قضايا وآراء

قضية للنقاش: "الخصوصية" عند المبدعين بدّعة أم حقيقة..؟

والابداعي وتحديدا في عالمنا العربي، تؤكد إن "الخصوصية" المفترضة، ماهي  إلا محض (وهّم) عاش في فضائه المثقفون والمبدعون، دون وعي منهم!!

وإذا جاز ليّ القول إنها (كذبة) لكثرة تداولها حتى صدّقها،مروّجوها وسارت في دروب وأزقة  الثقافة، مثل حادلة تجرف أمامها كل من يصادفها، فأؤكد وبالفم المليان بأنه، ليست هناك "خصوصية " بالمعنى الذي يروّجون له، ذلك، إن المبدع  أيا كانت صفة إبداعه  يستمد حاضره من حزمة قراءات ومشاهدات ممن سبقوه أو من جايلوه فيصبح تكوينه بالضرورة،إمتدادا لغيره شاء أم أبى...وفي هذه الجزئية أسأل: ماهي "خصوصية" شاعر مثل الجواهري أمام المتنبي او أبي تمام وبالعكس.. وماهي "خصوصية" قاص مثل  جمال الغيطاني أمام نجيب محفوظ او عبد الحليم عبد الله وكيف تكون لعبد الوهاب البياتي "خصوصية" أمام بدرشاكر السياب..والحال ينطبق على المسرحيين والمطربين والتشكيليين،فكل أخذ من الأخر!

وأزيد القول فأذكر، ليس هناك شىّ،نطالعه أو نحسه او نسمعه لايؤثر فينا وهذا الأمر ينفي صفة "الخصوصية" ...فالجزء مأخوذ من الكل والكل بسط أفكاره للجزء..وهكذا!!

إن الإبداع لا يتأثر بالنبع الذي ينبثق منه وحسب بل يتأثر أيضا بالمصب الذي يتوجه اليه، أعني المجتمع الذي يتلقى عمل المبدع ويعنيني من المجتمع، البيئة التي ينتمي اليها المبدع ويتأثر بها فيما يبدع ويستوحي منها موضوعاته، كما يعنيني من المجتمع جمهرة المتلقين الذين يلعبون دورا هاما حينا وهامشيا حينا اخر في توجيه الابداع ..

وفي النهاية، الجميع في خانة الإبداع،طالما،هّم،أثروا في متلقيهم، دون النظر لمزاعم ومسميات الـ"خصوصية" !!

إن الذين يرفعون يافطات "الخصوصية" ينسون إن الشجرة لا يمكن أن تنموا وتثمر دون وجود شرايين حية، قوية، بين الجذع والجذور.. فالحياة تستمر في علاقتها بالماضي البعيد جدا والقريب...جدا!

وأعترف،هنا، إن كلمات مثل (هذا شاعر يحمل "خصوصية" في شعره وذاك يمتلك "خصوصية" في كتابة النقد او القصة .. الخ ) تســتفزني، فعن أية "خصوصية" يتحدثون ..؟ وهل نسى هؤلاء إن نظام الكون جعل من الموت، حياة ومن الحياة موتا، حتى يجدد ذاته بذاته بلا إنقطاع؟

إن الثقافات، تتقارض وهذا التقارض في النهاية، تلاحق وإخصاب وزيادة في الأخذ والعطاء دون غطاء يسمى (خصوصية)!

لم يقل، شكسبير، عن نفسه إنه شاعر ذا خصوصية او توفيق الحكيم إنه كاتب له خصوصية او جواد سليم،قال إنه ظهر للملآ فنانا بخصوصية،لم يعرف بها غيره ..الخ

وبالله عليكم، لو قرأتم شعرا لآبي  العتاهية وتمتعتم بصوره البلاغية وتآلق المضامين فيه ..هل ستغيرون رأيكم،إذا ما قرأتم شعرا للبحتري العظيم او معروف الرصافي الرائع او قليل الحظ عبد الله البردوني، حيث مضامين قصائدهم وصورها التي تسلب الآلباب وتجعل المرء، يسبح في فضاءاتها العجيبة .. لم يكن لهؤلاء  "خصوصية" ..فكل منهم يحمل راية واحدة، شبيهة، متشابهة، وهي راية الابداع في شارع الشعر العربي الفسيح.

ولم أجد،غضاضة في القول،إنني أستمتع بقراءة رواية لأديب كبير مثل (غوركي) مثلما يتملكني ألإنتشاء وأنا أقرأ رواية لصديقي العزيز (عبد الرحمن مجيد الربيعي)..لا يهمني فيهما، قولة  "الخصوصية" لأنني ارهما منارة في الفن القصصي .. والأمر نفسه عند سماعي لروائع محمد عبد الوهاب وسيد درويش او طالب القره غولي!

ماهي "خصوصية" داخل حسن الذي حمل معه  نسائم الهور والجبايش ووجع الجنوب ونواحه، إذا ما قارناه بحضيري ابو عزيز او ناصر حكيم ...لكل هؤلاء مشتركات، لن نتمكن من فصل أحدهما عن الاخر لأن سمو الإبداع عندهم واحد،اللهم، إلا بإختلاف نبرة الصوت، وتلك لن تكون "خصوصية" فصوتي لايشبه صوتك..إطلاقا!

وبكلمة سريعة، صريحة، أعرف إنها، ستغيض بعض الممتهنين لكتابة النقد والذين تستهويهم كلمات "التوصيف" أيا كانت،أقول: إن المبدعين،أعطوا ثمار إبداعهم بشمولية، فإستحقوا المحبة والإعجاب...والخلود... فالرجاء، إتركوا كلمة "الخصوصية" وتمسكوا بكلمات ذات مضامين متواضعة بآلقها،يأنسها المتلقي ويسعد بها، فإدعاء "الخصوصية" وهّم كبير وخطير،مثل وهّم الصفاء في العرق والنسب في عالم لم يعرف التدوين إلا قبل قرون عدة ...مضت!!

 

[email protected]

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1322 الجمعة 19/02/2010)

 

 

في المثقف اليوم