قضايا وآراء

الانتخابات والاغتراب السياسي

عن ناسه وشعر بعدم الانتماء لهم والسخط عليهم والخوف منهم وفقدان المعنى من حياته معهم عدّ مصابا بالاغتراب الاجتماعي. ولك أن تضيف انواعا اخرى كالاغتراب الثقافي والاغتراب الاقتصادي "بمفهوم ماركس" والاغتراب الحضاري "بمفهوم فرويد".

ما يهمنا هنا هو الاغتراب السياسي الذي يعني تحديدا: الشعور بخيبة الأمل والعجز والنفور من العمل السياسي. فالأشخاص من هذا النوع يعتقدون ان العملية السياسية بكاملها لا معنى لها. ولك أن تعدّ انخفاض التصويت في أية انتخابات عامة دليلا على الاغتراب السياسي..وتحديدا في المجتمعات الديمقراطية التي تضمن حق التصويت بحرية للجميع!!

واللافت، سيكولوجيا، أن المغتربين السياسيين لا يلومون القادة السياسيين على الحالة المؤسفة لشؤون الحياة بقدر ما يكتشفون أن النظام السياسي الذي حلموا به كان وهما أو أنه مصاب بخلل لا يمكن اصلاحه.

والسبب الرئيس للاغتراب السياسي، اذا صار ظاهرة بين المواطنيين، يعود الى فشل الثقة بالحكومة. ففي المجتمعات الديمقراطية، والمجتمع العراقي صار بالمقدمة اقليميا، يتوقع الناس من الحكومة أن تكون: نزيهة، وكفؤة، ونشطة في خدمة الناس.غير أن ما يحصل هو العكس غالبا.فالأمريكيون يرون في حكوماتهم المنتخبة ديمقراطيا أنها مصابة بثلاث رذائل: الفساد والفضائح وتبديد الثروة. والمفارقة أن هذا حصل في الحكومة المنتخبة ديمقراطيا في العراق الجديد، مع أن الدور الأكبرفيها كان لأحزاب اسلامية تدين قيمها هذه الرذائل.

وسواء كانت الحكومة في امريكا او في العراق فان مهماتها تتحدد بثلاث: حماية المواطنين من أي تهديد يأتيهم أيا كان مصدره، وفرض النظام بالسيطرة على سلوك الأفراد لحماية المجتمع من شيوع العنف والفوضى، والعمل على تحسين نوعية الحياة للمواطنين بتأمين: المساواة في الفرص، وحماية حرية المواطن وحقوقه، وتحقيق الاحتياجات الأساسية للناس.

لقد نجحت الحكومة العراقية الى حد كبير في الوظيفتين الأولى والثانية وبخاصة تجنيب المجتمع من حالة فوضى وعنف كان يمكن أن تستمر أطول، لكنها فشلت الى حد كبير في الوظيفة الثالثة المتعلقة بجودة الحياة للمواطنين .فلا استطاعت تأمين الحاجات الضرورية لاسيما الكهرباء والبنى التحتية، ولا انتشال الناس الذين هم تحت مستوى خط الفقر، ولا تأمين المساواة في فرص التوظيف ومعالجة البطالة، برغم أن العراق أغنى بلد بالعالم، يوجب على نظامه الجديد تأمين حياة كريمة للعراقي واعتبارعالمي يليق به كالذي يتمتع به شقيقه الاماراتي.

ومع أن الحكومة ورئيسها يتحملان المسؤولية، الا أن السبب الرئيس هو البرلمان الذي أفشل ثقة الناس به. واذا كان الطائفيون من الناخبين العراقيين هم الذين جاءوا ببرلمان لم يمثل شعبه، فما نخشاه الآن أن المغتربين السياسيين من العراقيين سيوفرون الفرصة لعودة كثيرين منهم ومجيء أمثالهم ..ان بقوا يتفرجون على مباراة الديمقراطية شبه النهائية بيومها التاريخي الذي سيشهده العراق في آذار 2010، فيؤخرون تتويج العراق بطلا للديمقراطية في العالم العربي.

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1318 الاثنين 15/02/2010)

 

 

في المثقف اليوم