قضايا وآراء

مفكرون إيرانيون معاصرون: رامين جيهانبكلو

له العديد من المؤلفات بالفارسية والإنجليزية في قضايا فلسفية مختلفة مع تركيز خاص على موضوع الحداثة.

 ترأس جيهانبكلو بعد عودته إلى إيران قسم الفلسفة في جامعة طهران ،وكان ناشطا ثقافيا وسياسيا قبل أن يتعرض للاعتقال على يد السلطات الإيرانية التي أفرجت عنه بعد حملة ضغط داخلية وخارجية تخللها قيام عدد من المثقفين البارزين أمثال يورغن هابرماس  Habermas ونعوم تشومسكي بتوقيع عريضة تطالب بالإفراج عنه.

وفي مقابلة معه في العام 2006 تحدث جيهانبكلو عن تأثير الأفكار الغربية ولاسيما الفكر الليبرالي عند هابرماس وكانط في حركات الاحتجاج في إيران ،وأهم ما جاء في تلك المقابلة* هذه الفقرات:

نحن مدينون في إيران بالكثير للأبحاث الفكرية الحديثة ولاسيما ترجمة أعلام  الليبرالية الحديثة في العالم الأنجلو أمريكي أمثال أشعيا برلين Isaiah Berlin، وجون رولز Rawls John وكارل بوبر Karl Popper، والليبرالية الكلاسيكية ممثلة بأفكار جون ستيوارت مل وجون لوك وايمانويل كانط التي شكلت اتجاها جديدا من الليبرالية بين الجيل الأصغر من المثقّفين الإيرانيين.

لقد كانت زيارة هابرماس إلى إيران [في العام 2002] نجاحا عظيما؛ فقد عومل في إيران بالطريقة نفسها التي يعامل بها ممثلو بوليود في الهند إذ طوّقه مئات الطلبة الشباب وكثير من الفضوليين حيثما ذهب وحاضر. وقد تكرر ذلك المشهد عندما زار الفيلسوف الأمريكي ريتشارد رورتي Rorty إيران في العام 2004: فقد جاء إلى محاضرته عن "الديمقراطية والأصولية" ألف وخمسمائة شخص في بيت الفنانين في طهران.

وتعد الفلسفة  في إيران اليوم نافذة على الثقافة الغربية، وعلى المجتمع المفتوح وعلى الديمقراطية. وهذا هو السبب الذي جعل حضور فلاسفة أمثال بول ريكور وريتشارد رورتي وأشعيا برلين وآخرين في إيران مهما؛ فأغلب المثقّفين في إيران اليوم يكافحون ضدّ الأشكال المختلفة من الأصوليّة، وضد التعصّب والأرثوذكسية. ولا ننسى أن هابرماس يعتبر وارث تقليد مدرسة فرانكفورت الثقافي الذي انتقد منذ البداية كل الأرثوذوكسيات والنظم الاستبدادية.

يقول جيهانبيجلو: عندما كنت في إيران درست هيجل مستفيدا في أطروحتي عن هيجل من هابرماس استفادة عظيمة. لأنني أعتقد أن قراءة الأخير لهيجل عزّزت نظرته إلى فلسفة التاريخ، لكنّها دعمت في الوقت نفسه دفاعه عن مشروع التنوير؛ فهو مشروع يجعل الحداثة أكثر وعيا بذاتها. وهذا يتماشى مع قراءة هابرماس لكانط...فكما نعرف يعتبر كانط فيلسوفا ذا حضور شعبي طاغ في إيران ولقد شهدنا في العام 2004 عدّة احتفالات في طهران لمناسبة الذكرى المئوية الثانية لوفاته. وتكشف إعادة قراءة مبدأ الاستقلال الذاتي الكانطي ومقتضياته السياسية كيف يمكن للرأي العام (الشعبي) أن يأخذ موقعه في صلب عملية الدمقرطة وكيف يكون هذا المبدأ حاسما في بقاء المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الديمقراطية في عالمنا. ولهذا قلت إن قراءة هابرماس لكانط  ساهمت في إعادة صياغة الفكر الديمقراطي الجديد في إيران وتوسيعه.

إن التفكير في الديمقراطية وتأسّيس حكم ديمقراطي في بلد مثل إيران ليس مهمّة سهلة خلافا لما يعتقد الكثير من الناس، إنه أكثر من مشروع سياسي بسيط. فالتحدي يكمن في التركيز على عملية بناء وعي ديمقراطي يمكن أن يؤمن استمرارية الهياكل السياسية الديمقراطية عن طريق وضعها في الضد من تقاليدنا الاستبدادية. ويساعدنا التفكير الفلسفي لأنه المنطق الذي نستند عليه في مقاومة التقاليد المستبدة. ولا يعني هذا أنّني أعتبر البناء العظيم من التقاليد في إيران مجرّد أخطاء موروثة من الماضي. ما أعنيه أنّ تقاليدنا السياسية والاجتماعية مقبولة طالما مكّنتنا من الاعتقاد بما نريد بحرية.  فقد نجد أنفسنا مرتاحين ومنسجمين مع  تقاليدنا لكنّنا نحتاج إلى التمييز بين إحساس بانتماء خاطئ وبين احترام فضاء مشترك تتعدد فيه الأصوات."

 

مقالته التي تناول فيها الأزمة الأخيرة في إيران وحملت عنوان "أزمة الشرعية في إيران"**

كان هناك- منذ الأيام الأولى من عمر الجمهورية الإسلامية لإيران- نوعان من السيادة: إلهية وشعبية.

ورد مفهوم السيادة الشعبية المشتقّ من الإرادة غير المنظورة للأمة الإيرانية في المادة الأولى من دستور الجمهورية الإسلامية. أما المفهوم الإلهي للسيادة المشتقّ من إرادة الله بتوسط من المؤسسات الشيعية الإمامية فقد تم بناؤه على الفقه الحالي الذي يعد الشريعة أو القانون الذي يحكم المجتمع الشيعي، ما يسمى بمذهب ولاية الفقيه "Velayat i Faqih"

ظلت السيادة الإلهية في تصاعد مستمر وذات صلة أضعف بالدين منها بعلم اللاهوت السياسي. أما السيادة الشعبية فقد وجدت مكانتها التي تستحقها في الشبكات الاجتماعية والفعل السياسي للمجتمع المدني الإيراني. وكان هذان المفهومان المتعارضان للسيادة مثار نزاع في السياسة الإيرانية، تتحدد به في أغلب الأحيان المخططات الأيديولوجية للصراع على السلطة السياسية بين الأجنحة المختلفة.

وتعد الأزمة الحالية التي تلت الانتخابات الرئاسية الإيرانية في إيران متجذّرة في المسعى الشعبي لدمقرطة الدولة والمجتمع وردّ الفعل المعارض من المحافظين.

لكن هناك عاملا آخر يميّز الأزمة السياسية الحالية من الحالات السابقة سواء أكانت صراعا فئويا أم صراعا على السلطة الداخلية في إيران.

فهي أزمة تمس تركيبا أيديولوجيا ثابتا وموروثا من الثورة الإيرانية ذاتها. فمن ناحية، هناك مير حسين موسوي ومهدي كروبي وهما من مؤسسي  النظام الإسلامي وهما اليوم في موقع المتحدي للرئاسة. وهذان الرجلان يعتقدان أنّ المنظومة الإسلامية أتاحت المجال للإصلاح والتجديد. وهما لهذا السبب يجدان أنهما مسؤولين اليوم عن حركة مناصرة للديمقراطية والإصلاح وتحدّي الاستبداد السياسي والجوهر المعادي لليبرالية illiberalism في إيران.

وهناك من ناحية أخرى عامل آخر مهم يجب أن يؤخذ بنظر الاعتبار: أن أغلب المتظاهرين الذين شككوا بشرعية العملية الانتخابية الإيرانية برمتها في الأسبوع الماضي ليسوا -خلافا لآبائهم- ثوريين. فهم ينتمون إلى جيل جديد لم يعرف ثورة 1979 وهو جيل يبحث عن إيران مختلفة. ومعظم هؤلاء لم يكونوا- أو كانوا صغارا جدا- بحيث لا يتذكّرون الثورة، وهم يكوّنون ثلث الناخبين المؤهّلين في الانتخابات الرئاسية الإيرانية.

تذكرنا رسالة هؤلاء الفتية بأنّ صورة إيران الواحدة الموحدة لا تعكس فكر سبعين بالمائة من السكان الذين هم تحت عمر الثلاثين وأن سعيهم نحو الديمقراطية يمثل تحديا جدّيا ليس فقط بالنسبة إلى منزلة ولاية الفقيه والتشكيك في شرعيته بل بالنسبة إلى حركة الإصلاح ودرجة أصالتها الديمقراطية.

بقي شيء واحد نضيفه إلى ما سبق: أن إيران الإسلامية أكثر انقساما من أي وقت مضى منذ 1979،  على الرغم من أن هذا الانقسام-بين التقليديين والحداثيين كان عميقا منذ الثورة الإسلامية.

لقد تعمق هذا الانقسام بين الدولة والأمة في الانتخابات الأخيرة أكثر من أي وقت مضى، وخلق فجوة بين أولئك الذين يعتقدون بأنّ العلاقات الاقتصادية والسياسية الطبيعية مع الغرب أمر حيوي لمستقبل إيران وبين أولئك الذين يزدرون مثل هذه العلاقات وينظرون إليها على أنها انتهاك لقيم الثورة الإسلامية.

الواضح أن نتيجة انتخابات 2005 الرئاسية التي أدّت إلى انتخاب نجاد في المركز الأول كانت مؤشّرا على الأزمة الداخلية بين السيادة الشعبية والحكم الاستبدادي في قلب الإطار السياسي للجمهورية الإسلامية.

 وتعكس النزاعات الحالية بين المجموعات الإصلاحية وتلك الموالية لنجاد بعد إعادة انتخابه الصراع السياسي بين الجوهر الجمهوري لإيران وحكم الأقلية الإكليركية. فالجمهورية تنتبه بشكل خاص إلى شرعية الفضاء العامّ، لكن المؤسسة الدينية ترفض منح أيّ شرعية لمواقف الجمهور.

ولا يجب أن ننسى في لحظات مثل هذه أنّ كلّ وقت يشهد تهديدا للديمقراطية ،وإسكاتا لصوتها أو تأجيلا لها إلى يوم آخر من خلال استعراض القوة في بلد مثل إيران هو خسارة لمصداقية المسؤولين وهو إلى ذلك أيضا أزمة شرعية تصيب النظام السياسي برمته.

 إن عنف الشارع في إيران يتصاعد فيوحي بإمكانية تصعيد العنف أيضا في الشرق الأوسط. وإن حدث هذا فيمكن أن تتعقّد الجهود الدولية أيضا في التعامل مع إيران في قضايا البرنامج النووي ومستقبل العراق وأفغانستان.

لقد كان الرئيس الأمريكي يخطط لجلب طهران إلى الدبلوماسية لكن إعادة انتخاب نجاد رفعت حدة المخاوف عند الإسرائيليين والسعوديين بخصوص أمن بلادهم ومواطنيهم الذين يعيشون في محيط دولة عدائية. لقد تمنّت الولايات المتّحدة النصر للإصلاحيين لكن أملها خاب ، وعلى الولايات المتّحدة أن تدبّر الأمر مع نجاد. لقد بنى الرئيس الأمريكي على هزيمة الأخير على ما يبدو لتبرير قرار إدارته الرهان على القضية النووية.

لكن هناك شكا كبيرا حول الكلام على تسبب الاضطراب الإيراني الحالي بطريقة في تهديد مصير نجاد ومجموعته. ورغم ذلك، فهي المرة الأولى في تاريخ إيران السياسي الذي تجد الأخيرة فيه نفسها واقعة في أزمة شرعية لم يسبق لها مثيل.

هذه نقطة تحوّل في إيران محليا وخارجيا ولا يستطيع العالم إهمالها. إن ترك مارد  الديمقراطية يخرج من القنينة في إيران سيكون كفتح صندوق باندورا الذي يخاف النظام الإيراني أن يعجز عن إغلاقه.

 

..........................

*Logosonline 2006

**2009 Global Viewpoint Network; (TM) Tribune Media Services، Inc

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1329 الجمعة 26/02/2010)

 

 

في المثقف اليوم