قضايا وآراء

ذاكرة المستقبل: دافينشي بِقَلَم فرويد

على ظهر التلّة المنحدرة الى الشاطيء،

وقدماي تلامسان ظهر التلّة بخفّة ورشاقة"

(سلطان القاسمي ـ  سَرْد الذَّات)

 

احدث سيجموند فرويد (1856 ـ 1939) جدلا واسعا بين اوساط المثقفين الغربيين، عندما نشر في سنة 1910، دراسة بعنوان: "ذكرى من طفولة ليوناردو دافينشي" استند فيها الى نصّ من مذكرات الفنان الايطالي الشهير، ورد فيه: "كنت لا ازال في المهد، عندما حطّ عليّ نَسْرٌ، فتح فمي بذيله، وراح يضربني به مرات عديدة بين شفتيَّ"

 

بعدئذٍ، عندما اطلعت الاجيال الادبية العربية، خصوصا جيل الستينات من القرن العشرين، على اغلب كتب فرويد ونصوصه المعنية بدراسة العلاقة بين علم النفس والفن، اشتغل عدد من الادباء والفنانين والكتاب العرب على هذه التجربة، او على جوانب منها، حتى صارت ثقافة  شائعة مع نهاية القرن .

 

وفي اهتمام شخصي، كان حلم دافينشي (1452 ـ 1519) كما اعاد فرويد تفكيكه وتركيبه، بداية اخرى لأفيد من احلامي في بناء العديد من قصصي المنشورة في كتبي، وخصوصا "من قتل حكمة الشامي؟" و "اليشن" و"الثلاثيات"، الى جانب ذلك التاثير الذي تركه غوستاف فلوبير  على خطابي الابداعي، بعدما اطلعت على فكرته التي " تنكر اي صلة بين الحقيقة الموجودة، والحقيقة الادبية " .

 

يطمح فلوبير (1821 ـ 1880) الى "ان ما اريد ان افعله، وما يبدو لي حسنا، هو كتاب عن لا شيء. كتاب بدون علاقة خارجية. يكتفي بذاته، ويقوم على الفكرة الداخلية في اسلوبه، كالربّ المُطلق .... كما تسير الارض في الفضاء، دون ان يدعمها شيء"، كما يقول فيكتور برومبير .

 

واذا ما بقينا مع فرويد، وهو يعيد صياغة طفولة دافينشي، بل وفنّه ايضا، وليس حياته فقط، منطلقا من ذلك الحلم الغامض، كما لدى بعض النقاد، سنعرف المنعطفات العميقة التي حفرها فرويد وانصاره، كما معارضوه ايضا، في المشاهد الثقافية في البلدان الغربية، والعالمية تاليا، حيث صار علم النفس مفتاحا متعدد النسخ لاستيعاب وفهم الاعمال الادبية والفنية .

 

نعم . لقد صار فرويد لدى شريحة واسعة من الكتاب والفنانين والمثقفين العرب موضوعا كلاسيكيا . وبتصنيف ما يمكن القول انه بات جزأً من الخبرة المتراكمة لتلك الشريحة . غير ان القيد العربي المربوط بالتابوات، احكم ربط قطاعات اجتماعية في الوطن العربي، خصوصا بين الطبقة الوسطى ـ وياللعار، بافكار العداء المسبق لفرويد. وانتقل هذا العداء ايضا الى دافينشي، بناء على مقولة ان التصوير تجسيد، والتجسيد حرام . وهكذا شيّدنا بيوتا عامرة، ولكن من دون نوافذ  اما ابوابها فموصدة .

 

والمثير للسخرية في هذا المجال، ان ما يعرف ب " المجتمعات العربية المحافظة "تنتشر فيها "تجارة اللوحات التشكيلية" و" الاعمال النحتية "حنبا الى جنب مع اقصاء مادة الفلسفة من المناهج الدراسية من حياة الطلبة، وشيوع ثقافة التفكير بقدم الانسان او بقبضته ! .

 

لكنْ، لا اشكُّ ابدا في ان ثمة في تلك البلدان من يحلمون في الطيران والتحليق . او انهم يحلقون ـ فعلا ـ في فضائهم الثقافي الخاص والممتدة حافاته نحو اللانهاية .كما لو انهم يقراون تحليلات فرويد لدافينشي او دستويفيسكي، او يتاملون لوحات فناني عصر النهضة .

 

تقرأ في "ذكرى من طفولة ليوناردو دافنشي"، فتجد فرويد كاتبا وفيلسوفا وناقدا، يجتمع لديه العلم، بالتاريخ، بالفلسفة، بالفن، بالانسان، وبدواخل هذا الانسان الذي يعرف القليل، ولا يعرف الكثير، عن وجوده في كون مطلق .

 

كما ستعرف في ذلك النص، "العالم الصغير" الذي لم يكن قد أُكتشف بعد في "جسد" دافينشي، كما في لاوعيه : ان علاقته الملتبسة بوالده، وميوله الجنسية المثلية، ونبوغه الفني الخارق، ومهاراته العلمية، بل وحتى شكل كتابة يومياته، تقدم لقايء حصيف خلاصة " لحقيقة الادبية " المبرأة من الحقيقة الموجودة، كما كان فلوبير يطمح اليها .

ربما، انطلاقا من قوس هذه الدائرة الثقافية، علينا اعادة قراءة فرويد من جديد .

 

جمعة اللامي

الثلاثاء : 9 مارس 2010

 

.........................................

الزميلات الكريمات

الزملاء الاعزاء

مديري الصحافة ووسائل الاتصال

 

هذه المادة، هي من اجل الاطلاع والتواصل .

اما النشر في اي وسيلة اعلامية، ورقية او سمعية او الكترونية،،فان الحق في ذلك

للكاتب وحده،

وفقا لقوانين حماية الحقوق الفكرية للمؤلف .

 

مع التقدير والاعتزاز

 

جمعة اللامي

www.juma-allami.com

[email protected]

الشارقة ـ الامارات العربية المتحدة

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1340 الاربعاء 10/03/2010)

 

 

في المثقف اليوم