قضايا وآراء

الغرب الى أين: بعد خطابات اللاءات، والنهايات والمابعد؟ (1)

اذاكان الأصل في مفهمة الأنظومة الغربية وأهدافهاالكونيةهي المعادات الثقافيةanticuture للثقافات السائدة، سواء

 - حسب تحليل الأنثرولوجي الأكاديمي ربير جولان Robert Jaulin في مبحثه Décivilisation,pollitique et pratique de l’ethnocide Laحول تفسيره لمرافقة مشروع الغرب الحداثي لاستحداث مشاريع تدميرالثروات الثقافية والحضارية للجماعات الاثنية في العالم كله،

وسواء : - حسب التحليل الرصين للأنثروبولوجي الكبيرأوجين فيبرEugen Weber الذي يوضح فيه هول فظاظة محوالثقافات الشعبية الغنية في المجتمعات الريفية بأوربا تحت تبريرية دمجها القسري في التقدم والحداثة اشباعا للصوصية وجشع الشركات الاستهلاكية الرأسمالية، وهيمنة ألوهية السوق، حيث كانت هذه الثقافات الريفية الأوروبية المتنوعة والثرية بطقوسها اليوميةبأساليب عيش أفرادها الجماعية، تعطي لحياتهم الفردية المعنى والقيمة والحيوية - كمنهج حياة - شبيهة بثقافات مجتمعات العالم الثالث، وهي أروع ما تراه اليوم الأعين في الأرياف النائية في ما يسمي ب أوروبا العميقة l’europe

profondeبدل نمطية وغلاظة الخرسانات الاسمنتية الحديثة، وأنماط عيش المدينيين في المدن الكبرى الباردة الروح، والخالية من الانسانية والحياة كما رسمتهاجيدا كل الكتابات الفلسفية الموغلة في الغوص في مجاهيل سراديب أزمات الانسان الحداثي عند هروبه من المعقول الى اللامعقول الذي تحولت أدواته التعبيرية الوجودية الى مفردات :السأم والعبث والانتحار (المعنوي عبرممارسة كل أنواع الهروب)، والغثيان، والطريق المسدود، منذ فترة الأربعينات، الى نهاية السبعينات المسماة ب الزمن السارتري أوزمن طغيان الوجوديات المغرقة في السوداوية المعتمة، مواجهة لوحشية غياب الحلول السرابية القزحية، التي ادعتها أطروحات الحداثة

 ومنهنا نشأجيل جديد بعد الثمانينات، من المفكرين والفلاسفة والمبدعين المزيفين والفارغين، صدمتهم نهاية المثال الذي حطمته الفظاعات الستالينية، التي كانت الفسلة الأولى لتفكيك الأنظومة الاشتراكية برمتها بتلك السرعة المذهلة، فسقط هؤلاء المثقفين في التيه، ودمرهم الفراغ وزيف الطروحات الفلسفية الجديدة المصادمة - وماهي بحقيق الفلسفة ولا خليقهاولاجديرها - اذ الغالب على أشباه الفلسفات المعاصرة هذه، أنهاللموضة تابعة، وللتيارالجارف خاضعة، وأصبح ما يسمى بالفلاسفة أوالمتفلسفين أشبه بالخيوط المعقلة، أوالأجنحة المحلقة في الفراغ، تميل مع الريح حيثما مالت، لترديهم أرضا ارعابات المابعد، واللاءات، وخطاب النهايات....انها أزمة الفراغ.

 وان هذه الصورة القاتمة للحداثة التي صورها التفكيكيون الغربيون أنفسهم، وفي مقدمتهم منذفجرالثلاثينات كلا من سيغموند فرويد واريك فروم وغيرهما الذين صفوها ب الصدمة والجرح والخدش والتمزق والمزقة والشرخ والندب والانجراح بمفاهيم الاستطباب النفساني أكثرمما يتم الحديث عنها بتوسط مفاهيم اقتصادية، أو اجتماعية، أوتاريخية، أواصلاحية، مما زاد مفهوم الحداثة بلبلة وتشويشا وعدم وضوح في كل المعاجيم الليكسيكية المتخصصة، حيث تسبب في توليد حداثة مشوهةهجينة في كافة المجتمعات التي داهمتها الحداثة بعنف–كماهو الشأن في العالم العربي - الاسلامي، مما تولدت عنه شروخ في الوعي، وتشوهات في رؤية الذات والآخر، وتخرمات في الواقع نفسه، اذ اقترنت الحداثة منذ بداياتها في كل المجتمعات المتخلفة ب حداثة دخيلة متسللة ملغوزة مسيطرة ومحطمة لا كتغييرموضوعي أصيل متولد من الداخل فكانت حداثة مرتبطة بالصدمة الاستعمارية، وظلتا متقارنتان ومتلازمتان في الأذهان والمشاعر، لاقتران الحداثة بالصدمة والرضة، وانكسارالوعي واحتلال الأرض، والاسفزاز البراني لا الجواني، فجاءت عنيفة مصادمة لا مسالمة، كماهو الشأن اليوم في فرض الحداثة والديموقراطية الغربية في المنطقة عبر الصهيونية كمشروع تحديث لمتوحشي الشرق وكما تمارسه الولايات المتحدة في تحديث العراق وأفغانستان وباكستان واليمن، وكما تسعى الى تحديث ايران، بوأد دخوله الى عالم الندية العلمية والتقنية والرقي الحضاري، بقصفه أوخنقه أوتدمير بنياته الاقتصادية والحضارية وابادة حوالي تسعين مليون من شعبه،

وأمام هذا الغبش كله، تنتصب اليوم الصورة الزائفة للتنويرالمنتصرالمزهوعبراستمرار الرسالة الأخلاقية الكونية للغرب في شكل أطروحات المفكرين والفلاسفة الجدد الليبيراليين الذين يحيون فلسفات القرن الثامن عشروالتاسع عشر، التي كانت ترمي الىاستغلال العالم الثالث، والى تنصيرالوثنيين الأسويين وشعوب امؤيكا ولوكانواموحدين، أوبوذيين، أوطوطيميين، اذا بنفس الفلسفات اليوم تعود الى الواجهة عبرأنصارها المحليين المتنورين في العالم الثالث، توجه قبلتها مكشرة عن أنيابها وأضراسها ضراس بأساليب استشراقية رخيصة – نحوتحريرشعوبهم من بؤس تقاليدهم وثقافاتهم وحضارتهم وخاصة (النساء والأطفال والأقليات والمثليين والمنحرفين) لينتهي هؤلاء - المحرَرين - الىالاخاء العالمي المزيف، لكفكفة هموم الرجل الأبيض، وتأمين انجاح مشاريع التغريب للعالم، عبرمسخ البشرية وسلخ الناس عن أناهم لكي لايكونوا هم بل يصبحون الآخر المشوه الذي يسميه نتشه بمعتوه القرية - L’idiot de Vilageعندما أعلن نتشه عن موت الحداثة مبكرا، مماجرعليه نقمة الكثيرين وخاصة من عديله الألماني آخردينوصرات مدرسة فرانكفورت الفلسفية يورغان هابيرماس

وبالتالي :

 - فتحت وطأةهذا الفراغ–والطبيعة البشرية بفطرتها تكره الفراغ - :

أصبحتالبشرية تطوح في المطاوح - بقيادة الغرب المتأزم اليوم، الذيهونبراسالتقاليد الفلسفية الكونية منذ اغريقيته - حيث كان لكل عقد من الزمن مذهبه وأطروحاته الفلسفية، واستحال لكل دورة عشرية تزيدأوتقل فلسفاتهاومدارسها، ولكل مدرسة اتباع ومذاهب، ولكل مذهب مؤلهون ومريدون، وكل حزب بما لديهم فرحون، وعدنا لانجد تقاليد فلسفية أوفكرية أوابداعية راسخة، تنيرالسبيل، ودأب المفكرون والفلاسفة وعشاق الأناسة على التقلب بين الموجات والتيارات، حتى صارأمرهم كأمرالمتسوق الغريب المتسكع في سوق الخردوات، ومحلات بيع التحف البالية المعروضة على عشاق الأثريات والحفريات، وما أن تقع عينه على بضاعة مزجاة الا وتزيغ أبصاره الى أخرى، فاماأن يختارأو يحتار، فتسربلت الأفكارالفلسفية الكبرى والصغري بغلالات كثيفة من الاستحالة والعدم والتيه والمسخ، défuguration، مولدة ضروبا من التشويش والتخبط تحت وطأة هذه الضغوطات المربكة والمرعبة الثقيلةالوطء التي هي:

 - ضغوط هيمنة (فراغ القيم واللامعنى واللاغاية واللاقصد والنهاية) الطاغية على كل الطروحات علىالمستوى المعرفي (الفلسفي) التي تعاني منها مراكز بحوث الجامعات الغربية، حيث لن تجدفي أيامناهذه - سواء أتسكعت في المكتبات المتخصصة في معضلات الانسان في الحي اللاتيني بباريس، أوأطللت على الأطروحات المعروضة في كليات علوم الأناسة التابعة لجامعة السوربون، الاوأصبت بالدواروالخواروالاحساس ب اللاعودة le non - retour والصداع، نتيجة تغول التحولات الخطيرة والمتسارعة الي ولدت لدى الانسان الغربي المعاصرالمزيد من الشعوربالاضطراب والقلق والارتعاب من المستقبل المعتم، لعدم وضوح الصورة المقبلة للعالم والانسان الجديدين التي حفلت بها كتابات فلاسفة الأخلاق وعلم الاجتماع والفلسفة السياسية الى عاية نهاية الثمانينات، بما تضمنته من تشعب الاهتمامات ب الدولة وما بعد الدولة والثقافة ومابعد الثقافة والمجتمع وما بعد المجتمع والسياسة ومابعد السياسة وفلسفة الدين ومساءلاتها لميتافيزيقا الدينوالروح والبيوأخلاقيات المتعلقة بالروحانيات وعلم الأخلاق، وهموم الحفريات والجدليات حول أيهما أحوط للانسان :الأخلاق التي منبعها الدين–كما هوالشأن لدي المثاليين الأقربين الىالتصوفية المسيحية مثل هيغل أو الحدسيين مثل بيرجسون، اوالبراغماتيين مثل ديوي ووليم جيمس أو الوضعينين الأخلاقيين مثل كانط، أودعاة المادية المرتبطة بعلاقات الانتاج ماركس أودعاة الأخلاق الأرستقراطية المتعالية للقوة مثل نتشه وشوبنهاور أوالأخلاق المربتطة بالمادة البحثة عند بيركلي والمنفعة لدى هوبز :

تلك الفلسفات الحداثية التي تعرض نفسها كلها كلفلسفات بديلةوالتي سقطت في أتون صراعاتها فيما بينها، الىأن تناست الانسان وخلفته وراءها في الطريق الطويل القاحل الموحش - على حد تعبير فوكو - وذلك بعد فشل كل أطروحات العوالم الجديدة منذ ادعاء الطرح الكانطي المتغطرس عام 1793بسؤاله من هوالانسان ؟الذي زعزعته صرخة العدمية النتشية ومقولاتها في الانشطارات الغربية الكبرىالذي تلته أطروحات أحسن العوالم meilleurs des Mondes من كاسيرر وهكسلي الى ماركيوز وسارتر وتايلر تلك العوالم التي أرعبت ما قبلهم من فلاسفة العشرينات والثلاثينات مثل وندهام لويس في عام1937الذي قززته التجربة الحداثية لماسأة الحرب الكونيةالأولى، وبوادرانتشار الأفكارالفاشية والنازية بشكل متسارع كحركات ديموقراطية بدأ تمويلها من الولايات المتحدة منذ عام 1922 باعتبارها تلك الديموقراطيات الفتية الرائعة حسب تقريرالسفيرالأمريكي بايطاليا - زمنها - أوكما وصف سيد الأنوارالأمريكيين تيودرروزفلت، موسوليني بأنه : ذلك الرجل النبيل الرائع - وأصبحت الفاشية - للغرابة محسوبةعلى الحداثة والديموقراطية، ومنسجمة مع المفهوم الغربي والأمريكي للديموقراطية قبل أن تتعارض المصالح المشتركة (الجيو - اقتصادية - ستراتيجية)، لينقلبواعليها لاحقا لا بسبب المبادئ الانسانية، ولكن بسبب انتهاء دورالفاشية كأداة لايقاف المدالشيوعي وتمرد موسوليني على اليانكي الأمريكي وهو نفس سياناريو عراق صدام، بعداستنزافه، وقلم أظافره، ونخرقواه في حرب الثماني سنوات مع ايران..وهكذا هم الأمريكيون، وهكذا سيظلون..

 وهكذا ارتعب وندهام لويس وجيله من الفلاسفةالذين نظرواوراءهم إلى ماخلفته الحداثة والحضارة من دماروخراب، ومستشرفين المستقبل الذي وصفه ونهام بهذه العبارة المرعبة قائلا إننا لسنا فقط آخرالرجال في حقبة زمنية، بل نحن أكثرمن ذلك، نحن الرجال الأوائل في مستقبل مرعب لم يتعين بعد حيث انسدت كل منافذ المستقبل أمام المفكرين والفلاسفة الحداثيين اللاحقين، سواءأكانوامن أتباع هيغل أو كانط، أوهايدغر، أوجادامير، أوفيتجنشاين، أوفوكو، أودريدا، وسواءأكانت التقاليد فينومولوجية او هرمنوطيقية او تفكيكية أوغيرها،

 ? ضغوط المزالق والمآزق والمآسي في كل مناحي الحياة نتيجة اعتلال الحضارة العضوانية المعاصرة التي قدمت للانسانية أشياء لم يطلبها في الأصل–حسب تعبير ألتوسير المتمثلة في تخمة (الاشباع الاستهلاكي - العضواني) والاستهبال الفكري والايروتيكي والابداعي

 - ضغوط متاهات السلوك الهمجي لدي الشباب الغربي الحالي الذي هو الأنموذج الكوني لكل شباب العالم في ظل عولمة القذرات وخاصة في سلوكه الانحطاطي تفكيرا وسحنة وهندمة التي تهيج المزيد من استفحال البرابرية الخلقية لدي الشباب العولمي المعاصر مما يزيد من حالات الارتعاب الكوني، بتفاحش ملايين حالات الأمراض العقلية والنفسية والروحية، التي غصت بها المستشفيات الحكومية والمصحات الخصوصية في عوالم الشمال المتخمة المدللة، وفي عوالم الجنوب الجوعانة والمرعوبة، وتزايد ملايين المحبطين والمنحرفين، والمعتوهين، والشواذ، وعتاة الجناة وملايين العصاةالمحتملين - الصامتين منهم والمدجنين واللاهين، - وظواهرالمتمردين والمغتربين والمهمشين، والمجرمين القاصرين (ظاهرة اكتظاظ السجون في أوروبا الغربية والولايات المتحدة بالشبيبة والأحداث التي أصبحت تقض مضاجع الدول والخبراء والمنظمات الدولية) الى آخرالأوجاع الكونية الجديدة، والنوائب الوجودية التي باتت تقصم ظهورالبشرعلى امتداد المدارين، بموجب الاخلاق الزولوجية الجديدة المتطيشة في التجمعات الثقافية والسياسية والكروية والغنائية وغيرها، بسبب فراغ العقول والبطون والأرواح والأفئدة، حيث أصفرالنوع البشري - بعد موات كل مشاريع الحداثة - من أية قيمةأنطولوجية، أوصبغةانسانية،

 - ضغوط تهديدات الفوضى الاقتصادية العارمة، والبطالة الخانقة في الجنوب المعسر، والمتعملقة في الشمال الموسر، المؤذنة باندلاع الثورات في داخل الأنظمة الرأسمالية الغربية، ومحاولات التمويه عليها وتحويل الأنظارعنها، وشغل قطيع البشر، بمشاريع اشعال الحروب في الخارج أو باختلاق ثورات وانقلابات مخملية داخل البلدان المتمردة على المشروع الغربي كيفما كان لونها الحضاري أوالعرقي اوالطائفي في العالم، سواء اكان المتمردون مسيحيون، أومسلمون، أوبوذيون، أو قوميون، أولا دينيون،

غيرأن هذا الشرق - سيظل بالنسبة للغرب–لأسباب جد معقدة - هوالحمام التركي الذي يغتسل فيه من أدرانه وأوساخه وأوصابه وقاذوراته، ...وسيظل أرضيته المستباحة لتجارب هذياناته، منذ الاسكندرالأكبر، ومن اقتفي آثاره لاحقا مرورابنابليون، وعبركل ملحمات الغرب المظفرة الكولونيالية البشعة، وصولاالى ما يجري اليوم في مناطق العالم العربي والاسلامي وما سيجري على أرضه - غدا يقينا - من فظاعات،

 والنتيجة، أن الكل يتصارخ :أين المفر؟

 فقد أعلن مفكروالغرب بالاجماع، عن أن أطروحاته المركزية الجديدة الضامنة لاستمرارشرعية الغرب ورؤاه المستقبلية قد تبخرت، وتقلصت حتيتا متدرجة الى المزيد من الانحدار، ولم يتبق منها سوى فرضية واحدة وهي : موت الحداثة، حيث لم يعدالتفكيرالغربي يتساءل في مراكزبحوثه، فيما اذا انتهت الحداثة أم لا (فهذه من خصوصيات جبلة الثرثرة العربية والثالثية الصرفة المصابة ب عقلية التكرارية الاركية الاجترارية السقيمة للابيستيمولجيات والحفريات والتفكيكات البائدة التي لم تعد تذكرمنذ أواخر السبعينات من برشلونة الى سيدني - سوى عند ديناصورات عباقرة نخبنا العربية)،

فثمة أوضاع عالمية جديدة متعلمقة ومتزئبقة، أودت بكل المراحل الانتشائية المزدهرة للأطروحات الكانطية والهيغلية (سواء لدى الهيغليين والكانطيين القدامىأم الجدد) التي كانت تتمحورحول السلام الدائم، وانتصارالعقل، وحيث تم الاعتقاد–خطئا - بأن نهاية الحرب الباردة، تمثل لحظة يمكن التحكم فيها في مصائر البشرية، والعمل على نشرالمحبة والأخوة والعدل العالمي كما وضح ذلك جيدا زاكي لعيدي في كتابه القيم Un monde privé du sens عالم بلا معنى حيث أصبحت طروحات اللاءات لكل القيم، تتطفح على سطوح الفكرالغربي وعلى جلد حضارته المعتلة مثل البثور الديرماتولوجية، والتورمات الخبيثة المنذرة بتجذر الغرغرينات السرطانية المستعصية، تتجلي في مشاريع فكرية مبهمة جديدة غيرمرئية، تنفلت من كل تحديد مفهومي نهائي ويقيني، بعد أن أصبحت هذه الحضارة تعاني من ظاهرة جديدة اسمها : الخوف من التخلف والفقر ورعب العودة الى الظلامية الدينية المسيحية الكاثوليكية - كما يرسخونها في الأذهان - وكأن المسيحية الحقة كانت عدوة للانسان التي لم تسعفها جرعات الاصلاحات اللوثرية والكالفانية البروتستنانية التى حولت دين عيسى عليه السلام الى توارتية ظاهرية مكثلكة والروح تلمودية، والى وصفات اقتصادية دنيوية مطعمة (بيهودية تلمودية استرارية - قبالية–ترشيدية - مالية) لكل مناحي الحياة المعيشية المندسة في تدبيرالأبناك والأعمال وتصاميم العمارة والبنيان، وتنظيم المجتمعات والأحزاب وتوزيع الأدوارعليها، وتوجيه الرياضات والفنون والثقافات الجديدة، وعقلنة زولوجيات الرفث والخنا، مواجهة ل فوبيا هاجس مرض العودة الى القرون الأوسطية، التي أفرزتها مفهومية فرانكشتانية التحديث الذي أصبح مثل الوحش الذي انفلت من عقاله، وعاد من المستحيل السيطرة على هستراته التخريبية في غياب الحلول الجاهزة التي لم يعرف لهاالغرب - في جميع أحواله - مخرجا في تاريخه الطويل الاعن طريق الحروب الداخلية والخارجية منذ ما قبل مسيحيته وصولا الى مشاريع الحروب القادمة بعد 2010 :المدرجة في أجندات التوليفة الجديدة (الأورو - اسرائيلو - أطلنطية) عبرمشاريع التغيير الحداثي بالحروب المدمرة، لا بالحواروالمجبة والعدالة والاقناع بقيادة الأرباب الجدد (أوباما - ناتانياهو - ساركوزي - براون - ميركل)

 - أوليس هؤلاء هم آلالهات الجدد الحداثيون، العقلانيون، المتنورون، واللا دينيون التقدميون العلميون الذين أنيطت اليهم - بالاقتراعات الحرة والديموقراطية - مهمة ترشيد شؤون الغرب الحداثي اليوم واقتياده الى الطريق الأقوم؟

 

تساؤلات مشروعة:

 وبعيداعن التردادالأهبل للمهاترات الأدباتية والخربشات الشعرية الطفولية لمصلطلحات الحداثات، فان الغرب يتحدث عن الحداثة بصيغة الجمع، ومهرطقونا يتحدثون عنهابالمفرد، كما أن الغرب يتحدث عن العلمانية بالجمع ونحن نتحدث عنها بالمفرد، علما بأن لكل مجتمع وبلد وحضارة حداثتها وعلمانيتها، وبالتالي فان الحداثة والعلمانية ليستا واحدة، فهما افرازان لحاجات (سوسيو - ثقافية - حضارية –خصوصية أوروبية) وليدة حضارة الغرب التكنولوجى المعاصر، التى تعكس قيمه المتصارعة داخل أمهاته الكبرى : الهيلينية والرومانية والتوراتية والمسيحية، الوضعانية، واللادينية، والتنويرية والاستعمارية والحداثية وما بعد –الحداتية - وهلم جرا، مع انعكاساتها على تاريخه الطويل والمعقد الذى أفرزمفاهيم انقلابية تستجيب لتساؤلاته وصراعاته التى هى من مميزات كيانه العام التىلا يخرج عنها في تفاعله اليومىأو الدوري مع الارتجاجات التى تصيبه مع الآخر أو العوالم الدونية، وهذه من صلب طبيعة الغرب الجوهرية - لمن لا يعرفه من الداخل ايبيستيمولوجيا -

 كمالايجب اغفال أن ازدهار تيارات ايديولوجية وفكرية ومذهبية فى فرنسا مثلا لا يفيد بالضرورة انسحابها على العقلية الجرمانية أوالانجلوساكسونية، أوالفالونية (البجيكية والهولاندية)، أوالاسكندنافية، أوالسلافية، فأوروبا ليست واحدة، كما يتوهم سذج ساستنا ومثقفينا، فبنيات القوميات والعرقيات الأوروبية وخصوصياتها التاريخية والمحلية منتوعة بل وتناقضة أحيانا - وهى المتجاورة جغرافيا واثنيا وتاريخيا وثقافيا واجتماعيا– غيرأن مصالحها تتقاطع وتلتقى استراتيجيا واقتصا ديا، بل ان هذاالغرب الحداثي والانسانوي نفسه، يدبراليوم مكائد لاقصاء دول من الخارطة الأوربية مستقبلا مثل بلجيكا، وتفقيروتجويع دول مثل اليونان واسبانيا والبرتغال لتدفع ثمن التناقضات الحداثية والديموقراطية الأوربية، فما بالك بشعوب وحضارات تقع خارج المحيط الأوروبى ذى البعد الواحد، فمن الغباء اذن اسقاط مصطلحات الحداثة بكل وبلادة على سائرالثقافات، أو تفرض على جميع المثقفين استظهارمصطلحاتها، والتحذلق بدلالاتها علىأسواِ ما تكون من الرطانة والاصطخاب الأجوف..

 وما يمكن تطبيقه من حداثة أوعلمانية في لبنان - مثلا - لا يمكن صرفه بكل صفاقة على العراق، أو السعودية، أوسلطنة عمان أو المغرب، كما أن كل مفاهيم الحداثة ليست استلهاما منزلا ومنزها ومقدسا، وكل حداثة أوعلمانية بدون أخلاق، ولاعتاد روحي قويم تدعم أسسها فسيكونان مجرد فوضى وهسترة منظمتين

للبحث صلة

د./م. الطيب بيتي/ باحث مغربي في الأنثروبولوجيا /باريس/فرنسا

[email protected]

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1328 الخميس 25/02/2010)

 

 

في المثقف اليوم