قضايا وآراء

قراءة منقطعة الرؤى في سيرة التتار في شعر عبد الله عباس خضير

ومن هنا افتح فنجان العراف لا كشف عن دلالات غائبة لا يستطيع كشفها إلا الشاعر الناقد وليس الشاعر فقط

وكلنا نعلم بان العلاقة بين الشعر ومباحث النفس ليست بالجديدة على حد تعبير الدكتورمحمد مبارك في الوعي الشعري والشاعر ليس لديه سوى اللغة وسيلة للبوح فهي ما يميزه عن غيره فالكل تكتب ولكن القلائل من تؤثر في النفسباء ولكن المشاهير قلائل فالشعر كمهنة الطب مبدعوه قلائل كما اجد الشاعر عبد الله عباس مبدعا وخاصة في رمزية ميامي  التي تقوم على إشكاليات تنبعث من رؤى أولها الإشارة إلى براثن الفساد في هذا الكون هذه الفرائس  التي تفوح منها رائحة الفساد والجريمة في مدينة متشحة بوشاح الدمامة والقبح والأخيلة السود هي أشبه بمدينة بودلير، تلك المدينة الشاحبة التي تطلق أشباحها في الظهيرة، ولكنها مدينة عبدالله الخائف على المدينة في قوله"

إن أباك يحب النخلة التي تحبينها

وكانت مهددة بالجراد

علموها ألا تقف في منتصف الطريق

ليست حكما ومواعظ  يقدمها لابنته بل احتياط من رهبة الزمن وغدر المدينة فقد أهديت انا المتكلم ديواني السادس إلى ولدي علي الصغير وقلت له بالحرف الواحد إني أخاف عليك كثيرا من مدينتي

 

لقد نمذج الشاعر مسببات غربته وأسره ورحيله ولا جدوى من الخوض في أسبابها فنحن أمام نص وفن شعري لا نريد إلا الزبد من اللبن

وكلنا نعلم أن رامبو الشاعر الكبير قدم أكثر إعماله أصالة وإبداعاً وهو في سن المراهقة، أما حين أحس بموت الطفل المراهق في داخله هجر الشعر احتراما لفنه، ولم يدنس الكلمة الشعرية المقدسة فاندمج في الحياة العملية الروتينية وكان ذلك يعد مخرجاً مشرفاً لمسيرته ولكن الشاعر الأسير عبدالله لا يريد أن يكون رامبو عراقيا بل يترجم لنا البداية قائلا

في البدء الصحراء

الخيمة

والهجرات وثدي الغيمة

في البدء الرجز البدوي

المحروق بنيران السيف

في البدء الأطلال

الطيف

ومضارب عبس وهوازن

وصهيل خيول بني مازن

 

لا يشك اثنان بصدق أطلاله والأمس الكلثومي الممزق بالهجاء

قصيدة قالها عمرو بن كلثوم

وهذه حقيقة لا يختلف اثنان فيها صحراء وخيمة وسيف وتأبط شرا وقتال واخذ بالثار هذه حقيقة العربي ولا نقلل من قيمه أبدا والتاريخ يؤكد ذلك والقران يكشف كل صغيرة وكبيرة في لمحات واضحة عن الوأد للنساء حتى ظلت المرأة سجينة ألف عام

أن الشاعر يتخذ من شخصية نصر بن عدي قناعا والحقيقة هو الشاعر الواقع في الأسر بأسلوب شفاف وفن كبير

حدثنا العبد الصالح

نصر بن عدي

في القرن الخامس بعد الإلف

كان أسيرا في أيدي الفرس

 

وهو يسفر عن ذكر حقائق السجون والأسر قائلا:

لم نشرب ماء

كان السوط

يأكل أظهرنا للقدمين

مجرم من يتكلم

مجرم من يتبسم

مجرم من يعبد الله إذا لم يشرب الدم

 

حقيقة شعرية ارسمها على مسافة الورق وربما لم أكن ناقدا حصيفا دقيقا في قراءاتي بل متذوق له وجهة نظر تصيب وتخطيء ولكنني أراها قدحة جديدة للشاعر خاصة وهو ينقل بواقعية ذاك الزمن الصعب لم نعشه ولكننا نشعر بصعوبته وهذا يدل على قدرة للشاعر في سحب منلوجيا الزمن إلى الإمام قوله:

وأضاف العبد الصالح

كنا نجمع نحت الثلج عراة

نحرس أكداس الثلج عراة

كنا عند النوم نسب

وعند الفجر نسب

وحين نصلي لله نسب

وفي الطابور الواقف يحلم في جرعة ماء

 

نعم هذه حكاية الإنسانية في أي زمن لا يتغير إنساننا بل تتبدل الشخوص ولا تتبدل النفوس لماذا أيتها الحرية كيف تقبلين على الشر كيف وقف حسينك ثائرا صارخا هيهات منا الذلة

حتى كأني لا املك أعصابي وأكمل القصيدة هذه وما فيها من عذاب مرسوم ومن عقاب صارم

كنا  نعض على الوطن الصامد بالأسنان

بالصرخة في وجه المسخ

وبالوثبة في وجه السجان

بالإضراب الشامل والعصيان

 

هنا تنطلق الثورة بالرغم من العذابات الصعبة التي ذكرها فلن يموت الحر الرياحي أمام جيش الكفر اليزيدي ولن يموت الحسين بسيف زياد بل انتصر على قاتله فلمن يقدم الإدانة الشاعر ؟ليس له إلا أن يصرخ بنشيده الخالد عاش النخل

هذه إحالات لم لا يقرا التاريخ ولا أريد ان احدد مكان الأسر بل اتركه للقاري لير كيف تتعامل الشعوب مع الإنسان وهي تحمل الله اكبر وساما

ومن مرجعيات حزنه الأخرى المربد فقد قدم له العزاء بعد العزاء لما صار به فقد ابتعد عنه الشعراء وهو يناطق قول الشاعر قبله

أضاعوني وأي فتى أضاعوا     ليوم كريهة وسداد ثغر

 

لست أنت الضائع بل كلنا مثلك ضائعون مبعدون عن المربد لم نحضر ولا تقدم لنا الدعوات ويحسبوننا لا نعرف الشعر عن قريب وعن بعيد

وفي البصرة لا يوجد حفل إلا واشتركنا فيه والمربد يجهل أسماءنا

وأرجو أن تسجل معي في مربد الحسين حين قلت في قصيدتي:

الناس تقرا في الحياة بمربد    وإنا اتخذتك ياحسين المربدا

 

وليس شرطا ان ننتمي للمربد فقد مات البريكان دون أن يدخل بابه يوما وتعال لتر ما يحتله البريكان من سمعة وريادة شعرية فالمربد لا يريد الحقيقة بل الإعلام فقط وصدقت حين قلت:

واعرف ان منك النور   يغمرنا ومنك المد

 

لقد أنطفا ضوء المربد السبعيني يوم الجواهري ونزار وسليمان العيسى ولميعة وآخرين وكم أراك جاهدا في حوار الينابيع وكم أراك تبث شجونك لماروت وهاروت وأنت تضيع في النبع لسانك ولكن النبع قد انقطع في قصيدة أخرى في قولك:

حدثني النبع

وكان الكون

عجينة ترحل في التنور

 

ولكن ثمة راية تبزغ من بغداد عليك أن تنتظرها في قدوم الإمام ولا تستعجل فالعلامات واضحة وان شجرتك العتيدة في جذورها تنمو رويدا مادامت أسوارك تتساقط في حضرة الأرض وتصلي عصافيرك للحلم الجسد الشجرة فان الأشجار تموت واقفة(مثل امتنا التي قتلتها السلطات وذبحها سيف الحكوما ت بمعنى أن أوجه النشاط البشري على مستوى الفكر أو السلوك لم تكن عقيمة أو بلا جدوى بل هي عملية إنتاج دلالات مستمرة، لا تتوقف عند محطة معينة، إنما هي تتجه دائماً بنزعتها نحو تحقيق الأمثل في تغيير الوعي القائم إلى أقصى وعي وأنت تفصح عن هذا الخيط الضعيف من الأمل في طقوس الميلاد"

مثلما من رحم الظلمة ينسل الضياء

هكذا الفارس خلق ومخاض ثم جاء

 

تلك الأمة التي تركت بصماتها في سجل الحضارة ولكن أبناءها ياسيدي هم الذين ضيعوا تاريخها العريق

انه ميلاد امة

نهضت من موتها صاعدة نحو السماء

وحدت ركب الحضارات ومنها عرف الكون الحداء

 

نرى فيك مسيحا مبشرا بالسلام ولكن اينه ياسيدي بعد النكسات خاصة وأنت تمتطي المعالي قائلا:كنت افلت من سورة الماء

راسي

واخرج من عدمي في الخفاء

 

هكذا تحاول أن تركض في السراب ولاشيء بعد السراب ولن تنسى خيمتك وأصالتك

عندي طعام

خيمة في العراء

مروحة وموقد في الشتاء

مازلت فوق الماء

إنا وأختي عمتي والسماء نبحث عن حواء

 

نعم هذه عودة لقول الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه واله وسلم أحبوا عمتكم النخلة ولا جدوى يا عبد الله من البحث عن حواء وكم كنت موفقا في عتاب مرير ولكن من يسمعك من يفهمك من يردد معك الهم؟؟

أليس جسرا يربط العراق

ويربط النيل بأرض الشام

أليس نهرا يشهد العناق

بين زهير وأبي تمام

 

أقول لك نعم وألف نعم ولكن لا تدق في بوق مثقوب فقد بلغت العاصفة شدتها وتمزق أهل الشاعرين زهير وحبيب

ومن مرجعيات شعرك التراث الأصيل الذي يحلب من أصل القول في قصيدة النهر  التي تقر بها دلالات وائل وبكر وعدي بن حاتم الطائي وجنيد وأعمى المعرة وثمة رمز أسطوري لوادي عبقر وكلها إشارات رائعة حقا إلى تراث ومجد عريق وآباء هزموا الزمن بقيمهم ولكن الأبناء اليوم قد خذلوهم وكم أعلنت صارخا عن انبثاق الرمل والهوية العربية وعن فاروق جديد ولكنك لا تحتاج لتعلن عن علي لأنه نبا الزمن وصحيفته المطلقة مثلما الشمس والقمر وعلي ثالثهما ولا مبرر لإزهاقك الباطل وهو معروف ولكن الأمر نجده صعبا وأنت تقول

ماذا تقولون للتاريخ ياعرب    أكبلت فرس الهيجا فما تثب

في يوسف عبرة لو ثم معتبر    يا إخوة الجب قوموا بالذي يجب

وهيهات أن تقوم راية لهم أما سمعت نزارا قبلك يخاطبهم

العالم العربي أما نعجة    مذبوحة أو حاكم قصاب

وقد عارضته عام 1987 في مجلة مرآة الأمة الكويتية وقلت له

العالم العربي أما نخلة    محطوبة ومسيطر نصاب

 

واليوم أقول إليك أيها الشاعر لا تبعث أية رسالة فلا يوجد من يهمه الأمر أبدا و لا يوجد من يصدق ان السيف اصدق أنباء من الكتب بل يوجد من يتاجر في الشعوب ويبعها بأرخص الإثمان ناكرا عروبته وضميره

ماذا تقولون للتاريخ ياعرب   فليس تدرون بالشعراء ماكتبوا

فهل تظنون ان القيد يرهبنا    وهم سليمة كذابون قد كذبوا

 

ومن مرجعيات شعريتك الجب وأنت تأخذ من يوسف جبه وترتديه قناعا فاليوسف أنت

قولك"

ثلاثون انقضت وكبرت

لا أمل ولا ذكرى تناجي طيف أمك

طيف زوجتك الحبيبة

طيف أطفال

صغار كالفراشات الملونة الصغيرة

ولم تمر بهذا الجب قافلة

فهل ستعيد هذي الأرض دورتها

انك لا تعلم وكلنا مثلك ننتظر الفرج

 

ومن مرجعيات شعريتك تلك الرسائل الراقية حقا وهي فن السرد الموثق فقد أبحت عن غربتك لحسام وميامي وحوراء  في درب الصد مارد

ولكنها المعجزة قد رجعت اليهم بإرادة الله   ووجدت حساما صبيا وكنت تخاف عليه ووجدت حوراءك كبرت بعد عشرين عاما ونيف من العذاب ولكن الأقسى أن رسائلك ضيعتها الدروب والقرنة في قولك"

ابحثي يا بنيتي في عينيك 

عن عنواني حين تضيعه كل ملفات بريد القرنة

اجلس يا بنيتي قربك فوق الرحلة

اقرأ كل دروس الصف الثاني في عينيك

كيف أضعتك ذات مساء    

لقد ضيعتك المدينة يا أبا حسام وحوراء وضيعك أهلها ولكنك لا تضيع والشعر نافذتك التي تنفس بها عن الألم وعن العمر الضائع في محبة الوطن

فلن يموت الشاعر من يفدي وطنه ويفارق أهله ويعيش الأسر عمره فالوطن حري بنا أن ننحته جبلا لا يتهافت في أعمارنا وقد نجحت شاعرا يسجل شهادته في غربة صادقة ويكتب قصيدة عصماء عنوانها سيرة التتار                  

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1306 الاربعاء 03/02/2010)

 

 

 

 

في المثقف اليوم