قضايا وآراء

من وحي النكبة: الفكر .. خندق آخر للنضال وللنبال ...

 التي تصادف تاريخ استقلال بلادي 1962، لا أدري .. أم هو فضول مني، أم هو إذكاء لنار القومية، والأممية، والعروبة، و كأس العالم على الأبواب في مجرياتها الأخيرة، أم هو الموضوع الجريء الشجاع الذي نشره الشاعر الشهم، محمد علي جنيدي (سأشجع الجزائر لأني مصري) /على أعمدة بعض الصحف منها / أصوات الشمال / باريس/القدس للدكتور الروائي الفلسطيني / أفنان القاسم، أم هو هذيان، مع التأكيد على أنني لا أتحامل على أحد

وما الذي دعاني إلى النبش في أرشيف مخيلتي لأستدعي كتاب (رموز الهزيمة في الثقافة العربية) للكاتب الليبي فوزي البشتي، وأستحضره في ذاكرتي، وأنطلق منه، وعلى وجه التحديد محوره الذي عنونه ب/ – هدف جديد للصهيونية – أدب صهيوني باقلام عربية) ابتداء من الصفحة 27 إلى استظهار غرائز الصهيونية ومحاولتها لإبراز أدبها وفنها في الأوساط العالمية والعربية بهدف ترويج الفكر الصهيوني) ، ففي هذا السياق يورد الكاتب إغراق الصهيونية لمكتبات العالم بإفرازات أدبية تبرر جريمتها .على حد تعبير الكاتب، ابتداء برواية (تيودور هرتزل) (الأرض القديمة) .. مرورا بروايات (يائيل دايان (ابنة السفاح) موشي ديان، ودفع الكاتب الصهيوني المغمور (شاموثئيل عجون) إلى الفوز بجائزة نوبل للآداب لعام 1966. . ولماذا أركز على هذا المحور بالذات، بالرغم من أن الكتاب يحتوى على محاور أخرى جديرة بالوقوف، (لعل الفرصة ستسنح في يوم للوقوف عندها) كمواقف الكاتب إزاء التدجين الامريكي وتضليله لواقع الثقافة العربية، وتجربة (بواز) على الفئران) )

هذه الحيثيات، والدهاليز، وما آلت إليه الأيام التعسة السعيدة للمفكر الفلسطيني الراحل / إدوارد السعيد ..ولماذا لم أقف عند كتابه (الاستشراق) وفكره ...

لا هذا ولا ذاك يستوقفني لأكتب في هذا الموضوع،، اقصد ما تصدّر هذه الموضوع المتواضع، من / كرة قدم / النكبة وغيرها / إن كانت تعتبر إحدى المنطلقات وإحدى روافد التضليل , الأضاليل، غير أنها تأتي وسط اهتمامي، بقدر ما يأتي تزامن الذكرى ال62 للنكبة من سنة استقلال بلادي الجزائر من نير الاستعمار بفضل السلاح والنار، ومليون ونصف المليون شهيد، قربانا للوطن وللتربة وللشهامة ..

أبنائي بالبيت، كلما أجلس إلى التلفزيون في محاولة مني لتتبع نشرة الأخبار يشوشون، لكن بمجرد أن يقف المقدم النشرة عند الأخبار الرياضية / خاصة الفريق الوطني الجزائري يتسمرون في أمكنتهم، لا حراك ولا سكون، إلا بمشيئة الاستماع إلى بوقرة / صايفي / مطمور / زياني / وغيرهم، وهؤلاء نجوم الفريق الوطني هذا رافد آخر من التضليل، فيما أتقزز من أولادي، ومن كرة القدم، لكن الوطن / الجزائر / لا أقايضه بأي ثمن ولا بقعة أخرى بالوطن العربي ..ولا ينفي هذا أنني في ضفة موازية لفريقي الوطني، أسانده، وأناصره حتى الثمالة، حتى النخاع ..مثلما أساند كل فريق عربي يصل إلى الأدوار النهائية أو يتعداها إلى تشريف عربي ..

انطلاقا من هذه القناعة، وانطلاقا من مقولة جزائرية حتى لا ننسبها لأحد (نشترك فيها جميعا) / نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة .. أنطلق على بركة الله، في الكتابة انطلاقا من كتاب فوزي البشتي، كبذرة لهذا التأجج،من هذه البذرة فلسطين، التي عانت الويلات، وها هي النبكة وقد سبقتها نكبات ..

ولست هنا / أكرر/ لإثارة النعرات، هذا نموذج لنكبة من ألف نكبة كانت سياطا فوق ظهر فلسطين .

مصر ارض الكنانة عزيزة علينا، ما في ذلك شك، نكن لها وأهلها كل التقدير والاحترام، أما أن يطأها الدنس، فهذا ما (نغير عليه) كقوميين وكعرب، يجمعنا تاريخ مشترك، لغة واحدة، .

هذا الكتاب / قيد الدراسة أو بكلمة أدق قيد الوقوف / سقط علي من رفوف مكتبتي هكذا دو استدعائه، كما تسقط الويلات والمآسي على شعبنا العزيز في غزة وغيرها، كنت (أستحضر) نومي بعد أرق / في الذكرى 62 للنكبة، الذي تزامن رقمه (62) مع فرحة أبناء بلادي في افتكاك الاستقلال) فكانت هذه المحطة من محطات الذاكرة في هذه الذكرى الأليمة، وليسمح لي القارئ، في البداية، الموضوع على صفيح ساخن من الإثارة،قبل الخوض فيه ترددت لكنني تشجعت لأن الأمر يستدعي الجرأة، أمام التحديات الصهيونية على أرض الكنانة، لأن كل رموزها رموزنا ..نعتز بهم مثلما نعتز بكل حفنة من تراب وطننا العربي الكبير .

أقول أمام هذا التحدي الصهيوني السافر،، نفتح قوسا للإشارة بأن الصهيونية ما فتئت تفتح أبوابها وأبواقها واسعة لاقتحام الساحات والمحافل الأدبية العالمية ومزاحمة النتاجات العالمية . وفي جوف أعمالها الأدبية فراغ وخواء - فهل يحق لنا كعرب عرفنا على مدار الحقب والعصور بالإبداع وتعاطي مختلف الأجناس أن نلج هذه العوالم، أو لم نتوفر على فكر أهل لآن تسند له ثاني أو ثالث جائزة نوبل بعد الروائي الكبير نجيب محفوظ،، حتى لا ينتابنا الريب في خصائص وسمات أدبنا، ولهذا قد أشاطر فوزي البشتي فيما ذهب إليه من أن الصهيونية لم تغمض لها عين في سبيل إدراج أدبها مهما كان – فهل مؤسساتنا الثقافية وهيأتنا الفكرية عاجزة عن إسناد و ترشيح اسم آخر، أو اسمين وفرضهما للحصول على جائزة نوبل، وإن كان يبدو هذا الطرح ساذجا في أن نفرض، فعل قائلا يقول قائل / هناك معايير ومقاييس، فأنا معه،لكن الذي سيأتي في هذه الوقفة يثبت ما أرمي إليه،، علما بأننا غالبا ما ينتابنا الشعور بأن هذه الجائزة كثيرا ما تحيد عن سكتها .. لا أقول هذا من باب الشوفينية، أو التكتلات العرقية والإقليمية والطائفية، لكن ليس من العيب أن نتكتل إقليما / اقصد عربيا ولو كرد فع أمام التحديات الصهيونية على صعيد الفكر ..

فكم مرة سمعنا وابتهجنا لممثل الأمة العربية يتقدم ويرشح لجائزة نوبل، لكن سرعان ما تتبخر هذه الفرحة، وكم كانت فرحتنا عارمة عندما حاز المرحوم الروائي الكبير نجيب محفوظ جائزة نوبل للآداب .

يومها كنت أشتغل بحقل الإعلام قبل أن أركن للتقاعد، كانت فرحتي عارمة، اتصلت من الجزائر بجريدة الاهرام مشكورة التي حولتني إلى بيته، لأفتك منه على الأقل تصريحا خفيفا، من حظي أن مكالمتي تزامنت مع قوت نومه (القيلولة) كان ذلك ظهرا بتوقيت الجزائر / لكنني وضيوفي الذين كانوا يناقشون معي فكر وأدب نجيب محفوظ / واصلوا نقاشاتهم وسط حماس منقطع النظير، لأن المسألة كانت قومية، وعربية، وكان لها شأن كبير في وجداننا، كأمة عربية وكجزائريين، لا أريد أن أخوض في هذا المجال، بقدر ما أريد أن أسجل مناصرتنا (ووقوفنا كمناصرين لهذا الهرم الأدبي (المثقفون وغيرهم) حتى العجائز، للتاريخ، أحدى العجائز زغردن، وهي لا تعرف من هو نجيب محفوظ، ولا كتاباته، ولا تحسن حتى الكتابة والقراءة، كان يكفيها أنه عربي مصري ويمثل الأمة العربية ..

نبش في قبور الفكر :

 يمضي الكاتب فوزي البشتي في نبشه عن الأحداث الفكرية التي مرت بها الأمة العربية في مسارها الفكري عبر رموزها الأدبية، فيبرز في فصل عنوانه ( هذه الحرب التي أنتجت ثقافة الردة) قضية بالغة التعقيد والخطورة، نحاول استثمارها نجعلها قاعدة وأرضية للحوار بالرغم من فوات أوانها، ولعل السمات التي تتوفر عليها هذه الوقفة أو هذا النبض، تكمن في كونها لا تعدو أكثر من انتفاضة فكرية يقوم بها الأديب فوزي البشتي في معرض حديثه عن رموز أدبنا النهضوي الحديث : أمثال طه حسين، محمود عباس العقاد، ونحن بدورنا - كما سبقت الإشارة- نعرض هذا الذي يذهب إليه فوزي البشتي للأمانة وربما لحوار جاد قد يفند ما يذهب إليه الكاتب، وهذا من باب تلاقح الأفكار والرؤى، لا أكثر بعيدا عن الشوفينية، أو إثارة القلاقل .

يقول فوزي البشتي في هذا الباب بعد أن تعرض بإسهاب إلى أساليب الهيمنة الاستعمارية على صعيدي الاقتصاد والحصار السياسي :

لقد تنبهت القوى المعادية للأمة العربية إلى أهمية هذا التوجه، ويعني ميدان الفكر، فمنذ عدة أعوام عقد في واشنطن اجتماع ضم عددا من المسؤولين الأمريكيين، منهم زعماء سياسيون وقادة عسكريون، وخبراء في شؤون الدعاية والإعلام واتفقوا جميعا على مخطط محدد للحرب الفكرية والنفسية التي ينبغي أن تحظى بجهد واهتمام كبير من المسؤولين الأمريكيين، وقد تحدد برنامج هذا المخطط في الاستخدام المنظم للدعاية ووسائل الإعلام، ووسائل الثقافة للتأثير على الرأي العام وعلى العواطف والاتجاهات والسلوك في البلدان الأجنبية، سواء أكانت سافرة العداء لأمريكا، أم غير سافرة العداء لها، وذلك كله بهدف تجنيد عقول الأجانب المعادين لأمريكا، أو الذين يحتمل أن يعادوها لخدمة الإستراتيجية الأمريكية، واستطاعت الحركة الصهيونية أن تستقطب الدكتور طه حسين الذي كان وما فتيي – في تصوري – يلقب بعميد الأدب العربي - والذي تتلمذ عليه كثير من الطلبة اليهود مثال ( اسرائيل ولفنون) الذي أعد رسالة دكتوراه أشرف عليها الدكتور طه حسين، وقد ركزت الرسالة على إظهار فضل اليهود على العرب، كما قام طه حسين بزيارة مدارس الطائفية الإسرائيلية في الإسكندرية عام 1944 ,كان على رأس مستقبليه الخاخام الأكبر (فنتورا) وألقى طه حسين محاضرة أبرز فيها علاقة اليهود الايجابية بالأدب العربي، وقد استثمرت الصحف الصهيونية هذه المحاضرة وأبرزتها .

وجاءت الخطوة الكبرى بإسناد رئاسة تحرير مجلة (الكاتب المصري) إلى طه حسين، هذه المجلة صدرت في أكتوبر 1945 بتمويل صهيوني من أسرة (هراري) وأخذت الطابع الثقافي، وقد لعبت هذه المجلة دورا خطيرا في الدعاية غير المباشرة للحركة الصهيونية، وكان من أبرز كتاب هذه المجلة توفيق الحكيم والدكتور حسين فوزي،

ويذهب الكاتب فوزي البشتي، في تشريح هذه المسألة الحساسة في واقعنا الفكري إلى القول بعد أن تعرض إلى الفكر الفرعوني الانعزالي كما أسماه، ومدى نشبت حسين فوزي وتوفيق الحكيم به، وأن الكاتب والنائب البرلماني عباس محمود العقاد قد نشر في يوليو عام 1939

مقالا في جريدة ( الدستور) بعنوان ( جاسوسية مكشوفة) يتهم فيها بالخيانة والجاسوسية كل المدافعين عن قضية فلسطين .

قد لا تحتاج أو هذا الاستعراض إلى تحليل أو تعليق، بقدر ما يحتاج إلى قاعدة جديدة للحوار فيما ذهب إليه فوزي البشتي من خلال طرحه الهجومي هذا .

هل من تعقيب ؟

 ويقول فوزي البشتي نقلا عن الدكتور محمد محمد حسين في كتابه (الاتجاهات الوطنية في الأدب العربي المعاصر) أن الثري الأمريكي الصهيوني (روكفيلار) أنه أعلن عام 1927

عن تبرعه بعشرة ملايين دولار أمريكي لإنشاء متحف للآثار الفرعونية في مصر، يلحق به معهد لتخريج متخصصين في هذا الفن واشترط لمنح هذه الهبة أن يوضع المتحف / المعهد تحت إشراف لجنة مكونة من ثمانية أعضاء ليس فيها إلا عضوان مصريان على أن تظل اللجنة هي المسؤولة عن إدارة المتحف والمعهد لمدة ثلاثين سنة

هل لنا أن نستشف مما ذكر آيات وعبر وحلقات وصْل لحوار ميت حتى تبقى الكلمة للقارئ وللنقاش أيضا وتبقى الكلمة أيضا لتعقيبات القراء الكرام، حين نورد ما يلي :

دون تعليق منا .

يضيف فوزي البشتي نقلا عن الدكتورة عواطف عبد الرحمن في كتابها (الصحافة الصهيونية في مصر من 1897 حتى 1954

الذي صدر عن دار الثقافة الجديدة .

تقول الدكتورة عواطف عبد الرحمن : شهد القرن التاسع عشر ازدهارا وتطورا لليهود في مصر، تمثل في قدوم أعداد كبيرة من يهود أوربا، حيث وجدوا مع سائر الأقليات والجاليات الأجنبية فرصا كثيرة للعمل في كافة الميادين، وساعدهم ذلك على التوسع في بناء مدارس ومستشفيات ومعابد ومؤسسات خيرية لهم، استمرت أسرة محمد علي في انتهاج سياسة فتح الأبواب أمام الأجانب حتى ازدادت مع قدوم الاحتلال البريطاني عام 1882.

وقد استطاعت بعض عائلات يهودية رأسمالية أن تتحكم فترة طويلة في توجيه الاقتصاد المصري، وتمويله، فساهم الرأسماليون اليهود في امتلاك وإدارة وتوجيه خمسة و تسعون بالمائة من الشركات المصرية، وشكل اليهود 98

بالمائة من العاملين في سوق الأوراق المالية واحتكروا معظم صناعة السياحة والفنادق والملاهي والذهب، ولم يتوقف نفوذ اليهود عند الاقتصاد، بل حاول لعب دور مؤثر في الحياة السياسية والثقافية، ففي العام 1896

وفد على مصر (جوزيف ماركوباروخ) حيث شرع الفور في تأسيس أول جمعية صهيونية في القاهرة أطلق عليها اسم (جمعية بركوخيا) الصهيونية وتولى رئاستها (جاك مرملين) ونشطت هذه الجمعية في الدعاية الصهيونية وسعت إلى جعل مصر مركز إشعاع لها بالنسبة لليهود الشرقيين، وكانت تقوم دعوة الزوار الصهاينة لإلقاء المحاضرات وجمع الأموال، ونجحت جمعية (بركوخيا) في إنشاء عدة فروع لها في بعض المد ن الهامة، مثل (الإسكندرية وبور سعيد وطنطا والمنصورة) وكانت هذه الفروع تعمل في استقلال على المركز الرئيسي، وفي عام 1904

وصل (هرتزل) شخصيا إلى مصر لبحث مشروع الاستيطان الصهيوني مع السلطات المصرية، وقد أعقبت هذه الزيارة تأسيس عدد من يهود الإسكندرية عام 1908

جمعية بني صهيون، ثم تأسست في العام التالي جمعية أخرى، ضمت بعض اليهود القادمين من روسيا، وعرفت باسم (زئير زيون) واندمجت الجمعيتان في جمعية واحدة بدأت تنظم المحاضرات والاحتفالات التي تدعو لتحقيق أهداف المنظمة الصهيونية العالمية، وارتفع عدد أعضاء هذه الجمعية بسبب تدفق آلاف اليهود القادمين من فلسطين نفسها، ومن سوريا بعد صدور قرار الوالي العثماني بتحريم النشاط الصهيوني في يناير (جانفي) 1915

فأحسنت الحكومة المصرية وفادتهم وساعدتهم،و كانت النتيجة أن تكونت في معسكر اليهود بالإسكندرية نواة الفرقة اليهودية،،، ركبوا البغال التي خدمت قوات الحلفاء بعد صدور وعد بلفور عام 1917.

أصبحت الجمعية الصهيونية تتلقى مباشرة التعليمات من المنطقة الصهيونية، وشاركت في تسهيل عمليات الهجرة اليهودية في فلسطين، وتكونت إلى جانب هذه الجمعية لجنة عرفت باسم لجنة مساندة إسرائيل، كان اختصاصها كل ما له علاقة بقيام الكيان الصهيوني، وقد أسهم في تشغيل هذه اللجنة كبار الرأسماليين اليهود في الإسكندرية.

واتسع النشاط الصهيوني في مصر بعد الحرب العالمية الأولى، فتشكلت منظمات الشبيبة الصهيونية ورابطة نوادي (المكابي) في عام 1918.

قام (ليون كاسترو) بتأسيس أول فرع للمنظمة الصهيونية في مصر، وأصدر في نفس العام المجلة الصهيونية بالفرنسية، وقد اعتمت عليها المنظمة الصهيونية في تحقيق أغراضها .

أما (ليون كاسترو) نفسه، وهو محام هاجر من تركيا إلى مصر بعد الحرب العالمية الأولى، ورغم هذا الوضع، ورغم مجلاته ومؤثراته ومنظماته الصهيونية استطاع أن يكون صديقا لسعد زغلول، وأصبح عضوا في حزب (الوفد) بل رافق سعد زغلول في مفاوضاته إلى لندن، ثم لم يلبث هذا الصهيوني أن أصبح متحدثا رسميا باسم حزب (الوفد) في أرويا .

وبعد عودته أصدر صحيفة وفدية بالفرنسية، وهكذا لم يتوقف هذا الصهيوني عن خدمة الهدف الذي زرع من أجله، ففي عام 1943

 قرر إعادة تشكيل فرع لمنظمة الصهيونية في مصر من جديد تحت أسم (الاتحاد الصهيوني) وظلت هذه الهيئة تمارس نشاطها حتى إعلان قيام الكيان الصهيوني عام 1948.

 وإذا كان حزب الوفد قد أتاح لمثل هذا الصهيوني فرصة التغلغل حتى أصبح ناطقا رسميا باسم الحزب، فقد أتاح لصهاينة آخرين أن يصبحوا وزراء مثل يوسف قطاوي الذي كان وزيرا للمالية في حكومة سعد زغلول عام 1924

ثم وزيرا للمواصلات في حكومة أحمد (زيور باشا) . إذا كان هذا هو موقف حزب الوفد، فإن حزب الأحرار الدستوريين، الذي كان يؤمن بالفرعونية المنعزلة عن العرب، هذا الحزب وقفت حكومته (حكومة محمد محمود باشا) ضد ثورة شعب فلسطين في عام 1929.

وكتبت صحيفة (السياسة) ، لسان حال الحزب، تهدد الفلسطينيين في مصر لاتهامهم بإثارة القلاقل .

كذلك عندما تولى إسماعيل صدقي الوزارة الأولى عام 1930، أغلق جريدة (الشورى) الفلسطينية التي كان يرأس تحريرها محمد علي الظاهر، هذا في الوقت الذي شمل برعاية صحيفة (اسرائيل) التي أنشأها (ألبرث موصيري) عام 1920

وكانت لسان حال الحركة الصهيونية في مصر .

وعندما كان إسماعيل صدقي نفسه وزيرا للداخلية عام 1925

اعتقل الوطنيين الفلسطينيين الذين هتفوا ضد وعد بلفور .المشئوم أثناء مروره من القاهرة في طريقه إلى فلسطين لافتتاح الجامعة العبرية .

وقائع أخرى تتوالى على ذكر افتتاح الجامعة العبرية، فقد أوفدت حكومة زيور باشا الكاتب أحمد لطفي السيد، مندوبا عن الجامعة المصرية لحضور احتفالات افتتاح الجامعة العبرية .

وإذا كان لنا من رأي نبديه – قبل أن نحيله للقارئ الكريم - إزاء هذا، لا يسعنا إلا أن نقول أن ما أوردناه – وأكثره تسجيلا لوقائع مضت – أعادها التاريخ - لا يعود كونه منطلقا أو نقلة لنقطة البداية لحوار يكاد يوازي الوقائع الثقافية المهيمنة في دنيا الإبداع الإنساني وعلاقته بجائزة نوبل التي سخر لها هذا الأخير كل أمواله وتركته، خدمة للسلم والبشرية في أسمى تجلياتها، مكفرا بذلك عن ذنبه – كما هو معلوم .

وقد لا يخلو هذا الحديث أيضا من تنبيه لخطورة الهيمنة الثقافية والغزو والاستلاب الحضاري الذي قد يشق أثلامه في رحم الفكر العربي وفي رحم المفكر العربي، الذي أضحى يستورد معطياته ومنطلقاته الفكرية من الخارج حتى أضحى شبيه التقارب مع الشاب الذي يميل إلى استيراد ألبسته من الغرب، ثم أن هذا الطرح لا يشتمل على نسبة كبيرة من الناتج المطلق، في ظل المعطيات الفكرية التي لا تلتزم بالحدود ا لجغرافية، إدراكا منا بتلاقح الحضارات والطروحات الفكرية الفلسفية عبر حقب الفكر وممراته اعتبارا من أزمنته العابرة والخالدة، اعتبارا أيضا من ملحمة هوميروس وما قبلها وما بعدها وبدءا أيضا بالعهد العباسي وما عرفته من ترجمات وتلاقح الرؤى إلى غاية ما أبدعه الفكر المعاصر الحالي، كما أنه لا يعدو أيضا مجرد إثارة الغبار لخلق حوار جاد وموضوعي، لعله يفيد ويغير قشرة الواقع الفكري والثقافي إذا كان ملفوفا بالغوغائية، في ظل المكتسبات والموروثات الحضارية للآمة العربية، وما تركيزنا على مصر إلا لرأب الصدع بين من كان يؤمن بسلطة (جلدة) كرة قدم نتقاذفها وسائل إعلام، كما الأطفال يتلذذون بها ولا يعرفون قواعدها التقنية، أوكلت إليهم الإناطة بجهاز حساس (الإعلام) ، ليعبثوا بقيم التاريخ، وهم في غفلة من أمرهم، وما تركيزنا على مصر لا يعدو ألا أن يكون إحدى المحطات، لمحطات أخرى، شبيهة، أو أعمق .

مصر عزيزة علينا، برموزها، بكيانها، نشترك في تاريخها مثلما ا نعتز بها كقطب أممي قومي،

أقول هذا بعيدا عن الشوفينية، والغوغائية، فلنلتف حول واقعنا العربي المزري وهذا السرطان الذي ينخر كياننا، ها هي النكبة تلو الأخرى نحيها بمرارة، ونحن منكوبون، مغفلون، وما جاءت به هذه المحطة المتواضعة من أحداث إلا دلائل أن وسائل التنويم متنوعة تتحكم فيها قوى الشر / ولوبيات الصهيونية، وحليفتها أمريكا فلا نذكي النار، فإن رماد النار هذه ستذره حتما الرياح القادمة نحو أعيينا التي يجب أن تتقد ليتقد السراح العربي، في النكبة وغير النكبة،.. لست واعظا، بقدر ما أنني أثرت هذا الموضوع في سعي مني لجدال جاد ومسئول كفيل بترميم الحتمية الأممية، المتمثلة في العولمة، فهل نتحكم في (عوربتنا) إلى جانب عروبتنا على الأقل وذلك أضعف الإيمان ..؟؟؟؟..أم أن هذا الاخطبوط يظل ينخر كياننا ونخوتنا كعرب وكأمة لها مقوماتها وجذورها الضاربة في أعماق التاريخ ...

 

بقلم / أحمد ختاوي /الجزائر

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1407 الثلاثاء 18/05/2010)

 

 

في المثقف اليوم