قضايا وآراء

الكراهية والمواطنة.. مدخل لثقافة المصالحة

• متى تشيع الكراهية بين الناس؟ واذا اشتعلت نارها بين الناس، فهل يمكن اخمادها؟

•ما الظروف التي تعمل على تصعيد انفعال الكراهية؟

•هل للكراهية علاقة بالمرض النفسي؟

•وهل يمكن للكراهية ان تعطّل دور العقل؟

•ما الفرق بين التنافس والصراع السياسين، وما علاقة الكراهية بكليهما؟

• ماذا تعني المواطنة؟ وماذا تعني الوطنية؟ أم أنهما مفهوم واحد؟

* ما الحقوق والواجبات التي تتضمنها المواطنة في بلد متعدد القوميات والمذاهب والاديان؟.

* ما العلاقة بين المواطنة والديمقرطية؟

• وهل العراقيون مهيئون الآن نفسيا لأن يتصالحوا؟

 

تلك تساؤلات تحتاج الى اجابات علمية لنستطيع في ضوئها تأمين تحقيق متطلبات المصالحة في المجتمع العراقي والمجتمعات التي شهدت احداثا مماثلة..ولنبدأ بالكراهية.

 

الكراهية..تحليل نفسي:

الكراهية أحد انواع الانفعالات، ويعني الانفعال Emotion بلغة علم النفس، شعور ايجابي أو سلبي نحو شخص أو جماعة أو موضوع يكون مصحوبا" باستثارة فسيولوجية، و بفكرة أو خبرة عقلية شعورية، وبسلوك صريح.

 

والكراهية، بوصفها انفعال، لها أربعة أبعاد:

* بيولوجي Biological

* معرفي Cognitive

* سلوكي Behavioral

* واجتماعي حضاري Socioculrural

 

ويقصد بالبعد البيولوجي ان الجهاز السمبثاوي " المسؤول عن احداث الاستثارة في الجسم " والباراسمبثاوي "المسؤول عن تهدئة الجسم" ينشطان في حالة حصول انفعال يحدثه تنبيه أو مثير أو موقف معين. فيما يتدخل البعد المعرفي "العقلي" في تصعيد الانفعال أو خفضه،تبعا للفكرة التي يحملها الفرد بخصوص الموضوع او المثير. اما المكوّن السلوكي للانفعال، فأنه يظهر من خلال تعابير الوجه ولغة الجسد التي تعمل أيضا" اما على زيادة مستوى الانفعال أو خفضه.

وفيما يخص العوامل الحضارية ــ الاجتماعية، فأن الشعوب تختلف في التعبير عن بعض انفعالاتها سلوكيا". ففي سبيل المثال، اذا نشب شجار بين شخصين " في احد المجتمعات البدائية بأفريقيا " فأن احدهما يقوم بضرب صخرة أو شجرة قريبة منه، ولا يضرب احدهما الآخر، واذا تعارك شخصان " في مجتمع آخر " ورفع احدهما يديه مستسلما" فأن الآخر يتوقف عن ضربه، في حين لا يتوقف الآخر عن ضرب خصمه حتى لو استسلم له، كما هو حاصل في بعض مجتمعاتنا. ومن المفارقات، اذا تشاجر كلبان وانبطح أحدهما على ظهره مستسلما للآخر، فان هذا الآخر يتوقف ويتركه فيما لا يفعل ذلك الانسان بل يمعن في ضرب خصمه المستسلم له.

والانسان يمتلك منظومة ثنائية من الانفعالات: ايجابية وسلبية، بمعنى أن كل انفعال ايجابي، يقابله انفعال سلبي مضاد له، فانفعال الفرح مثلا" يقابله انفعال الحزن. ولا يمكن للانفعالين المتناقضين أو المتضادين ان يظهرا سوية "في وقت واحد" لدى الانسان، الا في بعض حالات المرض النفسي أو العقلي مثل "الهوس الاكتئابي".

ويبدو ان الطبيعة البشرية تميل الى اظهار الانفعالات الايجابية وترغب في ممارستها بحياتها اليومية، فالانسان يحب ان يكون فرحا" مبتهجا" ويكره أن يكون حزينا" مهموما". وهذا يعني ان الانسان يرغب، بطبيعته، في ممارسة الحب وتجنب الكراهية في علاقته بالآخرين. ولهذه الحالة ثلاثة أسباب:

الأول: بيولوجي يتعلق بالدماغ. ففي حالة الحب تنشط خلايا الدماغ وتنتعش ويرتاح، فيما تضطرب حركة الموجات الدماغية الكهربائية في حالة الكراهية، ويتعب الدماغ. ويميل الدماغ الى ما يريحه ويتجنب ما يتعبه.

والثاني: نفسي. فالشعور بالحب يجلّب المسّرة للنفس وينشّط حتى جهاز المناعة، فيما ينجم عن الكراهية الشعور بالتوتر ويعيش الفرد حالة المرعوب الذي يتوقع الشر في أية لحظة.

والثالث: اجتماعي. فالانسان المحبوب اجتماعيا" يحظى باحترام الآخرين وتقديرهم له، فيما يميل الناس الى الابتعاد عن الشخص المكروه اجتماعيا" فيعيش حالة العزلة والنبذ والحقد.

ولهذه الاسباب (العضوية المريحة للدماغ والجسد، والنفسية المريحة للروح، والاجتماعية في العلاقة الممتعة بين الفرد والآخر) فأن الغالبية المطلقة من الناس تتجنب الكراهية وتسعى الى ان يكون الحب هو السائد بينهم، بأستثناء الحالات المصابة بامراض عقلية أو اضطرابات في الشخصية مثل، الفصام الاجرامي والبارانويا والسيكوباث. وهذا يعني أن الطبيعة البشرية تختار الحب عفويا" وتسعى الى ان تجعله يسود بين الناس، ولا تلجأ الى الكراهية الا مضطرة أو مجبره.. فما اسباب ذلك؟

 

متى يضطر الانسان الى كراهية الآخر؟

الانسان هو منظومة من حاجات متنوعة ومترابطة، يمكن تحديد أهمها بالآتي:

• حاجات البقاء: طعام، سكن، ماء، هواء...

• حاجات اقتصادية: مصدر رزق يكفيه ولعائلته.

• حاجات نفسية: الشعور بالحب والامن والراحة وعدم توقع الشر أو الخطر.

• حاجات اجتماعية: التمتع بمكانة اجتماعية تمنح التقدير والاحترام والاعتبار الاجتماعي.

• حاجات معرفية: الحصول على العلم والمعرفة والثقافة.

* حاجات جمالية: الاستمتاع بما هو جميل في الطبيعة والانسان والفن.

• حاجات انتمائية: انتماء الى: جماعة، عشيرة، حزب، قومية، دين، مذهب،... يكون الفرد في

حالة اندماج أو توحّد بها، ويشعر ان ما يصيبها من خير أو شر، يصيبه.

فاذا حّرم الانسان أو أحبط أو منع أو حيل بينه وبين تحقيقه لهذه الحاجات المشروعة، وشعر ان الآخر (فرد، جماعة، طائفة، حزب، سلطة، حكومة،... ) كان هو المسؤول، اضطر الى ان يكره من كان هو السبب.

وأخف درجات الكراهية هي التي يشعر بها الفرد ويستطيع اخفاءها أو التعبير عنها بشكل خفيف، واوسطها درجة الغضب الذي يجري التعبير عنه لفظيا" (السب، التشهير..) أو جسديا" (الضرب بالايدي أو بادوات بسيطة). ويحصل الغضب حين يشعر الفرد بأن صديقا له قد خانه أو خذله، أو أنه لا يعامل بشكل عادل، أو حين يتوقع حصول اعتداء عليه. واقوى درجات الكراهية حين تصل الى حالة " الحقد " التي تدفع صاحبها الى ممارسة العنف ضد الآخر الذي يرى فيه المستلب أو المغتصب أو المانع لحق أو حاجة مشروعة تخصه أو تخص الجماعة التي ينتمي اليها.

 

اما الظروف التي تساعد على التعبير عن الكراهية بين الجماعات أو تكبحه، فتتعلق بالآتي:

• طبيعة السلطة وسيادة القانون.

• سيكولوجية طرفي أو اطراف الكراهية.

• النتائج الناجمة عن مواقف الكراهية.

• اطراف أو جماعات التحريض على الكراهية.

فحين تكون السلطة دكتاتورية أو قاسية في ظلمها، ويكون القانون سائدا"، وحكومة السلطة قابضة على النظام بيد محكمه، فأن الناس المقهورين أو المظلومين يكبتون كرههم نحو السلطة بدافع الخوف منها.

ويحصل ان الكراهية بين الجماعات في المجتمع الذي تحكمه سلطة دكتاتورية ظالمة، تتراجع أو تدخل في دورة " سبات " لأن هذه الجماعات، برغم اختلافها في الدين او القومية او المذهب..، توحدها الكراهية نحو السلطة الظالمة التي تحكمهم.

وحين تكون السلطة ديمقراطية وقوية في تطبيقها للقانون وسيادة النظام، فأنه يجري التعبير عن الكراهية بين الجماعات ولكن بوسائل سلمية في الغالب (مظاهرات، ندوات، مقالات في صحف، احاديث في الاذاعة والتلفزيون..).

اما اذا تضاءلت هيبة السلطة وكانت ضعيفة في تطبيق القانون وفرض النظام، فأنه يجري التعبير عن الكراهية بين الجماعات بأساليب العنف والعدوان.

 

وفيما يخص سيكولوجية طرفي أو اطراف الكراهية، فقد اشرنا الى ان لانفعال الكراهية مكونين معرفي " عقلي " وحضاري ـ اجتماعي، بمعنى انه كلما زاد الوعي والتفكير بعواقب الامور بعقلانية وواقعية زادت سيطرة العقل على التحكم بانفعال الكراهية، والعكس صحيح، ولهذا يتعطل دور العقل في التحكم بانفعال الكراهية بين الفئات الاجتماعية التي يكون فيها مستوى الوعي متدنيا"، ومستواها الحضاري واطئا" أو معدوما".

وفيما يتعلق بالنتائج الناجمة عن مواقف الكراهية، فان المواقف اذا تحولت بين اطراف الكراهية الى عدوان ينجم عنه ضحايا، تطور العدوان الى عنف يشيع بين " رعاع " جماعات الكراهية بعدوى نفسية تأخذ أسلوب العنف العشوائي.

اما جهات التحريض على الكراهية من خارج الاطراف المتصارعة، فأنها - لأسباب تتعلق بانتماءات عقائدية أو عشائرية.. أولمصالح اقتصادية وسياسية - تعمل على تحريض الجماعة التي تنتصر لها وتظهرها كما لو كانت مظلومة أو مستلب حقها أو متجاوز عليها حتى لو كانت الحقائق لا تؤيد ذلك.

 

الكراهية..والتنافس..والصراع

في عملية المنافسة السياسية على السلطة تتطلع جماعتان او اكثر الى الحصول عليها. والمنافسة ليست نقيضا لعملية التعاون بل فيها شيء منه بمقتضى القوانين التي تحكم اللعبة. ففي لعبة الملاكمة مثلا يتعاون المنافسان على عدم ضرب احدهما الآخر في مناطق معينة من الجسم. وقل الشيء نفسه في البلدان الديمقراطية، اذ لا تستخدم الاحزاب المتنافسه اساليب تنتهك قيم التنافس وتقع تحت طائلة القانون. ففي عملية المنافسة يحاول المتنافسون ان يحققوا الهدف نفسه وفقا لقوانين عامة مقبولة تحترمها الاطراف المتنافسة وتركز على الفوز وليس على ايقاع الاذى بالآخر. ومع أن كارل ماركس يعد اوضح من حلل الصراع الطبقي وعدّه المحرّك التاريخي والمصدر الرئيس للتغيير، الا ان الصراع يكون ايضا بين جماعات عرقية وطائفية، واحيانا بين جماعات تنتمي لنفس الطائفة..ولكن ذات مصالح مختلفة. وليس بالضرورة أن يكون الصراع مصحوبا بالعنف.الا أن " انعدام المساواة الاجتماعية" و" انعدام العدالة في توزيع الثروة"، وانقسام المجتمع الى فئتين متمايزتين (مستفيدون ومتضررون) تعمل على تصعيد انفعال الكراهية من حالة شعور سلبي " منافس ضد منافس" الى حالة غضب " خصم ضد خصم"الى حالة انتقام ّ "عدو ضد عدو" يصبح فيها افناء العدو او تعويقه..غاية بحد ذاتها.

 

استنتاج

المتتبع لتطور انفعال الكراهية بين الجماعات المتنافسة على السلطة في المجتمع العراقي بعد التغيير يجد انها وصلت الى اقصاها " الانتقام " في العام  2007. وطبيعي انه لا يمكن اجراء مصالحة بين افراد او جماعات يريد كل منهما الانتقام من الآخر.كذلك تكون صعبة التحقيق في المرحلة الوسطى من الكراهية " الغضب"،غير انها تكون ممكنة حين يتحول الصراع الى حالة تنافس..وهو ما لم يحصل لغاية الآن (2010)..والأمر مرهون باشاعة ثقافة التنافس بين الناس..وهذا مشروط ايضا بما ستشهده انتخابات آذار، مارس 2010..وباعتماد الحكومة والبرلمان المقبلين على أكاديميين، غير مسيسيّن، في علم النفس والاجتماع.

 

المواطنة

تعّرف المواطنة بأنها مفهوم يشير الى الانتماء الى أمة أو وطن، ويعرّفها قاموس علم الاجتماع بأنها مكانة أو علاقة اجتماعية تقوم بين فرد طبيعي ومجتمع سياسي ( دولة ) يترتب على الطرف الأول ( الفرد ) تقديم الولاء للدولة التي يترتب عليها توفير الحماية للفرد، في علاقة يحددها قانون نافذ. ويعرّفها علماء النفس بأنها الشعور بالانتماء والولاء للوطن وللقيادة السياسية بوصفها المسؤولة عن اشباع الحاجات الاساسية للفرد وحمايته من الاخطار. ويرى أخرون أن الشعور بالمواطنة يكون على ثلاثة مستويات:

1. شعور الفرد بالروابط المشتركة بينه وبين آخرين مثل: القرابه، الجوار، الوطن، طريقة الحياة بما فيها من عادات ونظم وقيم ومعتقدات وقوانين...

2. شعور الفرد باستمرار هذه الجماعة على مرّ العصور، وانه منتسب لجيله الماضي، وانه وجيله الحاضر امتداد للمستقبل.

3. شعور الفرد بالارتباط بالوطن وبانتماء للجماعة، وان ما يصيبهما يصيبه.

 

ومفهوم المواطنة يختلف عن مفهوم الوطنية الذي يعني حب الفرد واخلاصه لوطنه، أو الشعور الجمعي الذي يربط بين أبناء الجماعة ويملأ قلوبهم بحب الوطن والدفاع عنه.

ويرى المعنيون بعلم الاجتماع السياسي ان الوطنية اكثر عمقا" من المواطنة أو انها أعلى درجة منها. فالفرد يمكن ان يكسب صفة المواطنة بمجرد انتسابه الى جماعة أو لدولة معينة، ولكنه لا يكتسب صفة الوطنية الا بالعمل والفعل لصالح هذه الجماعة أو الدولة، وحين تصبح المصلحة العامة لديه أهم من مصلحته الخاصة.

غير ان كليهما " المواطنة والوطنية " يتطلبان الولاء والانتماء، والولاء هو صدق الانتماء الذي يتعلمه الفرد من أسرته حين يكون طفلا"، ومن المؤسسات التربوية في مرحلتي المراهقة والشباب ثم من المنظمات السياسية والاجتماعية والثقافية في المجتمع الذي يعيش فيه.

ويربط آخرون " المواطنة " بمفهوم ثالث هو الديمقراطية ويرون ان المواطنة هي قدرة الفرد على العيش مع الآخر تحت مساواة القانون في مناخ ديمقراطي، وانه لا توجد هنالك مواطنة صادقة من دون اجواء ديمقراطية صحيحة، والمقصود بالديمقراطية هنا بوصفها ثقافة مجتمعية ومنظومة فكرية وسلوك مهذب يشمل مناحي الحياة كافة، في البيت والمدرسة ومكان العمل والشارع والحياة العامة.

والمواطنة ليست مفهوما" حديثا"، بل قديم يرجع الى العصور اليونانية والرومانية، غير أنه تراجع بعد سقوط الامبراطورية الرومانية، ثم عاد يتطور من جديد بفعل حدثين مهمين هما: اعلان استقلال الولايات المتحدة عام 1786، والمبادىء التي جاءت بها الثورة الفرنسية عام 1789.

ولم يكن الوصول الى المواطنة في مجتمع ديمقراطي أمرا" سهلا". ففي اوربا مثلا"، تحول الرعايا الذين كانت وظيفتهم تتحدد بالخضوع لسلطة متعالية الى مواطنين شركاء كاملي الحقوق بموجب عقد اجتماعي تحت قيادة سلطة قومية ذات سيادة. وبموجب هذا العقد المؤسس بموجب قوانين يخضع لها الجميع على قدم المساواة، يكون مقابل الخضوع لقوانين الدولة التزام من قبلها بضمان الحقوق الاساسية لمواطنيها بما في ذلك حق المشاركة في تدبير الشأن العام ومراقبة الدولة عبر تنظيمات المجتمع المدني. وقد تحقق ذلك بعد صراع طويل وتضحيات كبيرة.

ففي فرنسا مثلا" لم يتم اقرار حق التصويت للنساء الا في عام 1915، فيما لم يطّبق الاقتراع العام بشكل فعلي في اميركا الا قبل حوالي ثلاثة عقود بموجب تشريع ضمن لسكان الولايات الامريكية الجنوبية حق ممارسة السود لحقوقهم المدنية والسياسية. وكانت آخر مراحل تبلور مفهوم المواطنة في الديمقراطيات الغربية ان تنفتح على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في أطار مفهوم جديد أسمه " دولة الرعاية ".

 

حقوق المواطنة وواجباتها

تتضمن المواطنة حقوقا" ينبغي ان يتمتع بها المواطنون، وعلى الدولة ان تقوم بتأمينها لجميع الافراد بغض النظر عن القومية والدين والجنس واللون والمكانة الاجتماعية والاقتصادية... والمتمثلة بالآتي:

• الحقوق السياسية: تأمين حق الفرد في الانتماء السياسي، وشغل الوظائف العامة في مؤسسات الدولة، وتشكيل منظمات مجتمع مدني تسهم في تطوير الدولة والمجتمع، وضمان حق الترشيح لأية سلطة في الدولة، وحق الانتخاب، والتجمعات السلمية.

• الحقوق المدنية:تأمين حق المواطن في توفير الأمن، واحترام حريته طالما لا تخالف القوانين ولا تتعارض مع حرية الأخرين، ومساواته مع الأخرين أمام القانون، واحترام خصوصية الفرد وعدم التدخل في شؤون أسرته أو مراسلاته، وحريته في اختيار مكان اقامته، والسفر خارج الدولة والعودة اليها، وعدم المساس بشرفه أو بسمعته، أو تعريضه للتعذيب أو المعاملة القاسية، وضمان حرية الفكر والتعبير عنه.

• الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية: ضمان حق المواطن في العمل وتوفير مصدر رزق له ولعائلته، وحقه في الانظمام الى النقابات والروابط والمنظمات التي تدافع عن حقوقه الاقتصادية بما فيها حق الاضراب والمطالبة بتحسين ظروف العمل وزيادة الاجور، وحق التمليك. وتتمثل الحقوق الاجتماعية بتقديم الخدمات الاساسية، لاسيما الغذاء والسكن والرعاية الصحية، وتوفير الحماية الاجتماعية والترفيه والتسلية في بيئة نظيفة. فيما تتمثل الحقوق الثقافية بتأمين التعليم لكل مواطن، والحصول على مصادر الثقافة والمعرفة.

 

ويتفق الباحثون في علم الاجتماع السياسي أن الوطنية الصادقة  تتحلى بالآتي من الصفات:

• الامانة: ومن معانيها، عدم استغلال الوظيفة أو المنصب لأغراض شخصية.

• الاخلاص: ان يكون المواطن مخلصا" في العمل أو الوظيفة التي يؤديها.

• الصدق: ويعني ابتعاد المواطن عن الغش والخداع والتزوير والرذائل التي تلحق الاذى بالوطن أو المجتمع.

• المشاركة الاجتماعية: ان يشارك المواطن في أعمال ونشاطات اجتماعية تساعد في زيادة التكاتف بين أفراد المجتمع، وتعمل على تنمية مشاعر المودّه فيما بينهم وتعزز روح الانتماء الى الوطن.

 

استنتاج

لن تحصل مصالحة حقيقية بين الجماعات السياسية العراقية على المدى المنظور لأسباب في مقدمها أن الاطاحة بالنظام الدكتاتوري ما جاءت من الداخل بل بفعل قوة دخلت (محرّرة) واستقرت (محتلة). وتسيس قضايا قانونية تباعد بين الفرقاء السياسيين. ووجود عدد من القادة السياسيين لا يتمتعون بصفة الوطنية التي تعني تغليب المصلحة العامة على مصالح الجماعة والمصلحة الشخصية بحيث تكسب رضا الناس عنهم وتجعلهم (الناس) يضغطون على الجماعات الاستئثارية، وتقنعهم بضرورة المصالحة.وضعف التوعية السياسية التي توضّح أن العزوف عن المصالحة وتصعيد الخصومات بين الجماعات السياسية، والتنافرات القائمة على تعصب طائفي او عرقي..يمكن ان تؤدي الى اعادة انتاج الدكتاتورية. فضلا عن أسباب أخرى خلفّها النظام السابق،أردأها أن قيمة الوطنية انهارت بانهيار رئيس النظام الذي ساوى بينه والعراق..واختبأ في حفرة.

وثمة شاهد يأتي في مكانه، هو أن الحكيم الشيوعي السابق سيليفيو بروكان الذي أسهم في خلع دكتاتور رومانيا تشاويشيسكو من السلطة (وبينه ودكتاتور العراق الذي لقي المصير نفسه شبه كبير) كان قد نشر تعليقا بعيد ثورة رومانيا (1989) قال فيه:"سوف يحتاج مواطنو رومانيا الى عشرين عاما كي يتعلموا ماهي الديمقراطية". وقد علّقت صحيفة التايمز اللندنية على ذلك بقولها:"لكن العشرين عاما قد انقضت وما زال مواطنو رومانيا يتعلمون!"، فهل ياترى سيحتاج العراقيون الى   عشرين عاما لتتأصل فيهم قيمة الوطنية ويتعلموا الديمقراطية؟!

 

أ.د.قاسم حسين صالح

رئيس الجمعية النفسية العراقية

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1313 الاربعاء 10/02/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم