قضايا وآراء

السياسيون ..وسيكولوجيا الاسقاط

انما هو مفهوم نفسي نعني به نحن السيكولوجيين:" فعلا لا أراديا يقوم من خلاله الشخص بنسب أفكاره أو انفعالاته لآخر أو آخرين لاسيما السلبية منها أو غير المرغوب فيها أو التي تسبب له التوتر".

 والاسقاط بهذا المعنى يشبه قراءة الأفكار بصورة خاطئة مفترضين بأنفسنا أننا نجيد قراءة أفكار الآخرين ونعرف كيف يفكرون، أي أننا – في جانب منه – نكون على " يقين" بأن أفكارنا صحيحة، وفي جانبه الآخر نعزو لخصمنا او منافسنا، و"بيقين"، أفكارا ليست موجودة في رأسه ..مع أن كلا "اليقينين"وهما!.

 وكلا العمليتين تحدثان بآلية لا شعورية ..خارج نطاق الوعي، أي أننا لا نمارسهما عن قصد، انما لا شعورنا يقوم بالاسقاط ..لتحقيق هدف نفسي هو خفض القلق لدينا برمي عيوبنا او ذنوبنا او فشلنا في تحقيق مهمة مشتركة كبيرة .والمشكلة أن الذي يعتاد على ممارسة الاسقاط لسنة او سنتين، يتعامل مع أفكاره وكأنها حقائق مقدسة أو احكاما قطعية بالرغم من عدم وجود دليل مادي على حقيقة افتراضاته.

 ومن متابعتي للعملية السياسية بعد التغيير، وجدت قادة سياسيين اعتادوا على ممارسة الاسقاط سبع سنوات!..فتمكّن منهم وصاروا مبرمجين عقليا على هذه الآلية النفسية التي تعدّ أسوأ أساليب التعامل مع الصراعات السياسية، ولم يدركوا أنه عندما يستخدم فردان الاسقاط .. يتشوه الحوار ويختلط بالاعذار والتوضيحات والشرح، لأن كل شخص لديه خطط مختلفة في ذهنه، ولا يستمع أي منهما لما يقوله الآخر بل لما في رأسه فقط، ويتحدثان باتجاه معاكس لا الى بعضهما البعض، ويقومان بوضع افتراضات عن الأفكار والدوافع والاستجابات المحتملة والنوايا الخطيرة.وما يحدث بينهم في صراعهم على السلطة هو التركيز على أخطاء الآخر وحوارات لفظية غاضبة وعدائية، غير مدركين التحيزات التي يراها الآخرون فيهم . والأزعج من ذلك أن أنفسهم لا تطاوعهم على اعتماد مبدأ الانصاف مع أنه أفضل الحلول في انهاء الصراع!.

 والذي لا ندركه أن الاسقاط، بوصفه آلية حتمية من آليات الصراع، يفضي اذا تحكّم الى الانتقام. فعندما يجرحك أحد وتريد أن تردّ له الأذى يكون الانتقام هو جذر المشاحنات العنيفة على صعيد العلاقات الاجتماعية فكيف اذا كان على صعيد الصراع السياسي ..الذي يذهب أبعد من مبدأ العين بالعين.. الى اثارة فتنة وازهاق أرواح . والمفارقة أن كل السياسيين يدعون الى القيم والاخلاق ولا يتصرف كثيرون منهم بمبدأ أن لا مكان للانتقام في العلاقات الناضجة المحترمة ..وفي القضايا الحياتية التي تخص الناس ..ولا يمتلك كثيرون القدرة على مقاومة الأغراء ..الذي هو داينمو الانتقام عليه اللعنة!.

  لقد نبّهنا بما يبريء ذمتنا، لكن السياسيين، كعادتهم، يعتقدون أنهم يفهمون في كل شيء، وتمام التمام، مع أنهم يخسرون قضية كانوا نذروا أنفسهم من اجلها دون أن يدركوا أن أحد أهم أسباب خسارتهم هي أنهم.. جميعا وقعوا في (فخ الاسقاط!).

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1409 الخميس 20/05/2010)

 

في المثقف اليوم