قضايا وآراء

اسماعيل فتاح الترك .... يقام معرضه في ذكرى رحيله*

... وجوه تستحث ذاكرتنا، تجرها كحصان مثقل بعربته العتيقة بعجلات صدأة ... وجوه تتراقص  الوانها الساطعة معلنة هذه المرة ليس عن فرح تتوجه بل عن حزن ملون طالت آماده .

هذا ما شاهدته في لوحات الفنان العراقي الراحل اسماعيل فتاح الترك في المعرض الذي اقيم له في العاصمة ابوظبي يوم 24 شباط ويستمر حتى 10 آذار في المسرح الوطني ضمن برنامج هيئة ابوظبي للثقافة والتراث في تكريم الفنانين العرب، حيث عرضت السيدة داليا الترك 37 لوحة ، منها 7 أصليات والباقيات كرافيك، لوحتان فقط هما آخر اعمال الفنان الراحل عام 2004  بعد معاناة  دامت أكثر من عام بسبب اصابته بمرض السرطان . واللافت عدم حضور من ينوب عن السفارة العراقية في ابوظبي في هذا الحدث الذي حضره مسؤلون وفنانون وصحفيون أماراتيون وعرب .

لأول وهلة وعند سقوط  نظري على الالوان المتدفقة تحت الاضاءة، اخذتني لحظات اوصلتني الى مثيلاتها حين حضرت المعرض الآسر للوحات ومنحوتات بيكاسو الذي اقيم في قصر الامارات في ابوظبي العام الماضي، فسألت : هل تأثر الترك ببيكاسو قبل التكعيبية، وهذا ما خلتني شعرته بقوة ؟

فجاءت أجابة السيدة الترك بأن إولى لوحات المعرض  (صبي وديك) تحمل تأثرا كبيرا بالمنحوتة الضخمة (الرجل الخروف) لبيكاسو والتي سعى الفنان الى تحويل لوحته الى منحوتة ايضا .

 

إقامته في أبوظبي:

السيدة داليا شاكر محمود هي الزوجة الثانية للراحل بعد وفاة زوجته الالمانية بمرض السرطان عام 1992، وله بنتان وولدان يقيمان في المانيا . بعد زواجها وفي عام 2001 استدعي الفنان الترك وكلف من قبل دائرة الاشغال العامة في ابوظبي للمشاركة في وضع التصاميم للزخارف الداخلية لمسجد الشيخ زايد الكبير . وفي عام 2003 أقام معرضا في دبي بمشاركة التشكيلي العراقي ضياء العزاوي، وشهد العام نفسه إصابته بمرض سرطان القولون وظل يصارعه حيث قضى معظم ايامه الاخيرة في مستشفى توام بمدينة العين .

أشادت السيدة داليا وهي تتذكر تلك الايام وقد طغت على ملامحها رغم هدوئها اللافت حزن ثقيل ممزوج باعتزاز لاقترانها بالراحل، أشادت بالرعاية الخاصة التي أولتها حكومة ابوظبي وعلى رأسها المغفور له الشيخ زايد آنذاك، حيث نقل الفنان الترك بطائرة خاصة الى العراق بحسب طلبه ليرى بلده العراق آخر ايامه ويدفن فيه، لكن الاقدار كانت أسرع في الوصول، فقد لفظ الراحل أنفاسه الاخيرة في الطائرة قبل وصوله  رحمه الله .

 

فتاح (7 سنوات) ويوسف (6 سنوات) هما ولدا الفنان اسماعيل الترك من زوجته داليا وكل ما بقي لها مع الاعمال الفنية الرائعة الحالية بعدما اصبحت وريثته في ما تبقى لها من لوحات، فسبق وعملت معرضين فيهما في الاردن اخرهما عام 2006 .

 

تأثره واعماله بعد احتلال العراق :

على الرغم من امكانية حصوله على الجواز الالماني اثناء اقامته هناك في التسعينات وزواجه من المانية، الا انه آثر الاحتفاظ بجوازه العراقي وحيدا دون منافس لحبه للعراق ولأمله بالعودة اليه .

فقد تأثر كثيرا بعد احتلال العراق وكان يبكي احيانا ألما على ما دمر من آثار ومعالم حضارية لا تقدر بثمن وسرقة البعض الاخر غير مأمول باسترداده . .. هذا ما روته زوجة الفنان وتضيف :

(ذلك الدمار طال ايضا معظم اعماله من لوحات وتماثيل مخزونة داخل بيته في منطقة العطيفية ببغداد حين داهموه الجنود الاميركان ولم يكن يسكنه غير الحارس بحجة التفتيش عن السلاح المهرب، بعثروا اللوحات وداسوا بارجلهم عليها، واتلفوا بعض اللوحات والتماثيل تماما).

هذا مالحظته انا شخصيا من عدم استقامة اسطح بعض اللوحات وتبدو متموجة تحت أطرها، وكأنها تصر على ان تبقى شاهدة على عنف وقبح المحتل دائما .

تكمل حديثها في تذكر ما بعد هذه الاحداث بفترة (تأزم الوضع في العراق وسيطرت المليشيات المسلحة على الشارع  وأقحم الناس عنوة في شرك التعصب الطائفي، حدثت مداهمة أخرى من قبل المليشيات المسلحة بحجة أن الترك كان قد أنجز اعمالا فنية لصالح النظام السابق، وللمرة الثانية أتلفت اعمال فنية اخرى وصار البيت خرابا) .

هذا الامر جلي لدى معظم العراقيين بأن الفنان الراحل نأى بنفسه عن النظام السابق كي لا يحسب عليهم، وانما كان تصميمه لنصب الشهيد الشامخ بقبتيه وسط بغداد، كان ومايزال وسيظل  رمزا لتضحية العراقيين في الحروب التي خاضها العراق لسنوات طويلة .

ومن أهم اللوحات  التي انجزها الفنان بعد احتلال العراق 2003 كانت لوحة (وجه في الاسر) .

 

مناشدة وزارة الثقافة والاعلام  العراقية :

بعد سرقة وتدمير الاعمال الفنية في مركز صدام للفنون والمتحف العراقي عقب الاحتلال وضياع الكثير من المخزون الفني الرائع لفنانين عراقيين ومن ضمنهم اسماعيل فتاح الترك، عمدت وزارة الثقافة على الاحتفاظ بما تبقى من لوحات وتماثيل برونزية للفنان الترك كإرث له . تناشد السيدة داليا بالسماح لها باستلام عدد منها لاقامة معارض له خارج العراق، فذلك إرثها الوحيد من الراحل ومصدر رزقها هي واولادها . لم توافق الوزارة حتى بعد عدة مطالبات من زوجة الفنان و تعهدها بارجاع جميع الاعمال سالمة ودون نقص .

وفي نفس السياق فقد ذكرت بانها تستلم راتبا تقاعديا باعتبار الراحل كان استاذا في كلية الفنون الجميلة مقداره 250000 دينارا عراقيا أي ما يعادل 200 دولار كل شهرين لها ولاولادها القصر، علما انها تقيم في الشارقة وهذا المبلغ لايسد حاجة عائلتها حتى وان كانت تقيم في العراق .

 

جل ما تملكه الان لوحات هذا المعرض فأن بيعت فستشهد رحيل اسماعيل فتاح الترك مرة اخرى .

 

[email protected]

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1371 الاحد 11/04/2010)

 

في المثقف اليوم