تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

قضايا وآراء

القصيدة عند سعد جاسم لم تكتم عنّا شيئاً .. الحب في أقصي درجاته

يقبل عثراته منهمكا ً في رسم خارطة جديدة من علاقات انسانية . حيث ذهب به الحب  الى أقصى درجاته كاشفاً من خلال قصيدته عن تجاربه وحيوات الاخرين في الاوطان وفي المنافي:

(قبلَكِ...

كنتُ أكرهُ الصباحَ

الصباحُ: الذي ينبغي أَن أَذهبَ فيهِ

 - بلا رغبةٍ – إلى العملِ

العملُ الذي يقضمُ تفاحةَ قلبي

بجدواهُ الخادعةِ

الصباحُ: الضجيجُ

الصباحُ: النفاقُ والثرثراتُ

الصباحُ: المطاليبُ

التي تتناسلُ مثل ذئابِ أَيامنا

- بابا ...أُريدُ بيضةً بحجمِ الكرةِ الارضيةِ

خُذْ ... اشترِ البيضةَ

وأَنسَ الكرةَ الأَرضيةَ

لأنّها أَصبحتْ فاسدةً ومخيفة

 وكأن الشاعر هنا يسعى الى تحرير الذات البشرية من الظلامية التي دبت فيها  . وهو بهذا يستصرخ بروح هادرة تواقة الي التحرر. يقول عنه الروائي والفليسوف "خضير ميري" كل شيء مباح ..  إنه يسترد ماتبقي من رؤية الشعر في مسيرته الذاتية / واعوجاجه الموضوعي / بالطبع إن البساطة هنا تختلف عن الكلام الدقيق / والدقة ببساطة بلاغة كما أرى .أليس الشعر هو القلق  والاختلاف ومعرفة الوجود بوصفه اكتشافاً لمناطق من الكينونة ماتزال مجهولة ؟ ويؤكد قول بودلير " الشعر تجاوز للواقع العيني " فالشاعر سعد جاسم لديه صورة متخيلة منصهرة بالافكار المتداعية وكأنها تدخل مختبراً خاصاً في تفتيت هذا النوع من السريالية والدادئية منطلقاً من تجارب سبقته مضيفاً لها من ذاتية معبأة باللاشعور كون الشعر أقرب الفنون الي اللاشعور . وهومعني بجمال اللغة وصفاتها متلاعبا ً بمفرداته التي خرجت من ذاته مضغوطة ولها ايقاع خاص وموسيقي ذات جرس داخلي . قصائد الشاعر العراقي " سعد جاسم " التي كتبها في الركن القصي من عزلاته ومنافيه والتي من خلالها أجلى غبار عتمته في غربة استمرت سنيناً طويلة أشعلت  ذاته  المحتشدة دائماً بالحب والمشغولة بالكشف  كي يبتكر او يشعل اللحظة المنطفئة كي يعانق الابدية المتجذرة في روحه ." كل منفي لعنة / كل منفي خراب " و أجزم ومن خلال وجودي في القاهرة ومتابعتي للشاعر في جميع الأمسيات الشعرية وقراءتي لدواوين الشاعر والتي صوب فيها أزمانه الفاتحة  التي صهرت تجربته و أحاطته بوابل من الانكسارات لكنه مع هذا لايرضخ للتسوية أو للتجزئة لكونه لايتوسل لهذا الليل الثمل الذي لف أجواءنا نحن أهل العراق منذ بدء الخليقة الي يومنا هذا

(أنا العراقي / سليل المسلات والمحن / الممتحن / بفكرة الخلود / وجوهر الوطن).

 والشاعر يطلق الحوار العميق والجديد في القصيدة المتصلة بالتأمل . وكونه يدخلنا في ورشة شعرية تأملية من خلال تجليات النص الشعري الذي يكتبه .وهو بهذا يزيد الي نار التجربة وفراديسها العمق المتأتي من إقتناص اللحظة الهاربة وكأنه يلعب مع المفردة لعبة المراوغة " الختيلان " في المفهوم الشعبي ويعطينا لذة في القصيدة في لحظات تألق قصائده مانحا ً إيانا الدفء الكوني من خلال الأفق الاكثر رحابة ً . " يمه الوطن باكوه / من رحتو إنتو / طير بسجن حطوه / زين وخلصتو " . والشاعر سعد جاسم لم يكتف بقصيدته فقط  وانما يحاول أن يصل الي أعمق من ذلك بكثير الي فلسفة مؤثرة تكبح النفس البشرية على أرض الواقع والتقليل من قيودات و أحكام ظلت سارية الي يومنا هذا . فهو يكشف عن معان حقيقية بالرغم من كون هذه المعاني لاتتماشي مع عصرنة الحاضر الذي اخذ يتآكل ويصبح غير ملائم للواقع بالنسبة الي رؤاه الشعرية .

 (ضحكَ العالم ُ/ مني / عليَّ َ/ وفات

  الثعلب فات ... فات "

والمحنةُ والجوعُ وشيعهْ

والذيلُ التفَّ على عنقي

والذيلُ سبعُ لفات)

 وأعتقد أن الشاعر وبعد ان تشبع بأفكار ورؤي مسرحية وهو قادم الي معهد الفنون المسرحية واكاديمتها ويحصل علي جوائز عديدة في المجال المسرحي ثم ينتقل الي الشعر بإعتبار الشعر لديه قضية وهو أمام مخاض صعب ليزيل تراكمات استقرت في القصيدة النثرية التي دأب الكثير علي كتابتها في أيامنا هذه . واعتقدوا ان كتابة القصيدة سهلة وبإمكان اي منا ان يكتبها . ومن هنا جاءت مقولة " ادونيس " أن أجمل شيء في الشعر أنه لايحدد" ومن هنا استمد سعد جاسم في رأي العديد من النقاد قصيدته باعتبار الشعر أعلى أنواع التعبير .

 (حين نريدُ أن نرى / وجه اللهِ / ووجه البلادِ الكالح/

أو تعاند ُ/ وتبقي فاتحة َ أفخاذها / للريح المتنمرة /

 والبرد الفاتكِ / وللمخبرينَ .. وزناة الظلام)

 ولو تابعنا دواوين الشاعر والقصائد التي كتبها نجد أن الشاعر يعتمد علي معايير فكرية كثيرة منها الطفولي / الأنوثي / والانساني

 (كَمَنْ يحتفلُ في كرنفالهِ البابليِّ

معَ ملائكةِ الحلمِ

وعذراواتِ الأَبديةِ

كنتُ أَحتفلُ:

بأَصدقائي المُهمَّشينَ

حماقاتي اللذيذةِ

قصائدي المشاكسةِ

أُناثي المُرتبكاتِ والمُربِكات

وأَملي بالخلاصِ

من قسوتهِ العاليةِ

وظلامهِ الفادح)

 

 حيث ان الشاعر يمزج المعايير الجمالية وكذلك يؤكد علي النوعي لا الكمي في حضور مشبع ؛ محاولا ً الارتقاء الي الرمز ذي النقاوة العالية . معلناً ثقافته بإعتبار الثقافة تفصح عن شخصية الانسان وهويته وهي التي توضح الدور الذي يلعبه الشاعر في تتويج العلاقات والقيم .منطلقاً من الشاعر وهو يصوغ قصائده التي تتباين فيها مستويات جودة النص من قصيدة لأخري؛ وذلك سيقود حتما ً إلي إطلاق مقاييس نقدية متباينة، ولابد أن نذكر أن نص القصيدة لدى سعد جاسم ينطوي علي قدر من مفاتيح تتيح فهم النص وتفتح الباب أمام القدرة على استقراء التفاصيل وكشف الرؤى والعوالم التي يضيئها الشاعر من زوايا مختلفة . ان شعر سعد جاسم يستحق النقد والمتابعة، كما أن عملية النقد الأدبي تُمٌكن القارئ من الغوص والإبحار في النص الأدبي لكي يتعرف علي جماليات النص التي تؤدي إلى فهم الصورة الكلية للقصيدة .

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1353 الثلاثاء 23/03/2010)

 

 

في المثقف اليوم