قضايا وآراء

حرف النو(ن)

وهو يونس الذي إبتلعه الحوتُ في البحر، أي بحر ؟ وفي القرآن الكريم سورة كاملة تحمل إسم " يونس " ولكنْ يأتي ذكرهُ مرةً واحدةً في الآية رقم  98 من هذه السورة منسوباً لقومه أو أنَّ قومه منسوبون إليه [فلولا كانت قريةٌ آمنتْ فنَفَعها إيمانُها إلاّ قومَ يونسَ لمّا آمنوا كشفنا عنهم عذابَ الخزيِّ في الحياةِ الدُنيا ومتّعناهم إلى حين / 98] . والنون لدى قدماء العرب، عرب اليمن خاصةً، هو القمر الذي كانوا ـ أو بعضهم ـ يعبدون . ما علاقة السمكة بحرف النون وما دلالة ذلك؟ لا أعرفُ، ولا أحسبُ أحداً يعرفُ. ليس من مشكلة في علاقة القمر بحرف النون هذا . إنه مدوّرٌ دورةً كاملةً في بعض منازله الفلكية، أو يشكل لأعيننا قوساً أو نصف دائرة، فهو في اشكاله هذه كلها يقتربُ من شكل رسم حرف النون خاصةً إذا تذكّرنا أن أجدادنا القدامى كانوا يكتبونه بهيئة شبه دائرية مقلوبة تشغل النقطة مركز هذا التشكيل الحرفي . فالقمر والحالة هذه هو نون في الشكل ومعهم حق قدماء العرب . وبهذه المناسبة، ما سبب ولع أهلنا في الموصل الحدباء بالإسمين " يونس " و" ذو النون أو ذنون " ؟ تداولهما كثير في هذه المدينة وربما في ضواحيها . يقال إنَّ هناك في نينوى قبراً للنبي يونس ! ما الذي أتى بهذا النبي إلى عاصمة الآشوريين نينوى ؟ أكان يونسُ هذا يهودياً أم إنه كان مسيحياً أو يزيدياً أو مندائياً أو مانوياً ؟  التأريخُ لا يقول شيئاً بهذا الخصوص، أو أنني لا أعرف هذا التأريخ الخاص بيونس . كان مدرس الرسم في ثانوية الحلة للبنين للعام الدراسي 1952 / 1953 شاباً مصلاوياً رائعاً خلقاً وأدباً وسلوكا يحمل الإسم {يونس الحَمَطاني} ... سلامٌ عليك سيدي أستاذ يونس ... ما زلتُ أتذكّركَ جيداً وأتذكر وجهك الصبوح وطولك الفارع وصبرك، كصبر أيوب، على سخافات وسوء تصرف بعض طلبتك ! أين أنتَ اليوم أستاذ يونس الحَمَطاني ؟ كيف حالك ؟ ما تأكلُ وما تشربُ في هذه الظروف الصعبة التي تمرون بها أو هي التي تمرُّ بكم ؟ سلامٌ عليك يا يونس .

 

أعود لحرف النون . هناك أغنية عراقية لحنها رضا علي أوائل خمسينيات القرن الماضي وغتنها فأجادت المطربة نهاوند (سورية ؟ لبنانية؟) إسمها {يابةْ يابةْ شلون عيون عدّك يابةْ} وترجمتها للعربية الفصحى : بابا بابا ! ما أجملَ عيونك ؟ المهم، تقول كلمات الأغنية في نهاياتها : ومطلّسمْ بحرف النونْ ... يابة يابة شلون عيون عدّك يابةْ . عدّك أي عندك . نحذف في العراق حرف النون ونُشدّد حرف الدال. فما علاقة وقصة  حرف النون بالطلاسم والطلسمة ؟ يقول سَحَرة بابلَ وسواحرها إنَّ مَن يحملُ هذا الحرف بشكل عقدة أو حزام صغير يُربطُ بزند حامله [بازبندْ] يقيه من شر الحسد وعيون الحاسدين ومن شرِّ النفّاثات في العُقد. وماذا عن غازات وسموم الطائرات النفّاثة؟ لا من طلسم يقينا شرورها وبلاويها وبلاوي الحروب وأسلحتها . مُطلّسمٌ بحرف النون ... كلام جميل قد يكون تفسيره أنَّ هذه الدائرة أو شبه الدائرة المسماة نون، تقي الإنسان بإشتماله كليةً يكون هو بمثابة مركزها أي نقطة حرف النون . سأبتاعُ هذا الحرف وأغطي به نفسي وجسدي دفعاً للحسد وأعين الحاسدات قبل عيون الحاسدين ! علام يحسدونني وعلام يحسدنني ؟ إذا كان سرجُ حصانِ المتنبي هو مكانه المفضّل وكتابه صديقه العزيز فأنا ولله الحمد لا من حصانٍ عندي ولا بغلٍ ولا حتى كديش ... ولا من سَرجٍ ولا رشمةٍ ولا حتى جلال مَطيّة أجلّكم اللهُ . قال المتنبي ذات يوم وفي ساعة بطرٍ ليست نادرة :

أعزُّ مكان في الدُنى سرجُ سابحٍ

وخيرُ أنيسٍ في الزمانِ كتابُ

 

 حتى هذا الكتاب العزيز على خاطر المتنبي، حتى هذا الكتاب غدا صعباً عليَّ إكمال قراءته من ألفه إلى يائه ومن الجلد إلى الجلد كما يُقالُ [يَبةْ يابةْ شلونْ عيونْ عندكْ بابا]. أعودُ لقرآننا الكريم ففي سورة القلم آيةُ تبدأ بحرف النون [ن والقلم وما يَسطُرون]. هذه نون خاصة إختلف الفقهاء وعلماء الدين واللغة في تفسيرها . رُبَّ أحدهم زعم أنه قسمٌ بالقمر الذي عبد اليمانيون القدماء من جماعة سبأ ومعين وحمير، وحجته أنَّ القرآنَ قد أقسم بالسماء وبالطارق وبالليل وبالنجم بل وحتى ببعض الفاكهة كالتين والزيتون وبجبل {طور} سيناءَ فما المانع من قسمه بالقمر رمزاً بحرف النون  أراها حجةً واردةً ومقبولة . أسوق نماذجَ مما جاء في القرآن من آيات القسم:

فلاأُقسمُ بالخُّنسِ الجوارِ الكُنّسِ / سورة التكوير

فلاأُقسمُ بالشفق . والليلِ وما وسق . والقمرِ إذا اتسق / سورة الإنشقاق

والسماءِ ذاتِ البروج . واليومِ الموعودِ / سورة البروج

والسماءِ والطارقِ . وما أدراكَ ما الطارقُ . النجمُ الثاقبُ / سورة الطارق

والفجرِ . وليالٍ عشرِ . والشفعِ والوترِ . والليلِ إذا يسرِ / سورة الفجر

 

أحسبُ انَّ هذه النماذج تكفي لتبيان مقصدي من أنَّ القرآن الكريم قد أقسم بالقمر مرموزاً بحرف النون [ن] . ما رأيك عزيزنا الشاعر أديب كمال الدين الخبير المتخصص بعلم الحروف ونقاط الحروف ؟ كيف تفسّرُ الحرف {ن} مجرّداً عارياً لا أكثر ؟

 

أخي وأستاذنا الأكرم بروفسور مجيد القيسي : ما رأيك بنون النسوة وهنَّ هنَّ ؟ قال قد كفاني اللهُ شرورهنَّ . قد عصمني منهنَّ كما عصمَ يوسفَ من مراودات زليخا إمرأة العزيز ولي نعمته . يوسف كان قد همَّ بها لمّا همّتْ هي به {لولا أنْ رأى برهانَ ربه} ... أما أخوك الذي تعرف منذ عام 1970 في جامعة بغدادَ فلم يهممْ بأية إمرأةٍ بعد زواجه ولم يسمح لأية سيدة أنْ تهمَّ أو تهيمَ به عصمةً وتعففاً ووفاء لمن إقترنتْ بي وغدتْ أمّاً لأولادي وبناتي . سمعتُ زميلنا المرحوم الدكتور يوسف العطار يتنحنح ويغيّر وضع جلوسه على كرسييه مراراً ففهمت قصده ! وبعدُ، ماذا عن حرف النون هذا الذي يقي الناس من شر الحسد وملحقات الحسد ؟ جاءني الجواب من عَمّان، نعم من عمّان عاصمة الأردن . جاءني من هناك محمولاً على صوت ملائكيٍّ جميل لا أعذبَ منه ولا أرقَّ . قالت صاحبةُ الصوت : أنا أؤمنُ بالحسد ويا ما تعرضّتُ لأضراره القاتلة وياما عانيتُ من ويلاته وشروره . ألا، أضافت الحلوةُ، ألا من حرفِ نونٍ مُطلسمٍ زائدٍ لديك أتدثرُ به وأتزملُ وألتفع لأدفعَ به حسدَ الحاسدات وجشعَ الحاسدين والحاقدين ؟ جدْ لي واحداً لأهبكَ مقابل ذلك أموال الدنيا وأنا منها بُراء ! جدْ لي يا صديقَ العمر ما يقيني شرور حاسدٍ إذا حسد واتقدَّ غيضاً ولؤماً ونذالةً . جدْ لي بحق أخينا الفنان الجزائري ما يحميني ويردعُ عني أعدائي ويسوّرني ببعض أسوار الرحمن. توجهتُ لقاضي حاجاتي وحامل همّي وغمّي وضيمي أخي مجيد القيسي فهزَّ شيبَ رأسه وعدّل نظّارةَ عينيه الركيكتين فأفهمني أنه للأسف غير قادرٍ على تلبية رجاء العزيزة سناء . تنهدَّ عميقاً ثم اعتذر مباشرةً منها بأدبه الجم ورحمة أبوّته ثم قال : لو كان عندي يا بُنيتي مثل هذا الطلسم لففكتُ به ما استعصى عليَّ من مشاكل الإقامة وسواها . ولكنتُ استرددتُ به حقوقي الكثيرة التي ضاعات في مدِّ هذا الزمان . ولكنتُ استعنتُ به على حل بعض معضلات صديقنا عدنان الظاهر. إلتفتت المُمتَحَنةُ إليَّ كأنني ملاذها الأخير فقلت لها : لا تغضبي وأنت صاحبةُ كل هذا البهاء ... لا تغضبي منّي رجاءً إذا قلتُ لك إني لا أؤمن بالحسد ولا بعيون الحسّاد ! نطق المرحوم العطّار بعد صمت طويل فقال لها مداعباً 

 

< مات الرجلُ أعزباً > ضعي يا صبيّةُ فوق باب أو مدخل بيتكم حدوة حصان تطرد الحسدَ والشرَّ عن أهل هذا البيت وأنت منهم . أو علّقي في مكان واضح فوق باب داركم نابَ ذئبٍ أو بعضاً من ذنبه أو قرنَ حِلزون . كلها هذه لها قوة السحر الطاردة للسحر، إنها تنقضُ النقيضَ وإنها ضدَّ المُضاد وإنها [ضدَّ الكسر] . ضحكت المرأةُ المتمَحّنة بزمانها فابتهج الكون ومن فيه لكنها كانت ضحكة ساخرة إذْ أنها لم تحملْ قول المرحوم محمل الجد .   

 

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1332 الاثنين 01/03/2010)

 

 

في المثقف اليوم