قضايا وآراء

توماس ناش: بدايات الرواية الإنكليزية

بموضوعه إن لم يكن بجوه إلى الخلف نحو (يهودي مالطا) لمارلو (2)، وإلى الأمام نحو تراجيديات ويبستر (3)، وبكلمات أخرى إنه تعبير قوي عن عن انتشار الرعب والهوس كمفردات روائية تعود بأصولها إلى تقاليد تلك الفترة في إيطاليا. إنها مفردات لمشاعر غزيرة على نحو غير مسبوق ومشاعر شريرة وفاسدة بشكل واضح كان يمثلها إنسان العصر الإليزابيثي. وكرواية أو كرواية جاهزة كانت على نحو عام تمثل مرتبة أعلى من مكانتها، فقط لأن النقاد وقعوا تحت تأثير ناش. ولم يصل من بين كتاب النثر الخيالي في ذلك العصر إلى مستواه كاتب آخر باستثناء شكسبير وجونسون (4) وويبستر. ولا يزال نثره على قيد الحياة: فقد أثر في زماننا الحالي على كل من جيمس جويس وويندهام لويس (5) . وتمثل العبارات التالية التي وصف بها أستاذا من ويتنبرغ (6) المستوى المهم الذي وصل إليه، حيث يقول: رجل منتفخ البطن وعالي الصوت يدعى فانديرهولك، وقع الاختيار عليه لتقديمه إلى (دوق ساكسوني) في حشد علني . كان له وجه كبير منتفخ وبراق، مثل ساراسين، عيناه أشبه بمحارتين وفمه ينفتح على وسعه أثناء الكلام، وكأنه باب فخ قديم، ولحيته كأنها مصنوعة من عش عصافير تشابكت أجزاؤه التي تتألف من القش والشعر والأوساخ المتجمعة.

من الناحية البنيوية إن نثر ناش بدائي، عبارة عن تفرعات جملة مستمرة دون أن تلتقط أنفاسها. ولكن ضمن معايير حدودها، لن تجد ما يتفوق عليها في السرعة والتصوير والطاقة. كان تأثيرها مباشرا وخيالها مشوقا ومتماسكا وعناصره موجودة في الحياة العادية، وإن أطروحتها المضادة متكاملة وفريدة من نوعها بالمقارنة مع النثر الذي كتبه لايل (7) وسيدني (8). وهي لها جذور عميقة في المكونات المادية للحياة، وتعبر عن صخب واضطراب الواقع المعاش. وهي توسع وتضخم أي شيء تلمسه وتحوله إلى سخرية وغموض. وكذلك إنها تقترب من الأشياء الخارجية بطريقة ليس لها مثيل. إنها كتابة نثرية ساخرة، وتقف على وجه النقيض مع عدة مسائل تطرق إليها بن جونسون في شعره الدرامي الأبيض . ونحن مع ناش، مثل جونسون، نتعرف على طريقة لتحويل الحياة – من الخارج، ولذلك إن الصور التي تتطور تبدو لنا ألعابا مقلقة لا تزال على قيد البقاء لأن مبدعها يتميز بالقدرة والتفوق في جميع النواحي الظاهرة. وهذه هي خلاصة ما قامت عليه الرواية الإنكليزية في تاريخها الطويل منذ سموليت (9)  وماريات (10)  وديكنز وويلز وجويس، وحتى على وجه الخصوص ويندهام لويس.

و تبقى رواية (الرحالة سيء الحظ) أشد النماذج النثرية الخيالية تميزا خلال الفترة الإليزابيثية. ولكنها ليست رواية بالمعنى الحديث . إنها قصة بيكاريسك ومغامرات لها معايير مادية تربطها بسلسلة من الأحداث التاريخية المحددة. وهي تبدأ بمشهد في معسكر إنكليزي قرب تورناي، التي حاصرها هنري الثامن عام 1513، وتنتهي بميدان الساحة الذهبية. وهنا تمر عليك أحداث واقعية وأشخاص واقعيون ثم حصار ليدين وغراسموس وتوماس مور ولوثير وكورنيليوس أغريبا، وهؤلاء جميعا يفرضون حقائق أدبية ويتركون انطباعا كان الراوي قد هدف إليه من وراء قصة جاك ويلتون نفسه، حيث أن أمير ساري يرافقه في رحلته عبر ألمانيا وإيطاليا. ونادرا ما تتوفر هنا الحبكة. وإن القصة تميل لتكون مجرد خيط من الصدف والتحقيقات بطلها هو ويلتون. ويمكن أن نسمي هذه الصدف بالروح العاطفية الصافية، وهي " استعراض " لشرور النهضة الإيطالية كما كان الإليزابيثيون يحبون تخيلها. على سيبل المثال، في نقطة من خط القصة، تم اعتقال جاك وزوجته الإيطالية ديامنتي، وذلك بفخ نصبه يهودي شرير، فوقع جاك بين براثنه وأصبح عبدا له. لقد قام اليهودي ببيعه لطبيب ليكون حقل تجارب لديه، ثم هرب منه، وأصبح تحت سلطة عشيقة البابا، والتي كانت ترغب به كعشيق لها. وقد أرسل لها اليهودي ديامنتي على سبيل الإهداء، ولكن كانت نيته أن يدس لها السم سرا. ويكشف جاك وديامنتي المؤامرة، ويعتقل اليهودي ويعذب حتى الموت، وهنا يتألق ناش في هذه الفقرة. ولكن بينما تقوم عشيقة البابا بزيارته، يهرب جاك مع الزوجة بجواهرها. وتتحول الصورة العامة إلى حسابات وتطورات ترعب وتشوق أفراد المجتمع الإنكليزي.

إن قيمة الرواية تأتي من موقف ناش تجاه الأحداث: لقد كان فكاهيا وساخرا وله موقف ضد العاطفة الرومنسية، وتهيمن عليه روح التذمر، وبمثل هذه الإمكانيات تمكن من حياكة تفاصيل هذا النص.

و خلال هذه الفترة شرع الإنكليز بعادة القراءة، وذلك في غياب تام لتقاليد  الكتابة الروائية والتي نادرا ما اهتموا بها. وقد ضمت قائمة كامبريدج للأدب الإنكليزي مائة وخمسين حكاية نثرية مكتوبة باللغة الإنكليزية ومنشورة بين 1500 و1660، وكان معظمها يعود لما بعد عام 1580 . وهناك أيضا ترجمات بنفس العدد تقريبا من الفرنسية والإيطالية والإسبانية. ويمكن أن نضيف لهم أيضا النصوص المسرحية المنشورة، والتي يمكن التعامل معها وكأنها قصص.

 

.........................

هوامش:

1 – توماس ناش (1567 – 1601): روائي ومسرحي إنكليزي.

2 – كريستوفر مالرو (1564 – 1593): شاعر ومسرحي إنكليزي.

3 – جون ويبستر (1580 – 1632): مسرحي إنكليزي.

4 – بن جونسون (1572 – 1637): شاعر ومسرحي إنكليزي.

5 – ويندهام لويس (1882 – 1957): رسام وروائي وناثر بريطاني.

6 – ويتنبرغ: مدينة في شرق وسط ألمانيا.

7 – جون لايلي (1554 – 1606): مسرحي إنكليزي.

8 – السير فيليب سيدني (1554 – 1586): شاعر وعسكري إنكليزي.

9 – توبياز جورج سوليت (1721 – 1771): روائي إسكوتلاندي.

10 – فريد\ريك ماريات (1792 – 1848): ويعرف باسم الكابتن ماريات، وهو روائي وبحار إنكليزي.

 

.............................

المصدر:

The English Novel – The beginnings , by: Walter Allan , A Pelican Book , 1981 . p.p. 27 – 29 .

الترجمة 2010

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1360 الاربعاء 31/03/2010)

 

 

في المثقف اليوم