قضايا وآراء

الإطار المزدوج لفن الرواية

1 – الخط الحكائي، والذي يستند على التعريب أو النسخ والتشابه. وكانت في جميع الحالات تعتني بسلامة اللغة، وبالإطار العام لشخصيات من خارج المشهد بمعنى أنها شخصيات ذهنية، ومهمتها مجرد توصيل رسالة من الكاتب إلى القارئ، وغالبا تعبر عن فحوى الأخلاق العامة، أو عن المضمون الأسطوري لأشخاص من ورق لهم بعد واحد ويقتصر وجودهم على ميدان اللاشعور (بالمفهوم الفرويدي المبسط). وفي معظم الحالات يكون حظ الأحداث وتطور الشخصيات إعجازيا، وليس له تبرير منطقي ويعاني من الفجوات والانقطاعات وجميع مشاكل الحضارة أو الطفولة العقلية.

2 – مرحلة الخط البلاغي، ويمكن أن تندرج ضمنه القصص الدينية بدءا من سيرة الرسول (ص) وحتى سيرة الخلفاء الراشدين. ثم القصص المستمدة من التاريخ العربي والإسلامي، ولا سيما الصفحات المشرقة . ومع أن الاهتمام بالوعظ والإرشاد كان واضحا، ضمنا الاعتناء بالمهمة التربوية لرفع المعنويات أمام الحاضر المنكوب والخاسر وأمام القحط الوجداني والاجتماعي، لم يتخل هؤلاء الكتاب عن نقطتين لا بد منهما.

الأولى – الارتفاع باللغة والصور والصياغة بحيث تكون قريبة من مستوى الرسالة المحمدية والنص القرآني.

و الثانية – الترفع عن الواقع وربما الانسحاب منه والاعتصام خلف متاريس حصينة، وتدخل في باب البداهات لسيستام منصرم لا يهمه الحاضر ولا يستطيع أصلا أن يتعامل مع مصادر تنويره أو تحفيزه، بقدر ما يرتاح لصوت الماضي. وأعتقد أن هذه هي المحنة الأساسية التي يعاني منها : اللجوء لأضعف دعامة في النشاط الروحي للأمة وللمبدأ الثالث الذي قامت عليه الثورة الإسلامية وبالتحديد مبدأ التغيير بالصمت.

و هو نفس المعيار الذي كان بارت يطلق عليه اسم (النية).

لقد تحولت القصة التاريخية خلال عقد من الزمن (بعد نهايات الحرب العالمية الأولى وحتى التمهيد للحرب الثانية) إلى أوسع قوة صامتة في المنطقة، وهكذا مهدت الأرض لجيل آخر سوف يأتي. وستنحصر مهمته في تكرير عناصر الخيال المهزوم والخيال الشعبي، ثم دمج الخبرات النفسية لأفراد سنحت لهم فرصة التعلم (المثاقفة بلغة إدوارد سعيد) مع بقايا الذاكرة الدينية البصمية وفلول التوجه الرومنسي التاريخي. وذلك في إطار واحد يؤدي عدة مهام في مقدمتها التشويق والإخبار أو السرد والتعليق وبلغة النقد المعاصر كان الإطار مزدوجا ويتألف من النص والميتانص، ومن هذه النقطة بدأ الرائد التنويري جرجي زيدان مؤلف سلسلة روايات التاريخ الإسلامي.

 

2010

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1389 الخميس 29/04/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم