قضايا وآراء

الحرية والابداع ..!

الذي يعيش في كنفه الافراد . وحقيقة ان الجمود الفكري في المجتمع يعود الى عامل رئيسي وجوهري وهو النظام الديكتاتوري القائم على القمع والقهر والاستبداد والاضطهاد في كل مجالات الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية . وهذا الاستبداد يتجسد ويتمثل في محاربة الديمقراطية وتحريم الحريات ومحاصرة الكلمة الحرة النظيفة، والكريمة الشريفة وخنق الفكر التقدمي والغاء الانسان الوطني الذي يحمل فكرا مغايرا ومختلفا بديلا، بالاضافة الى خلق الحواجز بين الافراد والمؤسسة الثقافية .

ومن المؤسف ان الخلاف حول المشاريع الفكرية النهضوية التي يحملها ويطرحها رواد التنوير والعقلانية والحداثة في العصر الراهن، كمشاريع نصر حامد ابو زيد ومحمد اركون ومحمد عابد الجابري وسواهم، لم يتحول الى سجال وحوار حضاري وعقلاني يثري الفكر العربي المعاصر وانما اجهض هذا الحوار واقتصر على اتهام وادانة مشروع نصر حامد ابو زيد بالكفر والزندقة والالحاد وتم رفع دعوى الحسبة ضده، وقدم للمحاكمة حيث قضت المحكمة بالتفريق بينه وبين زوجته الدكتورة ابتهال يونس، استاذةالادب الفرنسي . وهذا القرار شكل سابقة لا مثيل لها في التاريخ المعاصر ومع بداية الالفية الثالثة، التي يتفتح فيها الفكر الانساني على افاق مذهلة من الخلق والتجدد والابداع في مجالات العلم والمعرفة والفكر بشكل عام .

ولا غرو ان الانتاج الادبي يشكل احد الجوانب الهامة في الانتاج الثقافي الفكري، حيث ان للنظام العربي القهري والاستبدادي الديكتاتوري اكبر الاثر على جوانبه المختلفة في الشعر والقصة والرواية والمقالة الادبية . ولو نظرنا الى ادبنا العربي المعاصر نجد انه لم يعد كما كان سابقا، مع ان التطور والتقدم العلمي الحاصل في مجتمعاتنا العربية لم يحدث أي تغيير على هذا الادب، بل تراجع الى الوراء . وكذلك حال الدباء والمبدعين والمثقفين، فقد نجحت السلطة في تدجين وخصي الكثيرين منهم، فراحوا ياكلون من خبز السلطان ويضربون بسيفه، ومن رفض القيود وابى الخنوع وظل يغرد خارج السرب كان نصيبه السجن او الابعاد عن الوطن، بينما حال المنابر الصحفية لم يتعد دور القائمين عليها سوى تنفيذ سياسة مرسومة من المؤسسة الحاكمة .

ان الشعوب العربية التي تعيش في ظل الانظمة الديكتاتورية والاضطهادية لا ترى النور ابدا، وستظل سجينة واسيرة في دائرة مغلقة، لذلك نرى الانسان العربي المبدع والمفكر يخرج بفكر ذي اتجاه واحد رسم وخطط له مسبقا . ان استمرار ماساة المثقفين والمبدعين العرب في ظل هذه النظم يعني استمرار التراجع والنكوص الفكري والحضاري في مختلف جوانب الحياة، واستمرار التراجع لا يعني سوى المزيد من الاحباطات والانتكاسات والهزائم .

اخيرا، ووسط المناخ الانحطاطي الذي يعيشه العالم العربي والسعار الفكري الذي يحاصر الابداع، واللجوء الى الدين سلاحا في مواجهة الحرية، من المفروض تاكيد حق الثقافة في التعبير، وحق المجتمع العربي في الديمقراطية والحرية، وحق الافراد في الوجود والاختلاف . واّن للمثقفين ان يعيشوا في عالم بلا اقفاص .

(كاتب وناقد فلسطيني)

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1334 الاربعاء 03/03/2010)

 

في المثقف اليوم