قضايا وآراء

عزيز شريف والقضية الفلسطينية

ونبذ ثقافة  تسقيط الاخر...وكان يعمل معه مجموعة من الشباب المتحمس  أذكر منهم السياسي المعروف عامر عبد الله.. وأسس حزب الشعب.. وهو حزب تقدمي معتدل يعادي  سياسة الحكومة البريطانية المهيمنة انذاك على العالم.. وأصدر جريدة الشعب التي ترأس  هيئة تحريرها .. أضافة الى الامانة العامة للحزب..وعانى الامرين من مضايقة الحكومات الرجعية المتعاقبة على العراق.. ومن اليمين المتطرف عموما.. وعانى ايضا من إتهامات اليسار الدوغماتي (الدوغماتية .. الجمود العقائدي والفكري..).. كانت جريدة الشعب  تهتم بنشر اخر تطورات المشهد السياسي العالمي والفكري وتنحو معتدلة صوب الفكر الاشتراكي وتبشر ايضا بأمكانية تحقيق تطورات مهمة من خلال تعزيز الديمقراطية والحياة البرلمانية..ورغم نزعتها الماركسية كان شعارها اليومي الاية القرانية الكريمة (من المؤمنين رجال صدقوا ماعاهدوا الله عليه...) وكان ذلك الشعار مبعث سخرية اليسار الدوغماتي واليمين الرجعي..

 لانريد ان نخوض كثيرا في تأريخ الرجل... ولكن لابد من التعريف بأهم ميزاته وهي الاعتدال والصدق مع النفس والجمهور..والصبر.. وضرب اروع الامثلة في الاعتدال والصبر وتغليب العام على الخاص..حينما قتل البعثيون بعد انقلاب شباط 1963 أخاه عبد الرحيم شريف تحت التعذيب..وحين عاد البعث بثياب جديدة تنتقد الممارسات السابقة جرت بينهم وبين الشيوعيين مفاوضات عسيرة لطي صفحة الماضي وبدء صفحة جديدة من التعاون لبناء عراق ديمقراطي جديد قوامه التعددية والاعمار والعدالة الاجتماعية.. لم يجد الشيوعيون والبعثيون حكما عادلا وناصحا ونزيها سوى عزيز شريف..

 من اجل  قضية الشعب العراقي ووفق ميزان القوى والامكانيات المتاحة.. تناسى عزيز شريف فعلة البعثيين بأخيه عبد الرحيم.. وقبل بالمهمة العسيرة والمارثون الطويل من المفاوضات والمماحكات والمؤامرات.. انطلاقا من طبيعته المجبول عليها من الاعتدال والصبر..طرح نصائحه ورؤاه لما ينبغي ان يكون عليه البرنامج القادم.. وألاجندات الممكنة لتحقيق ما يصبو اليه الشعب العراقي  من حرية وعدالة اجتماعية واستقرار وإزدهار..هذه المقدمة سقتها لبيان طبيعة هذا الرجل.. لكنه كان للأسف في كل ذلك ينطبق عليه قول الامام علي بن ابي طالب (لا رأي لمن لايطاع...)..

نعود الى عام 1948 نشر عزيز شريف مقالات مطولة عن القضية الفلسطينية معرفا  بجذور المؤامرات التي تحاك ضد الشعوب العربية والشعب الفلسطيني على الخصوص.. ومن بين إطروحاته ان قرار التقسيم الظالم كان نتيجة موضوعية لما أفرزته نتائج الحرب العالمية الثانية.. ومن بين أفكاره ان على العرب ان ينتبهوا الى إن المؤامرة ممتدة..وعليهم ان يتحلوا بأعلى درجات اليقظة والمسؤولية.. وتوزيع المهمات.. بحيث يقبل بقرار التقسيم والحصول على الا عتراف الدولي العاجل بدولة فلسطينية.. مقابل تحشيد قوى رافضة تساعد المفاوض العربي  المعتدل للحصول على اعلى الامتيازات. أي ان المتطرف يدعم المعتدل لايسقطه..ومبينا ايضا ان الحكومات العربية المرتبطة بالانكليز ستخذل الفلسطينيين اذا لم يحسموا امرهم ويقبلوا بدولتين.. وشرح مطولا مايسمى فن المساومة.. ومبينا ان السوفيت منهكون لخروجهم توا من حرب ضروس وكل مايستطيعون تقديمه حاليا الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة استنادا الى قرار التقسيم.. كان عزيز شريف يقدم رؤيته  انسجاما مع الامكانيات المتاحة..  لا وفق الامنيات الوردية..وكان يكتب كسياسي محترف خبر الصراعات الدولية وقدرات الشعوب العربية.. وموازيين القوى انذاك..

ثارت الثائرة على عزيز شريف (ملاحظة مهمة.. هذه الافكار سجلت براءة الاكتشاف فيما بعد للحبيب بورقيبة بعد خمس سنوات من كتابات عزيز شريف وتاريخ الفكر السياسي العربي حفظها لبورقيبة ونسي شريف..  وهنا تتحقق مقولة  التأريخ يكتبه الاقوياء..)

 نقول ثارت الثائرة على عزيز شريف.. وبعدما كانت المظاهرات الشعبية يتسيدها الشيوعيون برزت قوى جديدة منافسة ورأت حكومة نوري السعيد المدعومة من الانكليز الفرصة سانحة لبث عملائها في تلك المظاهرات.. يصرخون الموت لأخوان اليهود.. الموت للشيوعيين..وكان الشيوعيون يرددون.. نعم.. نعم.. نحن أخوان اليهود.. نحن أعداء الصهيونية..

ونشبت معارك.. وسالت دماء.. وصعدت قوى جديدة  متطرفة ..وصعدت تيارات قومية شوفينية بفضل السياسة الامبريالية التي زرعت تلك الدويلة.. وذهب نوري السعيد بنفسه وهو يرتجف من الغضب الى بريطانيا.. ماذا تفعلون بنا.. نحن اصدقاءكم لم تبقوا لنا شيئا ندافع به عنكم.. سيسحلنا الشعب غدا في الشوارع.. وتحققت نبوؤة السعيد بعد تسع سنوات...وذهبت نصيحة عزيز شريف ادراج الرياح وتحذيراته ان القضم سيستمر وسيمتد اذا لم تحسموا امركم ايها العرب.. وتحققت ايضا نبوؤة عزيز شريف وما زال القضم مستمرا.......

في المثقف اليوم