قضايا وآراء

الإسلام غد أوروبا

 وقد خططّت الإستراتجية الإعلامية الصهيونية في الغرب أن يكون الإسلام عدوا رقم واحد للحضارة الغربية والغربيين والديّانة المسيحيّة لكنّ هذا التخطيط نجح في وسائل الإعلام الغربية إلى حدّ ما غير أنّه أنتج حالة فضول لدى الإنسان الغربي بضرورة التحرك فكريّا لإجراء مراجعة فكرية وثقافية للإسلام من خلال البحث عن الكتب التي تتحدث عن الإسلام والإقبال على شراء معظم الكتب المعرفيّة التي تشرح الظاهرة الإسلامية في أبعادها العقائديّة والتشريعية و الثقافيّة، إلى درجة أنّ صحيفة سويدية مشهورة سألت مطربة سويدية مشهورة أيضا عن الكتاب المفضّل الذي تقرأه هذه الأيّام فأجابت بأنّه القرآن .

وفي هذا السيّاق يشار إلى أنّ الكتب التي تتحدّث عن الإسلام باتت تحققّ أعلى المبيعات في معارض الكتب في الغرب، كما أنّ دور النشر الغربية إتصلّت بالعديد من المتخصصّين في الدراسات الإسلامية والحضارة الإسلامية والعربية للكتابة في مواضيع بعينها على صلة بالإسلام، كما أنّ المعاهد الجامعية الغربية باتت تحضّ الباحثين الراغبين في إنجاز أطروحات دكتوارة للكتابة عن الحركات الإسلامية أو المذاهب الإسلامية وغيرها من المواضيع ذات العلاقة بالإسلام .

 أمّا البرامج التلفزيونيّة التي تصوّر حياة المسلمين في أكثر من قطر إسلامي فقد أصبحت من الكثرة بحيث يندهش المشاهد للقنوات الغربية لهذا السيل الإعلامي الذي يتناول ظواهر الإسلام والمسلمين في خطّ طنجة – جاكرتا .

ورغم جدارات برلين الإجتماعية والثقافية والسياسية والأمنية والإستراتيجية المتعددة التي أقامها الغرب بينه وبين الإسلام منذ طرد المسلمين من الأندلس ومرورا بالحركات الإستعمارية ووصولا بالغارة الكبرى على عالمنا الإسلامي، إلاّ أنّ الإسلام إستطاع أن يصل إلى جغرافيا الغرب، تماما كما تمكنّ الغرب من الوصول إلى مواقعنا على متن البواخر الشراعية فالبواخر الحربية والطائرات، والمفارقة الأساسيّة بين قدوم الغرب إلى مواقعنا الجغرافيّة و ذهاب الإسلام إلى مواقع الغرب الجغرافية تكمن في أنّ المعسكر الغربي قدم إلى مواقعنا بقوّة السلاح فيما ولج الإسلام الخارطة الغربية بقوته الذاتية أقلا منذ فتح الأندلس وإلى يومنا هذا . بالإضافة إلى ذلك فإنّ حركة إنتقال المسلمين من الإسلام وإلى النصرانية ضئيلة للغاية إذا ما قورنت بحركة الأسلمة وسط الشباب والشابات الغربيين والأكاديميين الغربيين التي باتت ظاهرة في حدّ ذاتها .

وهذه الديناميكيّة التي يتمتّع بها الإسلام في الغرب لم تكن وليدة تخطيط معمّق وإستراتيجية دقيقة من قبل مسلمي الغرب الذين لجأ ثلثاهم إلى الغرب بداعي تحسين الوضع الإقتصادي أو الفرار من الوضع الإجتماعي القائم في واقعنا العربي والإسلامي، بل إنّ جزءا كبيرا من جاليتنا العربية والإسلامية أساءت إلى حضارتها و حدّت من ديناميكية الإسلام في الغرب بشكل محدود، بل إن الإسلام يملك عوامل القوة الحضارية الذاتيّة  .

 فماذا لو كان للمسلمين في الغرب تلك الإستراتيجية التي بموجبها يصلون إلى العقل الغربي عبر تفعيل حركة الترجمة من اللغة العربية وإلى اللغات الغربية وعبر تملّك وسائل إعلام هادفة فلو تحققّت هذه المعادلة أي ديناميكية الإسلام زائد وعي المسلمين في الغرب لأمكن في ظرف وجيز أن يصبح الإسلام ظاهرة حضارية وفكريّة راقيّة، وقد صدق ذلك الأستاذ الأوروبي الذي أسلم وقال لأحد علماء الأزهر :

أدركوا أوروبا بإسلامكم قبل أن تتهندس أو تتبوّذ أي تصير هندوسيّة أو بوذيّة .

ومع كل ما جئنا على ذكره فقد أصبح مستقبل الإسلام في الغرب سؤالا ملحا ومكررا لعشرات الدوائر والمعاهد، وأفرز هذا السؤال مجلدات وكتبا من الأجوبة ومازال يحرك العديد من الخلايا الدراسية في الدوائر الحسّاسة والمراكز الإستراتيجية السريّة والمعلنة أحيانا.

وتذهب بعض هذه الدراسات التي وضعت من قبل منظرّين غربيين إلى أنّ الإسلام في الغرب أصبح حقيقة قائمة لا مناص منها ولا مفّر، فلا يخلو شارع أوروبي من مسجد أو إمرأة محجبّة أو مدرسة إسلامية أو ملحمة كتب على بابها : نبيع اللحم الشرعي أو لحومنا مذكاة على الطريقة الإسلاميّة وغير ذلك من التمظهرات الإسلاميّة .

 كما أنّ بعض هذه الدراسات تؤكّد بأنّ ملايين المسلمين أصبحوا أوروبيين بحملهم الجنسيات الأوروبية وأنّم متساوون في الحقوق والواجبات مع السكّان الأوروبيين الأصليين، لهم أن يصوتوا ولهم أن يشكلّوا أحزابا ولهم أن يفتحوا إذاعات وتلفزيونات وما إلى ذلك . والأخطر ما في هذه الدراسات إشارة إلى أنّ التكاثر بين المسلمين الغربيين في إضطرّاد فيما النسمة الغربية آيلة إلى الشيخوخة، وقد أشارت دراسة حديثة إلى أنّ نسبة المتقاعدين من الغربيين بعد عشر سنوات سيكون مذهلا والذي سيعوّض مناصب الشغل سيكونون من المهاجرين العرب والمسلمين وبقيّة القادمين من العالم الثالث ومعنى ذلك أنّ المسلمين سيدخلون في قلب المعادلة الإقتصاديّة للغرب والغرب يعتبر أنّ أمنه الإقتصادي كأمنه السياسي .

 

 خطط للمستقبل :

 

يعتبر الغرب شغوفا إلى أبعد الحدود بالدراسات المستقبلية والإستشرافيّة   Futurlogie

وقد أوجد لهذا الغرض مئات المراكز الإستشرافية التي ترصد حركة المستقبل في الوقت الذي يخلو فيه العالم العربي والإسلامي من أي مركز من هذا القبيل وتداركا للموقف وإنقاذا للمستقبل الغربي من الأسلمة الزاحفة ذاتيّا بدأت الدوائر الغربية في وضع خطط تقضي بالقضاء على شبح الأسلمة الذي قد يهددّ مستقبل الغرب . ومن هذا الخطط فصل الجيل المسلم المولود في الغرب عن آبائه عبر بذل جهد مضاعف لجعل هذا النشأ الإسلامي ذائبا في الخارطة الغربية منسجما مع ثقافتها وعقيدتها وقد حققّ في هذا المجال بعض النجاح حيث بات مألوفا أن يصبح للشابة المسملة عشيق غربي يعاشرها ساعة تشاء وقد يحدث أن تجلب عشيقها هذا إلى بيت أبيها كما حدث مع عشرات العوائل المسلمة وعندما أراد الأب المسلم أن يشكل على سلوك إبنته، فهرولت البنت إلى سمّاعة الهاتف وأتصلت بالشرطة – والعجيب أنّ الأطفال يلقنون في المدارس من قبل المعلمين أنّه إذا نشبت بينكم وبين والديكم خلافات فعجلّوا بالإتصال برقم هاتف الشرطة وهو رقم يسير ويحفظ في ثواني في معظم الدول الغربية وعندها تتدخّل الشرطة لحماية البنت من معتقدات أبيها وقد تمنح بيتا لوحدها لتواصل رحلة العشق  -  .

 وحدث مرّة أن نهر أب مسلم إبنه المراهق الذي إستقدم فتاة شقراء إلى بيت أبيه ليمارس الجنس معها، فإتصّل الإبن بالشرطة التي وصلت إلى بيت والد هذا الشاب في ظرف دقائق معدودات، ووجهت إنذارا للأب حيث قال شرطي لوالد الطفل وبصريح العبارة : إبنك حرّ في عورته أو آلته التناسلية وليس لك عليه سلطان وإذا نهرته مرة أخرى فمآلك السجن . ومثل هذه القوانين شجعّت الأبناء المسلمين وكذا البنات للخروج عن طوع آبائهم والعيش بمسلكية الذين يعتبرون الشرف والقيم من الأساطير المنقرضة .

وهناك إستراتيجية أخرى يتمّ تنفيذها في الغرب وهي تسهيل و الحث أحيانا على الطلاق بين المرأة والرجل المسلمين، بإعتبار أنّ الأبناء تضمحّل شخصيتهم وتضعف في ظل أسرة هزيلة ومشتتة، وقد يحتدم العراك بين الرجل وزوجته وعندها تحكم المؤسسّات الإجتماعية بعدم أهلية هذه الأسرة لرعاية الأطفال، بإعتبار أنّ الأطفال يحتاجون إلى دفئ عاطفي وحنان وإستقرار نفسي وهذا الحكم كفيل بتوزيع الأبناء على العوائل الغربية .

وقد أصدرت بعض الدول الغربية قوانين تنص على حقّ رعاية المجتمع لرعاية الأطفال الذين ينتمون إلى عوائل متدنيّة الدخل وأغلب هذه العوائل عربية وإسلامية، و هذا القانون يجعل الأطفال تحت رعاية عوائل غربية تلجأ إلى تغيير أسمائهم وتعويدهم على الترددّ على الكنيسة أسبوعيا، وفي أحايين كثيرة لا يوافق الوالدان على ما يجرى لأولادهم لكنّ حجّة المؤسسات الإجتماعية الغربية أنّ الطفل لا يجب أن ينشأ في بيئة عنيفة والمقصود الخصام المتواصل بين الرجل وزوجته .

كما أنّ المدارس الغربية باتت تركّز على تدريس مادة الجنس وهي مادة ضرورية وأحيانا ورغم أنّ الصف يكون معظمه من المهاجرين العرب والمسلمين فإنّ المعلمّة تسترسل في توصيفات من شأنها أن تفجّر الشهوات المكبوتة لدى الأطفال وخصوصا في سنّ المراهقة وهذا ما يجعل نسبة الفساد الخلقي بين الأطفال المراهقين مرتفعة بشكل كبير، وكثيرا ما تدعو البنت الغربية الطفل المسلم إلى أن يطبّق معها ما درسوه أو شاهدوه، وقد بدأ يشاع بين الفتيات الغربيات أنّ العربي أو المسلم وكذا الإفريقي ذو فحولة جنسية ولذلك تسعى هذه الشقراء أو تلك لإصطياد هذه الأصناف المطلوبة وسط برودة الإنسان الغربي الذي ملّ من هذه الأمور . وقد بدأت بعض الجهات بترشيد هذا المناخ والإستفادة منه لتحقيق المراد المعروف .

وفي نظر هؤلاء الإستراتيجيين فإنّ أطفال المسلمين هم الأقدر على نقل حضارية الإسلام إذا كانوا واعين إلى الأطفال الغربيين لأنّهم يتقنون اللغة كأبناء البلد ويعرفون عقلية الأطفال الغربيين، بالإضافة إلى أنّ الأطفال الغربيين فارغين عقائديّا ودينيا ويسهل تعبئتهم وتقديم البديل الإسلامي إليهم ومن هنا الحرص على تدميرهم وفصلهم عن هويتهم، بالإضافة إلى ذلك فقد يصادف أن يصبح أحد أبناء المسلمين من صنّاع القرار في الغرب، ولا إشكال إذا كان صانع القرار الغربي يدعى محمدا لكنّ مسلكيته غربية قحّة، والإشكال فيما لوكان محمد الواصل إلى دوائر القرار  يقتدي بمحمّد الذي أوصل الإسلام إلى المعمورة قاطبة .

 

بقلم /  يحي أبوزكريا .

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1345 الاثنين 15/03/2010)

 

 

في المثقف اليوم