قضايا وآراء

صاحب عبيد الحلي

عرفته منذ أوائل خمسينيات القرن الماضي يتشح بالسواد كاملاَ في الأشهر الحُرُم لكنه في باقي شهور السنة يُحيي حفلات الأعراس والطهور وبعض جلسات السمر واللهو الخاصة في بيوت بعض أصدقائه ومحبيه يغني حتى الصباح وكنت ألاحظ أنَّ صديقاً شاعراً بالفصحى له لا يفارقه إلا نادراً يصاحبه في كافة الحفلات والمناسبات وهذا الشاعر الجيّد هو السيد محمد الرشادي ... لا اعرف من هم أهله أو أخوته أو آباؤه كان يشتغل موظفاً أو مستخدماً في مديرية الأشغال والمواصلات ويشرف على عمليات مد وتعبيد الطرق والجسور التي تربط الحلة بما يجاورها من أقضية ونواح . حبذا لو تسأل عن هذا الشاعر وأتمنى أن يكون ما زال على قيد الحياة فإن لديه كنوزاً من المعرفة بأحوال ودقائق حياة الراحل صاحب عبيد .

 

ثم إني أعجب ما الذي يمنعك من الجلوس مع ولد الراحل السيد عديّ صاحب عبيد وتتقصى منه تراث أبيه وعلاقاته مع الناس وتسأله خصيصاً عن مصير محمد الرشادي أمين أسرار والده .

 

وكان للراحل صديق آخر شَهُرَ في أربعينيات القرن الماضي بمواقفه الوطنية وكان محسوباً على اليسار السياسي في الحلة هو الشيخ نجم [ أبو الطبيب البيطري جعفر ] وكان كذلك يمتهن إدارة الفنادق . وبعد أنْ إنحسرت موجة الحريات النسبية التي عمّت العراق بُعيد الحرب العالمية الثانية وخاصة قبيل وبعد وثبة كانون الثاني من عام 1948

أَضطّر الشيخ نجم إلى مغادرة الحلة فأقام وعائلته في بغداد ليدير فندقاً على شارع الرشيد في منطقة الحيدرخانة مقابل صالون حلاقة الأخ حكمت محمود الحلي وبجوار دكّان شربت الحاج زبالة وكان هذا الفندق ملتقى أهل الحلة على نطاق واسع ولي فيه ومع الشيخ نجم ذكريات وشؤون .

 

إستدراك: فاتك أخي أستاذ حامد الجبوري ذكر بعض أبيات قصيدة "يا عزيز الروح" وهي مُغنّاة كما يعرف جميعُ أهل الطرب، أعني الأبيات :

ما شفت مثلك

ابلّدة الحلةْ

لا قضا طويريج

لا النجف كلّه

سلوتي إنته

وبيك أتسلّة

لو غبتْ عنّي يا روحي منو يسلّيني؟

شنهو ذنبي وياك

يا عزيز الروحْ

ما تحاجّيني

من تجي وتروحْ

الكلب من بعدك

بس يوّن وينوحْ

وانت تدري بعلتي والله وليش ناسيني؟

يا عزيز الروح / يا بعد عيني / شنهو ذنبي وياك / ما تحاجيني؟

 

كما أنَّ زهور حسين تضيف ، وهي تغنيها ، إليها أبياتاً باللغة الفارسية لم يترجمها أحدٌ إلى العربية للأسف .

مرّت أعوامٌ كان المرحوم أبو عديّ يقرأ فيها قرايات عشرة عاشوراء في البصرة وكان بسبب ذلك حلقة الوصل بيننا وبين أقارب والدي من آل جوير هناك الحاج عبد الرضا وأخوته حسوّن ومهدي وكان يأتينا منهم بالهدايا ويحمل لهم منا بعض الهدايا .

كان إنساناً نبيلاً مستقيم الخُلُق والسيرة دافئ الصوت يحبّه أهالي الحلة وكان مشهوراً بطريقة سلامه ورد تحيات وسلامات الشباب وطلاب المدارس بقوله

 (هلة خالي أو هلة خْوَيلي). لم أره ضاحكاً أو باسماً بل كان في منتهى الجديّة وفي أعلى مقامات الهيبة وإني أظن أنه ما كان مرتاحاً زمان عبد الكريم قاسم من إنضمام ولده عديّ [وقد أصبح معلماً خريج دار المعلمين الإبتدائية] إلى تنظيم حزب البعث في الحلة أيام مدّهم الخطير الذي أحرق فيما بعد الأخضر واليابس وكانوا يمارسون مع القوميين الإعتداءات على الناس والقيام بعمليات إغتيالات طالت العراق جميعاً ولم تسلم الحلة من ذلك . كان وقتذاك يُدير مع ولده عَديّ أحد الفنادق في عمارة آل عبد الرزاق شريف في وسط الحلة وكان أغلب زبائنه من المعلمين والمدرسين وبعض الطلبة من غير الحلاويين .

 

شاعت أغنية " يا عزيز الروح " أواسط أربعينيات القرن الماضي في الحلة وما جاورها من أقضية ونواح وكنا نعرفها كلمات ولحناً لصاحب عبيد الحلي وانتشرت في أوساط أهل الكيف والطرب وكان يغنيها كذلك رجلٌ (شعّار) حسب أعراف الحلة ... يرقص بطويل شعره في الحفلات ويغني ويطق إصبعيه مع إيقاع الطبلة .

 

الغريب والغريب جداً أنَّ هذه الأغنية غناها في سبعينيات القرن الماضي عددٌ من المطربين والمطربات دون أنْ يذكرَ

 

أحدٌ صاحبَ اللحن والكلمات ومن غير أن يُجازيه أحدٌ لا المطربون أنفسهم ولا الحكومة العراقية أو دار الإذاعة والتلفزيون ...

 

 من هؤلاء المطربين أذكر حسين نعمة وياس خضر وسعدي الحلي وزهور حسين ولديَّ اليوم هذه الأغنية بصوت سعدي الحلي وزهور حسين وأتمنى لو أظفر بها بصوت ياس خضر فهل من مُغيث؟.

 

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1363 السبت 03/04/2010)

 

 

في المثقف اليوم