قضايا وآراء

سندباد قصيدة النثر .. فائز الحداد بين الشعر والنقد

 وبقدر تعلق الأمر بقصيدة النثر التي تعد من أهم الأجناس الكتابية الأن كونها تقوم على مقومات متعددة في الثيمة والبناء وتجاوز الغرض الشعري الواحد، فأن شعراءها ومن خلال ما قرأنا ونقرأ لهم، قد تباينوا في مستويات متعددة، فمنهم من أخفق ومنهم من تألق في تميّز خطابه الشعري ومنهم الشاعر فائز الحداد كنموذج ينبغي تعقيب ما يكتب كأمانة قرائية وكتابية  على حد سواء ..

 

أن النص الشعري لفائز الحداد وحسب ما قرأت بحقه من دراسات نقدية وما تكّون لدي من قناعات يقوم على ثيمة كبيرة وواسعة تتجاز أبعاد غرض الثيمة الواحدة، ثيمة تعطي دلاله لنصه كمعبر عن موقف كوني انساني، وبناء يتفرد به ويضعه في المقدمة دائما، وما خالف الحقيقة الدكتور الناقد الكبير شاكر مجيد سيفو الذي قال عن الحداد في كتابه المنهجي (ابحاث جمر الكتابة الأخرى_ قراءات في المشهد الشعر العربي) الشاعر فائز الحداد  يسعى الى ما يشبه تأسيس شكل شعري يقع بين بنية العاطفة والتخييل، ويكاد يؤسس لمشهدية صورية شعرية شخصي)

 

خاصه به، فهو حقا لا يشبه أحدا، بل يتشبه به شعراء كثيرون، ويقلدون اسلوبه في الكتابة الشعرية، وهناك اسماء كثيرة عديدة اخرى تدور في فلك نصه ولامجال لذكرها، ويبقى هناك رأي كبير أخر لصديق عمره ومسيرته الشعرية الناقد العراقي الكبير الدكتور حسين سرمك حسن، والذي خلص عن إن نص الحداد يقوم على ثنائية خطيرة تلك التي تلخص ثيمتي (الأحمر والأسود) فيما يخطه يراعه في تفرّد نصه الشعري، و أخر ما كتبه عنه في دراسة (الرثاء في الشعر العراقي المعاصر)، وكذلك الحال ما كتبه شيخ الصحفيين العراقيين الأديب الأستاذ ناظم السعود ( فائز الحداد رجل طفولته من شوك)، وتناوله بالبحث والدرس أمثال أخرون منهم عبد الستار الآعظمي وقاسم العزاوي وريسان الخزعلي .. ومهما قيل  أجد ه  لم يأخذ نصه استحقاقه تماما حسبما أرى، ربما يعود ذلك الى أسباب كثيرة، وفي مقدمتها صعوبة ما يكتب  والتي تحتاج الى عناء كبير في فك رموز ومغاليق نصه ولممتنع أحيانا . .

 

لقد تابعت نصوص أستاذي فائز الحداد منذ ما يقارب عشر سنوات، منذ مجموعته الأولى " قبعة الأفعى" التي أصدرها عام 2000، ما تلاها مجموعته " لا هويه لباب " عام 2004 الى أواخر نصوصه التي نشرها في صحف عربية وعراقية ومن خلال موقع النور ومواقع أخرى،  كذلك مخطوطته الكبير " مدان في مدن " والتي وافقت دمشق على طباعتها وأمتنعت  عن نشرها عواصم أخرى  دون أن ترى النور، ولدي الأن سجل واسع لنصوصه يمكنني  أن أعطي رأيا بنصوصه الت أنحاز اليها تماما .. وسأتناول في هذا البحث نماذج من ما كتب خلال هذا العقد، مستشهدة بأراء كبار الأدباء والمثقفين والأعلام ممن زاملوه وعلقوا على نصوصه المثيرة للجدل والرأي لخطورتها وشموليتها وعمقها .

 

غائم ظلي على قمر المدينة

حراسها يمحون حتى اللون في وجهى

أحذر ..؟!

وصورتي لوحة:

منبوذ هذا الدون في كل العصور،

وشوارع ٌ أحصيت حتى النمل في أثقابها

وعرفت ترياق الجاري كيف يخمر في القدور

باعتني، حين تفرست فيَّ الظنون .

....

 

أنية ٌ قلبي وخامرها الزلال

ظنت بأن االحب دلواً .. فأنحدرت،

وكان البئر شاهدها الأخير

 

من مجموعة "قبعة الأفعى"

 

أذا ما أمعنا النظر الى هذا المقطع كشاهد على بدايات نص فائز الحداد نجد أن ثيمة الأختلاف بائنة عن غيره، وبما يفصح عن مرجعيات الموهبة في التكوين الشعري، من حيث المفردة والجملة وفضاءات التأويل التي تخرج من خلال الشعرية المبثوثة، صوب المعنى وجمالياته . فهو ماهر حقا في توظيف المفردة وبناء مداميك الجملة .. ناهيك عن ترابط الفكرة وهذا هو الأهم في ثيمة النص.

 

كلما أهب الأعالي .. جلال امرأة

أشتد زرقة في بكاء طفل،

فألتمس السماء وطنا من حليب

.........

فمن تلك التي أهداها الله مفتاح غرفته ونام،

من أنزلتك عبدا، تحت حلمتها

تسخن وجهك ليلا .. لتعلن الحرب في الظهيرة

فيا أيها الخارج من الكور،

لا تلعن جهنم، ومن التنور يخرج الخبز

الساغة عجزوا أن يكونوا ذهبا فباعوه،

واختارته النساء وطنا،

يسقط دن بريقه الرجال

................

 

فأنا الأن كالذي أخذته الرعشة في الصلاة،

فلمن يطلقها لله أم للآه ؟

للآه .. للاه،

كجنرال خذله الجنود ومات في حيمن الحرب

من مجموعة " لاهية لباب "

 

إن نص فائز الحداد يقوم في اشتغالاته الشعرية على ثنائية (الأنا المتشظية الى الأنوات الأخرى) _ وال(هو المتجسدة بالشخصنة المقرونه بالزمن والمكان معا)، ففي أغلب ما قرأت له أجده يحرص كثيرا على بناء الصورة المركبة ذات التأويل المتعدد وهذه تحسب له تماما ولمن على سجيته في ذلك وهم قلائل طبعا، 

 

يقول د حسين سرمك في هذاالصدد (من سمات نص الحدّاد هو أنه من أصحاب الصور الذهنية المركبة التي تتطلب جهدا عقليا شعريا لتفكيكها وإعادة تركيبها من ناحية، وأن استهلال القصيدة يحمل نوى المهيمنات الرمزية والدلالية والجمالية التي ستسيطر على ساحة القصيدة حتى ختامها من الناحية الثانية، وهو أمر ناجم عن قدرته الإحترافية العالية .. والحدّاد من الشعراء القلائل الذين يعمدون على توفير أواصر رابطة بين أبيات أو مقاطع قصيدته وصورها اعتمادا على " التصرّف " بمرادفات المفردة الواحدة من جانب، وعلى التوليد الصوري المعتمد على إيحاءات تلك المفردة أو مرادفها في موضعها الجديد من جانب آخر وهي سمة أسلوبية مضافة تحسب اليه كشاعر كبير).

 

شفاهي ..

تلك العابثة..

تحت قميصك المتوفز

لك ثواب زمزم .. قبلة

والمتبقي في نزر اللحظة .. إرتعاش

اطلقيني كهدهد سليمان

وإجترحيني هذارا لجسد ..

أشفر آياته تحفا من شمع

وأشرينه بلجة الكأس ..

 

فاليقين ..

كهواء مراوح الصيف .. مستعار !!

وأنا فاغر .. بين الريح والمطر

 

أستميحك إتساعا، على ساحل ليلي

لاتسع برهرهتي .. وأرغو بحرا فوق رمالك

وعلى غبش نهدك ..أعري أسئلتي

 

يا أنت .. يا "سبعتي " الشرسة ..

ثغرك سبيلي

وسلسبيلي

ورضابك .. خيطي للحلمتين

إشارات .. وحي أناي بلا رتوش

 

فلست خلبا في زواياك الحادة،

لي التماعات الرمل ..

سبيل نهى " لمحو النساء "

 

لقد كذبنا على بعضنا كالرعاع

وكنا .. لصين بمحراب المرايا

نطير مالكِ بأنوثة الشمس،

ومالي من فتوة القنص

 

أطلقي مساحة وجهي خريطة

وسمي ملامحي الصورة في الجهات ..

سنغادر وجوهنا بظلمتين ..

ممالك منهوبة، بنبؤة البحار

لأقايضك ببعضي ..!!

 

لا .. لن ألغيك من عمق الكلام

إنما أنازعك لقمة الحب

في رهق خبزي لنصوم ؟

  

هذا أخر نص له

 

فاتني أن أذكر أن الشاعر الكبير فائز الحداد من أخطر الشعراء في اختيار عناوين نصوصه، وتكاد تكون عناوين نصوصه قصائد بحد ذاتها . وأريد بكل  تواضع أن أنهي  حديثي عنه بسؤال للجميع وأخص به النقاد .. هل قرأتم فائز الحداد وكتبتم عنه بما يستحق نصه الذي قالت عنه سعاد بلقاسم بدأ اسمه كفاتح شعري من المشرق .. للمغرب العربي؟.

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1345 الاثنين 15/03/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم