قضايا وآراء

ترجمة نصوص أدباء "موقع المثقف".. واقع وآفاق

الإبداع الأدبي والفكري العربي المعاصر إلى اللغات الأخرى، فقد علّق وكتب عدد من الأخوة الأفاضل حول هذا الموضوع. وأهم ملاحظات قرأتها كانت من رئيس التحرير لصفحات المثقف.

 

وهنا أريد أن أدون بعض الملاحظات المتواضعة بهذا الصدد:

أريد أولاً أن أجزم بأن الترجمة هي أول وسيلة بشرية لتبادل الأفكار بين الشعوب، وأهم وسيلة لمعرفة الآخرين واكتشافهم والدخول إليهم.

ولقد لعبت الترجمة دوراً هاماً في وقتنا الراهن أدّت على سبيل المثال ببلوغ الصين نهضتها الحديثة، حيث كانت تترجم كل شيء، لدرجة أن الولايات المتحدة حذّرت حكومة الصين في سبعينات القرن الماضي مما دعته بعدم احترام الصين لحقوق المؤلفين أو الإشارة إليهم.. ولا داعي لذكر ما بات معروفاً عن الحركة الفكرية والعلمية والنهضة الأدبية التي رافقت حركة الترجمة في العصر العباسي.

وعندما نتحدث عن ترجمة الأدب والشعر، فلابد لنا أن نعترف بأنه حديثٌ ذو شجون. وربما يدفع للأسى في كثير من الأحيان، وخاصةً عندما يتعلق الأمر بترجمة الشعر العربي تحديداً، فالحقيقة أنّه لم تقم هناك أية حركة ترجمة منظمة للإبداع الشعري العربي، ولا في أي قطرٍ من أقطار الوطن العربي. وإنما اعتمدت تلك الترجمة على نصوص تم الانبهار بها، نتيجة التأثر بالسيد "الخواجة" المستعمر، الذي كان يدفعنا انبهارنا دائماً إلى تقليده، لكي نرتقي إلى مستوى خطابه. أي كان هنالك منذ زمن بعيد ما يُمكن تسميته بالاستهلاك الإبداعي، إذا جاز التعبير، دون تصدير إبداعي بالمقابل.

وكان ذلك من خلال ترجمة ما حظي من الآثار الإبداعية العالمية بشهرة واسعة، من الأعمال الأدبية والنقدية الغربية وخاصة "الرواية"، حيث يذكر معظمنا السلسلة التي ظهرت في أكثر من قطرٍ عربي بعنوان "روايات عالمية". فقد كانت تلك الروايات التي تحوز على شهرة واسعة في الأوساط الثقافية الغربية تتم ترجمتها إلى العربية، ثم ترجمة بعض النظريات النقدية الغربية بعد ظهورها بزمنٍ طويل.

وعلى الرغم من ذلك فقد كانت معظم هذه المشاريع هي مشاريع ذاتية تعتمد على الجهد الفردي، أو التصدير الفكري الأيديولوجي من قبل مؤسسات قطرية تعني بالترويج لأيديولوجية ما أو نظام سياسي ما. وليس معنى ذلك أن هذه الترجمات لم يستفد منها المواطن العربي، ولكنها دائماً كانت متخلفة في زمن إنجازها، وبالتالي متخلفة في تأثيرها، إذا افترضنا أنها كانت ترجمات دقيقة.

وقد شهدت حركة النشر والترجمة في الستينات وأوائل السبعينات عصرها الذهبي في مصر وبغداد وبيروت. عبر العديد من السلاسل الأدبية مثل المسرح والرواية والأعلام، ولكن الشعر كان على الدوام هو الأقل حظاً، وكأنّه لم يكن ديوان العرب في يومٍ من الأيام.

 

دور نشر عربية وأعمال مترجمة:

وفي الواقع فقد قام العديد من مؤسسات النشر العربية بترجمة العديد من الأعمال العالمية، ولكن العالم العربي كان دائماً في موقع المستقبل، ولم يكن في موقع المرسل إلا في أعمال جد ضئيلة ولم تكن أهدافها في الغالب بريئة، أو إبداعية محضة.

ولكن هذا لا يعني أن نبخس جهود العديد من دور النشر العربية التي ظهرت لها شهرة واسعة في ترجمة العديد من الآثار. فمثلاً تخصصت دار عويدات بترجمة المئات من الكتب الغربية وعن أعلام الغرب، ولكنها ترجمت النذر اليسير جداً من الشعر الغربي، وخاصةً الفرنسي منه.. وبالمقابل، وعلى حد علمنا لم تقم بترجمة أي شاعر عربي في سلسلتها التي عُرفت باسم "زدني علماً". وكذلك دار الآداب التي ترجمت عديد الأعمال الأدبية الأجنبية التي نالت شهرة ما، ولكننا لم نعرف عنها إلا ترجمة القليل من الشعر، ربما فرضتها أهمية بعض الشعراء مثل "بابلو نيرودا" ومائة رسالة حب إلى ماتيلدا، وبعض مسرحيات غارسيا لوركا وغيره، وبعض شعراء أمريكا اللاتينية.

فقد عاصرنا مثلاً ترجمة العديد من أعمال الشاعر التركي ناظم حكمت إلى العربية، ولعدة مترجمين في مثل مشاهد إنسانية من جزأين ترجمة فاضل لقمان، وكانت هذه الجهود تخدم أغراضاً أيديولوجية، لما كان يسمى حينها بالأممية الرابعة، ثم رأينا الشاعر اللبناني الدكتور ميشال سليمان يترجم "سيف اللهب" لبابلو نيرودا، بسبب ما حظى تاريخ نيرودا النضالي من شهرة في الساحات العربية. وترجمات لأشعار أوكتافيو باث، وأخرى لمجموعة شعراء فرنسيين قام بها عدد من الأدباء العرب، من بينهم الشاعر بول شاوول الذي ترجم كتاباً ضخماً يحوي مجموعة من شعراء الفرنسية، وقام سعدي يوسف ومحمد علي اليوسفي وغيرهما من الشعراء بترجمة بعض أشعار اليوناني يانيس رتسوس، كما ترجم آخرين بعض أشعار لويس بورخيس. ورأينا هناك من ترجم أشعاراً لكافافيس، لأنّه عاش في مصر وترعرع فيها، وترجمت الدار الجامعية للطباعة والنشر البيروتية كتاب للدكتورة نازك إبراهيم عبد الفتاح بعنوان "الشعر العبري الحديث، أغراضه وصوره"... الخ. ولا يُمكن أن ننسى هنا ترجمة الدكتور عبد الواحد لؤلؤة لرائعة ت. إس. إيليوت "الأرض البياب". وعلى كل حال معظم تلك الترجمات التي خرجت للنور كانت لشعراء أو كتاب عالميين هم في الأغلب من حملة جائزة نوبل، مثل ترجمة أعمال الرئيس السنغالي الأسبق ليوبولد سنغور، او الروائي الأفريقي وول سوينكا أو الروائيين اليابانيين مثل ساراماغو، أو يوكيو ميشيما أو كوبو آبي، أو أعمال غابريل غارسيا ماركيز. في الوقت الذي لم يقم أي مشروع ترجمة عربي لترجمة روائيين عرب كبار.

ومن الجدير بالذكر أنّه ربما من أهم الترجمات الشعرية التي نُقلت إلى اللغة العربية كانت ترجمة الدكتور الأديب والمؤرخ الليبي المرحوم خليفة التليسي لأعمال طاغور "هكذا غنّى طاغور"، والتي قامت على نشرها دارا نشر عربيتان هما الدار العربية للكتاب، والمؤسسة الوطنية للكتاب بالجزائر.

وربما أكبر خسارة في هذا المجال هي زوال مجلة "لوتس" "مجلة اتحاد كتاب آسيا وأفريقيا" التي كانت تقوم بالعديد من أعمال الترجمة المهمة بحكم طبيعة تكوينها كمجلة للأدب الآفرو – آسيوي، حيث كانت تصدر بعدة لغات.

وعلى الرغم من بروز مترجمين عرب كثر أسهموا مساهمة فعالة في إطلاعنا على العديد من وجوه الثقافة العالمية والعلوم الحديثة والنظريات النقدية مثل مجاهد عبد المنعم مجاهد وسامي خشبة وغيرهما، فلن ننسى بالخصوص ترجمات الروائي والشاعر والناقد جبرا إبراهيم جبرا، الذي ترجم العديد من الأعمال العالمية، وربما هو من أول من ساهموا في تعريفنا بالمسرح والشعر الإنجليزي، رغم ذلك، فإننا لم نسمع بشاعر عربي تمت ترجمته إلى لغات أخرى سوى بعض الشعراء اللبنانيين مثل أدونيس الذي ساهمت علاقاته المتعددة والمتشعبة، وزوجته الناقدة خالدة سعيد بفرنسا في إنجاز هذه الترجمات التي اشتغل عليها الكثير من الشعراء العرب واللبنانيين المقيمين في باريس، وكانت من قبيل المؤازرة لأدونيس، نظراً لما كان يشن عليه من حملات تشكك فيه، وفي نهجه وفي ولائه، وفي مدرسته الشعرية ومجلة شعر. وكذلك كان الحال إلى حدٍ ما مع البياتي الذي ترجمت معظم أشعاره إلى الأسبانية بحكم عمله وتواجده في أسبانيا لسنواتٍ طوال. ثم صلاح ستيتية المقيم في باريس والذي يكتب بالفرنسية أصلاً والشاعر اللبناني جورج شحادة المقيم في باريس أيضاً. ثم شاهدنا ترجمات عديدة وإلى لغات عدة أيضاً لشعر محمود درويش نظراً لما كانت تُثيره قصائده من قضايا ساخنة، حين كان النبض العربي ما زال قوياً.. وكذلك عندما اكتشف العالم – الذي كان ما يزال أكثر براءة وأصلب عوداً حينها في مواجهة الباطل – اكتشف ما تفعله إسرائيل من قمعٍ وإرهاب بحق الشعب الفلسطيني الذي يُريد أن يستعيد أرضه، أو مع الطفل الفلسطيني الذي يُقاتل بالحجارة أمام ترسانة هائلة من الأسلحة الأمريكية الإسرائيلية. لذلك رأينا أن أشعار درويش قد تُرجمت إلى العديد من اللغات مثل الفرنسية والروسية والألمانية والإنجليزية.. والفنلندية وغيرها، واشتهرت في هذا السياق الحركة التي سببتها قصيدته "عابرون في كلامٍ عابر" حين أذاعتها القناة الفرنسية، مما استدعى ترجمتها إلى عديد اللغات.

 

مشروع بروتا لترجمة الشعر العربي:

وبالمقابل فقد كان البحث باتجاه مشروع ترجمة إبداعي عربي لمجموعة من الشعراء العرب إلى لغات أخرى هو ضرب من المستحيل، إن لم يكن من الأمور المستغربة، والتي تحمل في طياتها الكثير من المخاطرة. حتى الجامعة العربية، وعلى الرغم من كل مؤسساتها الثقافية الكثيرة، فلم تقم بمشروع ترجمة من هذا القبيل بالمطلق، في حدود ما نعلم. على الرغم من عشرات مشاريع النشر المشترك التي شهدتها بغداد والقاهرة ودمشق والرباط، فكان مشروع الألف كتاب، ومشروع المائة كتاب، ومشاريع مثل ترجمة "روايات عالمية"، والمشاريع التي عرفت بترجمة المسرع العالمي، سواء في الكويت أو في القاهرة أو بغداد ودمشق. حتى أن اتحاد الكتاب العرب لم يقم بأي مبادرة لمشروع نشر لنخبة من الشعراء العرب، إلى أي لغة. ومعظم الترجمات التي حدثت لم تكن سوى بمبادرة من الأجانب، أو من الأحزاب الشيوعية التي كان من بين أولوياتها أن تصنع الدعاية وتحظى بالدعم اللازم لها من موسكو.

ولكن، وفي نفس هذا السياق أقدمت الشاعرة والناقدة الفلسطينية سلمى الخضراء الجيوسي، الأستاذة في جامعة ميتشيغان الأمريكية، على مغامرة كبيرة، إذ قامت بالعمل على مشروع أسمته "بروتا" الذي قامت من خلاله بترجمة ببلوغرافية لسير وأعمال عدد غير قليل من الشعراء العرب، من العربية إلى الإنجليزية. والذي لم يحظ بالعديد من الشعراء بنصيبٍ فيه أيضاً، إذ اقتصر المشروع على ما يبدو على مختارات بعينها لشعراء محددين من كل قطر، ولم يكن مشروعاً شمولياً يعني بالحركة الشعرية العربية بمجملها. ثم لم نعرف ماذا حلّ ببقية مراحل هذا المشروع، لأن حصر المشروع بفئة بعينها أو بجيلٍ واحد أو جيلين من الشعراء فيه الكثير من الظلم للأجيال المقبلة من مبدعي هذه الأمة ومثقفيها على السواء، ولمستقبلها أيضاً.

عندما وددتُ التعرّض إلى هذه التجارب، لم أكن أهدف إلى زرع الإحباط لدى الأخوة المتحمسين لهذا المشروع، وأن كل ما كُنتُ أرنو إليه هو الإشارة إلى دراسة الموضوع بشكلٍ مُعمّق من كل النواحي.. لأن الاندفاع المتسرّع قد يؤدي إلى انحسار التجربة إلى الأبد.

 ................................

دعوة للسيدات والسادة لمناقشة مقترح ترجمة نصوص ادباء المثقف

مقترح لتفعيل اداء النقد الادبي في صحيفة المثقف  بقلم: رئيس التحرير

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1404 السبت 15/05/2010)

 

 

في المثقف اليوم