قضايا وآراء

تعالوا نتعلم القراءة إجباريا

 تعلق العراقيين بالقراءة وبشكل فاق مثيلاته في كل دول الجوار نتيجة منطقية لهذا السبق والتفرد. ولذا كان العالم العربي عموما ومصر تحديدا يكتبون  وبيروت كانت تطبع والعراقيون كانوا يقرئون  حتى قيل ان سوق الكتاب في العراق من أنشط أسوق المنطقة وأكثر نشاطا حتى من سوق الأغذية والأطعمة والملابس، ومرة قابلت أحد الأصدقاء وسالته عن سبب عدم تبديله لحذائه الممزق فقال أنه ذهب إلى السوق لشراء حذاء جديد ولم يكن قد تبقى في جيبه من مرتبه إلا ما يكفي لشراء الحذاء فمر كعادته على إحدى مكتبات بيع الكتب ووجد رواية الجذور لأليكس هيلي مطروحة بين الكتب وثمنها يعادل ثمن الكتاب فقرر أن يشتري الرواية ويبقى منتعلا حذاء ممزقا إلى أن يستلم المرتب الجديد!

ثم بقدرة قادر وبفعل فاعل انقلبت الآية ليصبح العراقيون من أكثر الناس كرها للقراءة وابتعادا عنها ولاسيما خلال الأربعين سنة الماضية بعد أن وضع الجلادون عيونهم على الكتاب فأجازوا ما يلائم خطهم ومنعوا غيره وبعد أن أصبح امتلاك الكتاب جريمة يعاقب عليها القانون بالموت وبعد أن تحول غالبية الكتاب إلى جوقة تهريج تمتدح حتى سعال القائد الضرورة أو عطاسه ولا علاقة لها بالثقافة . ثم أنهم حملوا المثقف أحمالا ناء بثقلها ولم يعد قادرا على أن يحمل معها مجرد كتاب صغير وشغلوه بالهرب والتخبيء في بيوت الأقرباء والأصدقاء توقيا من حملات الجيش الشعبي  وحددوا مرتبه الشهري بما لا يزيد عن ثمن شراء رغيفين من الخبز فأضطر تحت دافع الفاقة للبحث عن عمل ثان وثالث لكي يسد مطالب عائلته فأنهك ولم يعد قادرا على القراءة.

صحيح أن الانكماش الثقافي كان أمر فاشيا في كل منطقتنا العربية بعد سلسلة الهزائم التي مني بها الفكر القومي والتحرري والوحدوي الذي انعكس على البحث الفكري  إلا أن الأسباب لم تكن واحدة فنحن إضافة لذلك كانت لنا ظروفنا وأسبابنا المنطقية ومع هذا سعى العرب أو القلة منهم لتعويض نقص القراءة بمشاريع فكرية حكومية ومجتمعية كانت محدودة التأثير والنتائج إلا أننا كعرب وكمسلمين كنا ولا زلنا ـ حتى بعد تبدل الأوضاع ـ نعاني من مسألة القراءة كثيرا أما في العراق فبقينا حتى بلا وجود مشاريع لتنمية الرغبة بالقراءة لدى المواطن الذي بات حتى إذا ما قرأ لا يدقق ولا يهتم ولا يكلف نفسه عناء الرد على ما قرأ أو مجرد إبداء الرأي فيه. ولذا تعطلت مشاريعنا الثقافية والفكرية وأصبح طلب العلم خرافة، والقراءة ترفا لا يتماشى مع واقع الحال والقلق النفسي والشد العصبي الذي يشكو منه المواطن باستمرار.

ومن خلال بحثي في مسألة تعامل شعوب المنطقة مع هذا التقصير وجدت إضافة لما سبق تقصيرا كبيرا في أداء وزارتي التربية،والتعليم العالي والبحث العلمي يأتي من كونهما لم تسهما في تعليم الطالب أسس القراءة الصحية أو زرع حب القراءة في نفسه وحتى إجباره على ذلك كواحد من متطلبات الحصول على الشهادة التي تحولت إلى سلعة قابلة للمساومة والمقايضة. كما وجدت أن (إسرائيل) بصفتها واحدة من دول منطقتنا سواء شئنا ذلك أم أبيناه اتخذت نهجا إجباريا لإجبار الطلبة على القراءة الخارجية فقامت بتنظيم ما يعرف بـ(قائمة القراءة الإجبارية للامتحانات) وهي قائمة تظم مجموعة من الكتب التي تتحدث عن الكيان الصهيوني وتضخيم مسألة (الهولوكوست) وتناقش تاريخ اليهود ومنجزاتهم العلمية في كافة الاختصاصات صار لزاما عليهم قراءتها واستيعابها والرد على ما يرد بشأنها من أسئلة. بل إن الكتاب أصبح من المواد المطلوبة حتى في دورات الإعداد للوفود والمعسكرات والنشاطات الأخرى ومنها نشاط متابعة مواقع ومعسكرات الاعتقال التي يزعمون أن المحرقة وقعت فيها حيث يتوجب على طالب الانضمام للوفد ـ وهي طبعا وفود على نفقة الحكومة وتنظم عادة للراغبين بالانتماء للجيش ـ أن يجتاز اختبارا في بعض الكتب التي تتحدث عن المحرقة مثل كتاب (بريمو ليفي).

المهم أن أكثر الدول الحريصة على مسألة بقائها وصمودها  أصبحت تدعو باستمرار لتطبيق مبدأ قائمة القراءة الإجبارية وتدعو لتغيير المناهج التعليمية والتدريسية بشكل دوري، لأن هناك أساليب أخرى لتعلم التاريخ والعلوم والآداب والثقافة والفكر غير تلك التي أوقفنا نشاطاتنا عندها منذ قرون.

أليس الأجدر بنا ونحن نسعى أو ندعي أننا نسعى للتطور أن ننظم قائمة للقراءة الإجبارية يكون لزاما على كل موظف يطالب بالترقية أن يجري اختبارا بها وكل طالب يبغي التخرج أن يمتحن بمفرداتها ومحتوياتها؟ وكل طالب وظيفة أن يمتحن فيها؟ أم أن ذلك  من طابور الصعوبات التي بات حلها مستحيلا؟

  

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1381 الاربعاء 21/04/2010)

 

 

في المثقف اليوم