قضايا وآراء

المشهد الشعري في النجف الأشرف خلال ثلاثين عاما

عرفت النجف بمدرستها الشعرية التعبيرية التقليدية الكلاسيكية التي يطلق عليها غالبا مدرسة النجف الشعرية لقد ظهر شعراء عديدون اختلفوا عن منهج الشعراء الجواهري والحصيري وجمال الدين والصافي والشرقي والحبوبي والوائلي وبحر العلوم وكاشف الغطاء والطالقاني والمظفر و....... ففي الثمانينيات وأواخر السبعينيات ظهرت تجارب متميزة وقصائد رائعة لشعراء كتبوا التفعيلة والنثر وفي التسعينيات عادت القصيدة العمودية بكل عنفوانها لتستمر ويرافقها ظهور نماذج رائعة من شعر النثر والقصيدة العابرة للأجناس بعد الألفين مع محاولات جادة في كتابة القصيدة القصيرة جدا والقصيدة المستدامة التي تنحو للسرد الشعري وتداخل الاشكال الشعرية في النص الواحد .

 يقول الشاعر عماد صباح الحيدري في مقاله عن الشعر في النجف بين عهدين (ملحق جريدة الصباح 2006) والذي قسّم فيه الشعراء في النجف الأشرف الى ثلاثة أصناف : لايختلف اثنان في كون الشعر يعيش بين بيوتات النجف ومنائرها ومنتدياتها آمناً مطمئنا لأنه في مدينة شاعرة كأنها أم تحنو على أبنائها لترضعهم من لبن الأوزان والقوافي وتغذيهم من فاكهة الصور الشعرية في كل حين فلا عجب إن تشهد هذه المدينة في كل عهد من عهودها بروز نخبة من الشعراء لينحتوا قصائدهم فوق جدارها الممتد في أعماق التاريخ وليضيفوا مجدا الى مجدها المطرز. لن أسعى الى تصنيف الأجيال الشعرية في النجف أو تسميتها حسب العقود كما هو متعارف عليه مستنيرا برأي الجيزاني الذي يقول: ( أن الشرط الأول الذي ينبغي أن نميز أي جيل شعري عن الآخر هو التجربة الشعرية المتقاربة(أنه ليس بالضرورة أن كل من ظهر في الخمسينيات ينتمي حتما ولا بد الى جيل الخمسينيات فإذا فعلنا ذلك فإننا نقيس الشعر بمعايير غير شعرية هنا سأحاول أن أصنف الأجيال الشعرية في النجف بحسب التقارب في التجربة اعتمادا على المنجز الأدبي والوجود الفعلي على الساحة الأدبية الى خمسة  أصناف بعد أن صنفّها الشاعر عماد الحيدري الة ثلاثة أصناف  أضفت إليها  ما وجدته مناسبا

 

الصنف الأول

جيل اعتمد في بناء القصيدة على شكلها التقليدي المحافظ على الوزن والقافية مع اختلاف المضامين التي كانت في اغلبها تحاكي الطبيعة في تقلباتها وتتكئ على ذكريات الماضي ، مع شيء من التأثر برومانسية بدايات القرن إضافة الى الاهتمام بالواقع السياسي والاجتماعي الذي يعيشه كل منهم وقد مثل هذا الجيل الشاعر محمد حسين المحتصر في مجموعته ( صلاة في حضرة النهر) التي أصدرها ضمن سلسلة ديوان الرابطة وصالح الظالمي في مجموعته (دروب الضباب) الصادرة ضمن السلسلة نفسها عام 1981 وهما آخر من تبقى من رعيل الرابطة الأدبية التي كانت تضم أيضا مصطفى جمال الدين ، وجميل حيدر وعبد الصاحب البرقعاوي ، وصادق القاموسي الذي صدر ديوانه بعد وفاته باسم (ديوان صادق القاموسي)عام 2004 بتحقيق ابن أخيه محمد رضا القاموسي . وينضوي تحت لواء هذا الجيل من حيث التقارب قي التجربة الشعرية مع الأخذ بنظر الاعتبار لعامل الزمن كل من عبد الحسين حمد ومحمد حسين غيبي وكاظم البياتي وضرغام البرقعاوي وعبد نور داود ومحمد سعد جبر الذي اصدر الجزء الأول من ديوانه (ديوان ألحسناوي)عام2000 وحسام الاعرجي الذي اصدر مجموعته الشعرية (جرح يتكلم) عام 2004 وعبد الإله جعفر الذي صدرت له (صلاة في حضرة المجد) وهي مجموعة قصائد في حب أهل البيت (ع ) عام 2006 ، وأصدر الشاعر جابر الجابري ديوانين في المهجر وقد عرفته الاوساط الأدبية بأسم مدين الموسوي فضلا عن كونه مجاهدا عراقيا معارضا كما اصدر الشاعر مهند جمال الدين ديوانه( انتظار عيون مسافرة وهناك شعراء أسهموا أنفسهم في التعتيم على أنفسهم مع الأسف مثل عبد الرسول معله وحميد الخاقاني وعبود الجابري وشهيد الشمري وكاظم الحمداني وجابر الأسدي غيرهم.

 

الصنف الثاني

جيل اعتمد في بناء القصيدة على تحريرها من قيود القافية الواحدة مع الإبقاء على وزنها وإيقاعها الموسيقي مفجرا بذلك كل الطاقات الكامنة للغة الشعرية ومبحرا في خيال واسع لاتحده حدود ويتمثل هذا الجيل بعبد الرزاق الأميري في مجموعته (قربان العشرين) الصادرة عام 1968 وشعره المنشور فيما بعد الذي يرقى فيه الى لغة فلسفية عالية يحاول فيها أن يحل إشكاليات الوجود وكذلك التصدي للدفاع عن الفقراء وأحلامهم ، يقول:- في ليل الفقراء يكون الحلم بحجم الكون -لا احلم وحدي- مثلي ينتظر الإزهار تفيض مرايا ـ هل اطرد ذاكرتي؟ من يوقظ صمت البحر؟ من يلغي خوف الصحراء؟ والشاعر عبد الهادي الفرطوسي في مجموعتيه الشعريتين (بوصلات) الصادرة عام 1989 و(إنجيل أم سعد) الصادرة عام 2001 يجنح فيها الى التجديد الذي قطع في مضماره شوطا طويلا ساعيا الى إحداث التغيير على قصيدته شكلا ومضمونا ويميل (الى جعل قصيدته منسجمة تماما منذ البدء وحتى النهاية مانحا إياها شعرية عالية) كما يرى الناقد حاتم الصكر، يقول الفرطوسي في قصيدة برهان هندسي على نظرية التلاشي : المفروض / رجل في دائرة امرأة مصلوب / المطلوب/ البحث عن الغالب والمغلوب / البرهان / مازالت تكتبه سيدة الأكوان وقد لحقهم في هذا المضمار نخبة من الذين أنجبهم منتدى الأدباء الشباب وهم عبد المنعم القريشي وغياث البحراني ومهدي هادي شعلان الذي اصدر (النفخ في الكلمات)عام 1991 نقتطف منها :- النزيف المعتق بالمستحيل البقاء -كبت صهلة للجواد المزمجرـ ها إنني ألان محترق بانزوائي الأخير . والشاعر صباح عنوز في مجموعتيه (سأعير عينيك انتظاري)1991 (وثلاثة أوقات للمطر الأرضي)1994 الذي يقول: أتوهج أحلاما منطفئة تربة روحي تتقشر امسك خيطا لخطاياها وفحيح سقاء الفكرة والشاعرة فليحة حسن التي أصدرت ثلاث مجموعات شعرية هي على التوالي (لأني فتاة) عام 1991 (وزيارة لمتحف الظل) عام 1996 و(خمسة عناوين لصديقي البحر) عام 2000 والتي تقول في إحدى قصائدها : - باسم الفأس القابع فوق الرأس أشيد حلمي لقد كان هؤلاء الشعراء قد مثلوا مرحلة الخارج توا من حربين متتاليتين إذ نضجت تجاربهم والقنابل مازالت تدوي في آذانهم ليأتي شعرهم مليئا بهذه اللغة المدوية وليوطدوا فيما بعد دعائم التغير الذي كان قد أسسه من سبقهم. ثم صدرت بعد ذلك مجموعات شعرية نستطيع أن نصنفها ضمن الجيل نفسه لأنها نهجت المنهج ذاته مع وجود الاختلاف في التوجه الشعري والرؤى والهموم فمثلا صدرت عام 1995 مجموعة ( غبش يوحدني) للشاعر محمد زاير إبراهيم التي كانت تميل الى التصوف الشعري والفلسفة العقائدية ، انه يقول-: تبتل عيوني بالمطر الصوفي لتورق خارطة الأسماء على جسد الملكوت وصدرت مجموعات الدكتور عبد المجيد فرج الله (أناشيد عيون الورد) عام 1996(وأنفاس الروح)عام 2001 و(صهيل الجراح )عام 2002 لتمثل ما يشبه العودة الى الرومانسية ولكن بأساليب جديدة .وصدرت مجموعتا الشاعر حمودي السلامي (بدو رحل)عام 1998 و (المنعطف)عام 2005 كما صدرت) مرايا الزهور ( للشاعر شلال عنوز عام 1998و (مدائن من جمان) للشاعر حسين ناصر عام 2002 . وهناك أصوات شعرية أخرى ظلت تصارع في هذا الخضم لتنشر قصائدها هنا وهناك من دون أن تسنح لها فرصة إصدار ديوان شعري أو مجموعة شعرية مثل سعد صاحب وعبد الله الجنابي .

 

الصنف الثالث

يقول الشاعر الباحث عماد الحيدري عن هذا الصنف واصفا إياه إنه جيل ثار على البناء التقليدي للقصيدة العربية شكلا ومحتوى تدفعه نزعة للتجديد ليستبدل الإرث الإيقاعي بمميزات وخصائص جديدة وفرتها له قصيدة النثر، مع انتهاء الحرب العراقية الإيرانية شهدت النجف ولادة فرع لمنتدى الأدباء الشباب حظي برعاية بعض الأدباء المخضرمين فشكل مرتعا خصبا لتجارب حداثوية جادة نال بعضها القبول والاستحسان في الأوساط النجفية، كانت تلك التجارب تتراوح بين التقليد الآلي لأدونيس وانسي الحاج وبين الاعتماد على ترجمات الشعر العالمي ، والتطبيق السطحي لاراء سوزان برنار وعدها وصفة جاهزة لكتابة قصيدة النثر وقليل منهم من رفض هذا الركوب التقليدي لموجة الحداثة السائدة وظل يبحث عن لغة جديدة واداء فني جديد يحتضنان رؤيته الجديدة الى العالم وهو يدخل مرحلة ما بعد الحداثة. لقد انبثق هذا الجيل من رحم المنتدى ليشكل في بعض تجاربه طفرة في الأداء الفني الجديد إذ ظلت الأصوات الجادة تقود سفينة التجريب الشعري وسط أمواج عاتية تدعو الى التمسك بالموروث الأدبي وترفض أي محاولة للتغير مهما كانت . ولأني كنت ضمن المؤسسين لذلك المنتدى سأذكر الأسماء التي شاركت في تأسيسه بقدر تعلق الأمر بهذا الجبل الذي كان يشكل الشريحة الأكبر من المنتدى وهم : عبد المنعم القريشي وعلي حسين علي الذي ظل يتواصل مع الإبداع النجفي رغم اغترابه وسفره الى أوروبا، فقد نشر قصيدتين في عددين من أعداد بانيقا ومحيي الدين الجابري وعبد الله الخاقاني واحمد الشيخ علي وعبود الجابري وتومان غازي وعبد الرضا علي وفارس حرام وعماد الحيدري وماجد الشرع . ووهاب شريف صدرت لبعضهم مجموعات شعرية مثل (الحصان الخلفي الحصان الأمامي) لتومان غازي 1994 وله أيضا (وردة القرفصاء)عام 2000 و( طائر الآن) لأحمد الشيخ علي 1997 كما صدرت لعماد الحيدري مجموعة (افياء لاتحب الرماد عام 1999 . بينما راح البعض) الآخر يستفيد من ثورة الاتصالات الجديدة لينشر نتاجه ويحقق حضوره بعد إن ثبت أقدامه على مستوى الصحافة العراقية ، وذلك من خلال المجلات الأدبية المتخصصة الصادرة في الغرب مثل مجلة (ألواح) الصادرة في مدريد ومجلة جسور الاسترالية ومجلة اللحظة الشعرية الصادرة في المكسيك وغيرها .  وأصدر الشاعر وهاب شريف سبع مجموعات شعرية في الثمانينيات وثلاثة بعد 2003ولا يفوتني أن اذكر إن المنتدى قد شهد حضورا واسعا من لدن المرأة النجفية المثقفة، فقد حضرت المؤتمر التأسيسي لمنتدى الأدباء الشباب كل من الشاعرة فليحة حسن والشاعرة جنان المظفر وناهضة ستار والقاصة سهام حسن والقاصة نوال المشهداني والقاصة سلمى الموسوي وعدد آخر من المبدعات اللواتي استطاعت الظروف القاسية تغييبهن وعملت المشاغل الحياتية على سرعة انطفائهن ولم يبق منهن في الساحة الأدبية سوى الشاعرة فليحة حسن ، أما القسم الأخير من هذا الجيل فقد انطفأ بعد انطفاء جذوة المنتدى عام 1993-

 

الصنف الرابع: شعراء كتبوا كلّ الأشكال الشعرية

وهنا أستطيع أن أضيف شعراء مارسوا كتابة الاشكال الشعرية برمتها منتقلين من القصيدة العمودية الى قصيدة التفعيلة الى قصيدة النثر الى قصيدة النص المفتوح وهم يجربون دائما بما يمتلكون من روح شابة متجددة مستمرة منهم الشاعرعدنان الصائغ الذي أصدر خمس مجموعات شعرية في التفعيلة والنثر  وكان قد بدأ عموديا  والشاعر هاب شريف الذي صدرت له المجموعات التالية : في الفترة بين 1982 إلى 1989 اشراقات الحب الاول / الامل العاشق / مرافيء للعشق بحر للكآبة / اوراق العشق / ليس لي الا ان اعشق / رسائل من دفتر القلب / ليس لي الا اساها / قصائد حب قصيرة من و هاب شريف ، لكنه آثر الصمت والابتعاد عن الأجواء الثقافية حتى سقوط النظام فعاد الى الكتابة والنشر والإصدرات بلهفة وحماس .فأصدر بعد التغيير كهرباء لرقة صديقتي والمرح المر وماجدوى مايقوله عراف آخر والجمر يبتكر المسرة وخسائر جميلة كذلك الشعراء باسم الماضي الذي أصدر وجهة أخرى والشعراء عادل البصيصي ومهدي النهيري وعماد الحيدري وفارس حرام وعبد المنعم القريشي وكاظم العبادي ووسام الحسناوي الذي اختار الهجرة الى بريطانيا بعد التغيير الذي حصل في العراق وحسين ناصر وعادل الفتلاوي و محمد الخالدي وغيرهم....

 

الصنف الخامس شعراء شباب مجددون في قصيدة الشعر العمودية

وهكذا هناك مجموعة من الشعراء الشباب وممن تجاوز مرحلة الشباب الا انهم ظهروا بعد التغيير الذي حصل في العراق تميزوا بكتابة القصيدة العمودية المتجددة المتحررة من التقليد المقيت والقوالب الجاهزة ناحين الى قصيدة عمودية مركزة خالية من المباشرة والتقريرية تسمو بالصور الشعرية المتجددة جمعهم فيما بعد بيت الشعر في النجف الأشرف منذ تأسيسه في 7/7/2007 ولقد أصدر قسم منهم مجموعة شعرية وحصل على عضوية اتحاد الادباء ونقلوا صورة جميلة عن الشعر في النجف الاشرف من خلال حضورهم الفاعل في المهرجانات الشعرية الوطنية وفوزهم بمسابقات شعرية محترمة يقف في مقدمتهم الشاعر مرتضى الحمامي في ديوانه آمنت بالورد والشاعر مهدي النهيري في ديوانه هو في حضرة التجلي والشاعر عادل البصيصي في ديوانه الى من يهمه الفجر والشاعر فاهم العيساوي في ديوانه اصابع ورماد والشاعرة اسرار العكراوي والشاعرة اسراء السلطاني والشاعر قاسم الشمري ,والشاعر شاكر القزويني والشاعر احمد العلياوي والشاعر قيصر ابوطبيخ والشاعر حسن الأسدي وغيره....

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1318 الاثنين 15/02/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم