قضايا وآراء

لغة الحوار في الإسلام

وهي بالطبع ليست لغة القرآن أو الحديث، وإن كانت مستوحاة منها، فإن البديل الجاهز هو لغة الغرب بكل قيمها ومبادئها .

نقول ليست لغة القرآن، لأن في القرآن أحكام وشرائع جميعها يرتبط بالسماء والوحي، ولا يمكن معها مخاطبة العقل الغربي، بما هو عقل مادي تجريبي، لا يقنع ولا يؤمن إلا بما هو موجود أمامه من معطيات ووقائع، فإذا ما كان الحوار المرتجى معه حوار ديني، فإن الفشل سيكون نتيجته النهائية في ظل عدم اعتراف كل طرف بعقائد وشرائع الطرف الآخر، ونقصد به الاعتراف العملي، إن في القرآن أو الأناجيل أو التوراة، وليس ذلك الاعتراف الشفهي والمبني على قاعدة عريضة من التسامح والتآخي، الظاهر في اللقاءات الكبرى بين رجال الدين المسلمين والمسحيين واليهود، إثر كل مؤتمر أو حوار .

ومن حقنا أن نسأل، لماذا البديل دائماً هو لغة الغرب، إن كانت لغته أصلاً تسعى إلى تغير العقائد الدينية واستبدالها بأخرى سياسية تتجاوب مع تطلعاته ؟.

الإجابة على هذا السؤال، تقتضي منا تحديد نوع الحوار المطلوب من جانب الغرب أولاً، قبل أن نغوص في تحديد شروطه على أساس أنها مرتبطة بتوفر الديمقراطية، ولطالما كانت الديمقراطية، أحد أهم شروط هذا الحوار، فإنه سيغدو هنا على هيئة حوار ديني، بين الشرق والغرب وبين الإسلام والمسيحية، فشرط الديمقراطية، وكما أشرنا آنفاً، لا يتوفر في الإسلام ولا في المسيحية باعتبار أن الأديان لا تبشر بالديمقراطية كعقيدة سياسية، قدر ما تبشر بعقائدها الدينية، وهذا ما يؤكد مرة أخرى أن الحوار في أساسه سياسي، وإن تراءى للبعض بصيغة حوار ديني بين الإسلام والغرب .

إن الحوار السياسي، بات يستدعي البحث عن اللغة المناسبة لدى الإسلام، وهي غير تلك اللغة الموجودة في القرآن كما سبق أن أكدنا، لغة عصرية قوامها العقل والمنطق، وليس العنف أو الإرهاب، فتلك اللغة إذا ما استخدامها المسلمون في حوارهم مع الغرب، لا تعني البتة تخليهم عن دينهم وكتابهم، باعتبار أن الحجة التي تقوم عليها لغة الغرب أقوى وأنجع، ودائماً ما تطرح نفسها كبديل عن لغة المسلمين، فمقوماتها السياسية حاضرة بكل قوة من خلال حفاظها على جملة القيم والمبادئ، التي وإن تعارضت مع مبادئ المسلمين، إلا أنها تظل نفعية تسعى وراء مصالحها اليوم وفي المستقبل .

وما يعيق الحوار بين الشرق والغرب، ليس الدين كما يبدو من جانب المسلمين، بل الاختلاف العميق في تحديد أولويات هذا الحوار، فظاهره يبدو على هيئة حوار ديني كما يريد المسلمون، أما باطنه فيبدو على هيئة حوار سياسي بما تمليه الرغبة لدى الغرب .

ولئن كانت الديمقراطية بين المتحاورين أهم شروطه وأبرز العوامل المؤدية إلى نجاحه، فإن غيابها في الشرق عامة، ولدى المسلمين خاصة، لن يؤدي إلى استعلاء الغرب في حواره السياسي مع الشرق، بل سيوسع من المسافة الفاصلة بينهما، وسيزيد في ذات الوقت من حجم الهوة السحيقة، وهو الأمر الذي سيدفع المسلمين مستقبلاً إلى تقبل القيم الغربية وتبنيها الكامل بكل ما تنطوي عليه من تجارب، قد لا تتناسب مع موروثهم الديني والاجتماعي في ضوء التقهقر المريع، الذي وصلت إليه المجتمعات الإسلامية على مختلف الأصعدة، ومقارنتها مع ما وصلت إليه نظيرتها الغربية .

من هنا، فإن الديمقراطية باتت الشرط الأساسي لأي حوار سياسي بين الشرق الذي يمثله المسلمون، والغرب الذي تمثله جملة المصالح السياسية والاقتصادية، من دون أن تمثله المسيحية إلا ما ندر .

كما أن الحوار السياسي، يستحيل أن يغدو على هيئة حوار حضاري، ليس لأن الإسلام يخلو من الحضارة، ولا لأن المصالح والصراعات السياسية، تجعل من لفظ الحضارة مصطلحاً خاوياً لا يتمثل وجوده إلا في القواميس، إنما لأن تاريخ الحوار بين الشرق والغرب يؤكد على سياسيته، وينفي دينيته .

فإذا ما كانت الديمقراطية، أداة هذا الحوار، وهو ما ينبغي أن يكون عليه، فإنه ومن دون شك، حوار بناء، يسعى لخير الإنسانية، أما إذا كانت القوة هي لغته، فإن ذلك يعيدنا إلى الماضي، قبل مئات السنين بل وآلاف السنين، حيث الكلمة للأقوى .

وبكل الأحوال، فإن الغرب لم يكن ضعيفاً في أي مرحلة تاريخية، كحال ضعف الشرق الآن، فلكي يكون حواراً متوازناً في ظل اختلال موازين القوى، لا بد أن تلغى شروطه، وأن كانت تتصل بالديمقراطية التي يصر عليها الغرب، وبالقوة التي يحاجج عليها الشرق .

فإلغاء الحوار، وإن لم يكن متوازناً، يعني استمرار الصراع إلى ما لا نهاية، فالقصور الحاصل في مدارك الشرق، بأن الغرب لا يحاوره سوى بلغة القهر والقوة والاحتلال، وكذلك فإن اشتراطات الغرب، المتمثلة بالديمقراطية والإصلاح المتعثر تحقيقه إلى ما هنالك من جملة تعديلات اجتماعية، تعد من أبرز سمات الشرق، لن تترك مجالاً لأي حوار سياسي من شأنه أن يحد من حالة الاستقطاب الحاد بين الشرق والغرب على أقل تقدير، لاسيما في ظل فشل الحوار الديني .

كاتب سوري

[email protected]

 

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1313 الاربعاء 10/02/2010)

 

 

في المثقف اليوم