قضايا وآراء

البحث عن الحرية في رواية "الحياة لحظة"

و(الارسي 2008) صدر له اخيراً عن الدار المصرية اللبنانية في القاهرة رواية (الحياة لحظة) مستكملاً بها رحلته الطويلة و المضنية في المنافي ـ بأشكالها وأزمانها المختلفة ـ، حيث قدم لنا عبر هذه الرحلة فصول من  تجربته السياسية التي عاشها مطاردا، محاصرا، منفياً، والتي بدأ بسردها منذ أعماله المبكرة،ويبدو أنها في (الحياة لحظة) أعلنت عن نهايتها وذلك  بعودته الى  رحمه الحميم ـ مدينته ـ محبطاً، منكسراً بعد ما خرج من تجربته ناقما ً على كل شيء، السياسة، الحرب، كردستان، وانتهاءً بخيبته بـ (مدينة الروس الفاضلة) واصفاً اياها بـ (حلم تبدى في آخر المطاف لايختلف عن الدكتاتورية ألا بالاسم ـ ص 447)  .

 

يبني المؤلف فكرة روايته (الحياة لحظة) على حكمة كان قد رفعها مصور ابان ستينيات القرن الماضي على واجهة احدى محلات التصوير في مدينة ـ الديوانية ـ تقول : (الحياة فقاعة فصورها قبل ان تنفجر)، فعبر خمسة عشر فصلا قسم ّبها احداث روايته يبحر بنا في المحطة الاخيرة من رحلة البطل " ابراهيم "، نشهد فيها انهيار احلامه بعدما يكتشف في منفاه الاخير مقدار الوهم الذي كان يعيشه، و ما آمن به لم يكن الا  محض كذب وافتراء وهوما اشعل في ذاكرته حكمة طفولته تلك والتي تدعو الى اقتناص اللذات قبل فوات الأوان، فالعمر كما تقول الحكمة هو فقاعة لاتدري متى تنفجر، فنراه يشطب على تاريخه الطويل من الالتزام والعمل الجاد وينغمس في المتع بعد طول حرمان فرضه التزامه السياسي ونظام البيئة المحافظة، فيدمن على معاقرة الخمرة ومعاشرة النساء في سهرات يومية صاخبة، هكذا ينفتح " ابراهيم "على عالم جديد طالما ظل بعيدا عن مباهجه بسبب الضوابط الصارمة لالتزامه السياسي والاجتماعي .                                                             

 

ولإيجاد قناعات تبرر للبطل " إبراهيم " هذا التحول في مواقفه وقناعاته  يستعرض لنا المؤلف مشاهد من  انهيار التجربة الاشتراكية السوفياتية التي لم تقدم ـ حسب تصوره ـ الا مجتمعاً ينخر فيه العهر والفساد والرشوة والجوع والشحاذة والمشردين وطوابير الراغبين في الحصول على علب البيرة والفودكا باسعار مخفضة . شاطباً بذلك على واحدة من اهم حركات التحرر الوطني مضيفا لها رؤيته لتجربة الانصار الشيوعيين في كردستان ـ التي كان المؤلف جزءأً منها ـ حيث لم يترك صفة رذيلة الا ونعت بها حياة وسلوك افرادها. وتأتي خاتمة الرواية، لتؤكد نبؤة حكمة الطفولة حيث انفجار الفقاعة ممثلة بلحظات السكين وهي تحز عنق " ابراهيم " على ايدي المتطرفين وهو عائد الى مدينته بعد سقوط الدكتاتورية لتكون بمثابة طلقة الرحمة التي تنقذ البطل من عذاباته وتضع حداً لضياعه و كوابيسه المرعبة  (تحرر من الوجع حاساً بجسده خفيفا يطير خارج الفقاعة !! خارج اللحظة ـ ص  507) .                            

 

ان ما يميز (الحياة لحظة) هو القص السير ذاتي حيث الاعتناء بوصف الحياة الخاصة للشخصية ، فالاحداث تدور حول شخص بعينه مقابل الدور الهامشي للشخصيات الاخرى التي ظهرت مجرد ادوات لتوضيح حياة البطل وتعميق ازماته الشخصية، اضافة الى اعتمادها على السرد التاريخي للاحداث بشكلها الواقعي، فالشخصيات حقيقية بأسمائها وافعالها وكذلك الامكنة والاحداث جاءت كما هي على الواقع وهذا ماجعلها قريبة من ادب السيرة .

 

يقول الناقد "عبدالجبار عباس" ان (مهمة الروائي ان يجعل من الاحداث الصغيرة ذات مغزى وحيوية مثيرة للاهتمام) وباعتقادي ان " سلام ابراهيم " في (الحياة لحظة) لم ينجح  في توظيف هذا الفصل من سيرته بالشكل الذي يأسر فيه القاريء و يثير اهتمامه، فقد جاءت محملة بهموم شخصية مكررة اثقلت على القاريء كثيرا، رغم مافيها من رؤية واقعية تحليلية وصياغة فنية قائمة على السرد والتصوير متناسياَ ان التجارب الشخصية لايمكن توظيفها بنجاح في عمل روائي مالم تشتمل على مشتركات مع الاخرين تثير فيهم فضول المتابعة والتعاطف .

 

نأمل في (الحياة لحظة) ان يكون المؤلف قد اسدل الستار على تجربة امتدت على طول منجزه الابداعي وتوظيف قدرته العالية على السرد ومخيلته الخصبة في موضوعات اشمل واعم .

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1398 الاحد 09/05/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم