قضايا وآراء

الإنسان.. المخيَّر السامي

إنها السجنُ الذي سيقضي به (مدته) الاختبارية على انفراد. ومعه وصفة تتضمن الفكرة واضحة، والطريقة المثلى في عيش المدة، حفاظاً على مكانته، ذلك لأنها هي التي راهن الله العظيم عليها ملائكته والشيطان ومخلوقات أخرى.

حين تتجول على الأرض، انظر هذه المرة يمنة ويسرة، وخفف الوطء، وعمّق النظر، وأعمل الفكر، ولا تجعل النظرات والمناظر تتسارع بحيث لا تتمكن من أن تختلس الحقيقة. انك سترى بقدر تحررك من الأرض يكون سموُّك، وسترى أنك الوحيد من مخلوقاته ترك الخيار له وعليه، وأعطي قياده وقراره، بينما كانت المخلوقات (الأرضية) الأخرى لساناً ينبئك بحقيقة اتضاعها ورقيِّها تفاوتاً بحسب انشدادها إلى الأرض.

فأكثر الكائنات انشداداً إلى الأرض النباتات كالأشجار ونحوها، فهي لا تستطيع الانفلات منها؛ تولد وتعيش وتموت في مكانها. وتبعاً لذلك هي أكثر المخلوقات تخلفاً ووضاعة، وهي تخلو من القوى الثلاث: العقل، القوة، والعاطفة، كما أنها تخلو من الحواس، ولا تملك غير الحركة والنمو دليلا على الحياة.

وإذ انفلت الحيوان وامتلك رجلاً انتزعها من الارض فصار يعدو فوقها، فانه صار أرقى من النبات كثيراً بفعل هذا الابتعاد، انه صار يمتلك بعض الحواس، ويمتلك (بعضه) القوة؛ كالأسد والنمر، إلا انه يفتقر بشكل ملحوظ إلى قوتي: العقل والعاطفة، وتكون الغريزة (الفعل التسييري) عماد وجوده وبقائه.

وترى الطير أكثر تحرراً من الأرض، فهو يغادرها طائراً مسافات متفاوتة حسب نوعه، فيطير في الأجواء ويحلِّق في السماء، وحتماً ذاك الذي جعله أرفع من الحيوان مستوى رقي خلقي، فهو يمتلك الحواس الخمس كلها، وان اعتمد اعتماداً كلياً على السمع والبصر، وبعضه يستطيع الكلام كالببغاء، ويتميز اجتماعيا عن الحيوان؛ فبعض أنواعه إذا مات الزوج تفضل أنثاه العيش في ذكراه على التزاوج ثانية، وعند بعضه للذكور حق تعدد الزوجات، والطير أذكى من الحيوان، وأكثر نمو عاطفة، ويمتلك بعضه القوة كالكواسر. ولكنه غريزي أيضاً، ويفتقر إلى قوتي العقل والعاطفة، وذلك راجع إلى حقيقة أن الطير مهما طار فما يعتم أن يهبط إلى الأرض ويقع عليها أوان التعب والحاجة.

فإذا لاحظت بعقلك الملائكة، وهم الخلائق التي ابتعدت كلياً عن الأرض، ورافقت الإنسان في عليائه الأول، فستجدها أرقى المخلوقات، فهي المستخلصة المخلصة لله، ولها المنازل المعظمة، ولبعضها عهدت مصاير الكون وخواتم الأعمال، وان سموها ومكانتها هذه آتية من انعدام أرضيتها. ولكنها إن امتلكت القوتين: العقل والقوة، فهي تفتقر إلى العاطفة التي

تزكي العقل وتنقي القوة، وبها يفضلها الإنسان.

فيا أيها الأرضي لباساً معاراً ستخلعه وتعيده إلى الأرض، أنت لست أرضياً بل سماوياً! يحمل في داخله (الله) قبساً وعناية ورهاناً بأنه الأسمى.. لقد أطلقت برعاية ومراقبة وخيار، فاختر أي النماذج تكون: أمتخلياً عن كل ما أعطيت من عظائم تعيش وتموت كالشجرة غارقة في أرضيتها لا تسمع ولا تتكلم سوى أن تعلن أنها حية أو ميتة بأخضرها أو يابسها؟ أم تعيش بلا سمو أبداً كالحيوان تسيره الغرائز فتهبط من عليائك باختيارك، او تطير وتحط كالطير متذبذباً بين السمو والإتضاع، فتظهر منك المشرفات والمخزيات.. أم تكون كالملائكة؟ أم تسمو عليها؟ فتحقق ظن الله العظيم بك الذي كلفك بحمل الامانة واسجد لك الملائكة لانك دونها تشبهه  وشرفك بالعقل والقوة والعاطفة.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1393 الثلاثاء 04/05/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم