قضايا وآراء

المرأة والرجلة

والجمال نعمة عظيمة أعطي للمرأة فأعطته هي بدورها للرجل؛ فهو يرتشف أفاويقه وينهل رحيقه. وان الحياة لا تكون إلا بانسجام جلال الرجل وجمال المرأة.

ومهما نطقت الشعوب بقيم ومبادئ في تقييم المرأة، فالكل يقيم الجمال ويعطيه الأولوية، وان اختلفوا في ماهيته ونوعيته؛ فالشعر العربي يمحض الغزل لمرأة ذات مواصفات جمال متفرد ومنه: (حوراءُ في وَطَفٍ/ قنواءُ في ذَلَفٍ/ لَفَّاء في هَيَفٍ/ عجزاءُ في قَبَبِ). وهي الصفات نفسها التي كتبها كسرى في ديوانه لاختيار الجواري: بيضاء، قمراء، وطفاء، كحلاء، دعجاء، حوراء، عيناء، قنواء، شماء، برجاء، زجاء... وهي عينها الأساسات التي يقوم عليها اختيار ملكات جمال العالم مع إضافة وشطب وتعديل.

على أن النظرة إلى جمال المرأة تختلف رؤية وفلسفة، وان كانت الغاية واحدة هي قبول الآخر قبولا صميمياً يحقق الانسجام بين الطبيعتين المتناقضتين: رقة المرأة وخشونة الرجل. فقد ذهب ابن حزم الأندلسي إلى أن المرأة الجميلة هي الشقراء، وغيرها لا يصدق عليها اسم جميلة، وقد أبدى امتعاضه من امرأة ذات شعر أسود! بينما ذهب أفلاطون إلى أن المرأة كل مرأة تكون جميلة حتى عمر (18) سنة، بعدها ينحرف الجمال أو يبقى، ورأى الإمام علي (ع) أن المرأة كل مرأة جميلة ما دامت أنثى، وهكذا قيم الجمال من الداخل ورفع الفوارق بين السوداء والسمراء والبيضاء والشقراء.

ولكن الرجال يفضلون (المرأة الشقراء) كما أكد ذلك فيلم أميركي في منتصف القرن الماضي اسمه (إنهم يفضونها شقراء)، فقد اكتسح الفيلم أوربا كلها، وكانت عائداته تفوق الخرافية!! مما أشار إلى أن الرجل يفضل المرأة كلما زاد حسنها وقلّ فهمها؛ فكلمة (شقراء) في أميركا تعني (شقراء غبية) وهو مكمّل لحسنها. وهذا أفرزه بوضوح فيلم انجليزي أراده مخرجه على غرار الفيلم الأميركي وبعنوان (إنهم يفضلونها بيضاء)، فقد فوجئ المخرج بفشل الفيلم فشلا ذريعاً فبالكاد غطى شباك التذاكر تكاليفه، لان كلمة (بيضاء) لا تعني أوج الجمال، كما أنها لا تدل على الغباء. وزاد السوء سوءاً أحد المخرجين المصريين فأدلى بدلوه فإذا به يدليه في بئر يابسة، حين أخرج فيلماَ على غرار الفيلمين السابقين، دون وعي لخطأ زميله الثاني، بعنوان (إنهم يفضلونها سمراء)، فقد ذكرت المصادر والمراجع أن المخرج باع بيته ليسد نفقات الفيلم، مما حدا بجريدة الأهرام أن تعلن في غرة اليوم التالي (إنهم يفضلونها شقراء..وكفى).

وقد بذلت دول جهوداً كبيرة لمعالجة هذه (القضية – المشكلة) لمساوئها على المجتمع، ففي احد الدول الغربية قامت الحكومة بمنح مكافآت مجزية لحاملي الشهادات العليا إذا تزوجوا من زميلاتهم، لعزوفهم الواضح، وهم من حملة الشهادات، عن الزواج من مثيلاتهم في المستوى العلمي، وميلهم إلى الزواج من فتيات ذوات مؤهلات أخرى. وفي الكويت قدمت الحكومة مغريات متنوعة للكويتيين ليتزوجوا بكويتيات، لميلهم العنيف إلى النساء الغربيات اللواتي لا يقاس بجمالهن الكويتيات بأي حال من الأحوال.

على أن الجمال بنوعيه: الظاهري اللافت للنظر، والباطني المقر بالعقل والوجدان، معرّض للتلف والزوال؛ فالمرأة لا تستطيع أن تبقى امرأة وهي حقيقة مرة لابد من تقبلها، وان الكثيرات يفقدن بريق الجمال والأنوثة بأزمان متفاوتة في السرعة والتبكير. وتجهد أخريات، بما أتيح لهنَّ من وسائل مادية ومعنوية، في الحفاظ على جمالهن أو ذكراه الطيبة، لما يدركن من أهمية ذلك في بقاء الانسجام العائلي. 

ولكن الغالبية لا يدركن خطورة أن تتحول المرأة بالتدريج الى (رجل!!)، فيصبح سيدان في البيت الزوجي ولا امرأة واحدة، فينقطع الانسجام ويتهدد الاستمرار وتهرب السعادة مذعورة بلا رجعة، وتلك محنة حقيقية تهدد غالبية الرجال في سن معينة، لأنهم سيعيشون مع (امرأة رجلة)، بلا انسجام حقيقي بل بتصنع تعلقاً بحبال العيال، أو لعدم الحيلة، أو خوف العواقب، إلا أنهم في النهاية يعلنون تمردهم، وهو ما يجعل المقاهي تغص بهم، أو المحاكم، أو غرف زوجية أخرى. وقد سأل القاضي قديماً أحدهم: " لماذا تطلق زوجتك بعد صحبة خمسين سنة عاشتها معك بإخلاص؟"، فأجاب:" ذنبها الوحيد أنها معي منذ خمسين سنة!!". وقد سألتُ أحدهم السؤال ذاته حين همّ بالزواج الثاني فقال:" يا أخي كانت في عيني امرأة واليوم أراها مثل أخي الكبير!".

ولم تفت هذه المسألة شيخنا الجليل المحقق المدقق الجاحظ، فهو يرى أن على المرأة أن تغيِّر اسمها الدال على الجمال والصبا عندما تكبر، فليس من الإنصاف أن تسمى امرأة عجوز بـ(سوسن) أو (ابتسام) أو (مها).

اذاَ على المرأة البقاء في حيزها النسائي والحفاظ عليه، وعدم السماح لنفسها بالتحول إلى منطقة الرجولة، ليدوم الانسجام مع الرجل الذي يريد المرأة مرأة مهما ابتعد الزمن ونأى عن الشباب، وتلك طبيعة الرجال. لها أن تحقق ذلك لا بخدع المساحيق والشفط والشد، بل بالفعل النسائي المتمثل بالرقة واللطف، والانقياد والطاعة، وصدق الود والاخلاص للرجل، وهو عكس الفعل الرجالي الذي تتحول اليه غالبية النساء المتمثل بالقوة وحب التسلط والخشونة.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1390 الجمعة 30/04/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم