قضايا وآراء

تعقيدات الحياة وسلاستها في قصيدة بابا ... بابل

ووصل الجنون بي أن تتبعت كل ما نشر على هذه المواقع صابرا متأنيا فوجدتها جميعها تأخذ الإنسان بأنساق وطرائق مختلفة إلى الموت وتقوده بتأن إلى الفناء والعدم، لكن كل الذي وجدته فيها وقرأته كان تكلفا زائدا وتعقيدا يفقد فطرية الحياة عذريتها اغتصابا ولا تجد فيه علاجا للحسرة واللوعة التي يتركها فقد الحبيب في قلب المحب ربما لأن الحياة المعاصرة أفرغت الإنسان الآخر من قيمته حتى دون أن يشعر فحولته إلى مجرد رقم في مصفوفة طويلة ليس لها نهاية.

في عقيدتي أن للموت معنى واحدا سواء كان موتا رحيما أم قاسيا، ولأن الموت مرحلة لبداية حياة جديدة أخرى لا تشبه الحياة المعاصرة بشيء فمن الضروري أن يعيش المرء خلاله نوعا من العذاب الذي يتساوق مع عذاب الأم ساعة ولدته ووضعته في هذه الحياة فهي نابت عنه في حمل وتحمل العذاب اللذيذ ساعة مقدمه إلى هذه الدنيا وعليه بالمقابل أن يتحمل ويحتمل العذاب الآخر وإن لم يكن لذيذا ساعة مغادرته لها فلا معنى للموت دون ألم تماما كما لا معنى للحياة بدون ألم.

والموت لا يحتاج إلى جبر خواطر ولا يحتاج لمن ينظر له طرائق الأداء ويضع له قوانين التنفيذ ما دامت كل الطرق تؤدي إلى الفناء ولا أقول تؤدي إلى القبر لأن القبر بات حلما ليس متاحا في الميتات كلها ولاسيما في العراق

الموت العراقي لا يحتاج إلى رسم خرائط ووضع خطط لأنه أصبح أيسر تحققا من كثير من الأمنيات حتى الصغيرة منها، إذ يكفي أن تخرج لأي شارع من الشوارع  لتجد نفسك في مواجهة الموت أو تجده في مواجهتك يقف قبالتك ساخرا، وربما لا تلتقيان أو لا تشعر بوجوده قربك، لأنه يراك ويسمعك ولكنك لا تراه ولا تسمعه فهو أحيانا يأتيك خلسة مصحوبا ببرق خاطف يعمي البصر وصوت يخطف الألباب قد لا يتهيأ لك سماعه قبل أن تستحيل حياتك ووجودك وكيانك وأمانيك وأحلامك إلى ذرات قد تكون أصغر حتى  من ذرات تكونك الأول، فلا يجد الباحثون عنك منك شيئا.

وسواء مت كاملا أو مقطعا أوصالا أو مسحوقا ذريا شفافا فإن للموت طعما واحدا  لا يشعر به من يتجرع كأسه عادة بل يشعر به من يكابد العيش بعده في متاهة الحياة ولاسيما أولئك الذين يحبونه أو يعتمدون عليه في تدبر شؤون حياتهم وعيشهم.

ولذا لم يتعب الشاعر الفنان صالح الطائي نفسه في رسم صور الموت البابلي وآليات القتل المجنون التي ينفذها الحالمون بعوانس الحوريات كما يسميهن الشاعر سلام كاظم بل ترك الكلمات تنساب بسلام مشوب برائحة البارود وهي تشخب دما قانيا لترسم مكابدة ما بعد الموت متمثلة بنداء الطفلة .. بابا ...بابل، ذلك لأن الشاعر كما هي حبيبات الندى تفتقدها في أشد الساعات حاجة إليها وتجدها في أكثر المواقع غرابة، وهي وإن لا تعمر طويلا إلا أنها توقظ فيك كوامن العشق عشق القبلة التي تتركها قطرة الماء على خد وردة أذبلها دخان المفخخات، وقد سابق الشاعر صالح الطائي الزمن لكي يستعجل تصوير فقاعة قبل أن تنفجر وتتلاشى وتصبح رقما في عالم النسيان فجاءت بابا ... بابل

 

الباحث صالح الطائي

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1413 الاثنين 24/05/2010)

 

 

في المثقف اليوم