قضايا وآراء

الشاعر سعد جاسم: قراءة جمالية ومختارات شعرية من أرميكِ كبذرة وأهطل عليكِ (ق2)

قبلَكِ...

كنتُ أكرهُ الصباحَ

الصباحُ: الذي ينبغي أَن أَذهبَ فيهِ

- بلا رغبةٍ - إلى العملِ

العملُ الذي يقضمُ تفاحةَ قلبي

بجدواهُ الخادعةِ

الصباحُ: الضجيجُ

الصباحُ: النفاقُ والثرثراتُ

الصباحُ: المطاليبُ

التي تتناسلُ مثل ذئابِ أَيامنا

- بابا... أُريدُ بيضةً بحجمِ الكرةِ الارضيةِ

خُذْ... اشترِ البيضةَ

وأَنسَ الكرةَ الأَرضيةَ

لأنّها أَصبحتْ فاسدةً ومخيفة

- التلفزيونُ عاطلٌ

أَصلحْهُ لنتابعَ اخبارَ الكارثةِ

* نعم… سأُصلحهُ

لتَريْ حروبَكِ ياآلهةَ الكوارثِ

- لقدْ نفدَ راتبي

والبلادُ شحيحةٌ

ماذا لو تسلفُني ألفَ دولار؟

* خُذْ هذهِ القصيدةَ

إنّها طازَجَةٌ… بعْها حتى ولو بسيجارةٍ

لعلكَ تنسى محنةَ البحثِ

عن الدنانير.

وتنسى محنةَ البلادِ

- أَدواتُ المكياجِ أَصبحتْ قديمةً

أُريدُ عطراً وكحلاً وروجاً

لأَطردَ عشبَ الشيخوخةِ

وأَتجمّلَ… كي أُرضيكَ

أَيها الفحلُ الكسول

* تعالي… لأُرضيكِ

- ها… لا داعي للمكياجِ… إذنْ

- بابا.. أُريدُ زوجًا لا يخونْ

* يا إلهى... الصباحُ صباحُ الجنونْ

***

رُبَّما أَسرفتُ في السردِّ

رُبَّما أسرفتُ في السرِّ

لايَهُم...

قلتُ: قبلكِ

كنتُ أكرهُ الصباحَ

وقبلكِ

كنتُ صديقاً لليلِ

والنجومُ تقاسمُني يواقيتَ عزلتي

وتتعطرُ بقرنفلاتِ أَسايَ

وتقرأُ معي قصائدَ "لوركا"

صديقي القتيل القديم

وتغني معي أُغنياتِ الوحشةِ

والمنفى الخادعِ

***

وعرفتُكِ

لا أَذكرُ كيفَ

أتذْكرينَ؟

مَنْ الذي عرف الاخرَ؟

لا يَهُم...ْ

***

مُنذُكِ...

أَصبحَ للصباحِ طعمٌ آخرٌ

هو طعمُ روحكِ

التي تفيضُ بنورِ اللذةِ

وبفراتِ الغزلِ المكشوفِ

وأصبحَ للصباحِ

لونٌ آخرٌ

هو لونُ النهرِ

الذي غادرَ عزلتهُ

وجاءَ وحيداً ليغفو في عينيكِ

وفي غابتكِ السوداء

لعلَّهُ ينسى رائحةَ الجثثِ

ويتطّهرُ من ذنوبهِ القديمة

وأَصبحَ للصباحِ

إسمٌ آخرٌ

هو إسمُـكِ الذي لهُ

إنوثةُ الندى

وغوايةُ الذهبْ

***

مُنذُكِ

أصبحتُ أَتمنى لو أَنَّ العالمَ

بلا ليلٍ

لأَنَّ الليلَ طويلٌ

طوييييييلْ

مثلَ تابوتٍ أَسود

يُذَكِّرُنا بالمنافي والرحيلْ

***

مُنذكِ

أصبحتُ أتمنى

لو أّنَّ العالمَ

كلُّهُ صباح

 

أرميكِ كبذرةٍ... وأهطلُ عليكِ

إنَّهُ الغيابُ

يقرأُ علينا ماتيسَّرَ

من سورةِ الماءِ

فأَحلمُ بكِ

ولفرطِ توقي

وكثرةِ طيوفي

أَصبحتُ طائراً

من الأحلام

أُرفرفُ ملتاعاً

في أُفقكِ المستحيلِ

وأحلّقُ

أُحلّقُ

ولا أَصلُ

لأنكِ

تتوارينَ عميقاً

عميقاً ………

في بيتكِ – النهر

والنهرُ فراتٌ

وقدْ إصطفاكِ

حوريةً لهُ

ليزدادَ عذوبةً

وطفولةً وغواية

ويتخلصَ من عزلتهِ

ووحشتهِ الفادحةِ

ويتمهِ القديم

***

لا أدري.......

هل أخافُ عليكِ

من الفراتِ

أَمْ أَخافُ منكِ

عليهْ؟

لأنكِ نافرةٌ

وعاصفةٌ

وشاسعةً وطيّبةٌ

كما أُمّكِ الأرض

ويمكنـُكِ أن تعشقيهْ

أو يمكنـُكِ أن تُغرقيهْ

هناكَ.. أبعدُ من مدى أصابعي

***

 

يا... أنتِ

أنا لا أَعرفُ غيرَ أَن أَشتاقَكِ

ولا أعرفُ غيرَ أَن أَحلمَكِ

ولا أعرفُ غيرَ أن أرميكِ كبذرةٍ

وأهطلَ عليكِ

 

 

 

أَيتُّها الأنثى – البلاد المستحيلة

 

لستُ معنياً

بأسمائكِ المُستعارةِ

والمُعارةِ

المُلغَّزةِ... الغامضة:

كأقنعةِ الظلامِ

غرفِ الجنرالاتِ

وقلبِ البحرِ

لستُ معنياً بكلِّ هذا

ولكنني معنيٌّ

بروحكِ النافرةِ

الساحرةِ

والبريةِ

مثلَ نمرةٍ... أَو غزالةٍ

تضيقُ بجموحها البراري

والغاباتُ والينابيعُ

ولذا تهيمُ روحُها

كما حمامةِ ضوءٍ

أو كما برقٍ مُكتضٍّ بالرغباتْ

وأمطارِ الغوايةِ

وعسلِ اللذاتْ

ومعنيٌّ أنا

بقلبكِ العذبِ... الطفلِ

المجنونِ... الحكيم...العاشقِ

المشاكسِ... المقهورِ...

والمهضومِ على البلاد

البلاد – الأُمهاتْ

البلاد – الأَراملْ

البلاد – الخساراتْ

البلاد – الذكرياتْ

البلاد – القاتلة – القتيلةْ

البلاد – أُمُنا الجليلةْ

البلاد – المستحيلةْ

***

وأنا معنيٌّ

بدمكِ الإقحوانيِّ... الحارِّ

والمحروقِ من فرطِ العناءِ

والغباءِ والهراءِ والوباءِ

والحماقاتِ والشكوكِ والظنونِ

***

 

معنيٌّ أنا

بجلدكِ... يتلألأُ كطينٍ فراتيٍّ

أو إيوانٍ كربلائيٍّ

أو كحقلٍ يخضوضرُ عشقاً

كُلَّما نثَّ عليهِ

مطرُ العافيةِ

أو كُلَّما إنثالتْ عليهِ بروقُ الشهوةِ

وشلالاتُ الحليبِ

سواقي الأُمومةِ

والحنينُ الطهورْ

أنتِ آيةُ النورْ

أنتِ البذرةُ الأُولى

وكانَ اللهُ مشغولا

بتكوينكْ

وتدوينكْ

وتأويلكْ

وتنزيلكْ

ليكملَ معجزَ الخلقِ

وكنتِ لآدمَ المهجور

جنّتَهُ ومحنتهُ

وكنتِ لأنكيدو

حضارتَهُ وفرحتَه

وكنتِ للعراقي - الأبْ

هيبتَهُ وزينتَهُ

وكنتِ ملاذَهُ المعمورْ

سلاماً

يَتُها الأُنثى

سلاماً يابلاد النورْ

***

 

معنيٌّ أنا

بإشراقاتكِ الكوكبيةِ

وتجلياتكِ... أَحلامكِ

جنوناتكِ... ورغباتكِ المستحيلةِ

معنيٌّ بكِ

كُلَّما دهَمـَـكِ

الشبقُ السريُّ

تستحضرينني

فحلاً مشبوباً

بالرغبةِ

لأَغورَ عميقاً

في نهركِ..

وأَهوي كلّي

في واديكْ

وأَستحضُركِ

نخلةَ عشقٍ

أَتفيأُُكِ

أو أحضنُكِ

أو أَبكيكْ

منكِ عليكْ

***

وأنا معنيٌّ

بأساوركِ السومرياتْ

وبأقراطكِ البابلياتْ

وعطوركِ وحناءكِ

وخواتمكِ الجنوبياتْ

ومعنيٌّ بقمصانكِ

التي خاطتْها أو حاكتْها

حشودُ ملكاتِ القزِّ

وأميرات الوزِّ

والأَيائلُ والبناتْ

البناتُ اللواتي تعلّمْنَ منكِ

آياتِ العشقِ

عشقُ الفتيانِ – الفقراء

الفتيان- الحالمينْ

الفتيان – الرافضينْ

الفتيان – الباذلينْ

عرقَ جباههم

ودمَ حياتهم

ويرتّلونَ بكرةً وعشيةً:

- "بلادي وإنْ جارتْ عليَّ"

***

 

و... معنيٌّ أنا

بسرِّكِ وسُرَّتكِ

وسريركِ – مملكةِ رغائبكِ

وفحيحكِ وعسلكِ المندلق

حتى الينابيع

ومعنيٌّ بشراشفكِ القزحيةِ

التي تينعُ أزهاراً

وفراشاتٍ وريشَ حمام

ومعنيٌّ بوسائدكِ التي تشعشعُ

بهالاتِ احلامنا... وبأقمارِ قبلاتنا

المُتناثرةِ كالكواكبِ

والنيازكِ في آفاقنا السرمديةِ

ومعنيٌّ أنا... تماماً

بكينونتكِ

وكيانكِ

وكونكِ...

أنتِ – أنا

كائنانِ

جاءا هذا الكونَ

كطيرينِ عاشقينِ

وسيغادرانهُ

كطيرينِ ضوئيينِ

نحوَ الأَبديةْ

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1341 الخميس 11/03/2010)

 

 

في المثقف اليوم