قضايا وآراء

شيزوفرينيا: عتاب من مريض عقليا

ويفعلون وأنني وحدي على صواب، ادركت عندها أنني اصبحت غريبا" عنهم، فلملمت نفسي قبل ان تنفصم وذهبت الى الطبيب المختص  .

قال الطبيب: ما من مجتمع على هذه الأرض خال من الأمراض النفسية والعقلية، بل ما من انسان نظيف منها تماما"، والفرق بين المصابين بها والآخرين يكون في نوع الحالة ودرجة شدتها .

ولما سألته عن أسباب اصابتي، تبين انه ليس لي يد فيها، فقد يكون السبب ــ قال الطبيب ــ وراثي.."جينه" جاءتني من  جدّ ابي أو خال امي، أو ــ وانتبهوا الى هذا ــ ناجمة عن تفاعلات حدثت بين افراد أسرة يعانون من اضطرابات نفسية وسوء علاقات وانعدام استقرار، فوقع الأختيار على طفل فيها يكون كبش فداء، يلقون باللوم عليه ويعدّونه دائما" على خطأ . ولأنه ليس بامكان هذا الطفل قط أن يكون بمستوى مطالب الوالدين وتوقعاتهما لأنها متناقضة (الأب يطلب شيئا" والأم تطلب نقيضه) فانه يتقهقر الى عالم خيالي .

ولأنني مررت بهذا الموقف، فانني أسألكم: أكنت على خطأ حين وجدت أنه من المستحيل عليّ ان اتكيف الى عالم أسرتي الذي لا يطاق، وأهرب منه الى عالم خيالي ؟ ألم يكن هروبي هذا احتجاجا منطقيا  من جانبي ؟! وأنه شبيه باحتجاج صديق قديم يوم اخذوه الى الأمن العامة حين ضاقت به الدنيا ففضل أن يودعوه معنا في الشماعية على أن يكون حرّا كالآخرين!..وصديق جديد جاءنا من هول ما وقع بعد التغيير!!.

واخبرني الطبيب ان البشر يختلفون في قدرة تحملهم للمشاكل والأزمات التي يمرون بها، فمنهم من يجد الذي  يسنده في مواجهتها فيقوى عليها، ومنهم من لا يجد أحدا فيضعف امامها ويقف وحيدا" في اقسى معاركه، وعندها ستختل وظائفه العقلية . فهذا الدماغ .. الكرة المعجزة .. تربط مليارات خلاياه موجات كهربائية وتفاعلات كيميائية معقدة، وحين يختل نظامها يصاب الانسان بحالات من الذهان . وما ان تظهر بوادره عليه حتى يبدأ الناس يتهامسون بأنه اصبح " مجنونا " ويغدو في نظرهم انسانا" يستثير الشفقه .. والسخريه .. والفزع ! .

وفهمت من الطبيب سرّا" افزعني لكنني تقبلته منه لأنه الحقيقة، وها انا افضي به اليكم، قال:

ان حال من يصاب بهذا المرض " الشيزوفرينيا " يكون اشبه بحال من يتدحرج من قمة جبل الى السفح، وأن مهمة الطبيب المعالج هي التخفيف من سرعة تدحرج المريض، وان شفاءه مرهون بموقف اسرته منه، وموقفكم انتم ايضا" ..ومن بيده أمور البلاد والعباد.

قلت له: لكن أهلي، وانتم ايضا"، تنظرون لمن يتعرض حتى للاصابة بأخف الأمراض العقلية، ان حاله ميؤس منه . وعاتبت الطبيب، قلت له: لنفترض،على اسوأ الأمور، أن حالي شبيه بحال من يصاب بأخطر امراض السرطان الذي لاشفاء منه، فان هذا رغم توقعه الأكيد للموت يبقى متشبثا" بالحياة .. تساعده أسرته وتغذّ الأمل فيه . أو ليس من حقي أنا ان اتشبث بالحياة أيضا" ؟ و أليس من واجبكم انتم،اهلنا ومجتمعنا،ان تساعدوني على التعلق بالحياة ؟ !

والأقسى، ايها العقلاء، انكم تودعوننا في مشافي الأمراض العقلية وتهملوننا فيها . وحتى لو شفينا فانكم لا تعيدوننا اليكم لأنكم تعدوننا " وصمة عار " وتنسون انكم كنتم انتم السبب، أو في الآقل شركاء في صنعها !.

 

تساؤل في تعليق: من العاقل ومن المجنون ..نحن أم المصابون بالشيزوفرينيا؟!

 

في داخل كل واحد منّا (ذاتان) واحدة أصيلة تقول الحقيقية ولا تخشى شيئا وأخرى اجتماعية مزيفة. والشيزوفرينيا  ناجمة عن موقف يختار فيه الفرد بين ان يتنازل عن ذاته الحقيقية ويكون كالآخرين وبين أن ينسحب عن الآخرين الى عالم خاص به ليبقى محتفظا بذاته الأصيلة. وبذلك تكون الشيزوفرينيا ليست مرضا انما هي استراتيجية يعتمدها الشيزوفريني للانسحاب من واقع مزيف، أرتضينا لأنفسنا – نحن العقلاء – ان نتازل عن ذواتنا الحقيقية ونمارس ذواتنا المزيفة لضمان أن نعيش،فيما لم يتنازل عنها الشيزوفريني وهجر من اجلها عالمنا..فمن ياترى  العاقل ومن  المجنون..نحن أم هم؟.

الجواب المنطقي،أن المصابين بالشزوفرينيا هم العقلاء لأنهم أصلاء، ونحن المجانين لأننا تنازلنا عن ذواتنا الحقيقة وارتضينا أن نعيش في عالم مزيف رفضه الشيزوفرينيون!..ما رأيك..بخصوص العراق تحديدا؟!.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1403 الجمعة 14/05/2010)

 

في المثقف اليوم