قضايا وآراء

هل ديموقراطية العراق في الاتجاه الصحيح؟

المؤسسات وفصل السلطات والحرية المضمونة، ونظرنا الى مستقبل العراق من منظور الانتخابات، فاننا ربما نتشائم اكثر مما نتفائل، لما ابرزته النتائج الانتخابية من المشاكل والتعقيدات وما افرزت من الاصطفافات القديمة الجديدة وضخمت من العوائق امام مسيرة الديموقراطية اكثر من تسهيلها.

و من هذا المنطلق بالذات لو بحثنا الامر، نرى اننا شاهدنا انتخابات مناسبة لما فيه العراق من الظروف وكانت مراقبة من قبل الجميع وفاقت بعض التصورات على الرغم من ما تخللتها الشوائب المعلومة، ولكن بشكل عام يمكن ان نصفها بدرجة مقبولة من النجاح على الرغم من التدخلات الهائلة فيها والتي لم تكن لها مثيل من قبل، بسبب مشاركة جميع فئات ومكونات الشعب فيها، وكانت موضع الترحيب من الجميع من هذا الجانب، وصوٌت العراقيون بارادتهم الحرة، وهذا لا يعني انه لم تكن هناك ضغوطات هنا وهناك. لم تبرز النتائج حسب التمنيات او التوقعات، وتقاربها من البعض ازداد من الطين بلة. التصويت جاءت وفق المناطقية والعرقية والمذهبية اكثر من الاستناد على الايديولوجيا والفلسفة والشعارات التي اعلنتها كافة الجهات والتي كانت للاستهلاك المحلي ليس الا.

 ما يميز هذه الانتخابات عدا مشاركة الجميع، فان اكثرية القوى التي اعتمدت القوة والتشدد ومحاربة الديموقراطية والعراق الجديد دخلت حلبة الصراع السلمي والتنافس الانتخابي، وهذا من اكبر الايجابيات، من القوى التي حرمت الدخول في العملية السياسية من قبل واعلنت تحرمها شرعا وعرفا قبل سحب القوات الاجنبية، ومنها اعتبرت العملية السياسية من صنع يد الكفر في هذه المرحلة، ومنها اعتبرتها من منجزات الشيطات والى اخره من النعوت، واليوم الجميع وبلا استثناء( الا القوى الخارجية المتدخلة في شؤون العراق وازلام القاعدة ) شاركوا واستسلموا للامر الواقع ونبذوا العنف والاعتماد على الميليشيات والسلاح في تصفية الحسابات. ماهو الواضح لحد الان هو اختفاء صوت العلمانيين وعدم الاحساس بدورهم في هذه الانتخابات وهذا وضوع اخر له اسبابه وعوامله الموضوعية والذاتية.

 ونحن الان نعيش في ازمة حقيقية ولكن يمكن ان تكون مؤقتة، لان المعادلات ليست لصالح احد في تقرير مصير البلد، وهناك احتمالات عدة ومنها فشل كافة القوى في التباحث والمفاوضات، ولا يمكن التكهن بما تفضي اليه المحادثات بين الكتل والنتائج غير معلومة بعد اعتماد العديد منهم على تصفية الحسابات السابقة اكثر من النظر الى المستقبل في تعاملاتهم الانية.

هذا ما يؤكد لنا اننا بحاجة الى عقود لتجاوز السلبيات الموجودة اصلا وما افرزتها الاخطاء، لنجري على الاقل الانتخابات استنادا على اختيار الاصلح وليس الاقرب قبليا وعشائريا وعرقيا ومذهبيا وحزبيا، ناهيك عن توفر العوامل المساعدة الاخرى التي من الواجب توفرها كما سبق الذكر.

 القوى الخارجية تدخلت بشكل فضيح ماديا ومعنويا، وكان الاعلام الذي يُدار من قبل القوى الاقليمية منقسمة على المشاركين في الانتخابات حسب المذهب والمصلحة ايضا، ونتائج الانتخابات ابقتهم على قلقهم الدائم من نوايا الحكومة العراقية المقبلة، ولم يمدوا يد التعاون او حتى الاقل بناء العلاقات الدبلوماسية الندية بينهم وبين العراق الجديد.

 المهم ان نذكر ما تسير عليه الديموقراطية واتجاهها وهي ما تفرض عدة احتمالات، اما عودة العنف بشدة نتيجة الانقسامات التي رسختها الانتخابات اكثر من الاول وحدوث الازمات العديدة بين المكونات مع تهديدات القاعدة المتزايد واستغلالها القوى المعينة للتعاون معها في تنفيذ مخططاتها، او في اسلم الحالات هو بقاء الاوضاع على ما هي عليه لمشاركة جميع القوى في الانتخابات وفي الحكومة المقبلة كما كان، وخوفهم جميعا من خسارتهم للمكتسبات الضيقة التي تنعموا بها واستاثروا بالسلطة للحصول عليها، والبقاء في الاستمرار عليها، مع الاعتماد على ضعف القاعدة والارهابيين بشكل كبير وعدم تمكنها من تحقيق مرامها، بسبب قوة الاجهزة الامنية وتطهيرها وتصفيتها من الداخلين من العاملين على تخريب الوضع الجديد مستقبلا ولمصالح معينة فقط.

كل هذا يدعنا ان لا نعلن بصريح العبارة ان الديموقراطية المعتمدة والتي اختزلناها في الانتخابات بانها في الاتجاه المناسب وليست الطريق مقفلة امامها ايضا، ولكن ما ننتظره ان تكلمنا بحياد، هو البطء في سير العملية السياسية والديموقراطية اكثر من القبل ولاسباب افرزتها نتائج الانتخابات وعدم الانتقال الى مرحلة اخرى من تشكيل الحكومة وما كان من الواجب ان نستند عليه في تشكيل الحكومة.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1372 الاثنين 12/04/2010)

 

 

في المثقف اليوم