قضايا وآراء

الأدب – المهنة: سلطة الاشتغال الأدبي واشتغال سلطة المهنة .. القاضي قاسم العبودي أنموذجا (2) دراسة نقدية

لنخلق منه وعيا نوعيا، لذات صيرورة الاشتغال الفهمي العميق في ملاحظة تقييم ذلك الترابط الوثيق بين الأدب، باعتباره ركنا من أركان الديمومة الإنسانية، وحيزا عملاقا، خلد للعراق سجلا رائعا في مصاف فضاءات الأدب العربي والعالمي، ومن ثم هناك ثمة ملاحم مهنية فريدة سامية  أكدت ذات المعنى الباهر في مداخل التاريخ، ومن اجل ان نجعل من هذه المعادلة المثلى، معنىً استحقاقيا راقيا في تصديها لعمر الاستقامة في معناها الاستيطاني في ارض الرافدين، والذي علم فيها العراقي، الإنسانية أول حرف ٍ منذ النشأ الأول للأحياء، وبين المهنة باعتبارها وظيفة إجرائية غير محدثه، تحمل أيضا بين طياتها كما ً مهولا ً من الإسعافات في النتائج الراقية، صوب ملحمة التغيير،  وكلاهما ينبع من مجامر اتقاد الفضول  ومن ثم ملاحق الدهشة

ثمة علاقة متوازنة متينة ومترابطة  ذات مغزى تراتبي (أدبي – مهني) توصيلي أنساني، علينا مراعاة فهيمتها بشكل أنموذجي أكاديمي وحضاري، وجمالي، بين مدارك المتلقي، وما بين ما يجول داخل إيقونة المتحدث، ربما لا يمتلكها البعض من العاملين في منطقة الاشتغالات السياسية والمهنية، في تقديم الشروحات والطروحات المثلى للمعني، لكي يفسر المعنى دون الولوج الى تفاصيل منجدية لإيصال الفكرة، بمعنى ان يلازم المعنى حدوده في تفسير ظاهرة المدلول ذاته، لا ان تبقى العلة تراوح وتدور، او ربما تحلق وكأنها رقيب هلامي خارجي، يرى المعضلة من فوق .

ان هذه الغائية المداخلاتية، أردنا بها، تثبيت مهمة بدأت تستفحل في الكيــان (الأدبي - المهني) او الاتكاء على مناخات الإحداث اللحظوية، لكي نصل بالرمة الى  منطقة الإقناع، وهذه مشكلة، او معضلة إنشائية، ربما استشرت في الجسد المعرفي والسياسي العراقي، وربما تبدو لنا غير ملحقة جديدة على ذلك الجسد .مذ ابيان الحقب الأولى لولادة التوصيل .

 ان الإنصات كمحاولة للفهم، وصولا الى متعة التغيير، معادلة ذات دلائل عديدة، وربما تسحبني تلك المعادلة الفخمة في استنتاجاتي الفهمية عبر قنوات الالتقاء  مع القاضي (قاسم  العبودي) لأنه أديب من طراز خاص، ومهني فذ يوصل المعنى دون مآربه، يعيّ أولا ما يقول، ومن ثم فهو شاعر أيضا من طراز خاص ففي قصيدته (دورة الحزن) يتحدث الينا شاعرا ً .

الشعب نادى يا حسين ولم يجب

 كثر الصياح ولا قلوب تسمع

هل تصمت الرياح

وتهدأ الروح

فأقول للطواحين

تعب الهوى في راحتيك فناما

فاستبدلي حزن الطفوف سلاما

هنا ارتقاء لمعنى السمو والكبرياء، وفحوى التهافت صوب ملحمة السنة الألف ونيف، انه شاعر يسبغ ملامح وجعه الشعري، وإنسانيته التي دفئها  نار الوجع العراقي، من بين خلايا المأساة، ابان تلك الفاجعة التي أفزعت السماء، واقترنت بلب التاريخ، لتسطر ملحمة داخل معاني حدود القامات الشامخة التي طرزت التاريخ بحروف تكاد تلامس وجه الهول، وهو بالتالي استنهاض مفاجأ لمديات القدرة على الإفاقة الشعرية داخل المخملية النثرية المرتكزة على حزمة من الوعي الاستدراكي العالي، وهو برأينا حاول  استنهاض منظومة هذا النسغ المستوطن في دواخلنا، وحاول ان يقوبل السرد اللفظي المجرد، الى مفاصل نثرية شعرية راقية، وهو تجديد ملح على ان من الممكن للزمكانيات ان تستبدل ثورة (الطفوف) قيامة أخرى صوب ملامح للملحمة الإلهية والفحولة المتوغلة في الجسد الانتمائي، لانها خرجت من عباءة النبوة العبقرية الخالدة،  ويسحبنا الشاعر (العبودي) الى تلك الكلمة المبكرة  العظيمة (اللا) فالصباح بمعناه الاستشراقي يؤول صوب ملحمة الظهور، الى وضوح البيان، لكن الشاعر هنا، اراد للشعب ان تكون له قلوب ومواقف ثابتة، تنتظر الضياء، وهذا المعنى التوليدي المتحرك الانجازي، الذي يحاول الشاعر جاهدا ان يمسك بتلابيب الفكرة ليحليها الى  لحن دائم للبقاء، ومن ثم ليجعله إرهاصا ديموميا تحريضيا، وصولا لمنطقة التغيير .

ان (العبودي) يدعو لمحاكاة القيمة الفكرية الإنسانية والأخلاقية العالية الفاعلة والمتفاعلة مع تلك (اللا) التي مجدت جل (اللاءات) التي لحقت بها، كمرتكز استئذاني لولوج معترك النهضة، التي بتنا بأمس الحاجة اليها، للتلاحق مع ثيمتها الفكرية، وفق منظومة العنونة (الأدب – المهنة) .

ان براعة القاضي (قاسم العبودي) وجماليات تصورراته للبعد الاخلاقي للمهنة، وذلك التواشج الحي المؤطر باثيالته االشعرية اراقية وبين الادب عموم مخاصب الادب، هي في تقدريرنا متأتية من مفصلين رئسيين هما .

اولا: -  ان الخزين القرائي والاستقرائي والتحليلي، والمجس الأكاديمي الذي يحلق في مخياله الواقعي لجمع ملهمة ألاستنهاض للتغيير وفق نظرية التوازن ما بين المتوافق الانتقائي المحض للمتلقي، ومن ثم المترادفات الجهورية الواضحة التي تكمن في عقل الهيكل النخبوي .

ثانيا: -  تكمن مواطن الملاحظة الدقيقة لديه، في توزيع مهاراته الفنية والأدبية وجهده الفلسفي ورؤاه التخيلية الجمالية القابعة في شكلنة الفحوى، والكامنة في جوف وظيفة التوصيل، على اعتبارها من الوظائف ذات الثيمة الجمالية التي تدعو لإنشاء جسر تكويني علاقاتي بين ذهنه المتقد وجملة من الذهنيات الشعبية والنخبوية والسياسية .

.. لذا نراه قد اتخذ من الفعل اليومي الديناميكي التوصيلي بأبسط لغات التفاهم والتواصل، والذي يتكأ على حرفية اللغة، وهذه السيمائية الاستدلالية تدل على فهم (أدبي – مهني) واضح المعالم، على انه يعتمد بالكلية على العلامة والكود والإيقونة والإشارة في توصيل جملته الشعرية (الادبية) والسياسية على حد سواء، على اعتبارها  لازمة صورية موزعة ضمن منظومة المعيار الجمالي والبناء الدرامي في وحدة متكاملة من ملزمته الصورية التي تنتشي داخل جسد الفعل لتحيله بالرمة الى حدث صوري نافع في موازين التحليل والإقناع لأنها وضمن إجمالية الوصاية للفهم العام، فهي تتقلد فوق جيدهـا اي (الففهمية) مقاليد الحث والتثوير للحصول على الاستجابة المثلى من لدن المتلقي، وهناك ثمة ملاحظة علينا الإشارة إليها هنا ونحن نتحدث عن نظرية التلقي لدى (قاسم العبودي)، هي أن الإدراك العلمي، وموضوعية المواصلة  وفضاءات الفهم والتلقي في جهده الاعلامي، لم يكن سهلا في عملية التوصيل، لكنه استطاع بمهارة أنموذجية  لسحب دائرة القناعات النخبوية،  والشعبية، في فهم طروحاته الاقناعية التي يكتنفها الجمال المحلق داخل مناخات التكوينية المتصدرة باحة الإقناع .

يُعـد ُ(القاضي العبودي) صاحب الامتياز الذي ادخل النواة الأولى للاقناع  التوصلي العالي،   وهو صاحب المحاولات البكر على مستوى الفهم النخبوي والشعبي على حد سواء،  .

ان اهتمام (قاسم العبودي)  في ولوجات اللحظة، والهنا، وبين الفهم، والإفهام،  والتلاحق العميق  بين (الأديب – المهني)  على اعتبارهما منهجيين توصلين بين (المتلقي – المرسل) ذات الفهم الإنساني، التي يزمع الوصول الى ملاحقتها، وإظهار ملامح القبح والجمال بداخلها، وهذا ما يحققه برأينا المناخ الاستدلالي والتوكيدي، الذي يفضي الى فضاءات المعرفة الكاملة .

ان (القاضي العبودي) قد نجح برأينا في مهمته تلك في غاية الإبهار.

وتاتي هذه المقدمة لكي تحيل البحث الى استفاهاماته الإنشائية الابتدائية، ولو قفزنا على موطن الاشتغال في الضفة الأخرى لزماكانية التقييم في اعتراضية الاشتغال المهني داخل مخاصب الاشتغال الأدبي، فنجد علينا لزاما تحريك دائرة الموضوعة الى مهمة تفسير المهنية لإيجاد طرق ذات أبعاد وملامح استقرائية لتوكيد اشتغالات الأديب باعتباره صوتا ملحا على حركة التاريخ ووفق نظرتنا هذه سنجد ان المهنة تعني بالحرفية الدقيقة هي المزاولة المهنية، أي هي الحرفة التي بواسطتها تعرف إمكانية تطبيق المعرفة والخبرة المثبتة في بعض حقول المعرفة أو العلوم على مجالات أخرى أمكن استخدامها في ممارسة فن مستند على تلك الخبرة، وبالتالي فهي ميزة امتلاك أسلوب فكري معين مكتسب بالتدريس الخاص والذي بالإمكان تطبيقه في كل ناحية من نواحي الحياة المختلفة وهي تشمل  وبصفة عامة  على حرفة  تشتمل على مجموعة من المعارف العقلية ومجموعة ممارسات وخبرات وتطبيقات هيكلية عامة.

ان لانعكاسات المهنة التي  يختص بها او يزاولها الفرد هي انعكاس ومرجعية  تأثيرية بائنة على شخصيته وسلوكه وقدراته الذهنية والاستيعابية وأسلوبه التداولي اليومي وهي بالتالي مفاتن استقرائية محاذية لانتقالية ملهمة لابعاد مرهفة الحس في تدشين ملحمية النص أي (الأدب) ووفق هذا الترابط المعارفي الفخم بين الأدب على اعتباره انجازا إنسانيا راقيا، يأخذ على عاتقة التماسك إزاء مرجعية النص وكيفية تدوينة بأدوات حسية وعقلية باهرة، وبين المهنة باعتبارها منجزا إنسانيا أيضا، لكنة يدون في الحياة بصيغ متفاوتة في تقنية المنجز ووفق مزاعم عنونة البحث .

نرى ان ثمة منصات مبهرة بين الأديب ومهنته بكونهما ملتصقتان يبعضهما وفق هيمنة الذات الإنسانية على العرض المجتمعي اللحظوي وهي بذات اللحظة مناشيء استدراكية للفهم العالي الذي يحيل الذات إلى مواقع نفعية لديمومة اتقادها،  وإجمال مخاصب الملازمة الحتمية المجتمعية .  

ومن خلال استقراءاتنا لمجمل هذه القرائية الفائقة التعقيد، والتي تسحب مواطن الاستخلاص إلى تدوين حفنة من الفروقات بيت الاديب الذي يمتهن اشتغالات ذات طابع دينامكي يومي يفضي به إلى قولبة الحرف، والانتهاء به إلى مستوى التصريح، وهذا براينا من المعاضل التي تواشج الأديب في اختياراته البوحية، حتى يتمكن من الانفلات قليلا من صومعته المهنية،  لحيز التفكير والبوح داخل فضاءاته الأدبية، ومن اجل ان نسلط الضوء على ملامح ذلك الضوء في عملية التلاقح والتلاقي وربما التلاقي بين الاشتغالات الأدبية والمهنية ارتأينا ان نمنذج هذا الإخصاب الفكري على ضوء ملازم المشهد السياسي العراقي فيمكن القول هنا وضمن شرائط المعطيات الآنية التي تستدعي فائقة التقدير النقدي فمن الممكن ان نستحضر مهارة هذه الإفاقة الايقونية لنحليها الى بون الذاكرة الحاضرة داخل دائرة الضوء الاستقرائي ..

ومن بين هذه الايقونات المشتغلة ضمن عنونة الدراسة الشاعر والقاص والأديب (القاضي قاسم العبودي) ومن اجل الولوج لذاكرته الحية علينا استعراض جملة من التناصات المجتمعية  التي لتصرح عن ذلك الابهار في جملة من اشتغالات سلطة  الأدب داخل مساماته العراقية الجذلى، ووما بين سلطة اشتغالاته المهنية التي يشتعل بهخا لابعم عرقي ؤمخلص لذغاته اولا، ومن ثم لوطنه ثانيا وهذا يبدو لنا من ديدن الكبار من السياسيين  الذين عشوا العراق وافادوا من عبق كوثرة النبيليل ..

حينما تتفاوت الرؤى صوب اعتلاء مخمليات الذات، وتحلق في المديات المحلقة داخل ذلك الارتقاء المبهر للوعي، حينا تكون منصة الاستشراف المعرفي تشكل لمخاصيها مفاتن من صور يؤثثها المنتج الإبداعي بجل ملامحه التدوينية لسحب دائرة الانصات، وذاكرة الإفاقة والثأثيث من صمته الذي يؤطر ذلك الافق السرمدي،لتغدو الإنصات ملاذا اخر للتفسير والغوص في مناخات التحليل ووصولا لمنطقة القارئة المثلى للمشهد الاستهلالي، والالتصاق الحي بين ذلك التداول الجمالي ما بين المتلقي وبين الفهم العالي لتوصيل الفكرة .

(قاسم العبودي) من الرجال الذين يعرفون توظيف  نظرية الاقناع ان يرسخوا دائرة الفهم العالي ويرقولون  ..ويقولون قولتهم الفصل التي ترسخت في  عقول الجمهرةالميتنمهة، ويشانون مثلى  في حيز الاقناع .

ان الذين يرسخون في دائرة  الضوء، هم الذين يرسخون في دائرة الضوء التراتبي ذاتها،  بجل الملاحم المكتنزة بعبقرية التوصيل .

(القاضي قاسم العبودي) مجبول بعشق عبق العراق، وهذا الطراز النقي الخالد، جُبل بعبق ماء دجلة واريج الفرات، وكان للعراق حيزا راقيا في ذاكرته المتقدة (الادبية – المهنية) التي ارتقت حيزا احالتها الاستقراءات الى حملة سرمدية من الارتقاء بالحرف،، ربما لن يكون ذلك الوصف الذي ذهبت اليه قد اسسه ذهني اللحضوي، ولكني اسطر انطباعاتي عن هذا العراق الجميل الذي يؤسس مناطق باهرة  ما بين الإنصات، وما وبين توصيل الفكرة  المتوقدة في حاضرة الآن .. وهنا ..

 

        سعدي عبد الكريم / كاتب وناقد

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1363 السبت 03/04/2010)

 

 

في المثقف اليوم