قضايا وآراء

إشكالية الحداثة في الشعر السياسي .. يحيى السماوي أنموذجا (6)

في النصوص التي يتمثل بها الشاعر ضمير الجماعة وأوجاعها المريرة، يجتمعان في نص واحد هو " كلمات متقاطعة "، ومفردة متقاطعة، بخلقها للتناوب، معبرة لأن الشاعر حين يتحدث بلسان أناه (في المقطع الخامس)، يعلن عن حنقه ونقمته على من يريدون تخريب وطنه وقتله:

(وطني ليس هندوسيا

ولم يمت بعد

فلماذا يصرّون

على إحراقه حيّا؟ - شاهدة، ص 128)

ولكنه حين يتحدث بلسان جماعته الصعاليك (في المقطع السابع) فإنه يفخر بانتسابه أليهم، هم الذين يطرزون سماوات الوطن بالفراشات، ويفضح، بالمقابل، انحطاط مستوى الأباطرة الطغاة الذين يلوثون فضاءات الوطن بصورهم الكريهة :

(نحن الصعاليك

سيماؤنا في وجوهنا

من أثر تحديقنا بالأفق

أما الأباطرة

فسيماؤهم في مؤخراتهم

من أثر التشبّث بالكرسي

متسبّبين في إصابة الوطن بالبواسير

هم يلوثون الجدران بتصاويرهم

ونحن

نطرّز فضاء الوطن

بالفراشات – شاهدة، ص 128و129) .

ولأن الاعتراف بالخطأ فضيلة، فقد راجعت التعبير السابق الذي قلت فيه: (.. الطغاة الذين يلوثون فضاءات الوطن بصورهم الكريهة) محاولا تقديم وصف يوازي ما جاء في مقطع السماوي الذي يقول فيه: (.. هم يلوثون الجدران بتصاويرهم) مستبدلا الفضاءات بالجدران، والصور بالتصاوير)، فوجدت أن الشاعر كان أكثر دقة ونفاذا إلى جوهر الصفات والمسمّيات، فهل تُعلّق الصور في الفضاءات أم على الجدران؟ كما أن هناك الفارق اللغوي بين الصورة التي تأتي بمعنى الصفة والنوع والهيئة وهذا مالا يريده السماوي بالتأكيد لأنه يرخي شدّةة الهجمة من خلال ارتخاء حدود المعنى، في حين أن التصوير لا يعني سوى فن تمثيل الأشخاص بالألوان . هل يخطط يحيى لكل ذلك بمسطرة الوعي؟ لا أعتقد، وأؤكد أن لاشعور الشاعر – بخلافنا – هو شعوره .

 

وقفة:

وفي هذا الإطار لابد من وقفة توضح إلتباسا متوقعا قد يلقي البعض من النقاد – بقصد مسبق أم بنية طيبة تقوم على سوء التأويل – ظلاله على موقف يحيى السماوي المقاوم . فهم قد يقولون أن الشاعر بدعوته إلى سحق المحتلين بكل الأشكال قد يصل في موقفه - من دون أن يدري – إلى النتيجة التي يخلط بها الإرهابيون فيها الأوراق فيحرقوا في طريقهم الأخضر واليابس بعنفهم المنفلت الذي يمزق جسد الوطن أكثر من قوات المحتل فيتضاعف خرابه تحت أغطية المواجهة والتصدّي . ولكن هذا ما أدركه السماوي بقوة . ها هو لا يتردّد في الإعلان المباشر أنه ضد استخدام العنف إلا إذا كان موجّها إلى رؤوس الطواغيت وصدور الغزاة والخونة:

(أنا ضد استخدام الرصاص

باستثناء الرصاص الذي يثقب:

رؤوس الطواغيت

صدور الغزاة

لصوص المطر

والقادة الإماء – شاهدة، قصيدة هذيان قد لا يخلو من حكمة، ص 40و41) .

وهو يعود إلى إعلانه هذا بأشكال مختلفة وفي نصوص عديدة . ولكن عينه الشعرية ذات النظرة الثاقبة تلتقط أيضا تلك الإشكالية الملتبسة التي جعلت العراقيين يعيشون مفارقة عنفية لم يشهد لها التاريخ مثيلا وهي أنهم لم يعودوا يشألون عن من يقوم بالقتل، بل عن من الذي لا يُقتَل منهم !! فالكل يقتلون .. بائع الثلج والحلاق والطبيب والضابط السابق والمعلم والمرأة والرجل والطفل والشيخ ... إنها حملة إبادة بشرية بشرت بها أمريكا منذ عقود ويمكنك مراجعة تجربتها في أمريكا اللاتينية التي أشرف على تهيئة وتدريب فرق الموت فيها (جين نغرو بونتي) _ هل عبثا أن أمريكا عينته سفيرا لها في العراق؟! – . ولهذا نجد السماوي يشجب وبقوة أي عمل إرهابي يستهدف الشعب، ويصف من يقومون به بـ " الهمجيين ":

(أيها الهمجيون

الجنّة ليست منجم فحم حجري

لتفتح أبوابها بالديناميت

ليست مسلخاً لتدخل بحزّ الرؤوس

إذا كان الإرهاب جهاداً

والقتل الأعمى تُقى

فإن " آرييل شارون "

أتقاكم جميعاً

ولا ثمة أجدر من " الفوهرر "

بالإمامة – شاهدة، قصيدة:الجنة ليست منجم فحم حجري، ص 119) .

 

- وحدة المناخ النفسي وقرائن ذاكرة القصيدة:

إن على الشاعر الذي يدرك اشتراطات الحداثة في القصيدة أن يوفر لا أسباب التحام جسدها الفردي حسب بل ارتباطها بالنصوص الأخرى التي تسبقها أو تليها في المجموعة الشعرية التي يصدرها . هنا يمكن أن نتحدث على " وحدة المناخ النفسي " الكلي للمجموعة الذي يوفره الموضوع المركزي – وهو هنا الدور المقاوم للشعر ضد الاحتلال والغزاة والتبشير بقرب انتصار إرادة الإنسان والمراهنة عليها دائما مهما ادلهمت الخطوب وتعاظمت قوى الطغيان، لأن:

(ثمة بين الشعر والنضال حبل سرّي

كلاهما يُحدق في تخوم الغد

وكلاهما جسر ذهبي

يربط

بين شجر الأحلام

وطين اليقظة

وكلا رياضهما يا صديقي

 لا تنجو

من حسد الطحالب – شاهدة، قصيدة أوراق العزلة، ص 137)

... ولكن من خلال ما يمكن أن أسميه بـ " قرائن الإحالة في ذاكرة المجموعة " بمعنى أن في هناك قرائن مفرداتية أو صورية تتكرر في نصوص المجموعة فتحيل كلّ نص إلى الآخر حتى لو لم يتطابق السياق الكلي الذي ترد فيه هذه القرائن . فمن أسس عمل الذاكرة البشرية أنها كي " تربط " و " تستدعي " شيئا ما من مخزوناتها فإنها إما أن تستدعيه بقرينة لغوية ترتبط بخصائصه أو بطريقة تنظيمه أو بدلالته العاطفية ... إلخ . وعن هذه الطريق تصبح للمجموعة ذاكرة عامة قائمة على الوشائج والصلات الشكلية أو المضمونية بين نصوصها . وهذا ما يقوم به السماوي كثيرا – وبقصدية واضحة – في مجموعاته الشعرية خصوصا المتأخرة منها . وقد تحدثنا – مثلا – عن تكرار ثيمة الموت والتمظهرات اللغوية المعبرة عنه في أغلب النصوص .. عن المدخل الرثائي الشخصي الذي مهّد لحالة رثاء الطن والآمال العامة .. عن سمات شكلية تتكرر في النصوص: جناسية وطباقية وغيرها .. وهناك مثال آخر هام يتمثل في أن مفردة معينة ذات وقع نفسي مختزن في وجداننا تتنقل من نص إلى آخر .. وفي كل نص يوظفها الشاعر بطريقة جديدة نسبيا .. لكن تبقى السمة الحاكمة هي شكلها وشحنتها النفسية . خذ على سبيل المثال مفردة " الحبل " وما تعنيه من معاني عامة بدلالات استعمالاتها القاموسية لدى أي متلقي من جانب، وما تعكسه من ذكريات وتداعيات في ذاكرة المتلقي العراقي من جانب آخر . تتكرر هذه المفردة في قصائد هي: ما قاله التاريخ، أنا مثلك يا أنطوان، من وحي تمثال الحرية في نيويورك، كلمات متقاطعة، وأوراق العزلة . ولن أتوقف عند جميع هذه النصوص خوفا من الإطالة أولا وكي أترك جانبا لانتباهة القاريء التحليلية التي أراهن عليها دائما ثانيا . في قصيدة " ما قاله التاريخ " تأتي وقفة الشاعر التوظيفية مع " الحبل " كأداة عقاب - مشنقة - يتدلى منها خونة الوطن الأدلاء، لكن الشاعر الذي يتسامى بروحه النبيل على أعمال السفّاحين يخفف التعبير القصاصي ويجعلها حبال تتدلى من سقف صفحات التاريخ السوداء . وباستخدام مفردة السقف تكتمل ممكنات الصورة المادية ولكن مجيء " الصفحات " في الوقت المناسب يلغي العنف الفعلي فيها:

(.. وخونة الوطن من الحبال

الحبال المتدلية

من سقف الصفحات السوداء

في كتاب التاريخ – شاهدة، ص 55) .

ولكن لاحظ ما الذي يحيل إليه " واو العطف " في بداية هذا المقطع . إنها تحيل إلى " تدلّي " نقيض يؤجج الوقع النفسي للصورة، ويشيع الإحساس التفاؤلي رغم النهاية العنيفة:

(لا تقنطي يا حبيبتي

لا تقنطي

الغد يتسع للفرح

ستتدلى الزهور من الشرفات

العناقيد من الأغصان

الحقائب المدرسية من ظهور الأطفال

وخونة الوطن من الحبال ... إلخ – شاهدة، ص 55)

وبعد عدة نصوص تتكرر هذه المفردة في قصيدة " أنا مثلك يا أنطوان " كأداة قصاصية مميتة أيضا، ولكن محجمة بالنزعة الشعرية النبيلة نفسها أيضا . لا يمكنني أن أتصور مبدعا كبيرا لا يكون قبلها إنسانا كبيرا . صحيح أن الشاعر ضروري للحياة البشرية في دوره الشيطاني المحرّض أكثر من دوره الرسولي المصلح، لكن الشاعر – في أعظم تجلياته – شيطان حنون !! هذا هو سر خلود دستويفسكي وفلوبير – وراجع محاكمة الأخير على مدام بوفاري - والسياب والجواهري والتكرلي .. إلخ . يقول يحيى:

(مثلك أحلم

أن أصنع من أضلاعي

مسامير لنعوش الطغاة

وأن أضفر أهدابي حبلا

لرقاب أعداء الطفولة – شاهدة، ص 88و89) .

وحبل من أهداب جفن الشاعر لا يشنق ولا يخنق !!

ثم يعود الشاعر إلى استثمار هذه المفردة في القصيدة اللاحقة " من وحي تمثال الحرية في نيويورك " حيث يكررها أربع مرّات تكون في كل مرة أداة مادية لنشر الغسيل القذر للخنازير الأمريكان – ولا تقولوا لي حدّد الجهة المسؤولة وافصل بين الحاكم والمحكوم فقد حاصرونا شعبا كاملا بسبب حاكم وقتلوا منّا مليون بريء في الحصار الجائر لغرض إسقاطه !! هل يبدو أنني أكثر عنفا من يحيى؟ لسوء الحظ أعتقد أن ذلك صحيح:

(يلزمني حبل أمدّه

من " هيروشيما " حتى " بغداد "

لأنشر عليه

ثياب الأطفال الذين حصدتهم

مناجل البنتاغون

يلزمني حبل

من " ناغازاكي " حتى " الفلوجة "

لأنشر عليه

قائمة بأسماء الأمهات اللواتي

أثكلهن الديناميت الأمريكي

.............................

.............................

يلزمني حبل

من " غوانتنامو " حتى " أبو غريب "

لأنشر عليه

آخر مبتكرات شرطة أمريكا

في فن التعذيب – شاهدة، ص 91و92)

وفي المقطع اللاحق يستمر استخدام الشاعر للفعل " يلزمني " ولكن مع تحوّل " الحبل " إلى " قلب "، وكأننا في عملية استلام وتسليم دائبة تشبه تسليم العصا في سباق عدّائي البريد .

وفي قصيدة " كي نغفو مطمئنين دون كوابيس " يصبح الحبل تعبيرا عن فاجعة احتلال بلاد الشاعر بأكملها . فهو الحبل الدموي المسلّح الذي نُشر عليه جسد العراق الشهيد:

(غسلوا الوطن بدم أبنائه

مدّوا حبلاً من سرفات الدبابات

من قمة " بيره مكرون "

حتى آخر نخلة في " جيكور "

نشروا عليه العراق – شاهدة، ص 120) .

وفي هذا المقطع " يحسب " السماوي موقع ودلالة كل مفردة . فاستهلال المقطع بالفعل " غسلوا " يجعل المسار الدلالي متسقا لكي يرتبط ه1ا الفعل بالفعل " نشروا " ليصبح الأول تمهيدا لاستكمال دور النشر على الحبل . وإذا كنا قد اعتدنا أن نجمل جغرافية العراق الكلية بالتعبير المتداول: من زاخو إلى الفاو، فإنه قد استعاض عن الفاو بجيكور التي لها منزلة كبرى في ذاكرة ووجدان المتلقي العراقي فهي قرية السياب الكبير أعظم رموز الروح العراقية الحيّة .

ولكن كيف تنتهي هذه القصيدة " كي نغفو مطمئنين .. " التي استهلها بصلب جسد الوطن " نشره عل حبل سرفات الدبابات من الشمال إلى الجنوب: من بيره مكرون إلى جيكور؟ هنا تظهر احترافية السماوي العالية فهو يختمها بالمكونات نفسها: الحبل وبيره مكرون وجيكور مع إضافة هي أن الحبل سوف ينشر بفعل انبعاثي عظيم وخارق فهو حبل من ضوء يمتد من قمة جبل بيره مكرون إلى آخر نخلة في جيكور، ولا يجرؤ يحيى على نشر جسد الوطن على هذا الحبل فهذا فعل تمثيلي من أفعال الغزاة يشجبه ويمقته ويترفع عنه هو العاشق لبلاده، إنه ينشر عليه تقاويم أعياد الفرح الدائمة، لنحتفي بعيد كوني نردد فيه أناشيد الشاعر عبد الله كوران (بيره مكرون) وترانيم لبدر شاكر السياب (جيكور):

(.. ومن قمة " بيره مكرون "

حتى آخر نخلة في " جيكور "

سنمدّ حبلا من ضوء

ننشر عليه

تقاويم أعيادنا

مردّدين أناشيد " عبد الله كوران "

وترانيم " بدر شاكر السياب "

وأغاني محمد القبنجي – شاهدة، ص 122) .

هنا يجمع شمال الوطن ممثلا بكوران بجنوبه مجسدا بالسياب، يلتقيان بصوت القبانجي الصادح من حنجرة وروح بغداد الأم .

 وهذه المراجعة نفسها التي قدمناها عن تعدد وقفات الشاعر التوظيفية لرمز الحبل يمكننا أن نقولها عن مفردات أخرى مثل: الجواز المزوّر، السرفات، إله من التمر، الديناميت، النخلة، نهر الضوء الصوفي، مناديل العشق، اللحى، الحزن ........ إلخ .

 

- اعتراض:

وقد يسأل سائل إذا كان ما قلته عن وحدة المناخ النفسي للمجموعة حقّا فكيف تفسر انبثاث قصائد حب ونسيب بين نصوص المجموعة؟ ألا تضعف شحنة التعلقات العاطفية من قوة التيار الناقم على وحشية الخنازير الغزاة وأدلائهم؟ والجواب سيكون مختصرا لأنني سوف أخصص دراسة مستقلة عن دلالات الحضور الأنثوي في شعر يحيى السماوي، فأقول أن نصوص التشبيب المبثوثة بين النصوص المقاومة تسهم في إشاعة المناخ نفسه وتعزيز وحدته في المجموعة من خلال أن الشاعر في أقصى حالات الإنهيام بمحبوبته يراها ملتحمة بأرضه ووجود بلاده وتنسرب مفردات الأرض الأم في ثنيات الخطاب الحبي من ناحية وهو – أي الشاعر – لا يوفر فرصة، مهما كانت محايدة أو متعادلة نفسيا في الظاهر – دون أن يعزز الموقف المقاوم الرافض في شعره من الناحية الثانية . في قصيدة " لو كنت .. " نبدأ بداية غنائية يتعهد فيها الشاعر بأنه لو كان ربيعا فإنه سوف ينشر الخير والخضرة والنماء في كل صحارى العالم، وهي تمنيات توحي بالفعل الإنبعاثي المختزن الطموح إليه في لاشعورنا كدفاع في وجه المثكل:

(لو كنت ربيعا

لما تركت صحراء

إلا وأقمت فيها

مهرجان خضرتي – شاهدة، ص 95) .

ولأن فعل الشاعر الشعري يقوم على ملاحقة الضد بالضد (وبضدّها تتبين الأشياء كما يقول المتنبي)، فإنه يلحق بالصورة الربيعية السابقة صورة يتمنى فيها أن يكون القرين " السلبي " للربيع وهو الخريف في واحدة من أروع التمنيات:

(لو كنت خريفا

لانتحرت

كي لا تحني الوردة رأسها

حُزنا على الفراشات – ص 95)

وفي حركة ثالثة يتمنى أن يكون المطر كي يحيي الأرض بـ " دموعه ":

(لو كنت مطرا

لواصلت بكائي

كي تضحك السنابل – ص 95)

وهكذا يستدرجنا في دروب التماهي مع مكونات الطبيعة وتحولاتها ليغيّب انتباهتنا، ويسير بنا في طريق " طبيعية " محايدة لا صلة لها بالسياسة . وبعد أن يؤسطر – ضمن التمني طبعا – طاقاته الخارقة مستعيرا أفعال الطبيعة الكونية من ربيع وخريف ومطر فإنه ينهي القصيدة بأمنية صادمة يجعلها متسقة مع الشكل " الطبيعي " للأمنيات السابقة وذلك من خلال اجتياح البيت الأبيض كطاعون مجتثا إياه بأداة زراعية هي المنجل:

(لو كنت طاعونا

لاتخذت البيت الأبيض

حقلا لمنجلي – ص 96) . وما يثبت هذا الإنهمام بصورة أصدق وأكبر هو قصيدته " العائلية " التي حملت عنوان " العائلة " وتكونت من خمسة مقاطع كل مقطع مُهدى إلى واحد من أفراد عائلته الخمسة: زوجته أم الشيماء وأبنائه: الشيماء وعلي ونجد وساره، وتفحصنا - على سبيل المثال - القسم الذي أهداه إلى نجله "علي" فسنجده يوصيه:

(يا وزيري وولي عهدي الأمين

(..............)

أليس حماقة أن تحب العراق مثلي

وأن يكون قلبك

أكثر بياضا من حمامة " بيكاسو "

في زمنٍ

أكثر سوادا من دخان قنابل البنتاغون؟

وصيّتي:

أن تكمل مشواري

في كره

شياطين البيت الأسود في واشنطن – شاهدة، ص 50) ..

وياريت كل العراقيين يكتبون مثل هذه الوصية لأبنائهم ... لقد ملأ هؤلاء الأوغاد السفلة قلوبنا قيحا، حتى صرنا نتمنى أن تكون لنا قلوب من نوع آخر حسب أمنية السماوي كي نعرف اللذة التي جنوها من اغتصاب وحرق الصبية العراقية الطاهرة المغدورة (عبير قاسم حمزة) . يقول السماوي:

(يلزمني قلب " هولاكو " وضمير " جنكيزخان "

لأعرف حجم لذة " المحرّر الأمريكي "

بعد اغتصابه " زهرة الله " عبير قاسم حمزة

قبل رش صدرها بالرصاص

وإيقاد النار في جسدها

ليذيب الجليد المتجمد في عروقه – شاهدة، قصيدة " من وحي تمثال الحرية في نيويورك، ص 92و93) .

وفي نهاية القصيدة يضع السماوي هامشا ليذكر فيه من لم ينتفع من الذكرى يقول فيه:

(عبير قاسم حمزة: صبية عراقية من مدينة المحمودية – كانت في طريقها إلى بيتها حين شاهدها رهط من الجنود الأمريكيين، فتبعوها حتى دخلت بيتها، فاقتحموه .. قتلوا أباها وأمها وبقية أفراد عائلتها، ثم تناوبوا على اغتصابها، قبل قتلها وإضرام النار في البيت لإخفاء جريمتهم .. وإثر قيام حملة استنكار عالمية ضد هذه الجريمة الوحشية، تمت محاكمة المجرمين في محكمة عسكرية أمريكية، فعوقب بعضهم بالسجن حفنة شهور، وأطلق سراح البعض الآخر – ص 94) .. فكيف يكون الوغد ابن الوغد إن لم يكن أمريكيا من سلالة جورج بوش؟ وكيف ستطمئن الإنسانية على مستقبلها بوجود مثل هؤلاء الوحوش السفلة؟:

(أياً كانت مآسي الغد

أياً كان غضب الأعاصير

البراكين

الطوفانات

الزلازل

والأوبئة

فأجيال الغد لابدّ أن تكون أحسن حالاً

مادام أن الغد

لن يشهد ولادة وحش جديد

اسمه:

" جورج بوش الحفيد " – ص 93) .

.. لا تسامحوهم ..

 

- لحظة وداع:

في ختام هذه الدراسة، وإذ يرتفع - الآن - صوت مؤذن الفجر في سماء دمشق العربية - أتذكر هذا الصوت الجبار وهو يرجف روحي في بغداد المحروسة بالله مع انتهاء ساعات القطع الكهربائي المبرمج، صوت البشير الأزلي يأتي مع خيط الفجر الأول يعلن: الله حي ... العراق حي ... فتقشعر روحي التي أدماها يحيى السماوي وجدانيا وأرهقها نقديا .. تاليها وياك يحيى السماوي؟ ..

ويا أيها القاريء العزيز .. يا شقيق روحينا المجهول .. كلانا أتعبك .. فعذرا .. ووداعا ..

 

 

 

 

في المثقف اليوم