قضايا وآراء

فلاسفة عصر التنوير في اوربا ـ عما نؤيل كنت (2)

يحاول تفسير المفاهيم العقلية على اساس التجربة كما كانت تقول الفلسفة الانكليزية فأنه شرع في تفسير التجربة على اساس المفاهيم العقلية حيث كان يقيم توازنا بين الموقف المتطرف للتجريبية الانكليزية من جهة وبين المباديء النظرية التي قال بها المذهب العقلي الديكارتي من جهة اخرى .

 

  يقول كنت في كتابه (نقد العقل الخالص)... ان التجربة ليست الميدان الوحيد التي تحدد فهمنا لذلك فهي لا تقدم لنا حقائق عامه بل تثير عقلنا بدلا من ان تقنعه وترضيه . فالمعرفة التي تقدمها الرياضيات مثلا مؤكده حتى قبل التجربة . وعقل الانسان ليس لوحا جامدا من الشمع تكتب عليه الاحاسيس, انه عضو نشيط يسبك الاحاسيس ويحولها الى افكار ويحول ضروب التجارب الكثيرة غير المنظمة الى وحده من الفكر المنظم والمرتب .

 

  في كتابه عن فن التدريس الذي وضعه بعد فترة من عمله في الجامعة خرج كنت باستنتاج بأن على المدرس ان يوجه قسطا وافرا من عنايته واهتماماته الى التلاميذ من ذوي المقدرة المتوسطة اذ لاجدوى من مساعدة الاغبياء من التلاميذ والعناية بهم . اما العباقرة والنوابغ منهم فلا يحتاجون الى مساعدة غيرهم .

 

 يقول كنت ان هناك مرحلتان في عملية تحويل مادة الاحساس الخام الى انتاج الفكر التام .

  المرحلة الاولى هي تنسيق الاحاسيس الآتية من الخارج واضفاء قالب الادراك الحسي وتطبيقه عليها والثانية هي تنسيق المدركات الحسية المتطورة حتى تخرج منها مدركات عقلية . فالاحاسيس ليست سوى وعي للدافع او الحافز وهذه الاثار الحسية هي المادة التي تبدأ بها التجربة وهذا يؤدي الى ادراك ذلك الشيء وبهذا تتحول الاحاسيس الى مدركات اي تتحول الى معرفة .

 

  ان التناقض هو المعضلة التي لا حل لها والناجمة عن محاولة العلم تخطي التجربة فمثلا عندما يحاول العقل ان يقرر فيما اذا كان العالم محدودا ام لا نهائي وقع في تناقض . فنحن مسوقون الى التصور بأن وراء كل حد من الحدود شيئا ابعد منه وهكذا الى ما نهايه ومع ذلك فأن اللانهاية في حد ذاتها امر لا يمكن ادراكه . اننا لانستطيع ان نتصور الازلية التي ليس لها نقطة ابتداء ولكننا لا نستطيع في الوقت نفسه ان نتصور اية لحظه في الماضي نسميها بدء الزمن اذ لا يسعنا الا ان نتصور بأنه قد كان قبل تلك اللحظة الاولى شيء .

 

  ثم لو تسائل العقل هل للعالم عله اولى نشأ عنها اجاب العقل بالايجاب والنفي معا . فالايجاب لانه لا يستطيع ان يتصور سلسلة لا نهاية لها وبالنفي لانه لا يمكن ان يتصور عله اولى لا عله لها .  

 

  وكذلك يقع اللاهوت في المغالطة والاشكال لانه يبرهن بالعقل النظري على امور غير محسوسة فاساليب العقل النظري يمكن استخدامها لدراسة التجربة الحسية ولا يمكن تطبيق المدركات العقلية على عالم الظن والحدس . وهكذا لايمكن البرهان على صحة الميتافيزيقيا بالعقل النظري .

 

  ويقول في كتابه عن الدين ان قيمة الكنائس والمعتقدات تكون بمقدار ما تعاون الجنس البشري على التطور والرقي الاخلاقي اما اذا تحول الدين الى مجموعة من المراسيم والطقوس الشكلية واعتبرها الناس المقياس الذي تقاس به الفضيلة وفضلوها على الناحية الاخلاقية فأن ذلك له اثر سلبي على الدين .

 

  في عام 1784 نشر كنت شرحا موجزا لنظريته السياسية تحت عنوان (المبدأ الطبيعي للنظام السياسي ) وقد اعترف في هذا البحث باهمية النزاع بين الفرد والمجتمع وقال انه لا بد من مزيج بين النزعة الفردية والمنافسة لتساعد في بقاء البشر وتطورهم ويقول انه لا بد ان نشكر الطبيعة على ما وهبتنا من نزعة فردية والمنافسة لتساعد في بقاء البشر وتطورهم ادت الى اذكاء روح الغيرة والحسد والزهو والطموح فالطبيعة تريد التنافر والنزاع والخصام الذي يجبر الانسان على حفز قواه والتطور بمواهبه وامكانياته تطورا متواصلا .

 

  وتعتبر مقالة كنت حول (السلام الدائم) ذات اهمية كبيرة في تاريخ الفكر السياسي العالمي . فقد دعا الى اقامة السلام الدائم في العالم وبين الشعوب وذلك بتسريح الجيوش القائمة والغائها لانها تستنفذ طاقات الشعوب الاقتصادية باستخدامها بقتل الناس لبعضها البعض ويقول ان الجيوش تثير المنافسة بين الدول وتدفعها الى زيادة عدد جنودها الذي لا يقف عند حد وتستخدم في العدوان على الدول الاخرى او احتلالها وهو في كل الاحوال يرهق المعتدي والمعتدى عليه بالنفقات الباهضة وبالكلفة العالية بارواح الناس وزيادة ماسيهم . 

 

أ .د عبد الجبار منديل / اكاديمي عراقي

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1390 الجمعة 30/04/2010)

 

 

في المثقف اليوم