قضايا وآراء

خارج نطاق الإيديولوجيا

 فربما كانت هناك مشتركاتٌ كثيرةٌ بينهما تمهِّد للوقوف على أرضيةٍ مشتركةٍ، وليس من الضروريِّ أن يكون الإتفاق على بعض النقاط والمشتركات عامّاً وشاملاً لكلِّ التفاصيل والجزئيات التي يتألَّف منها مشروع كلٍّ منهما.

من الطبيعيِّ أن لا يكون بحثنا هذا منفتحاً على الحوار مع أصحاب التوجُّهات الليبرالية المتطرِّفة التي لا بدَّ أن تفضي في النهاية إلى ما يتناقض كلياً مع المنظومة الأخلاقية والدينية، ليس للشعب العراقيِّ فقط؛ بل لكلِّ شعوب المنطقة على وجه التعميم، بل ربما صادف البرنامج السياسيُّ والإجتماعيُّ والأخلاقيُّ لليبراليين المعارضة حتى في عمق البلدان الغربية ذاتها، مع أنَّ تلك البلدان قد عاشت مخاضاتٍ تأريخيةً عديدةً لا تخفى على السادة القراء مما يهيِّء الأجواء المناسبة لأن تمارس تلك الأطروحات الليبرالية الشاذَّة فعلها وتأثيرها في ذلك المجال.

 ومن الطبيعيّ كذلك أن يتمَّ تجاهل الحوار مع المجموعات الدينية المتطرِّفة نحو الإرهاب، فليس من المعقول أن يتمَّ النظر إلى تلك المجموعات الإرهابية على أنها تمثل مشروعاً سياسياً أو اجتماعياً دينياً، بل إنَّ الأمر لا يعدو كونه مشروعاً إرهابياً يستهدف القضاء على الدين والحضارة في وقتٍ واحدٍ، كما إنَّ الإرهاب إن استند إلى بعض المقولات الدينية وبرَّر بها ما يقوم به من الجرائم الفظيعة التي لم يوجد لها مثيلٌ في تأريخ العالم، فإنَّ هذا لا يعني أنَّ الإرهاب لا يستند إلا إلى المقولات الدينية والعقيدية، لوضوح أنَّ عدداً كبيراً من المشاريع الإرهابية التي تمارس القتل والجريمة على المستوى الدوليِّ طيلة القرنين الماضيين كانت تستند إلى المقولات العلمانية المناهضة كلياً أو جزئياً للرؤية الدينية العامَّة التي تنتصر إلى الفكرة القائلة بضرورة النظر إلى السياسة على أنها جزءٌ لا يتجزَّأ من البنية الدينية ذاتها.

لا شكَّ أنَّ النظر إلى الأمور يجب أن يكون من الزاوية التي تتيحها إمكانات الواقع بالنسبة إلى الطرفين، فإذا كان للعلمانيين وجهات نظرٍ أخرى لا تتطابق كلياً مع الإسلاميين، وإذا كان للإسلامين وجهات نظرهم الخاصَّة أيضاً التي تتقاطع مع العلمانيين، فإنَّ النظر إلى حلِّ هذه الإشكالية يجب أن يستند إلى ما يزخر به الواقع العراقيُّ من الممكنات التي تتيح للطرفين العمل على هذا الأساس، ومن هذا المنطلق، فإنَّ نظرةً إلى المجتمع العراقيِّ تفتح أذهاننا على الحقائق الآتية:

أوَّلاً: إنَّ الديانة الإسلامية هي الديانة السائدة في العراق، وليس هذا فقط، بل إنَّ الشعب العراقيَّ يكتنز شعوراً دينياً كبيراً، وإحساساً مركَّزاً بقيمة الشريعة الإسلامية وضرورة أن تكون لها الكلمة الفصل في شؤون حياتهم، بل إنَّ المنحرفين والمتكاسلين عن إقامة الشعائر الدينية لا يتجرَّدون مطلقاً عن هذا الشعور، ويبدو هذا بشكلٍ واضحٍ عندما ترى أنَّ هؤلاء يبدون حماسةً منقطة النظير للدفاع عن مختلف الشؤون ذات الصلة بالدين، ومع أنهم يرتكبون تناقضاً صارخاً في مطالبة أبنائهم وعائلاتهم بأن يلتزموا بالتعاليم الدينية، في حين لا يلتزمون هم بمقتضى هذه التعاليم، فإنَّ هذا يكشف عن دلالةٍ واضحةٍ أخرى، وهو أنَّ الدين متغلغلٌ في سيكلوجية الإنسان العراقيِّ ومتمفصلٌ مع مختلف البنيات الإجتماعية والسيكلوجية والسياسية، وتعتبر هذه النقطة بالذات واحدةً من أهمِّ الأمور التي يجب الإحتفاظ بها في ذاكرة البحث، ونحن نحاول أن نطرح فكرتنا الأساسية بتطوُّرٍ طبيعيٍّ سينكشف خلال عملية البحث.

ثانياً:  إنَّ العراق عانى من العلمانية تجربةً دكتاتوريةً أليمةً، خاصةً في زمن صدام حسين، وعلى هذا الأساس فإنَّ العلمانية في العراق لا تستطيع أن تدَّعي أنها مبرَّأةٌ من الدم العراقيّ، أو أنها لم تقدِّم تجربةً سياسيةً سيئةً سوف يظلُّ الشعب العراقيُّ يتذكَّرها إلى زمنٍ طويلٍ، بل إنَّ العراق ما كان له أن يكون محتلاً ومعرَّضاً لكلِّ هذا الويل والثبور بعد ذلك إلا على أثر تجربة حكمٍ علمانيةٍ استوعبت القرن العشرين كلَّه.

ثالثاً: إنَّ بعض العلمانيين لا يعترضون على القيمة العالية للدين، وهم يبدون احتراماً للعقائد الدينية وللشريعة الإسلامية على وجه الخصوص، إذ إنَّ الأحزاب ومدارس العلمانية لا يمكن اختزالها إلى اتجاهٍ واحدٍ، فهناك علمانياتٌ لا علمانيةٌ واحدةٌ لو شئنا التحقيق، وإن كنا نعتقد أنَّ البنية التحتية لكلِّ هذه العلمانيات واحدةٌ أو أنها متشابهةٌ على أقلِّ تقدير.

رابعاً: إنَّ الإسلام السياسيَّ اليوم يتحلّى بجملةٍ من الصفات التي جعلته قادراً على التعايش مع مختلف الإيديولوجيات والأطروحات السياسية والفكرية في العالم، فليس من الصحيح الحكم على التنظير الفلسفيِّ والسياسيِّ والإجتماعيِّ الموجود حالياً بذات الطريقة التي كان ينظر بها إلى التنظيرات السابقة، فلقد عاش الإسلام تجربته السياسية الناجحة في مختلف البلدان، - إيران، تركيا الحالية، تجربة حزب الله في لبنان، تجربة التيار الصدريّ في العراق، تجربة حزب الدعوة في العراق أيضاً، تجربة المجلس الأعلى -وإن كنت أحتفظ لنفسي بحقّ الإعتراض على بعض تفاصيل هاتين التجربتين الأخيرتين- في العراق كذلك، كما إنَّ هناك تجارب للإسلام السياسيِّ نُفِّذت في مختلف البلدان الإسلامية خلال القرن المنصرم والقرن الحاليّ، فبالإمكان النظر إلى هذه التجارب بوصفها تمثل قفزةً غير عاديةٍ في مجال دخول الإسلام إلى الحياة الإجتماعية والسياسية في هذه البلدان من بوابة التعايش السلميِّ الناجح مع مختلف المناهج السياسية السائدة في العالم وفي هذه البلدان الإسلامية ذاتها اليوم.

خامساً: إنَّ الكثير من الشرائح الإجتماعية التي تؤيِّد بعض اتجاهات العلمانية في البلدان الإسلامية لا تقصد من وراء تأييدها أن تنفي المركزية الكبيرة للدين الإسلاميِّ في السياسة والحياة، وربما كانت هذه مفارقةً كبيرةً يكشف عنها الإنتقال المتردِّد عند هذه الشرائح بين تأييد الأحزاب العلمانية مرَّةً وتأييد الأحزاب الدينية مرَّةً أخرى، وعلى هذا الأساس، فإنني أرجِّح أنَّ تأييد هذا القطاع من المجتمع للعلمانية ليس المقصود منه إلا طرح الثقة بنوعٍ خاصٍّ من العلمانية، وهي العلمانية التي تتَّجه نحو تحديث مؤسسات الدولة وبنائها بطريقةٍ لا تمنح العديد من الشخصيات الإنتهازية فرصة استثمار الدين في هذا السياق، وهم حذرون جداً من أن يؤدي تأييدهم للأحزاب العلمانية إلى قضية نفي الدين من الحياة الإجتماعية من الأساس.

طبعاً، لو أننا اخترنا المقاربة الحفرية التفكيكية للعلمانية وتتبعنا الجذور الفلسفية لها لاكتشفنا حقائق غائبةً عن أذهان الناس البسطاء، إذ إنَّ العلمانية لا تعني فصل الدين عن السياسة فقط، بل إنَّ الحقيقة التي يستبطنها التفكير الفلسفيُّ للعلمانية حتى بالنسبة إلى تلك العلمانيات التي تتهاون قليلاً مع الدين فتمنحه مساحةً من الحياة الإجتماعية في الظاهر هي أنَّ العلمانية قد تؤجِّل مسألة الصراع الحاسم مع الدين إلى فتراتٍ لاحقةٍ، فتبدي نوعاً من المرونة في التعاطي مع الشأن الدينيّ، ريثما تتوفَّر الشروط الموضوعية لتصعيد الصراع مع الإسلام في هذا المجال.

إلا أننا مع ذلك، سوف نتغاضى عن هذه المسألة، ونختار نوعاً من المقاربة منفتحاً على إيجاد السبيل المناسب إلى توحيد الجهود والرؤى في المجال السياسيِّ العراقيّ، كي تكون هذه الرؤية باباً من أبواب العمل السياسيّ المنتج للخروج من عددٍ كبيرٍ من الأزمات التي تجذَّرت في الواقع السياسيّ العراقيّ، نتيجة تشعُّب التصوُّرات السياسية التي تتأرجح بين الإنحياز إلى التجربة العلمانية والتجربة الدينية في تقرير قضية الحكم في العراق.

وسوف تتَّضح المعالم الرئيسية لهذه الرؤية الخاصَّة بنا في الخطوات اللاحقة من هذا البحث إن شاء الله.

سادساً: إنَّ الرؤية السياسية التي صيغ على أساسها الدستور العراقيُّ هي رؤيةٌ علمانيةٌ طبعاً؛ ومع ذلك، فإنَّ الواقع السياسيَّ الحاليَّ يشير إلى أنَّ موادَّ الدستور وإن كانت ذات إطارٍ علمانيّ، إلا أنَّ الثقل الإجتماعيَّ الدينيَّ بعد أن اتخذ له الصيغة السياسية استطاع أن يصبغ العديد من هذه الموادِّ بالصبغة الدينية، وهذا شيءٌ طبيعيّ، لأنَّ البرلمان العراقيَّ مكوَّنٌ من أغلبيةٍ سياسيةٍ دينيةٍ سواءٌ كانت سنيةً أم شيعيةً، وبعد أن كانت أغلب الأجهزة التنفيذية يشرف عليها وزراء وموظفون من الأحزاب والكتل السياسية الدينية ذاتها، فتكون النتيجة هو أنَّ الدستور العلمانيَّ شُُحِنت الموادُّ الكثيرة من فقراته بالمضامين والرؤى السياسية التي تعبِّر عن توجُّهات الإسلام السياسيّ، وهذا شيءٌ في غاية الأهمية في مجال وجوب إعادة المراجعة بالنسبة إلى العلمانيين في خصوص تجديد رؤيتهم السياسية لو شاؤوا لأنفسهم استمرار الوجود في الحياة السياسية داخل العراق.

لقد بلورنا الأفكار السابقة في هذه النقاط، كي نتمكَّن من بلورة المشهد السياسيّ في العراق تبعاً لذلك، أي أننا يجب أن نستحضر النقاط السابقة في الفكرة الأساسية التي نريد أن نطرحها في هذا السياق.

إنَّ العراق أيها السادة بلدٌ دينيٌّ مئة بالمئة، لكن برؤيةٍ منفتحةٍ على بعض المضامين التي تذكر في سياق الحديث عن محاسن العلمانية، بمعنى أنَّ هناك رغبةً واضحةً في أن تكون للدين الإسلاميِّ الحاكمية المطلقة على الرؤية الشمولية العامَّة للحياة، على أن تكون الكثير من تفاصيل الحكم نابعةً من ضرورات التعامل مع الواقع على أساس المبادرة الإنسانية التي لا تهمل تماماً الإطار الدينيَّ والأخلاقيَّ العامّ، ويتجلى ذلك بالطبع في الشؤون الخاصَّة بإدارة مؤسسات الدولة على أسسٍ تكنوقراطيةٍ لا تتأثر بالإنتماءات الدينية، والإنفتاح على الآخر المختلف المشارك في الوطن على أسسٍ تعاقديةٍ ليست بالضرورة منسجمةً تماماً مع الأصول المعتمدة في فقه الأقليات، وفي إدارة الشأن العسكريّ، والشأن الإقتصاديّ،  والسياسة الخارجية للدولة إلخ، أي أنَّ الجانب الدنيويَّ يكون محكوماً بهذه المبادرة الإنسانية النابعة من حاجة الواقع السياسيِّ الراهن في كلِّ مرحلةٍ، بتجاوبٍ واضحٍ مع الإطار الدينيِّ العامِّ والروح العامَّة للشريعة الإسلامية.

وعلى هذا الأساس، فإنَّ على العلمانيين أن ينتبهوا إلى هذه الحقيقة التي تغيب عن أذهانهم في أغلب الأحيان، فيتصورون أنَّ تأييد هذه القطاعات لمشاريعهم ليس مشروطاً بهذا النمط من الإنسجام مع الروح العامَّة للدين الإسلاميّ، فيرتكبون العديد من الحماقات التي تسبِّب لهم الإخفاق السياسيَّ فيما بعد، لكن بعد أن يكلِّفوا المواطن العراقيَّ العديد من خيبات الأمل التي ربما استغرقت زمناً طويلاً، فتعود الكرَّة من جديدٍ إلى لعبة الصراع بين الأحزاب الدينية والعلمانية من جديدٍ، ليبقى الأمر هكذا دائراً في حلقته المفرغة إلى الأبد.

لا أعتقد أنَّ المصلحة الوطنية العليا للوطن العراقيِّ أن يكون على مثل هذه الحال من التأرجح الدائم بين الرغبة بالأحزاب الدينية والأحزاب العلمانية من دون أن توجد النية الصادقة لدى هذه الأحزاب جميعها، علمانيها وإسلاميها، في أن تتصرَّف على قاعدةٍ من المشتركات الوطنية التي تختصر الكثير من معاناة هذا الوطن الجريح، وتنتقل بالطرفين المختلفين إلى أن يكونا سبباً في توفير العديد من منافذ الخلاص للعراق من هذا الوضع السياسيِّ المتأزِّم، بما يخدمهما معاً، ويجعلهما قادرين على حيازة ثقة الإنسان العراقيّ، بما يجعل العملية السياسية في العراق سائرةً في الطريق المؤدي إلى ازدهار لا إلى دمار العراق مع الأسف.

لذلك فإني أقول إنَّ على العلمانيين أن يتخلوا مطلقاً عن المقولات الجاهزة المتكلِّسة للعلمانيات السابقة، وأن يراجعوا النظر في علمانيتهم الجديدة التي يريدون أن يكسبوا بها ثقة مؤيديهم إلى زمنٍ طويلٍ، ومع أني إسلاميٌّ حتى النخاع، فإني أقدِّم لهم النصيحة، لأني أعلم أنهم إن سمعوها فإنَّ باباً من أبواب الخير سينفتح على الوضع السياسيِّ العراقيّ، ولهذا فإني أنكر ذاتي ولا أتردَّد في أن أقوم بهذه القراءة التي ربما قرأها منظِّروهم فاستوعبوا مضمونها النافع لهم، من دون أن يكون الغرور العلمانيّ لدى بعضهم حاجزاً لهم دون سماع هذا النصح واستيعابه، فربما نفعتهم بهذه القراءة أكثر مما ينفعهم به العلمانيون الأصوليون الذين يعتبرونهم في قمة العبقرية السياسية، وهم في الحقيقة سبب الإنتكاسة للعلمانيين أنفسهم قبل أن يكونوا سبب الإنتكاسة في الوضع السياسيِّ العربيِّ والإسلامي ككلّ.

 

فكما أنَّ أغلب الأحزاب الدينية استطاعت أن تنتج فلسفةً للحكم الدينيّ في العصر الحاضر ليست نائيةً عن مقتضيات التعامل مع الراهن السياسيِّ العالميّ، واستفادت كثيراً من الرؤى العلمانية التي لم تكن تتقاطع مع الرؤية التقديسية للإسلام، فكذلك على العلمانيين أن يقوموا بهذا النمط من التطعيم لعلمانيتهم في العراق، فيستعيروا الكثير من المضامين الدينية التي تشعر الشعب العراقيَّ بأنَّ مشروعهم لا يسبب التراجع للإسلام في العراق، وعليهم أن ينبذوا الكثير من الدعوات والأطروحات والتصريحات التي تقلِّل من قيمة الفكر الدينيِّ والأخلاق الإسلامية العامَّة، كما أنَّ هذه العملية يجب أن لا تجري في فضاءٍ نفاقيٍّ يستهدف خداع الرأي العامِّ العراقيّ، بل يجب أن يكون نابعاً من القناعة الداخلية لأقطاب العلمانية في العراق أنفسهم، هذا مع أنَّ الإسلاميين --ومنهم كاتب هذه السطور بالطبع- سوف لا يقتنعون بالمشروع العلمانيِّ طبعاً على الرغم من هذه الإجراءات لو أنها حدثت بالفعل، إلا أنَّ كلَّ الذي سوف يحصل هو أنَّ العمل المشترك مع العلمانيين من أجل تحقيق المصالح الوطنية المشتركة سوف يكون ممكناً وقائماً.

إنَّ الوضع العراقيَّ اليوم لم يعد يحتمل المزيد من النكسات والتشاحنات والتصادمات التي لا يمكن لها أن تفضي إلا إلى المزيد من الخسارة بالنسبة إلى الجميع، فعلى الجميع إذن أن يلجأوا إلى مراجعة الذات السياسية على قاعدة الممكنات المفتوحة، لا على قاعدة القناعة الإيديولوجية المسبقة، لأنها ستُواجه بقناعةٍ إيديولوجيةٍ مسبقةٍ مضادَّةٍ حتماً، أما لو تمَّت هذه المراجعة النقدية السياسية الصادقة؛ فإنَّ مسافة الإفتراق بين الطرفين سوف تتقلَّص كثيراً، بما يعود بالمستقبل السياسيِّ الباهر على الطرفين.

أما على مستوى الكتابة النظرية أو الفلسفية، فلا ضير من أن يكون الفضاء مفتوحاً على السجال المعرفيِّ والثقافيِّ الذي يحتكم إلى الدقَّة الفلسفية في ترجيح رؤيةٍ على أخرى، وتفضيل اتجاهٍ إيديولوجيٍّ على آخر، فلا ضير من هذا مطلقاً، ما دام مثل هذا الإجراء حكراً على الوسط الفكريِّ والثقافيّ، ولا يتعدّاه إلى مجال العمل السياسيِّ الذي ينعكس رأساً سواءٌ بمردوداته السلبية أو الإيجابية على الوضع العامِّ للعباد والبلاد.

فعلى المستوى النظريّ، لا يمكن لأيِّ مفكرٍ إسلاميٍّ أن يعد العلمانيين بأن يتنازل عن قناعته الفلسفية بأنَّ العلمانية رؤيةٌ فلسفيةٌ تتقاطع كلياً مع ما يخدم مشروع الإنسان على صعيد النتائج النهائية البعيدة، وعلى هذا الأساس فإنه سيتمرّ بالكتابة من أجل بيان هذا المغزى إلى أبد الآبدين، لكنه يستطيع أن يعد بأن يفعل هذا على المستوى الثقافيّ والفلسفيّ والفكريّ فقط، وليس على مستوى العمل السياسيّ، لأنه واثقٌ من أنَّ خير العراق في أن توجد الأرضية الملائمة للعمل المشترك بين الأطراف السياسية المتباعدة في كلِّ الأحوال.

 

[email protected]

  

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1391 السبت 01/05/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم