قضايا وآراء

ما الذي تبقى لنا من تركة الجابري؟

بخلخلة حقيقية لنظام التراث (العقل العربي)، وبيّن أنه ينقسم إلى ثلاثة أنظمة: البيان، والعرفان، والبرهان، رغم أن الإعتراض على هذا التقسيم التفاضلي يظل مشروعا. وللتأكد من ذلك، يمكن الإطلاع على النقد الذي واجه به الفيلسوف طه عبد الرحمان في كتابه (تجديد النظر في فهم التراث) هذه النظرة التجزيئية والتفاضلية التي تحكم مشروع الجابري في نقده للتراث العربي.

وبالرغم من كل ذلك، فإن ما يهمنا اليوم عند الجابري ليس هو البحث عن الحقائق أو الأجوبة  الشافية للتخلف العربي، بل الأهم هو النقد في حد ذاته. ذلك أن نقد الجابري ليس مجرد ما انتهى من انجازه، وإنما هو الدرب الطويل والشاق الذي يتوجب اليوم على الفكر العربي إتمامه وتعبيده. فلئن استطاع هذا الأخير فتح طريق هذا النقد، فإنه من اللازم على الأجيال الصاعدة إستكماله، وهي التي ستباشر لا محالة أنماطا من الحوارات الشاقة مع التركة الجابرية.

إن أولى المهمات الصعبة التي ستواجه قارئ هذا الفيلسوف، هو ذلك السجال الخفي والمتواري خلف كتبه، والذي عقده في صمت مع الرؤى التقدمية والليبرالية، وخاصة المنظور التاريخاني للمفكر عبد الله العروي، الذي يدعو صراحة إلى القطيعة مع التراث.

فقد كان الجابري يرفض هذه القطيعة، ويرافع ضد النموذج السلفي في آن واحد، محاولا تأصيل الحداثة من داخل الثرات نفسه، شريطة التخلي عن الجوانب الميتة فيه. بينما يلحّ العروي، في مقابل ذلك، على تخطي التراث والشروع في الإنخراط الكامل في الحداثة الغربية دون عقدة ولا نقصان. 

وإذا كنا نحن نتساءل بصدد تركة الجابري، فإننا مجبرون اليوم على سلوك طريق النقد الذي كرس له الراحل حياته؛ وبذلك نكون مطالبين بفهم الحوارات التي عقدها مع التراث و مع رواد الإصلاح والنهضة العربية. ومن يدري فقد تكون وصيته الأخيرة التي أراد تركها لنا، هي نفسها التي كتبها كانط  في (نقد العقل الخالص): "وحده طريق النقد ما زال مفتوحا".

أعتقد أن أعظم تكريم يمكن أن نقدمه لهذا الفيلسوف، هو أن نواصل المسير على درب النقد. فالنقد والمساءلة  هما أعظم ما يخلفه الفيلسوف. 

 

الحسين أخدوش    

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1403 الجمعة 14/05/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم