قضايا وآراء

النقد الادبي .. محاولة في تهميش الابداع

 ان يعالج هذا الامر على وفق منظور نقدي سليم، لكنه وقع في اشكالية التمحور التنظيري، بالرغم من انه استعان بمنهج سبقه اليه (محمد مندور) و(لويس عوض) و(محمود امين العالم)، فالمشكلة اذن لدى الكثير من النقاد، ليست في المنهج وانما في (قصور الوعي) ومحاولة تهميش (الابداع)، ولو حاولنا فهم النص على انه انجاز ذاتي وشهادة على العصر، لتوضحت لدينا رؤية معقولة في ابراز الجوانب الجمالية، وكما فعل الكثير من النقاد الغربيين المرموقين (برسي لوبوك) و(كارلوس بيكر) و(فرجينا وولف) وسواهم .

 

اخلص مما تقدم ان عملية النقد الادبي في الادب العربي الحديث مازالت بدائية تعتمد على عواطف الناقد ازاء هذا الكاتب او ذاك وقد لاتخلو من محاولة في رسم خارطة لاحباط المبدعين من الاتيان بانجاز يفوق فهمهم . لقد جرت محاولات من هذا القبيل في الادب الغربي في القرن التاسع عشر لكنها اجهضت بفعل الوعي المتنامي للذائقة الفنية لدى المتلقين بعد انجازات ابداعية كبرى عبر مؤلفات اصبحت اليوم من كلاسيكيات الادب العالمي، وبذلك راح النقد يلاحقها حتى تبلورت نظريات نقدية على جانب كبير من الكمال وصولا الى شتراوس صاحب (الفكر البري) الذي وضع فيه الاسس الاولى للحركة البنيوية و(لوسيان غولدمان) في التفكيكية، وهذا ماتساوق مع تطور الادب لاسيما في الرواية والقصة في الغرب، فهل حاول النقاد العرب مجاراة زملائهم الغربيين في ذلك؟

نحن لاننكر ان ثمة محاولات قام بها نقاد عرب من امثال (حامد ابو زيد) و(جابر عصفور) و(محمد عابد الجابري) و(سامي عباس مهدي) وغيرهم، لكن هذه المحاولات اصطدمت بالكثير من التهميش سواء من قبل السلطات الرسمية التي اعتبرت محاولات الكشف عن جمالية النص بمثابة التلويح بالاسس الايديولوجية للسلطة الشمولية فنعتتها بشتى النعوت والاوصاف، لكن الامر، وكما نرى، ستكون له عواقب جمة في طريق الابداع، ومنها بروز نقاد سلطويين يتحولون الى سيوف تحز رقاب المبدعين العرب، وهذا ماعناه (رجاء النقاش) في وقت مبكر حين واجه السلطة في مصر وما سماهم بكتاب السلطة المنبوذين مما اغضب رئيس السلطة آنذاك . ومهما يكن من امر فأن المبدع العربي يحتاج باستمرار الى من يكشف عن جمالية انجازه الابداعي لا  الى انفعالاته العاطفية وتمرير الجمل الجاهزة التي تكشف عن خطله وقصور الوعي لديه، ونحن لانرى خطورة من هؤلاء بقدر الخطورة التي يتركونها على الساحة الثقافية العربية من حيث تشويه النص ومحاولة استقطاب المتلقين من انصاف المثقفين الذين يرون في النص الابداعي المتميز بمثابة خروج على الموروث كما رسمته ادبيات عصور التخلف والظلام منذ سقوط سقوط بغداد على يد هولاكو وانهيار الثقافة العربية الرصينة وتهميش نقاد التراث العربي من امثال ابن المعتز وابن خلدون والآمدي وغيرهم .

 

 

                  هيفاء الحسيني            

 

 

 

 

 

في المثقف اليوم