قضايا وآراء

الدّار الكبيرة ..

التناقضات فيه والمفارقات تسدّ الأفق وتحجبُ شمس النّهار .. لم يكن يؤمن بمقولة "الأدب من أجل الأدب" أو "الفنّ من أجل الفنّ" فذلك تَرف لا نُبل فيه لا يقدّم شيئا ولا ينتج إضافة والمجتمعات العربيّة الفتيّة تحتاج إلى أدب من أجل الإنسان وبه يكون كذلك .. .

ثلاثية الدار الكبيرة لمحمّد ديب (Trilogie la grande maison)

جاءت تؤرّخ لولادة الوعي الوطني كما تضمّنت نداءا للحرّية والأمل من أجل مستقبل أفضل .. تأتي أهمّية الثلاثيّة في كونها لا تنحصر في حدود الجزائر كبلد مستعمر (بفتح الميم) ولا في حدود فرنسا كبلد مستعمر (بكسر الميم) ممّا يعطي لهذا الأثر بعده الإنساني العالمي باعتباره يدين ويفضح في إطار أدب نضالي إساءات الإنسان ضد الإنسان مهما تعدّدت وتنوّعت أشكالها  ومسمّياتها .. استعمار .. عنف .. استغلال .. تسلّط .. عنصريّة .. إرهاب .. إقصاء .. تهميش .. إحتقار .. قتل .. وقد نجح ديب في رسم ذلك الرعب الذي لم يمس فقط الجزائر ولكنه شكل من أشكال الاضطهاد في العالم وهي وجهة نظر يؤكدها الكاتب نفسه حينما يقول في تصريح له :"نحن نلتفت نحو العالم لنقدّم شهادتنا حول خصوصيّة المأساة الجزائرية ولكن لنظهر كذلك كم تسجّل هذه الخصوصيّة في سياق العالمي .. الرّجال هم في نفس الوقت أشباه ومختلفون ونحن نصفهم مختلفين حتى تتعرف من خلالهم على أشباهك" وممّا يشدّ انتباه الدارس في هذه الثلاثيّة ذلك الإعزاز الجميل للوطن وتلك الإشادة العالية بالشعب وبطولاته "عظيمة هي بلادي"، "لقد كان عظيما صبر شعبنا".

"الدّار الكبيرة" باكورة أعمال محمد ديب وإذا كان الكتاب الأول يؤسّس لما يأتي بعده يُمكننا القول بأنه تضمّن جميع توجّهاته الإيديولوجية والسّياسية .. ولد بين الفقراء وكبر وترعرع بينهم وإليهم وجّه عمله الأول لانّه يهتم بهم أكثر ممّا يهتمّ بغيرهم وعند اشتغاله بالصحافة سلّط الضوء على المشاكل المتعلّقة بعالم الشغّالين والفلاّحين المرتبط بالفقر والخصاصة نتيجة نظام الاستغلال الذي فرضه الاستعمار وظل يناضل من أجل المبادئ والمثل .. للحرّية والمساواة بين الجميع والتوزيع العادل للثروات وقد ذهب بعضهم إلى القول بأن ثلاثيّة محمد ديب تعدّ نقطة انطلاق الأدب الرّوائي المغاربي الذي يعتمد اللغة الفرنسية والشاب عمر البطل الرئيسي لها يمثل تفتّح الوعي ونداء المستقبل وهو الذي يكشف لنا عمق المجتمع التلمساني الذي يعكس بدوره جميع خصائص المجتمع الجزائري ..

"الدّار الكبيرة" لمحمد ديب تتوسّع وتتوسّع لتشمل العالم العربي من المحيط إلى الخليج ومن الماء إلى الماء ولن تكون كبيرة حقا إلا إذا اتسعت لأجيالهم وآمالهم وخلافاتهم وتنوعاتهم وجدوا فيها الأمن والكرامة والحرّية وعندها فقط تكون مؤهلة لاستضافة الرغبة الإنسانيّة ..

الأدب المغاربي المكتوب باللّغة الفرنسيّة وجه من وجوه ثقافتنا وبعد من أبعاد هويتنا ومظهر من مظاهر ثراء تجربتنا وجسر يصلنا بالعالم بعد أن يصلنا بذاتنا الصّميمة وهو يتكامل مع الأدب المغاربي والعربي المكتوب باللغة العربية والمحدّد في تعاملنا معه ونظرتنا إليه هو الأصالة والصدق والفنّية وهي ذات المعايير التي نعتمدها في قراءتنا للأدب المكتوب باللغة العربية حيثما كان ولكل أدب يعبر عن الشرط الإنساني في عالم واحد متنوّع ومتغيّر.

محسن العوني

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1396 الجمعة 07/05/2010)

 

في المثقف اليوم