قضايا وآراء

"زمن المواسم اليومية " لأحمد ممو (ق2)

عسكريا إزاء تفشي الفوضى وانخرام الأمن، إزاء مخلفات هذه الظاهرة غير المألوفة التي اقتحمت حياة الناس وأفرزت تداعياتها كتصرفات لا تخلو من غرابة مثل الجنازات الصباحية والنعوش الفارغة تجنبا لثقل حركات المرور والحرارة الخانقة الملتهبة، ليستحيل التنين إلى كابوس للعصر الحديث، كابوس يمكن تشخيص عوارضه ومعالجتها، مع التنبيه إلى عدم استئصاله أو القضاء عليه " كل هذا اعتادت المدينة أن تدرجه في مواسمها اليومية كلما أضافت إلى مشاهدها الثابتة السترات الخضراء والبنادق الرشاشة وملصقات الدعاية وأكوام الطحالب الخضراء . وكانت الحياة بالمدينة على درجة ما من الصعوبة، ولكن ذلك لم يخفض من مشاكل توفير السكن ومن ازدحام حركة المرور ومن تزايد تلوث الهواء" ص 143 . وفي العهود الحديثة لمواسم التنين تفرع هذا العنوان إلى عناوين جانبية وهي عهد الطحالب المفترسة، وعهد الجنازات الصباحية والنعوش الخاوية، وعهد البالوعات المسدودة والغازات الخانقة لأن المواسم اليومية تنخرط في دائرة تكرر نفسها لذلك تتواصل المواسم إلى مالانهاية لتكبر ذاكرة المدينة وتتنوع مواسمها بين الحزن والفرح .

" الأمر  يتعلق في تلك القصة بالهاجس الذي يحرك الشخصية المذكورة، بل بوسائل تحمي الأسطورة ونقلها من بيئة إلى أخرى . ومادام الأمر يتعلق في تلك القصة بمفهوم التنين وهو مفهوم أسطوري لم يسلم منه مجتمع من المجتمعات القديمة والحديثة، فليس أفضل من تحليل كيفية انتشار أسطورة التنين وتحولاتها الاجتماعية وذلك عبر وسائل التبليغ المختلفة التي قامت في البداية على الفكر الخرافي كما يتضح من حكايات الجدة وانتهاء بالصور المتحركة التي تبقى أنشط الوسائل التبليغية المستعملة اليوم لتوصل الأسطورة، ومن هناك تتسرب الأسطورة إلى مجالات أخرى في الحياة الاجتماعية لكي تدخل عوالم السياسة والمعتقد والتنطيم الاجتماعي . فالأمر في النهاية حركة اجتماعية تقوم على أسباب أسطورية تتسبب في ردود فعل جماعية ليس أكثر التصاقا بالواقع منها، تأتي في شكل اضطرابات اجتماعية . " (13)

 

ـ قصة " زمن المواسم اليومية "

التنين هاجس يلوث حلم الإنسان التائق إلى عالم أكثر صفاء وطهارة . عالم يتميز بترشيد العقل عند نضجه واكتماله . غير أن التفكيك لمظاهر الحياة عبر صيرورتها التاريخية لم يعكس إلا عدم اكتمال هذا العقل وانخرام توازنه في قصة " زمن المواسم اليومية " حيث تتضح صورة التنين حين يستحيل ذلك التنين إلى رمز يختزن بين طياته طاقة هائلة من القلق إزاء هاجس عدم الاكتمال . والصورة المجسمة لذلك التنين عبر قناع الجنود قريبة جدا من "nande ruete ": " سيد الضبابة البليد الذي يفوح غليون تدخينه جاعلا الأرض الناقصة غير قابلة للسكن " على حد عبارة بيار كلاستر في كتابه"مجتمع اللادولة " في الفصل التاسع، تنبري ملامح التنين العسكري من خلال هذا التصوير:"  ويكون الجنود يدخنون كثيرا ويطلقون حلقات الدخان في الفضاء ويبصقون على المارة ويلقون بأعقاب سجائرهم في البالوعات .. " ص 36، قلق الجنود يؤدي إلى التوقف عن الحركة، عن التذكر .. وفي المقابل يتقلص الخوف الذي كان يتنامى في نفوس السكان إزاء وضع الجنود الذي يذكرنا بسقوط الآلهة، ألمها، فهروبها " كما يحيلنا إلى خلل معرفي أدى إلى انتكاسة العقل عند عدم قدرته على الصعود إلى المعرفة " المقترنة بالتذكر" على غرار المعرفة اليونانية المثالية، وهنا تبرز بلاهة العقل وبلادته في مساحة خانقة، إذذاك يفقد ذلك الرمز سلطته وهيمنته وقدسيته، حيث يتجاسر بعض المارة على النظر إلى الرشاشات التي تغطيها الطحالب ويتجاسر البعض الآخر عن الحديث مع الجنود عن برد الشتاء ...

هذه الوضعية الجديدة تنبت فكرة أخرى مختلفة . فكرة التنين العسكري المنبري في ملامح سيد الضبابة وتعيدنا إلى الإلاه "tupan "  " مقدر العواقب يعلم إبنه كيفية تكوين العالم، هذا الإلاه هو سيد البرد، المطر، الهواء " الذي أخذ على عاتقه مواجهة "nande ruete " ليتشكل العالم انطلاقا من شحنته المأسوية النابعة من صميم الذكرى .. الأب الذي يخبر إبنه عن تجاربه في الحياة في "زمن المواسم اليومية" إنما عبر عن اتساع فجوة العجز واتساع رتق ثقوب العقل إزاء العذابات المحفورة شروخا على الشعور . ففي زاوية ما من ذاكرته حين ذهب إلى الجندية ثمة أسئلة ملحة يطرحها الإبن تحفر في ذاكرة الأب، وترقب الأجوبة النابعة من الذاكرة هو نوع من تعلم المعرفة التي تتوارثها الأجيال لتجعل للحاضر ذاكرة فاعلة في أحداثه . ثم إن تلك الذاكرة تبرز في شكل جديد عند استعاداتها، لذلك يستعمل الكاتب الحوار لإعادة نسج تفاصيل الذاكرة بطريقة جديدة تستجيب إلى تطلعات الأجيال الجديدة " وأكتشف أني في حاجة إلى تجديد الهواء في رئتي وتجديد الأفكار في جمجمتي " ص37 .  وتتفرع تلك الذاكرة إلى أكثر من مجال ونشاط حيث للذاكرة أزمنة وهي: زمن الرياح الخريفية المخصصة لمرحلة التجنيد بالخدمة الوطنية، وزمن الخلاعة الصيفية المعبرة عن مرحلة المخيمات الصيفية، وزمن الزهور الشوكية التي تعود لطفولة الراوي بالقرية الجبلية .

ورغم استعمال الكاتب لضمير الأنا لأن الراوي يستقطب مركز الأحداث إلا أن الذاكرة بتشعب أحداثها، وبمزجها بذلك الشعور الباطني للراوي وبتلك الرؤية التي تقص الأحداث وفق وجهة معينة قد تحمل ثقلا واضحا لذاكرة الكاتب وزمنه النفسي: فحول الذاكرة الفردية في "زمن المواسم اليومية " أكد أحمد ممو أن " الذاكرة في هذه القصص فردية من خلال نظرة الكاتب وثقافته، لذلك فهي في شكل من أشكالها، ظلال لصور من الحياة التي عاصرها الكاتب، وهي في جانب آخر منها، تصور من الكاتب " لما يمكن أن يكون "، وبذلك تكون استشرافا لما يمكن أن يحدث  وفق معطيات الحياة المعاصرة التي خبر الكاتب بعض جوانبها ." (14)

 فالذاكرة هي المرجع ولكنها في نفس الوقت بؤرة تشكل الرؤية ومجال ضبط حدودها ." وحول المعالجة الإبداعية والفكرية لتلك الذاكرة فهي: " معالجة فكرية لأحداث ترسبت في الذاكرة وتفاعل معها الكاتب بالشكل الذي برزت به من خلال التعبير الأدبي الذي ارتضاه . وهذه المجموعة ليست إلا علامة على مساري الأدبي حاولت من خلال القصص الواردة فيها والتي كتبت على مدى سنوات خلال التسعينات أن أعبر فيها عن موقفي من الأشياء والأحداث، لذلك كان للذاكرة دور كبير في كيفية استعادة الأحداث ورسم الشخوص وكانت المعالجة الفكرية في كيفية تحميل الشخوص والأحداث موقفا فكريا يهدف الكاتب من ورائه تبليغ ما يرغب في تبليغه ." (15)

 ورأى أن الغاية من تواصل الماضي في الحاضر:" الغاية من التأكيد على امتداد الماضي في الحاضر وتأثيره فيه، استشراف لمواقف المجموعة ومآلها سواء أكان ذلك من خلال اللاشعور الجمعي أو من خلال توقعات ردود فعل المجموعة . وكاتب القصة اليوم أحوج ما يكون لفهم المجتمع وتحليله، إلى استعادة تاريخ المجموعات التي لم يستوعبها التاريخ وكذلك استشراف تصرفات المجموعات التي تخضع لضغوط معيشية متزايدة نتيجة تسارع النسق المعيشي أو افتقاد الطمأنينة أو الانفتاح على اوضاع معيشية جديدة غير مألوفة . ومثل هذا الاستقراء أو التحليل يمكن أن يجعل القصة أكثر من " تسجيل للواقع " أو "محاكاة" له وبذلك يمكن للإبداع أن يساهم في فهم أفضل للتاريخ الاجتماعي للشعوب وتبين الخصوصيات التي تميز الثقافات عن بعضها ." (16)

  وكل ذلك نستشفه في هذا المقطع القصصي: " تؤكد زوجتي أن الخرافات التي أحكيها للصبي ستتسبب في انحراف تصوره للاشياء إذ هي ترى أني لا أتحدث إلا عن الجانب البائس من حياة الإنسان، ثم تزداد حدة وهي تؤكد أني لست في حاجة إلى أن أعزف لنفسي وللآخرين طوال الوقت ذكريات طفولتي الصعبة . أحتج بشدة تقارب الثورة وأنا أؤكد لها اني موقن بأن الصغار الذين يلبسون اليوم الجوارب قبل أن يتعلموا المشي وقبل كتابة تلك الكلمة، هم في حاجة إلى أن يعرفوا أن جذورهم تمتد في طفولة أمثالي " ص57

" زمن المواسم اليومية " استدراج الذاكرة لتعكس خفاياها وخباياها انطلاقا من التصاقها بشعور الإنسان ومظاهر عيشه واستنادا إلى وعيه بعدم اكتمال ذهنه الإنمائي وبتلوث روحه بما فيه الكفاية . وذلك ما يحتم تجذير الماضي في الحاضر عبر حفر تلافيف الذاكرة الفردية التي هي تمثل للذاكرة الجماعية .

 

ـ قصة " قريتنا والزمن الذي يمضي "

في الجزء الأول من قصة " قريتنا والرجل الذي  يكبر " ثمة رصد لللعلاقة بين سكان القرية والرجل الشبر، الرجل الغريب الذي يطول وينمو كلما قام بحركة تثير الخوف والقلق والسيطرة . ذلك الرجل الذي يتصور لنا كذلك " المد" الحاضر في ذاكرتنا انطلاقا من حكايا الجدة: فهو رجل يطول ويتسامق إلى أن يتحول إلى مصدر يستثير الشعور بالخطر إلى كائن مرعب يصيب كل الكائنات بالقلق ومحاولة الهرب . ذلك الرجل الذي قدم إلى القرية يحمل خريطة بعلامات حمراء وينصب خيمته على الهضبة ويحضر معه الجرارات والمحركات والحفارات التي تدفق المياه من جوف الأرض، فتجف العين التي ينهل منها سكان القرية إنما يكشف عن استغلال لثروات طبيعية لبيئة مكانية يعشش فيها الرمد والذباب وغبار الصحراء . أما حين تجف مياه الأرض والعين وتتحول آبار الرجل العملاق إلى برك آسنة فإن ذلك الرجل سيقف حائلا دون الجفاف وترحال أهل القرية عبر الإتيان بمضخة تعيد للماء انفجاره وتدفقه .

إن موضوع الأسطورة في هذا الإطار إنما يكمن في تصوير الغريب في هيئة تجعله موضوعا " مثيرا للإعجاب والخشية " فهو على غرار الساحر في المجتمعات البدائية، وعلى حد تعبير بيار كلاستر:

ـ الوحيد القادر على السيطرة على عالم الأرواح والأموات والخطر .

ـ يسخر معرفته من خلال خدمة الجماعة .

ـ رجل قادر على بعث الحياة ( الفصل التاسع من كتاب مجتمع اللادولة ) .

إن الذي يفاجئ القارئ في القسم الثاني من القصة " قريتنا والجراد الذي يأكل " اختفاء ذلك الرجل إثر قدوم الجراد الذي على ما يبدو وحسب تفسير أهل القرية قد أكل الجرارات والمحركات والآلة العملاقة والسيارة الضخمة والرجل العملاق أيضا . وعبر هذا الإطار يبرر الكاتب انسياب الأسطورة عبر نسجها لتفاصيل جديدة " وكلما أكلت القرية جرادا أكثر ازدادت الحفر عمقا واتساعا وامتدت خيوط الأساطير تتشابك في فضاء القرية كي تحدث فيها ما يشبه نسيج العنكبوت يمتد من الرؤوس الدائخة بمذاق الجراد " ص 25  .

إن الأسطورة تحول من منزل الرجل الغريب إلى منزل مسكون، وهي أن تحول الرجل إلى لقمة سائغة للجراد فهي كفيلة بتسكين الخوف في جفون الصغار المستسلمين للنوم . إن ما تفعله الأسطورة في هذا الإطار أنها تحول أبطالها إلى كائنات تستجيب إلى القانون الطبيعي: التوالد، النمو، النضج، فالموت . فما حققته الأسطورة أنها أثارت جدلا حول كيفية اختفاء الرجل وآلاته الحديدية، وأية قوة أفرزت هذه الصدمة ؟ هنا تكشف الأسطورة عن الأقنعة وتواري الحقائق بأن تجعل رموز القوة والتسلط صورا لا تتحرك على ركح الواقع إلا في إطار زمني محدود . وبذلك فهي تستأصل رموز الغطرسة عبر وضعهم في مواقف تثير السخرية .

في القسم الثالث من القصة " قريتنا والضباب الذي ينمو " وحين سكن الغرباء ذلك المنزل الكبير والذين " جاءوا لكي يطردوا الرجل العملاق من المنزل الكبير " ص26 عبر تلك الأضواء التي تبلغ مسلك الطريق العريضة، فالزائر الجديد الذي حول منزل الرجل العملاق إلى نزل جاء ليعرض  الشغل في النزل عنده على كل شبان القرية، فانفتقت  نفوس شبان القرية على الحلم من جديد " كنا نتجشأ رائحة الجراد ونتابع حركات الحوريات "ص30 ثم إن هواء البحر ما يفتح شهية الحلم لقرية عانى سكانها من مغص جراء أكل الجراد . ولكن عواء الروح في عواء صوت أهل القرية ما يجعل الواحد منهم يشعر " كنا نكتشف حاجتنا إلى أساطير تنسينا طعم الماء الآسن والجراد الغث وحوريات الموج التي هي في لون الخبز " ص 31 . ولكن بتكور الضباب وتكومه ليجثم موسما كاملا على القرية  صارت الأساطير مجرد أوهام . 

" قد نكون نبحث في ذاكرة القرية عن الأساطير لمجرد أن نطرد الشعور بتقلصات أحشائنا تحت تاثير المغض المتفاقم، وقد نكون نتحدث عن الرجل الشبر والرجل العلاق والرجل الاسفلت لمجرد أن نوهم أنفسنا أن المغص لم يتحول بعد إلى قرحة .. ولكي لا يكتشف الآخرون اننا نرسم على ملامحنا تكشرة ثابتة هي بين الرعب والتألم " ص 34

فالأسطورة هنا وحسب الرؤية الفكرية للكاتب: " ليست فقط " الباطل المطلق " بل أيضا " المعيش المتحول"، ومن هذا المنطلق يمكن أن تصبح الأسطورة في النص القصصي من قبيل " ما وقع وما يمكن أن يقع في زمن ما وفي مكان ما " وهذا الوضع ألصق بتلك الأحداث التي تتعلق " بالتاريخ الجمعي " للفئات التي يهمل التاريخ أحداث واقعها . والأسطورة أيضا تعبير عن الواقع الذي لم يتحقق في حياة الفرد الذي يتوق إلى أكثر مما يتوفر له في معيشه اليومي، وبذلك تصبح الأسطورة ذلك البعد الآخر الذي يرى فيه الفرد تجسيما لما يطمح إليه وترى فيه المجموعة تصويرا للماضي الذي ترغب فيه للتعلق به، وهي في النهاية فسحة التعبير التي تتاح للكاتب ليقول للآخرين من خلالها كيف يرى الأشياء ." (17)

******

استخدم  أحمد ممو الرموز الأسطورية  في بعض قصص المجموعة وانفتحت القصص على الأسطورة وذلك اقتضاء للمعالجة الفنية للواقع المعيش الذي لم يلتزم الكاتب برؤية تسجيلية في نقده بل جرب ما تمنحه الأسطورة من تخييل وقد برر استعماله للأسطورة " لأن ما أردت أن أعبر عنه ليس تسجيلا بحتا للواقع وليس هروبا إلى الخيال للانبتات، بل هو "رؤية" متكاملة تقوم على المعيش والمتخيل وتروم اختصار الزمن والمواقع في أحداث استقطاب وشخوص مرجعية يمكن من خلالهما التعبير عن الكثير مما يقال بالتكثيف والتلميح والرمز سعيا للتبليغ الأشمل ." (18)

 

التصوير كبديل للرمز في قصتي ـ " القناعات الشخصية لأيوب الصابر "

                                    ـ " صفحات من كراس التصوير"

ينحو الكاتب أحمد ممو إلى تغييب الرمز حين ينطلق من هاجس اجتماعي لبناء شخصية ذات ملامح مبتورة ثقافيا، فهي تعبر عن الصورة الاجتماعية ولا تستجيب إلى أي شكل من أشكال الترميز المسقط أو المعادل او المرآوي العاكس , ففي قصة " القناعات الشخصية لأيوب الصابر " فهو يهتم بشخصية مطحونة اجتماعيا تعاني من العوز ومن كثرة الأطفال من الإناث . الموضوع وإن بدا تقليديا منذ الصفحات الأولى للقصة يعبر عن صبر الإنسان إسوة بالنبي أيوب، إلا أن الإضافات تجلت من خلال المعالجات الفنية التي تأتت من التسجيل والتصوير إلى النفاذ إلى باطن الشخصية عبر الاستبطان والقطع والتخييل، فلم ينسج الكاتب أحمد ممو الواقع الخارجي وواقع الشخصية نسجا ميكانيكيا، بل يصورالعالم الخارجي طبقا لرؤيته .

ويكيف أحمد ممو واقع الشخصية من خلال التقاط صورة الشخصية بحس "الكاميرا" التي تربط بين مكونات الصورة وترتب لقطاتها . ونقل هذه الصورة للمتلقي لكي ينخرط في فهم نسيجها من خلال البحث عن المعنى أو التفكير في مضمون الصورة أو الانخراط في تتبع الاحداث " يجلس أيوب من وراء المقود ويضغط على دواسة البنزين، فتتحرك السلحفاة بصعوبة . ورغم أن بعض دخان المحرك يتسرب من مكان ما إلى داخل السيارة ورغم أن مؤشر الحرارة يستقر مباشرة في النقطة الحمراء، إلا أن أيوب يبقى متكئا بذراعه على فتحة البلور الجانبية كما اعتاد أن يفعل دائما، يمسح أيوب الرصيفين بنظراته في انتظار حريف ما مع اقتناع مسبق بأن ذلك لا يحدث إلا نادرا، ويكون صوت العداد رتيبا يحفر في أعماقه شعورا بالضيق " .

تبدأ القصة في جزئها الأول بتصوير أيوب كسائق لسيارة تاكسي تبدو قديمة من خلال تصويرها بصورة السلحفاة ويبدو هو في حالة بحث عن حريف وقد كان مؤشر الحرارة المحرك يستقر في النقطة الحمراء، ويقتحم الكاتب رأس أيوب الصابر الذي كان مشغولا بارتفاع أسعار البنزين، وبتفكيره المستمر في الدفقات الضائعة من البنزين عند الضغط على الفرامل . فيربط الكاتب بين التصوير الظاهري لشخصية أيوب، ونستشف بعض الكاريكاتور الساخر في تصوير السيارة بالسلحفاة، ويوازي بين مؤشر الحرارة المستقر في النقطة الحمراء ورصيد صابر في الحياة الذي يجعله في حالة فاقة . فاللون الأحمر يؤشر إلى التوقف، ربما لأن السير للأمام محفوف بالإشارات الحمراء . هذه هي صورة أيوب مع نفسه صاخبة بالقلق والحيرة . وقد تجاورالكاتب التصوير الظاهري في هذا المقطع مع استبطانه  لنفسية أيوب فتنافذ ظاهر الصورة مع باطنها  دون لجوء الكاتب إلى المونولوج، ذلك أن تصوير الحركة أو تصوير المشهد ما يفسر الحدث الذي يختفي وراءالصورة .

وتحت عنوان "ممنوع الحديث مع السائق" يرسم الكاتب صورة أيوب سائق التاكسي مع الحريف . وهي علاقة تحددها وضعية سيارته السلحفاة، فهي تترنح وتتوقف وتصدر أزيزا . وتجعل الراكب عازفا عن ركوبها إلا في حالات خاصة يضطر فيها أيوب إلى إرخاء قبعته على أذنيه وحاجبيه لكي يستبدل حنق الحريف بحركة تحمل الكثير من التوجس . ولكن تلك الحركة لها أكثر من دلالة في القصة فهي تفضي إلى توتر أيوب ليس فقط لأن سيارته قديمة ولا تجلب الرزق بل لأن زوجته التي ستلد للمرة التاسعة في انتظار الذكر بعد إنجابها لثمان بنات ما يجعل أفق انتظار أيوب لا يخلو من توقعات قد تطمس ما تبقى من معاناة . ويعمد الكاتب هنا إلى توازي الأحداث بين واقع أيوب داخل سيارته، وواقعه في أسرته . وبين اللحظة الراهنة واللحظة المتوقعة تسير السيارة ببطء مخلفة أزيزا بمثابة الصوت السيكولوجي لصابر . فالراوي عليم بالمجال الباطني للشخصية - أيوب - وبكل منغصات حياتها عبر تقديم الصور الوصفية التصويرية وعبر التعليق على حركات أيوب وربطها بوقائع ما، وعبر اختراق تفاصيل حياته .

وتحت عنوان" إن الله مع الصابرين " فعنوان هذا المقطع يدلل على أن الصبر عظيم  .. يتكشف أكثر من مشهد سردي، ولا تتنافذ هذه المشاهد مع بعضها إلا من خلال إعادة الربط بين مكوناتها للبحث عن المعنى الكامن وراءها . . فحركة الشارع غير عادية لأن الشارع مليئ برجال الأمن، وأيوب ينعطف للأزقة الخلفية حيث الحنفية العمومية ليغسل أرضية السيارة . ويتذكر المرحلة الجنينية من حياته حيث يعمد الكاتب إلى التيار الاسترجاعي ليضيء النص القصصي بمرحلته التكوينية في القرية التي نشأ فيها على قيم الحشمة، حيث تغطية الرأس بالقبعة وإرخائها على الحاجبين حركة لا تعني التوجس بل تغطية ماء الوجه أو تغشية النفس بذلك الحاجز الذي لا يضعه في مواجهة ذاته . كما يراكم الكاتب أسباب معاناة أيوب حين يهاجمه الحكاك ولا يقوى على علاجه، فيضاف الحكاك إلى الأفواه التسعة وإلى أزيز محرك السيارة السلحفاة . وبتراكم أسباب المعاناة يسد أفق أيوب نحو الانفراج ليشعر بالاختناق . ففي هذا المقطع يفجر الكاتب وضع أيوب بالتوازي مع تفجر الوضع في الشارع . ومن ثمة يتزامن وقوع الأحداث في المتن الحكائي عند استخدام الكاتب تقنية التوازي ليبدأ في عرض أحداث القصة، انطلاقا من شخصية أيوب التي تمثل الحجر الأساس في تقديم عينة فردية يجعلها الكاتب مطية لتقديم قراءته للمجتمع وعرض موقفه منه .

في القسم الاخير " القناعة كنز لا يفنى " تبدو قناعة أيوب مقترنة بما عاشه من أحداث، وينبري صوت الكاتب وهو يربط بين هذه الأحداث وبين طبيعة الحياة التي يعيشها البشر . فهذه البثور التي نمت على جلدة أيوب وهي تنطفئ ثم تعاود النمو من جديد، ما هي إلا عودة موسمية تترك آثارها البارزة على جسد أيوب . " يفكر أيوب أن اشياء كثيرة قد أصبحت موسمية في حياة هذه المدينة أو هو يتخيل الأمر كذلك منذ ركبت البثور بشرته وعاشرتها بكل تلك المراحل التي تمر بين البرعمة والانطفاء . ويكتشف أيوب أن أشياء عديدة أخرى تنمو بنفس الشكل لكي تستفحل، ثم تتناقص تدريجيا، ولكنها تعود إلى النمو من جديد، وبهذا الشكل تبدو الأشياء مضحكة إذ لا شيء يندثر، ولكنه التحول قانون المواسم " ص90 . وقد اقترن وعي أيوب بهذه الحقيقة بوعيه الاجتماعي بأن الاضطرابات التي يعرفها المجتمع وتعود موسميا مردها افتقاد ما يحمله أيوب وهي قيم الصبر والقناعة والتمسك بتقاليد الحشمة والطاعة ومن ثمة تتشبث شخصية أيوب بجذورها وتعود إلى المرحلة الجنينية في تكوينها . وذلك ما عرضه الكاتب في الجزء الاول من " القناعات الشخصية لأيوب الصابر " .

في الجزء الثاني من القصة  وفي القسم الأول تحديدا " لن يصيبكم إلا ما كتب لكم " ينتقل الكاتب إلى اللون الأسود ليصبغ رؤية أيوب بالسواد، فقد أراد استبدال زجاج نظارته بلون أكثر سوادا وعندها " بدأ أيوب يتساءل عن الدوافع التي تجعله يهرب إلى السواد ولكنه لم يجب الجواب المقنع " ص96 . فتصوير المجال الباطني للشخصية يقترن بتصوير لون زجاج نظارته، وبالحلم الذي راوده، صحيح أن زوجته ولدت ذكرا هذه المرة لكنه تراءى في الحلم أسود البشرة ليرتئي كالآتي المتأزم . سيما وأن الأيام الأقل سوادا لم يعد لها وجودا وغلب السواد على الأحداث التي وجهت وجهة درامية بمجيء الجنين الذكر الذي لم يصرخ كبقية الرضع . فمجال الدوائر السوداء التي تحيط بأيوب وتجعله ينكمش في البقعة السوداء ما جعله لا يعنيه صراخ ونعيق صوت السيارات من حوله والتي أصبحت غائبة  بدورها مخلفة هذه الحيرة إزاء هذا الصمت المقترن بالامتثال . وكأن هذا العالم القدري وما يحمله من سواد لم يعد يعني غير مشيئة خارج الذات الفردية . في حين أن الواقعي الخارجي مليء بالأضواء الحمراء تتردد في كل الأركان والناس من حوله خمد صراخهم ونعيقهم . وبذلك تتناسل الدوائر من ذات أيوب إلى دوائر ذوات الآخرين إلى الدرجة التي يفقد فيها المركز وجوده الفعلي ويصبح المشهد قابلا لللامبالاة .

في القسم الثاني من القصة " الرجولة في زمن الإهانة " وحين يتعرض أيوب للاستجواب لأن الكاميرا ضبطته موجودا في مكان المظاهرات . فقد أيقن أيوب أن تلك الوجوه المتجهمة التي استجوبته وبالغت في في طرح الأسئلة وإهانته وقمع حركاته العفوية قد ساهمت في بلورة رؤيته للإشارات الحمراء التي صارت متوهجة ومنتشرة في كل الاتجاهات " نظر في المرآة العاكسة فتراءت له الأضواء الحمراء الرفافة تتبعه بنفس السرعة التي كانت السلحفاة تمرق بها . أصبحت الأضواء الحمراء تتردد في كل الأركان ولكن أيوب كان في عجلة من أمره ولا يمكنه أن يتوقف . كان يريد أن يقول لصاحب الوجه المتجهم أن اللعبة مغلوطة من الأساس لأن الأضواء الحمراء لا يمكن أن تكون رفافة ولا يمكنها ان تكون في كل الاتجاهات ولا يمكن ان تكون متحركة " ص110 .

فأيوب الصابر بقناعته التي تشير لقيم بدأت تفقد تحجرها، وبطء سيره بسيارته السلحفاة في حين أن السيارات من حوله تجري بسرعة فائقة . بدا شخصية قابلة للمعالجة الإبداعية واستخدامه كآداة لتفسير الضغط الذي يمارس على المجموعة .

وبما أن النزعة الاجتماعية تبدو جلية في قصة " القناعات الشخصية لأيوب الصابر " في جزئيها حيث حل التصوير محل الرمز فإن الكاتب أحمد ممو يرى أن "كاتب القصة اليوم أحوج ما يكون لفهم المجتمع وتحليله، إلى استعادة تاريخ المجموعات التي لم يستوعبها التاريخ وكذلك استشراف تصرفات المجموعات التي تخضع لضغوط معيشية متزايدة نتيجة تسارع النسق المعيشي أو افتقاد الطمأنينة أو الانفتاح على أوضاع معيشية جديدة غير مألوفة . ومثل هذا الاستقراء أو التحليل يمكن أن يجعل القصة أكثر من " تسجيل للواقع " أو "محاكاة" له وبذلك يمكن للإبداع أن يساهم في فهم أفضل للتاريخ الاجتماعي للشعوب وتبين الخصوصيات التي تميز الثقافات عن بعضها "  (19 )

إن المعالجة التصويرية لوضعية " أيوب الصابر" تمت بحس الكاميرا وبالعين التي تلتقط تفاصيل الشارع وحركة السائق والحركات التي يقوم بها أي سائق وهو يتعامل مع الأضواء كل حسب السيارة التي يركبها ومزاجه الباطني . ثم إن الوعي بتلك الصور ملتصقة بالوعي العقلي للكاتب الذي يقرأ تفاصيل الصورة وعلاقتها بالواقع، عبر الإدراك التصوري الذي يتجاوز الإدراك الحسي، مع إضافة الشعور الداخلي . إذ يرتبط بإعادة تصوير تفاصيل الواقع من خلال براعة التصوير الذي يعكس رؤيته الواقع . فعرض صورة سائق التاكسي في تلك السيارة السلحفاة يحمل معه هدفا ما يبلوره الكاتب  يبدو أكثر جلاء في تلك اللافتات في سيارة أيوب والتي تحتوي على آيات قرآنية وأقوال مأثورة تجعل الواقع الخانق مفتوحا على تلك الكوة الروحية التي تعيد للشخصية توازنها وتنضج وعيها بأن الألوان الحمراء لا يمكن أن تكون في كل الاتجاهات وبالتالي لا يمكن أن تكون متحركة .

     

وتفتقر الصورة في قصة " صفحات من كراس التصوير " إلى الخيال ويعوزها التكوين لتعبر عن سطح الإنسان المعاصر دون التفاذ إلى أجواءه الداخلية إذ يعالج في رسومات الراوية وهي طفلة  قصة محبوكة التفاصيل حول القطة " نونو "، وقد جلبتها "سوسو" حين وجدتها مغمضة العينين تتشمم الرخام وتموء، نظفتها واعتنب بها كما الأم . في حين كان موقف الأب متسما بالسخرية إذ علق " هكذا يكتمل مجتمع الإناث في هذا المنزل " . الأب غالبا ما يبدو غاضبا من " وكر التيوس " وهو مسكن يعيش فيه مجموعة من العزاب لما يحدثونه من صخب في شكل موسيقى صاخبة، وكثيرا ما يبدي غضبه من تصرف " طوطو " القط الذي ياتي من وراء الجدار ويستلقي قرب " نونو " ويتشممها . وحين أصبحت القطة حبلى أخذها في السيارة ورماها في مكان بعيد .

تعالج القصة استهجان " الأصل الغريزي " الذي يتحول إلى محرك للحياة، ومن ثمة نفهم علاقة هذا التمشي القصصي بالرسم الذي اهتدت إليه الطفلة الراوية وهو تصوير القطة بعينيها الزرقاوين وشعرها الأبيض في أكثر من صورة أثناء تناهي الموسيقى الصاخبة من" وكر التيوس" . في النهاية " تشير "سوسو" خفية إلى السور الذي يجب  أن أضيفه إلى الصورة، بعدم أن أضفت السور رسمت قطيطات أخرى عديدة حول " نونو" حتى غطيت كامل الصفحة " ص119 ـ 120 . فقد تمخض الرسم من خلال المعايشة للأجواء الخاصة بالقطة، الاحتفاظ بصورة الجسم، والألوان . فاكتسبت القطة صورتها على مستوى الشكل في غياب التجريب اللوني لأن الرسم طفولي، أما موضوع الرسم ف " يدور في روح الواقعية الصرف " لذلك لم تمثل قصة الطفلة سوى صورة متكررة قد تغيب دون أن تترك ظلال آثارها على مستوى "التكوين"، فما يعوز هذا التصوير الخيال الخصب، والصورة هنا سطحية تفتقد للروح وعبرت عن "الأصل الغريزي" الكامن في القطة  دون أن تتحول القطة إلى موضوع يختزل معنى ما، ورغم أن إضافة الجدار قد يدلل على رسم القطة على لوحة جدارية فإن التصوير بدا باهتا .

ومن خلال هذا التصوير للقطة بطريقة مألوفة نستشف غياب التجريب وانعدام الجرأة في إعادة رسم العلاقة بين الذات والقطة إذ يرتسم غضب الأب كجدار يطمس مغامرة التصوير الفنية: " تشير سوسو خفية إلى السور الذي يجب أن أضيفه إلى الصورة، ينظر إلينا بابا من وراء نظارتيه، ويطالبنا بأن نعتني بواجباتنا المدرسية " ص120 .

إن التقوقع وراء جدار الخوف إزاء تحذيرات الأب ما جعل التصوير يخلو من التجريد ويعكس الواقع كما هو، واستخدمت الألوان دون تجديد أو ابتكار أو التعبير عن اعتمالات الذات أو عن مواقفها أو عن الفكرة التي اهتدت إليها أو الرؤية التي يروم تبليغها، إذ كان بالإمكان أن تتحول القطة إلى رمز معين أو صورة تنفذ إلى عوالم طقوسية أو أسطورية أو ذات دلالة اجتماعية، بل تحولت إلى "اكسسوار" معين في غياب التكوين واللون والضوء، بل افتقدت الشحنة العاطفية التي تؤثر على الناظر لها حين تحدث فيه شعورا ما أو تصدمه أو توتره أو تترك له مساحات للتأويل . فكان " التصوير " في هذه القصة سد لفراغ الفضاء أو المكان الذي رسمت فيه القطة على غيابها، فهي حاضرة في الذاكرة، يستبطنها اللاشعور الخلاق ويسقطها على كراس التصوير كمحاولة لملئ هذا المحمول الفني بطريقة واقعية .

" صفحات من كراس التصوير " بما تتضمنه من رسومات عبرت عن موقف الأب من الصور الإجتماعية المناهضة للبعد الثقافي والحضاري للإنسان وإفراغه من جذوره والانسياق نحو التقليعات الغريبة التي لن تحيله حتما إلا إلى الأصل الغريزي الحيواني . ومن ثم استهجن الكاتب الممارسات الخارجة عن القواعد الاجتماعية والثقافية ل"وكر التيوس"، وما العودة إلى صورة الأب إلا تشبث بالجذور الثقافية لمجتمع ذكوري ينهض على القيم .

*****************

 وخلاصة ما يمكن ملاحظته في " زمن المواسم اليومية " الطول النسبي  والرؤية التحليلية ، والاستبطان وتيار الذاكرة الاسترجاعي . وقد قدم لنا أحمد ممو ايضاحات عن التقنيات الفنية التي اعتمدها وهو الذي عرف بنزعته التجريبية للخروج من قوالب القص الجاهز مع الاحتفاط بمكونات القصة  الأساسية وبوحدة الحدث ، وبتنامي أحداث القصة  وحبكتها .

لقد استوجب بناء الشخصية في قصص المجموعة ما يصدر عنها من انفعالات وما يسقط عليها من أفعال وأفكار لكي تنبض بالحياة وتتجاوز الورق إلى الحياة الإنسانية: " أعتقد أن ذلك بعض ما يتطلبه بناء الشخصية إضافة إلى ما يرتئيه الكاتب من وصف للبيئة التي تتحرك فيها تلك الشخصية لمزيد تسليط الضوء على دوافعها وردود فعلها، وهذا قد لا يكون كاف لبلورة كل الجونب التي يرغب الكاتب في إبرازها من خلال الشخوص، لذلك كان تأكيد القصة زيادة عن الوصف الخارجي لأفعال وأقوال الشخوص على دوافعها النفسية من خلال الاستبطان وتيار الذاكرة الاسترجاعي وكل ما يتعلق بالبعد السيكولوجي والنفسي ." (20)

  وتتفاعل مكونات الواقع الموضوعي مع الأحداث الغريبة في هذه القصص لأنه "في جانب ما من الإبداع يكون الكاتب في حاجة إلى توفير هذا التفاعل بين الواقع الموضوعي ( بالنسبة لمن ؟ ) مع غرابة الأحداث التي تبدو تخييلا بحتا، وذلك سعيا منه لتجاوز " السائد غير المفيد في تنمية الحدث القصصي " والتأكيد على شمولية الطرح الذي يسعى لتبليغة وانسحابه على أوضاع اكثر تواترا في واقع الإنسان . والإبداع في جانب منه تخييل هادف لتوفير طروحات متكاملة تكتسب مبرراتها ضمن ما يرد فيها من واقعية الحدث وامكانيات انفتاحه على افتراضات متعددة ." (21)

تتميز قصص هذه المجموعة بالطول النسبي وبنفس تحليلي، فالرؤية التي انطلق منها لتصوير الوقائع والشخصيات: "تسعى الرؤية التي التزمتها في تصوير الوقائع والشخصيات في قصص هذه المجموعة، إلى توضيح أحداث تطورية يستدرج السابق منها اللاحق، كما أن أوضاع الأفراد متاثر إلى حد بعيد بما تخضع له المجموعة، ويبقى التبرير الأساسي الذي يحكم منطق " الحكي " قائما على ضرورة اختيار موقف متماش والنهاية التي تبلور كل الافعال والأقوال السابقة . فالقصة وفق هذه الرؤية تقوم على منطق التبرير الذاتي، وذلك من خلال مواقف أساسية توجه تطور الأحداث وتخدم الفكرة الرئيسية التي يروم الكاتب تبليغها ." (22)

 

...................

هوامش

(1) زمن المواسم اليومية، م ق، أحمد ممو، منشورات قصص، 2003، ص1

(2) حوار لاحمد ممو مع هيام الفرشيشي، الملحق الثقافي لجريدة الحرية التونسية، 29جانفي2009، العدد 1000، ص4

(3) نساء عبر التاريخ بين الواقع والأسطورة، عادلة الطالبي، مجلة الفيصل، نوفمبر 1999، العدد 277، ص26

(4) المرجع السابق ص26

(5) قصة طبيب ريفي، حسين المجيد، مجلة الفيصل، العدد 229، ص78

(6) نساء عبر التاريخ بين الواقع والأسطورة، عادلة الطالبي، مجلة الفيصل، نوفمبر 1999، العدد 277، ص28-29

(7) نادي حافظ، مجلة الفيصل العدد 299

(8) صلاح فضل، حوار في مجلة الكويت، العدد 177، ص 53

(9) قصة طبيب ريفي، حسين المجيد، مجلة الفيصل، العدد 229، ص75

(10) قصة طبيب ريفي، حسين المجيد، مجلة الفيصل، العدد 229، ص75

(11) الموسوي محسن جاسم: الموقف الثوري في الرواية العربية المعاصرة، سلسلة الكتب الحديثة ن الجمهورية العراقية، منشورات وزارة الإعلام 1975

(12) حوار لأحمد ممو مع هيام الفرشيشي،الملحق الثقافي لجريدة الصحافة التونسية 21 ماي 2004، العدد 436، ص 3

(13) المرجع السابق

(14) المرجع السابق

(15) المرجع السابق

(16) المرجع السابق

(17) المرجع السابق

(18) المرجع السابق

(19) المرجع السابق

(20 )المرجع السابق

(21) المرجع السابق

(22) المرجع السابق

  

في المثقف اليوم