قضايا وآراء

الإندماج بين الإئتلافين .. أسبابٌ ومبرِّرات

الإندماجيّ بين القائمتين للمضمون الطائفيّ الشيعيّ كما يحاول بعض المحللين السياسيين الإيحاء بذلك، وها هنا نختار للإجابة تفريع البحث إلى شقين:

الشقّ الأوَّل: حول الأسباب التي دعت الصدريين إلى الإندماج مع ائتلاف دولة القانون.

1-   إنَّ الإئتلاف الوطنيّ العراقيّ أعلن منذ البدء رغبته في تشكيل حكومة شراكةٍ تساهم فيها كلُّ القوى العراقية الكبيرة الفائزة بالإنتخابات، بما في ذلك القائمة العراقية، وما زال التيار الصدريّ يتبنى هذه النظرة حتى الآن على حدِّ علمي، فلا يكون اندماجه مع قائمة دولة القانون متضمناً لمعنى إرادة تغييب الطرف الآخر كما يتصور البعض، بل العكس هو الصحيح، إذ هو خطا الخطوة الرئيسة الهامَّة في هذا الإتجاه، فعسى أن يكون انضمامه إلى قائمة دولة القانون مع ما كان يقف في طريق الإندماج بينهما من المعوقات الكبيرة تشجيعاً للقوائم الكبيرة الفائزة بالإنضمام إلى هذا الإندماج بحيث تنبثق منه حكومة شراكةٍ حقيقيةٌ تبطل كلّ مشروعات الإرهاب في السنوات الأربع القادمة، وتمنح العراق فرصة نهوضٍ واقعيةً بعد إخفاقاتٍ متواليةٍ خلال سبع سنواتٍ عجافٍ من العمل السياسيّ السالف، ولا شكَّ أنَّ هذا هدفٌ نبيلٌ يحسب في الرصيد الأخلاقيّ للتيار الصدريّ، وليس من المعقول ترجمته إلى ما يناقض هذا المعنى بطبيعة الحال.

2-   بديهيّ أن يقال إنَّ تقارب الرؤى والتصورات السياسية بين مكونات القائمة العراقية هو الذي جعلها تتحالف في الإنتخابات في مشروعٍ سياسيٍّ واحد، إذن يقال الشيء نفسه عن القوى التي تحالفت في الإئتلاف الوطنيّ العراقيّ، ويقال الشيء نفسه كذلك عن القوى والشخصيات التي انضمت إلى قائمة دولة القانون، وإنَّ هذا التحالف والتقارب بين القوى السياسية جميعها على أساس ما هو موجودٌ بينها من المشتركات، هو حقٌّ طبيعيٌّ للجميع، ولا ينبغي أن يؤوله متؤولٌ انطلاقاً من افتراض وجود خبثٍ في النوايا طبعاً، بداهة أنَّ الجميع يفعلون ذلك، بما في ذلك الأخوة المتحالفون في القائمة العراقية أنفسهم، وإلا كان كيلاً بمكيالين بما يجعل النقاش في هذا الموضوع فاقداً لأبسط قواعد البداهة العقلية والإنسجام المنطقيّ في الخطاب السياسيّ.

 وتأسيساً على ذلك، لا يكون مستغرباً أن تُشخَّص العديد من المشتركات بين القوى المتحالفة في قائمة الإئتلاف الوطنيّ من جهة، وائتلاف دولة القانون من جهةٍ أخرى، على الرغم من وجود عددٍ هائلٍ من الإعتراضات على شخص رئيس القائمة وهو السيد المالكيّ على وجه التحديد، إذ إنَّ أغلب هذه القوى هي من القوى التي تمثل الإسلام الحركيّ أو الإسلام السياسيّ –ماشئت فعبر- ولديها جميعاً مشروعٌ متقاربٌ في رسم سياسة العراق بما يحفظ للشعب العراقيّ طابعه الدينيّ الإسلاميَّ العامّ، كما أنَّ للقوى المتحالفة في ائتلاف العراقية رؤيةً واحدةً تقريباً حول ضرورة إقصاء قوى الإسلام الحركيّ من الساحة السياسية في العراق، وها هنا بالضبط، إذ يكون من حقِّ تلك القوى دستورياً أن تكثف جهودها السلمية والديمقراطية في هذا الإتجاه كحقٍّ تضمنه لهم الآلية الديمقراطية في الحكم، يوجد حذرٌ لدى الطرف المقابل من أن تجد هذه النية فرصتها في الإنفراد بالعمل السياسيّ مستقبلاً بالإلتفاف على الآلية الديمقراطية ذاتها في العراق، عندما تشعر بالإستقواء شيئاً فشيئاً حتى يتمَّ الإجهاز على هذه القوى جميعاً، ولا أعتقد أنَّ الأخوة في العراقية يفكرون بالإتجاه الصحيح إذ يرسمون خططهم المستقبلية على هذا الأساس، فالأفضل هو أن يأخذوا فرصتهم بالمشاركة الفاعلة في حكم العراق من دون أن توجد نوايا إقصاء الآخر المتمثل بالقوى السياسية الإسلامية، لأنَّ وجود مثل هذه النية من شأنه أن يولد العديد من ردود الفعل المقابلة، فتنعكس الآثار السلبية لمثل هذا التفكير على فاعلية العمل السياسيّ بمجموعه في العراق مستقبلاً مع شديد الأسف.

المهمّ، فإنَّ الإندماج بين القوى السياسية التي تجد أنَّ بينها من المشتركات والأهداف ما يجعل مسألة تقاربها أمراً ميسوراً ومتاحاً شيءٌ في غاية البداهة، وهو حقٌّ مشروعٌ للجميع كما قلنا، وعلى هذا الأساس تكون مسألة اندماج الإئتلافين محتملةً وراجحةً في كلِّ الظروف، بل لو أنَّ المالكيّ لم يصرّ على ترشيح نفسه منذ البداية لكان الإندماج قد حصل قبل الإنتخبات وليس بعدها، ولكنَّ الأمور سارت في هذا الإتجاه على أيِّ حال.

3-   إنَّ ائتلاف العراقية أخطأ خطأً فادحاً إذ تبنى مشروع الدعوة إلى إعادة الإنتخابات، مهما قيل عن أنَّ هذه الدعوة جاءت في إطار الصراع مع المالكيّ، لأنَّ مثل هذا المشروع لو أنه تمَّ لكانت له تداعياتٌ خطيرةٌ على العملية السياسية في العراق، كما أنَّ من شأنه أن يترك آثاراً كارثيةً على صعيد الأمن واستقرار الأوضاع في العراق، وليس من المعقول الموافقة على مثل هذا المشروع، أو العمل على تفعيل اشتراطاته على أرض الواقع، فإنَّ المصلحة الوطنية العليا هي المقدمة في كلِّ الأحوال، حتى لو كان ذلك على حساب المصالح الحزبية الضيقة للقوى والأحزاب المشاركة في العملية السياسية، لهذا فإنني أعتقد أنَّ ائتلاف العراقية أقدم على هذه الدعوة وهو لا يعلم أنه يجرُّ القرص إلى نار ائتلاف دولة القانون بدلاً من أن يجرَّ القرص إلى موقده الخاصِّ كما كان يتوقع.

4-   ومع ذلك، فإنَّ الإئتلاف الوطنيّ تحدوه الرغبة الواقعية كما أعلم أن يفتح ائتلاف العراقية الأبواب أمام تنقية الأجواء من المشاحنات والآثار السلبية الجانبية لينضموا إلى هذا المشروع الهامّ في تشكيل حكومة الشراكة الوطنية، من دون أن نغفل الأهمية الفائقة لبعض الشخصيات الموجودة في صفوفهم، والدور الكبير الذي يمكن أن يلعبوه في نجاح العملية السياسية في العراق على صعيد الداخل والخارج في المرحلة المقبلة.

 

الشقّ الثاني: هل هناك نزعةٌ طائفيةٌ في الإندماج بين الإئتلافين؟

لا شكَّ أنَّ هناك واقعاً طائفياً وإثنياً موجوداً في العراق، وليس من الصحيح أن يتنكر الكاتب الموضوعيّ لوجود مثل هذا الواقع، لكنَّ مسألة الإعتزاز بالإنتماء إلى الطائفة شيءٌ والعمل على نبذ الآخر المذهبيّ وإقصائه على أساس التعصب إلى هذه الطائفة أو تلك شيءٌ آخر مختلفٌ تماماً، ولهذا فإذ يكون أغلب من في الائتلافين هم من الشيعة لا يؤثر على وجود النوعة الوطنية الصادقة التي تحدوهم إلى أن تنضمَّ القوى العراقية جميعها في مشروعٍ سياسيٍّ موحدٍ تكون نتيجته انبثاق حكومة الشراكة الوطنية، التي يساهم الجميع في تحمل مسؤولية الفشل والنجاح فيها، وها هنا إشارةٌ مهمةٌ يجب الإلماع إليها:

إنَّ الإئتلافين إذ اندمجا يكونان مندمجين بستراتيجيةٍ طائفيةٍ فقط عندما ينبذان ائتلاف العراقية ويغلقان الباب أمامه إذ يشاء المساهمة في تشكيل الحكومة، أما إذا كان الإئتلافان راغبين بالفعل في انضمام العراقية إلى هذا الإندماج، في حين ترفض العراقية ذلك، فليس من المعقول أن يقال إنَّ الإئتلافين اندمجا بدوافع طائفيةٍ، وأنَّ الطرف الذي رفض الإنضمام مع شركائه في العملية السياسية وهم الكتلة السياسية الأكبر هو البريء من النوازع الطائفية، هذا مع ضرورة النظر إلى معنى الطائفية بمنظارٍ أوسع، بحيث يشمل مفهومها مصاديق خارج ما هو متبادرٌ إلى الأذهان من أنَّ المصطلح خاصٌّ بالتكوينات الدينية، إذ يمكن تطبيقه على كلِّ المجموعات السياسية التي تتكتل على أساسٍ رؤيةٍ تنحاز إلى الإنفراد والإستحواذ على العملية السياسية برمَّتها، ولا شكَّ أنَّ الإنتباه إلى هذه الإشارة في غاية الأهمية من جهة تصحيح النظرة التقويمية لعمل الأحزاب السياسية سواءٌ كانت دينيةً أم علمانيةً في العراق.

لو كان الإندماج قد حصل على  مرتكزاتٍ طائفيةٍ لما كانت أطراف الإندماج ترغب بانضمام العراقية إلى هذا الحدّ، ولكانت تنظر إلى الأمور من الزاوية التي تجعلهم إلى الإستحواذ على كامل العملية السياسية أقرب، هذا من جهة.

ومن جهةٍ أخرى، فإنَّ الإندماج يسعى بكامل طاقته إلى أن يتحالف مع الأخوة الأكراد على سبيل المثال وهم ليسوا من الشيعة كما هو معلوم، بل هم من السنة، إلا أنهم شركاء للشيعة في العمل السياسيّ، ولم يحاول أن ينبذهم من ساحة العمل السياسيّ المشترك أحد.

كما إنَّ أطراف الإندماج تستقتل من أجل أن يأخذ العراقيون السنة حقوقهم كاملةً في تشكيل الحكومة، فأين هي الطائفية إذن من هذا الصنيع؟.

 

[email protected]

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1396 الجمعة 07/05/2010)

 

 

في المثقف اليوم