قضايا وآراء

ترسيخ التسامح يضمن التعايش السلمي في العراق

 وفي المناطق والمواقع التي تتمتع بالمستوى المقبول من العقلانية في الفكر والعمل وفيها من يكدح من اجل الرفاه والسعادة للبشرية.

من المعلوم ان هذا المفهوم الحديث والحيوي جميل يمضمونه وعفيف من يمتلكه سوى كان فردا او مجتمعا، ومن يحمله يجب ان يكون ساميا متواضعا عاقلا خاليا من الصفات البغيضة التي تبعده عن الحياة الانسانية.

تاريخ العديد من المجتمعات مليء بالحوادث التي تركت اثارا سلبية على حياة الافراد وتناقلتها الاجيال ولم يحصد المجتمع منها الا البغض والكراهية وانتشار عقلية الثار والانتقام وفرض الراي والتوجه والموقف الواحد على الجميع. بعض الافكار والعقائد التي سادت والطرق والوسائل التي اتبعت لنشرها اجبرت الشعوب على التمسك بالصفات السلبية المضرة الصادرة منها، وهذا ما يتطلب التعمق في العمل لازالتها .

منذ نشوء الخليقة وتتسم الحياة وخاصة بعد التطور الذي حدث في شؤون الانسان بصفتين متضادتين جراء التعامل مع المحيط ووفق الحاجات والضرورات وامتلاك الانسان لغريزة التملك وكيفية الحصول على ما يريد وما يفكر في ضمان المصالح البسيطة بداية ومن ثم الكبرى له، ومن هنا تبدا التعقيدات في سير المعيشة البشرية من كافة الجوانب، وبانت الى السطح بعد مرور الحقبات الزمنية العديد من الامورالتي تهم وتتعلق بالانسان وازدادت احتياجاته، وكانت هناك من الصفات التي لم تكن موجودة او مضمرة وطفت الى السطح وابرزتها الدوافع والعوامل التي تجمعت لخلقها، ومنها خلقت الظواهر المتعددة التي تكونت جراء الاحتكاكات بين المكونات التي اختلفت بمرور الزمن ومن ثم جاءت المستجدات ومتطلباتها والتغييرات الطبيعية في كافة النواحي التي تمس الانسان وما تفرضها، فانتشرت المفاهيم والمصطلحات المعاكسة لبعضها منها الصالح والطالح والسلبي والايجابي الخير والشر وغيرها، وهذه اثرت بدورها على الفلسفات بعد انتهاء فترة الاساطير والخرافات ودخلت في ثناياها الصفات والمفاهيم المضرة. 

لذا الكراهية والاعتداء على الاخر والغزو والاحتلال وما شاكل ذلك من ما ورائها من المصالح والغنائم لم تات اعتباطا ومن العدم، بل الضرورات الحياتية هي التي فرضت سيطرة البعض على الاخر او على المجموع، وهذا لم يكن سهلا من دون ان يستخدم المتمادي الوسائل والحيل والخدع والتضليل منذ البداية. وعليه لم تكن البداية في ارضية تنعدم فيها المستلزمات التي من الممكن ان نسميها الخيٌرة، والدافعة لنشوء الصفات الحميدة، وان كانت المعيشة بسيطة الا انها كانت على اساس الصراع من اجل المعيشة والبقاء للاقوى كما هو حال الغاب، فلم يكن هناك مجال للمسامحة والحياة اساسا وكانت الحياة بحد ذاتها تتوقف على المعاداة. وما زاد الامر تعقيدا هو ظهور الافكار اليدائية السادية والخرافات وما اعتبر اديانا ومذاهب ومحاولة فرضه والاعتقادات التي تكتنفها بكافة الوسائل، فليس امام من يعيش في هذه الاجواء من العقلية والتفكير وما يحمل من الصفات الا ان يلتزم بالموجود ولا وجود لفرص المسامحة للمخالف والمقابل، لا بل استخدام اعنف الاسلحة واقذر المواصفات والخشونة بدات من محاولة السيطرة على الاخر واحتلاله عقليا وموقعا، فلم يبق ما يشجع على المسامحة طيلة تلك الحقبات التي حاولت الافكار مسح ماموجود وتطبيق ما لدى المسيطر ومن اتجاه واحد . اي منبع العنف واللاتسامح هو الجهل والتخلف والعقائد البالية المسيطرة منذ الازل واصبح بمرور التاريخ تراثا ثابتا لا يمكن تجاوزه بسهولة والتوجه نحو العقلانية  في الفكر والتطبيق.

التاريخ مليء بمن خلف تاثيراته على مسار الانسانية بشكل ايجابي وعمل عكس التيار ولكن من رسخ الصفات اللاانسانية اكثر، وعند  ترسيخ الافكار السيئة في فترات وحقبات يصعب فنائها في ليلة وضحاها ويحتاج الى جهد وعقل وروح نظيفة ونفسيات طاهرة وافكار ونظريات مسالمة انسانية المنبع والهدف، من اجل عبور مراحل العصور الغابرة التي نعيشها اليوم، ومن هنا تبدا بناء ارضية الانتقال الى التعايش السلمي والسلام والامن والتعاون والتسامح.

عند التمعن في جوهر مفهوم التسامح ومدى ضرورته وقدسيته اكثر من اي شيء اخر يمكننا ان نجد الوسائل والاليات الواجبة توفرها من اجل ترسيخه وتثبيته في العقلية الانسانية وتعامل الانسان مع اخيه مهما كان لونه ودينه وعقيدته وفكره ونظرته الى الحياة في اية منطقة كان.

 كلما تقدم الانسان وتوفرت الضروريات والحاجات الملحة لديه كان الاقرب الى السلام والسماح، كلما سيطر العقل على العاطفة والتراث وترسبات التاريخ والعادات والتقاليد البالية كلما كان الانسان متسامحا ومتواضعا وعالما بدقائق الخلق واستند على العلمية في مسيرته اليومية.

 لو القينا نظرة عابرة على تاريخ العراق القديم والحديث بدقة وما تخللته من الامور التي لها الصلة المباشرة بترسيخ الصفات الانسانية الحميدة والخبيثة وقسنا مقداريهما، نلقى العديد من المحطات والمراحل التي احدثت شروخا في العقلية الانسانية سوى ما وجدت من الافكار والعقائد والاديان والمذاهب والوسائل المعتمدة في نشرها او الاعتماد على الغريزة اكثر من اي شيء اخر، وفي المقابل نرى من اعتكف واعزل نفسه وابتعد عن متطلبات حياته الخاصة وتنزه وقدم من العلوم وبنى الحضارات ونشات على ايديه التطورات والمتغيرات التي تقرب الانسان من التعايش السلمي والتسامح والنظر الى الامام وعمل كل ما في خير الانسان وخدمته.

 اليوم ونحن نعيش في مرحلة مختلفة جدا والتاريخ الحديث احدثَ ما لا يمكن اصلاحه بسهولة، لذلك يحتاج الواقع العراقي الى العلم والمعرفة والوسائل السلمية والمراكز العلمية الانسانية اكثر، من اجل ازالة الصفات التي غرستها الحقبات الماضية وما وصلتنا من الصفات البذيئة، وعمقتها الدكتاتورية والحكم الماكيافيلي والحروب التي اشعلتها والافرازات السلبية التي لها تداعياتها الخطرة على فكر وعقلية الفرد العراقي ويحتاج هذا الى جهد وزمن لتغيير ما تغيرت من ضفاته الاخلاقية وسماته وما عمٌق من جهله، وتعويضه بالمفاهيم الانسانية التقدمية، وهذا ما يحتاج الى اليات وبرامج وخطط ووسائل وامكانيات ومراكز ومنظمات مدنية مع عقليات تقدمية  التي يجب ان تدير الحياة السياسية الاقتصادية والثقافية للبلد.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1389 الخميس 29/04/2010)

 

في المثقف اليوم