الى مستوى فنتازي افتراضي. فقد يشعر المتلقي عند قراءته للفصل الأول إنها رواية واقعية ثم سرعان ما يغير رأيه في الفصل الثاني فيتصور إنها رواية فنتازية إلا إن المتلقي الواعي وهو يكمل الرواية فصلا فصلا يجدها تنسج خيوطها عبر فك خيوط الواقع وأسراره والبحث عن إجابات حيرت الإنسان تتعلق بما بعد الحياة .

 

المستوى الثالث

* أما المستوى الثالث فيتجسد في رحلة الإنسان الى ذاته. نلاحظ ذلك في الفصل الرابع حينما يتساءل البطل: (أبي هل أحبه؟.. نعم . هل امقته؟ ... نعم) ثم يستمر في رحلة الذات في الفصل الخامس بنفس الاسلوب (أمي هل أحبها..؟ لا .. هل امقتها؟ .. لا) وكذلك في الفصل السادس.

إن هذه المستويات والانتقال عبرها هو بحث في محيط الإنسان (الخارجي والداخلي) أما بطل  هذه الرواية هو الإنسان ولكن كيف تقدم الرواية هذا البطل : تقدم الرواية بطلا بدءا بعنفوانه بجبهات القتال ثم ضعفه في المستشفى ثم باحث عن الحقيقة ومتأملا بالحياة ثم باحث عن الذات لكنه وبكل مراحله ماهو إلا بطل منهزم مسلوب الإرادة مقطع الأشلاء كما تصوره لنا الرواية في فصلها التاسع والعاشر فالبطل في الفصل العاشر يقول: لقد انفصلت عن يدي وضعت في أزقة الذكريات) وما هذا الانفصال إلا انفصال الإنسان عن إرادته .. ثم انهزامية أمام الواقع عبر قبوله بحتميات الواقع كما يعبر عنه الراوي الجواني0عدت الى فراشي بعد أن سلمت بفقدان احد أطرافي السفلية واحد أطرافي العليا) ثم تستمر الرواية بتصوير البطل المنهزم كما حدث في الفصل الأخير حينما زورت وقائع وصور البطل عبر زج جملة من الأكاذيب لتلميع صورة الحرب وخلاصة القول إن اتكاء الرواية على بطل انهزامي مقطع الأشلاء لم يأت بصورة عفوية أو مجانية وإنما جاء بصورة واعية تعمدته الكاتبة لتبث وجهة نظرها الرافضة للحرب فكأني استحضر رسالة الروائي دوس باسوس.. يقول الكاتب دوس باسوس في رسالة كتبها الى صديقه (مارفت): (الحرب حقيقة لا معنى لها . إنها مثل سرطان يتغذى على الأكاذيب وعلى الذات التي تنشر الحقد والكراهية من جانب أولئك الذين لا يشتركون في القتال . إن من بين كل الأشياء في هذا العالم نجد إن الحكومة هي اقل الأشياء التي تستحق المرء أن يقاتل من اجلها).

ثم إن انتقال الروائية من واقعية الى فنتازيا جاء ليعبر عن جملة من الانشغالات الفكرية التي تشغل بال الكاتبة  و الإنسان أينما كان فضلا عن إن هذا الاسلوب أو هذه الانتقالة جاءت لكسر الروتين الذي قد يصيب المتلقي إذ ما جاءت الرواية بنمط واقعي على وتيرة واحدة. أما أسلوب الرواية فقد مالت الروائية الى الأسلوب المباشر الذي يليق بمقام الواقعية لتحقق بذلك صورة ملائمة لواقع معاش وكذلك عمدت الى الانتقال من الراوي العليم الى الراوي الجواني وهو البطل لأسباب تتعلق بمنطقية الراوي فضلا عن تنوع أساليب الروي ثم إن جمع خيوط الفصول عبر دالها ومدلولها يقودنا الى رسم عنوان يعد عتبة النص . فجاء العنوان (الأشلاء المقطعة)  ملائما ومتناغما مع ما أرادت الكاتبة من إيصاله في رسالتها الروائية.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1306 الاربعاء 03/02/2010)

 

 

في المثقف اليوم