قضايا وآراء

جرائم الجنس باعتبارها جرائم أخلاقية

ونسبية هذا المفهوم تكاد تكون أوسع كثيرا من  نسبية مئات المفاهيم المتداولة الأخرى، وارى أن إلزام  الأمم والشعوب كلها بتعريف واحد لهذا المفهوم فيه الكثير من الإجحاف والعدوانية وفيه سلب لحقوق هذه الأمم التي نشأت على طريقة فهم محدد لبعض المفاهيم تتواءم مع نمط حياتها وفلسفة دينها وأسلوب حياتها ونشأتها وقيمها التي تعتز بها، وقد قال عالم الاجتماع العراقي الدكتور علي الوردي حامل الثقافة الغربية والمتأثر كثيرا بأطروحتها: (إننا نظلم الناس حين نقسرهم جميعا على إتباع عقائد وطقوس متماثلة)

لكن الظاهر أن منظمة الأمم المتحدة لم تعد تنظر لهذا الأمر بمنظار العدل والمساواة لأنها تجاوزت كل الأعراف بغية تسييد عرفها الذي صاغته عقول يختلف تفكيرها عن نمط تفكير الآخرين وهي بغية الدفاع عن حرية وحقوق النساء في العالم ـ التي هي الأخرى تختلف تبعا لاختلاف الأمم والشعوب ـ من وجهة نظرها الضيقة هذه أصدرت ما عرف باسم (اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة) هذه الاتفاقية الملزمة لكافة الدول الأعضاء التي توقع عليها.

 وفي  دورتها التاسعة والثلاثين المنعقدة للمدة من 23 تموز/يوليو ولغاية 10 آب/أغسطس 2007  ناقشت نتائج مراقبة تطبيق بنود الاتفاقية في (هنغاريا) وأصدرت توصيتها  التي سيتم التأكد من تطبيقها وتبيان نتائج المراقبة في التقرير الدوري الثامن، الذي يحين موعد تقديمه في أيلول/سبتمبر 2010

فهي بعد أن رحبت في تقريرها بمجموعة المبادرات الهنغارية الرامية إلى القضاء على التمييز ضد المرأة، وتعزيز المساواة بين الجنسين. واعتماد قانون المساواة في المعاملة وتعزيز تكافؤ الفرص لعام 2003 وإنشاء هيئة المساواة في المعاملة عام   2005، المكلفة بكفالة مراعاة مبدأ المساواة في المعاملة. والتصديق في 2006 على بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص وبخاصة النساء والأطفال، ورغبة هنغاريا  في إعداد مشروع استراتيجية وطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص. أعربت عن قلقها لأن أحكام الاتفاقية والتوصيات العامة للجنة، لا تستخدم بشكل كاف من جانب هنغاريا كإطار لجميع القوانين، والسياسات، والآليات الرامية إلى تحقيق مساواة المرأة مع الرجل. ولأن أحكام الاتفاقية، والبروتوكول الاختياري، والتوصيات العامة للجنة غير معروفة بصورة كافية، للقضاة، وأمناء المظالم، والمحامين، والمدعين العامين، والنساء أنفسهم. ولعدم وجود تعريف للتمييز ضد المرأة وفقا للمادة 1 من الاتفاقية في الدستور أو في قانون المساواة في المعاملة وتعزيز الفرص المتكافئة. وبسبب عدم وجود معلومات بشأن أثر القانون على تعزيز المساواة بين الجنسين، فضلا عن قلة لجوء النساء إلى هيئة المساواة في المعاملة للتصدي للتمييز ضدهن، بما في ذلك التحرش الجنسي. واستمرار المواقف الأبوية والقوالب النمطية العميقة الجذور فيما يتعلق بأدوار ومسؤوليات المرأة والرجل في الأسرة والمجتمع، والتي تنعكس في الاختيارات التعليمية للمرأة، ووضعها في سوق العمل، وانخفاض تمثيلها في الحياة السياسية والحياة العامة، وفي مراكز اتخاذ القرار. وتصوير المرأة بصورة نمطية في وسائط الإعلام.

وأهم قلق ساور اللجنة كان بخصوص قانون العقوبات الهنغاري:

 الذي لا يزال يعامل جرائم الجنس كجرائم أخلاقية أو جرائم ضد الحشمة، عوضا عن اعتبارها انتهاكات لحقوق المرأة فيما يتعلق بسلامتها البدنية والأمنية...

وتكرر تأكيد قلقها لاستناد تعريف الاغتصاب إلى استخدام القوة، عوضا عن استناده إلى عدم الموافقة...

 ولأن العمر اللازم للموافقة لا يزال هو 14 عاما. ولإجازة زواج القصر الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و 18 عاما، بصورة قانونية...

ورغم أن كل نوع من أنواع القلق الذي أصاب اللجنة يستحق الوقوف أمامه طويلا إلا أن القلق بخصوص قانون العقوبات الهنغاري هو ما يهمنا أمره في مبحثنا ومكونات هذا القلق تنحصر في:

1.   عدم اعتبار جرائم الجنس جرائم أخلاقية أو جرائم ضد الحشمة

2.   اعتبار هذه الجرائم انتهاكات لحقوق المرأة

3.   إعادة تعريف الاغتصاب من الاستناد إلى القوة إلى عدم الموافقة

4.   عدم إجازة زواج الفتاة في الأعمار من 16 ولغاية 18 سنة

وفيما يخص النقطة الأولى أجد  كما ألمحت في المقدمة أن موضوع الأخلاق وتعريفها وحدودها يختلف من ثقافة لأخرى ومن معتقد لآخر ولا يمكن الاستناد إلى فهم محدد لتسيده على باقي المفاهيم مهما كان مصدره لأن مجرد الإقرار بصحة هذا النهج يعني أن الدكتاتورية العالمية تريد فرض سطوتها الفكرية على كل الأفكار الأخرى ومصادرة حقها في قيادة شعوبها وإدارة هذه الشعوب وفق مبادئها الراسخة ولاسيما إذا ما كانت هذه المباديء صادرة عن شريعة سماوية لا يجوز قطعا الاجتهاد قبالة نصوصها الحدية لأن مجرد تسقيط ركن من أركانها أو التشكيك بصحته باعتباره مناف للشريعة الدولية يعني فيما يعنيه أن هناك نصوصا كثيرة أخرى قابلة للتسقيط، ويعني أن الشريعة الدولية أكثر مصداقية وملائمة للحياة البشرية المعاصرة من الرسالات السماوية.

نعم لهم اعتقاد خاص بموضوع الشرف فيه بعد كبير جدا عن فهم الإسلام والمسلمين فهم لا يتحرجون من خروج نسائهم عاريات ومعاشرة الأصدقاء معاشرة الأزواج وإباحة العلاقات حتى الشاذة منها ولذلك أصول تمتد إلى عمق تاريخهم الأخلاقي ونحن لا نعترض على ذلك فلهم دينهم ولي دين، ولكن هل باستطاعتنا المطالبة مثلا وقف الزواج المثلي المتفشي في مجتمعاتهم ومنع تأسيس الجمعيات اللواطية والسحاقية باعتبار أنها تستلب الروح الطبيعية للكائن البشري؟ وهل لهم قدرة وإمكانية منع الدول التي أصدرت قوانين تبيح هذه العلاقة التي تصل إلى الزواج والتي يعتبرونها من أسس الحرية الفردية؟

الجواب كلا بالتأكيد. إذا لماذا عدم التوازن في الموازين؟ ومن المسئول عن ذلك؟ وما هي الغاية منه؟ ولماذا تحترم إرادات الدول الكبرى والدول المتقدمة وعموم دولهم ولا تحترم إرادة الدول والشعوب والديانات الأخرى؟

إننا بالتأكيد ضد جرائم الجنس المعروفة بجرائم الشرف أو (غسل العار) لأنها مخالفة للشريعة وهناك في العقيدة الإسلامية مناهج خاصة للتأكد من صحة العمل ودوافعه وطريقة ارتكابه والمؤثرات الدافعة له وصلاحية إصدار الحكم بحق مرتكبه لكن أن يأتي كل شخص بقانون خاص مدعوم بعرف وضعي خاطيء ويطبق القانون بموجبه فذلك سلب لقيمة القانون الإسلامي وتفريغه من محتواه ألقيمي والأخلاقي.

أما النقطة الثانية التي يقولون أن الجرائم الجنسية تعتبر انتهاكا لحقوق المرأة فنحن معهم في هذا الجانب من حيث هو انتهاك للقانون الإسلامي أما تبرئة المرأة المخالفة والسماح لها بارتكاب الأعمال المنافية للشريعة فليس مباحا تحت أي تخريج أو دافع. وكما قلت سابقا مجرد قيام الأهل بتطبيق القانون فيه انتهاك لحقوق المرأة بالتأكيد ولكن قيام الشريعة بتطبيق مبادئها بحق خطايا المخالف أمر لا يمكن نسبته إلى الخطأ أبدا.

أما إعادة تعريف الاغتصاب  فلا يدل على أن الشريعة الإسلامية لا تملك تعريفا له فالإسلام وضع قواعد للتعامل مع المغتصب والقائم بالاغتصاب فيها كل العدالة والإنصاف ويمكنهم مراجعتها في مضانها للتزود بمعرفة إلهية لهذه الحقيقة، وهم في نقطتهم هذه أرادوا الالتفاف حول الحقيقة لأنهم يعلمون أن استخدام القوة في الاغتصاب يكون بسبب الممانعة أساسا أي لولا الممانعة لما استخدمت القوة، ولذا هم يريدون من وراء هذه النقطة اعتبار رغبة الزوج الملحة لمعاشرة الزوجة نوعا من الاغتصاب بل هوة اغتصاب حقيقي بنظرهم يجب أن يعاقب القانون عليه! بينما ترى الشريعة أن امتناع المرأة عن الاستجابة لطلب زوجها ولاسيما إذا تكرر قد يدفع الزوج للبحث عن مكان آخر لقضاء حاجته الملحة، وهنا يجب أن يكون الزوج مهيأ بالكامل لأداء دوره بما فيه رضا الزوجة عنه زوجا لها، وإذا ما وجد ما يحول دون ذلك من حقها أن تمتنع وتصر على الامتناع وإجباره لها يعتبر اغتصابا يجب أن يعاقبه القانون عليه.

الزواج المبكر له في كل المجتمعات قواعد وأسس  بعضها ينبع من عقائد الشعوب وتقاليدها ونمط حياتها ونوع العمل الذي يمتهنه وطبيعة الأجواء والمناخ وحتى النسبة الجندرية ، ولمفكري الغرب أكثر من رأي بشأن تعدد الزوجات في الوطن العربي والبلدان الأفريقية والآسيوية الحارة يذهب بعضها إلى أن طبيعة الأجواء الحارة تجعل الرجل دائم التهيج والبحث عن الجنس. كما وفي قوانينهم أن المرأة المتزوجة يجب أن لا تمارس الجنس مع رجل آخر تحت أي دافع ومخالفتها تعتبر جريمة يقف قانونهم بجانب الزوج المبتلى لكي ينصفه من فعل الزوجة الخائنة.

الإسلام لا يشترك معهم في مسألة انحراف المرأة المتزوجة فقط بل له رأي في كل مخالفات النساء والرجال سواء كانوا متزوجين أما لا، وهو يرى أن طبيعة الأجواء والطبيعة البشرية والحاجة لإشباع الرغبة الجنسية لدى الشاب والشابة قد تدفعهم للانحراف الجنسي، وهذه الحالة تكون في أشدها في مرحلتي المراهقة والشباب وقوانينهم العلمية تقول أن الفتاة تدخل سن المراهقة في الرابعة عشرة من عمرها أي تكون مهيأة وبحاجة للجنس في هذا العمر ومجرد كونها مهيأة وتعرف احتياجاتها يعني أنها تملك تفكيرا ناضجا يسمح لها بتكوين أسرة فلماذا لا اسمح لها بممارسة كل هذه الأمور في أجواء شرعية نظيفة بعيدة عن العبث والحيوانية؟

كما لا يمكن لهم أن نكران حجم  الكتلة الشبابية الغربية والأوربية التي تمارس الجنس في هذه الأعمار وحتى في أعمار تقل عنها نسب الولادات بين الطالبات اللواتي تقل أعمارهن عن الرابعة عشرة تزداد عندهم بشكل مرعب، فلماذا يرتضون هذا الأمر، ويمنعونه عمن يريد تطبيقة شرعيا  في الأعمار التي تفوق هذا العمر؟

وهناك بلدانا تحتاج إلى النمو البشري بسبب قلة العدد وخير وسيلة لإنتاج أجيال صحيحة وقوية هي التزويج بهذا العمر، وهناك في العقائد الدينية ومنها العقيدة الإسلامية ما يعتبر تأخير التزويج أو حيض الفتاة في بيت أبيها لمدة طويلة مسألة يعاقب عليها والمسلم ملزم بتطبيق شريعته كما هم ملزمون بتطبيق شرائعهم.

إن قرارات الأمم المتحدة ولجانها الإنسانية والتنظيمية فيها واقعا الكثير من الإجحاف بحق العقائد والشعوب، وهي تتهاون تحت ضغوط الدول الكبرى في تطبيق أغلب القرارات المهمة والحساسة مثل قرار نزع السلاح النووي في الشرق الأوسط وتطبيقه على جميع الدول حتى تلك الدول التي تملك مشروعا نوويا سلميا مثل المشروع النووي الإيراني وعدم تطبيقه على إسرائيل، أو قرارات تأسيس الدولة الفلسطينية التي تمتنع إسرائيل عن تطبيقها، أو قرارات وقف الاستيطان التي تخالفها إسرائيل علنا وبمساعدة ودعم الدول الكبرى التي تعتبر نفسها مسئولة عن تطبيق مشاريع حقوق الإنسان.

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1373 الاثلاثاء 13/04/2010)

 

في المثقف اليوم